وسط قرية بعيدة من صخب مدينة مشهد الواقعة شمال شرق إيران، يقع نادي "سوران" للفروسية. هناك بإمكانكم أن تلتقوا بالكثير من الرياضيات البارعات في ركوب الخيل، والمشاركات في سباقات الأحصنة المحلية.
قابلنا في البداية الرياضية مُنا آريان زاده، المحترفة في رