في شباط/فبراير 1999، احتفت أسرة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بما أطلقت عليه الصحف حينها "خطبة الأحفاد"، بعدما خطب جمال أشرف مروان، نجل منى عبد الناصر، جيلان سهمود، حفيدة الليثي، شقيق جمال عبد الناصر.
حضور الرئيس الراحل حسني مبارك المناسبةَ ساهم في تسليط الأضواء على مَن تبقّى من عائلة عبد الناصر وإخوته، وأعاد تذكير الناس بأسمائهم وأسماء أولادهم وأحفادهم بعد سنواتٍ أصبحوا فيها طيَّ النسيان عقب رحيل شقيقهم، وبعدما عاشوا في عهده أياماً مجيدةً لعب بعضهم فيها أدواراً سياسيةً كبيرةً ظلّت خفيةً على الأنظار حتى اليوم.
حسين عبد الناصر: بطل مجزرة كمشيش
عمل طيّاراً عسكرياً في الجيش المصري، وتزوّج من ابنة المشير عامر. يحكي قائد سلاح الطيران صدقي محمود، في حوار مع جريدة "الوادي"، أنه أشاد بكفاءة حسين للرئيس، قائلاً: "لو عندي 30% في القوات الجوية من الضباط الذين في رتبة حسين في كفاءته وأخلاقه لكنتُ سعيداً جداً"، فأجابه عبد الناصر: "حسين هو الهدية الكبيرة التي أقدّمها لعبد الحكيم عامر".
حضور الرئيس الراحل حسني مبارك، المناسبة، ساهم في تسليط الأضواء على مَن تبقّى من عائلة عبد الناصر وإخوته، وأعاد تذكير الناس بأسمائهم وأسماء أولادهم وأحفادهم بعد سنواتٍ أصبحوا فيها طيَّ النسيان عقب رحيل شقيقهم
بعدها لعب حسين دوراً غير مباشر في واحدة من أكبر الفظائع التي نفّذها النظام الناصري، والتي جرت في قرية كمشيش عام 1966، بعدما قُتل فيها أمين عام الاتحاد الاشتراكي وصديق حسين عبد الناصر، صلاح الدين حسين.
كان مقدّراً أن تأخذ تلك القضية مساراً جنائياً لولا أن حسين أبلغ شقيقه -الرئيس جمال- بأن صلاحاً قد قُتل على أيدي الإقطاعيين، كما طالب حسين، حميه المشير عامر، بالانتقام. هنا، أطلق شمس بدران رجاله من المباحث الجنائية العسكرية، الذين استباحوا القرية، واعتقلوا رجال عائلة الفقي التي اتُّهمت بتدبير الحادث، وعرّضوهم لتعذيب مذلّ، حتى أن عميد الأسرة صلاح الفقي، ضُرب بالعصي حتى فقد الوعي ثم وُضع على حمارٍ بالمقلوب، وطافوا به في القرية.
يقول مدير جهاز المباحث العامة (الأمن الوطني حالياً)، حسن طلعت، في مذكراته: "اتخذ الموضوع شكلاً خطيراً، وتحوّل من جريمة فردية إلى جريمة عامة ضد النظام وقوانين الدولة، فلقد تقدّم الضابط الطيار حسين عبد الناصر، شقيق رئيس الجمهورية، وكان صديقاً للمجني عليه، بمعلومات تفيد أن القتل حدث لأسبابٍ سياسية، وأن المجني عليه كان يتصدّى لتصرفات عائلة الفقي التي كانت تستهدف بها استعادة سيطرتهم على مواطني بلدة كمشيش".
عقب عام واحد من تلك الواقعة، كانت مصر على موعدٍ مع حدثٍ مُزلزل، هو نكسة حزيران/يونيو. بحسب شهادة اللواء طيار إسماعيل لبيب، أنه قبل وقوع النكسة بثلاثة أيام كلّفه الفريق صدقي، بأن يذهب بصحبة حسين عبد الناصر لإعداد غرفة العمليات لقائد القوات الجوية، والتي كانت تقع بجوار غرفة عمليات المشير عامر.
يحكي إسماعيل: "خلال ساعات، استطعت أنا وحسين، إعداد غرفة العمليات وأصبحت جاهزةً تماماً إلا أن الفريق محمد فوزي، رئيس أركان القوات المسلحة -ولسببٍ غير معروف- أمر بإلغاء الغرفة في صباح اليوم التالي".
بعد النكسة واحتدام الخلاف بين الرئيس والمشير، بات حسين هو صاحب الموقف الأكثر حرجاً في مصر، فإلى جانب من سيقف في هذه الأزمة؛ شقيقه أم حميه؟
في مذكراته، كشف صلاح نصر، أن حسيناً زاره في مكتبه في الأسبوع الأخير من شهر حزيران/يونيو، وحثّه على التدخل لرأب الصدع وحسم الخلاف بين الرجلين، واقترح عليه زيارة جمال عبد الناصر وإقناعه بتهدئة الموقف. اقترح حسين على أخيه أن يذهب صلاح نصر إلى أسطال، قرية عبد الحكيم، التي سافر إليها غاضباً، فوافق عبد الناصر مع التأكيد على تمسّكه بضرورة ابتعاد عامر عن قيادة الجيش.
لم تَسِر الأمور كما تمنّى حسين، وانتهى الخلاف بمقتل عامر، وهي النهاية التي حاول عبد الناصر تسويقها على أنها انتحار. خلال التحقيقات، شهد حسين أن حماه -أي المشير عامر- حاول الانتحار يوم 25 آب/أغسطس بعدما فهم أن خلافه مع عبد الناصر سينتهي بتقييد حريته.
رفضت آمال عامر، زوجة حسين وابنة المشير، هذه الفرضية جُملةً وتفصيلاً، وبحسب ما أورده عصام حسونة وزير العدل في عهد عبد الناصر، فإن آمال خلال شهادتها أمام النائب العام، أصرّت على أن والدها لم ينتحر، وقالت: "والدي لم ينتحر لأنه مسلم ومؤمن، ووالدي مكانش عاوز يهرب وقال إنه مستعد للمحاكمة".
ظلّت آمال متشبثةً بالنبش وراء حادث مقتل أبيه، حتى حصلت على تقريرٍ من أحد أساتذة السموم في كلية الطب في جامعة عين شمس، يؤكد أن المشير مات مسموماً وليس منتحراً، فتقدّمت للنائب العام -بصحبة أخيها جمال عامر- عام 2010، بشكوى تطالب بإعادة التحقيق في الحادث.
بعد هذه الأحداث الدامية، ابتعد حسين عن القوات الجوية، فعمل في مصر للطيران نائباً لمدير منطقة الشرق الأقصى، وهو المنصب الذي استمرّ فيه لسنواتٍ طويلة اعتادت خلالها الجرائد المصرية نقل تصريحاته الإدارية عن تعميق التعاون الجوّي المدني مع الدول الآسيوية، وخاصةً اليابان التي نجح في إبرام خط طيران مباشر معها لأول مرة عام 1995، بين القاهرة وأوساكا، وهي الخطوة التي استدعت إشادة ميرفت التلاوي، سفيرة مصر في اليابان حينها، بجهوده، حتى أنها نظّمت حفل تكريمٍ له.
وفي 1984، أعلن حزب العمل أنه سيرشّح حسين عبد الناصر على قوائمه خلال الانتخابات البرلمانية في أسيوط، وهي خطوة لم يُكملها حسين إلى النهاية بعدما فضّل الاكتفاء بالتركيز على عمله في مصر للطيران.
بعدها بسنوات عدة، تلقّى حسين مفاجأةً غير سارة، تحديداً عام 1987، في ظلّ عهد السادات، إذ أعيد فتح وقائع قضية كمشيش. وفي غياب سُلطة أخيه، تجرأ أحد المحامين وطالب بمحاكمة حسين كمتّهم في قضية التعذيب.
أمام المحكمة، أكّد المحامي شوكت التوني، أن حسين عبد الناصر لم يكتفِ بدوره الخلفي في إشعال غضب عبد الناصر وعامر على أهالي كمشيش، بل شارك بنفسه في عمليات التعذيب التي جرت لأفراد عائلة الفقي، بعدما حضر بنفسه إلى القرية، وأمر الضباط بالتنكيل بمن اتّهمهم بقتل صديقه.
لم يُفعَّل هذا القرار، وظلَّ حسين آمناً في منصبه وقادراً على العودة إلى مصر من وقتٍ إلى آخر لحضور المؤتمرات والأحداث الكبرى في القاهرة.
بمعجزةٍ ما، لم تتأثر علاقة حسين بزوجته آمال، برغم تورّط شقيقه في قتل والدها، وهو ما نتبيّنه من كتاب الأديب يوسف القعيد "مفاكهة الخلان في رحلة اليابان"، والذي حكى فيه عن رحلته التي قام بها إلى اليابان عام 1993، والتقى خلالها حسين وزوجته وتناول معهما العشاء. يحكي أنه التقى بآمال في حفل عشاء غاب عنه حسين، بسبب سفره إلى مصر من أجل حضور مؤتمر.
ويحكي القعيد أنه شعر بآمال تتصرّف "وكأن نصفها أو أكثر لم يكن موجوداً معها"، قبل أن يضيف: "لم أجد زوجاً وزوجةً بينهما هذا الارتباط الروحي الذي يصل إلى حدِّ الذوبان والتلاشي في الآخر".
شوقي عبد الناصر: نجله لُوحق بتهمة قتل الإسرائيليين
في 1984، أجرت صحيفة "أخبار الأسبوع" الأردنية حواراً مع أحد شيوخ عائلة عبد الناصر، أكّد فيه وفاة جميع أشقاء الرئيس الراحل (يقصد الليثي وعز العرب)، وأنه لم يتبقَّ منهم إلا شوقي عبد الناصر الذي اعتاد إقامة احتفالٍ بالذكرى السنوية لعبد الناصر داخل منزله في القاهرة.
عقب توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل، نظّمت مجموعة من الرافضين لها جماعةً استهدفت قتل الدبلوماسيين الإسرائيليين عُرفت بـ"تنظيم ثورة مصر". كان أبرز أعضاء هذا التنظيم خالد، ابن الرئيس جمال عبد الناصر، وابن عمّه جمال نجل شوقي عبد الناصر، وهو ما أدّى إلى القبض عليهما ومحاكمتهما قبل الإفراج عنهما لاحقاً.
الليثي عبد الناصر في الإسكندرية
يقول محمد ناصر، في كتابه "الرئيس الذي لم يسرق" أن جمال عبد الناصر قبل قيامه بالثورة كان يعيش -هو وأسرته- حالةً من الفقر الشديد دفعته إلى البحث عن واسطة لإعانة الليثي على استكمال تعليمه مجاناً.
تغيّر هذا الوضع تماماً فور وقوع ثورة تموز/يوليو، بعدما تعددت الإشارات إلى النفوذ المتنامي لـ"الليثي" في محافظة الإسكندرية، خاصةً بعد تعيينه أميناً للاتحاد الاشتراكي العربي فيها، فكثرت الأخبار التي نشرتها الصحف والتي تحمل أنباءً بقرارات يتّخذها -بصفته الحزبية- باختيار الكوادر الرئيسية للاتحاد الاشتراكي في الإسكندرية.
ووفقاً لشهادة مدير المخابرات في عهد عبد الناصر، صلاح نصر، فإن خلافاً وقع بين الأخير وبين زميله عبد اللطيف بغدادي، عضو تنظيم الضباط الأحرار، بعدما علم عبد الناصر بأن البغدادي يهاجم جمالاً في مجالسه الخاصة، وينتقد استغلال الليثي لنفوذ شقيقه في فرض سيطرته على الإسكندرية، وتحقيق ثراء سريع. قال عبد اللطيف نصّاً: "أحسن لعبد الناصر يشوف الليثي اللي واكلها من كل ناحية".
عندما علم عبد الناصر بهذه الانتقادات، أمر بوضع ممتلكات سعد بغدادي (شقيق عبد اللطيف)، تحت الحراسة.
كما حكى عاطف نصار، الذي شغل منصب الملحق العسكري المصري في الهند، ثم جرى تعيينه مساعداً لرئيس الاتحاد الاشتراكي، أن عبد الناصر كلّفه بتكوين جيش شعبي في الإسكندرية، عقب إصداره قرار تأميم قناة السويس.
في 1984، أجرت صحيفة "أخبار الأسبوع" الأردنية، حواراً مع أحد شيوخ عائلة عبد الناصر، أكّد فيه وفاة جميع أشقاء الرئيس الراحل (يقصد الليثي وعز العرب)، وأنه لم يتبقَّ منهم إلا شوقي عبد الناصر الذي اعتاد إقامة احتفالٍ بالذكرى السنوية لعبد الناصر داخل منزله في القاهرة
يقول: "فوجئتُ بعراقيل يفتعلها الليثي عبد الناصر، المسؤول عن هيئة التحرير، حتى لو لم يكن ذلك بغير صفة رسمية، وهو ما أفشل التجربة وانتهت بإبعاد نصار عن الإسكندرية".
في مذكراته، كشف الصحافي جلال الدين الحمامصي، أن الليثي، شقيق عبد الناصر، رشّح نفسه لعضوية مجلس الأمة في إحدى دوائر الإسكندرية عام 1957. وبحسب رواية الحمامصي، فإن عبد الناصر سحب 30 ألف جنيه من بعض مخصصاته السرّية وسلّمها إلى شقيقه للإنفاق على المعركة الانتخابية.
وفي 1985، تجدّد الحديث عن أنشطة الليثي التجارية بعدما أمرت محكمة مصرية بالحجز على أموال شركته، المرة الثانية بعد هذه الواقعة بـ3 سنوات،(أقترح حذف الملون بالاصفر) بعدما اتهمته الصحف ببناء مدرسة خاصة على أرض حكومية.
عز العرب: دور محدود في الثورة
يحكي الضابط أحمد حمروش، في كتابه "نسيج العمر" أنه تلقّى زيارةً مفاجئةً في 20 تموز/يوليو 1952، من عز العرب عبد الناصر، أبلغه فيها أن شقيقه جمال ينتظره من دون أن يحدّد له سبباً.
لاحقاً، تبيّن أن أخاه شوقي صحبه في هذه المهمة، وحينما حاول حمروش الاستزادة من عز العرب، اكتفى بتأكيده أنه لا يعرف شيئاً، وذكر له أن عدداً كبيراً من الضباط يترددون على شقة أخيه.
عندما وصل حمروش إلى منزل عبد الناصر، أخبره بأنه قرّر التحرّك والقيام بثورته العسكرية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 4 أيامtester.whitebeard@gmail.com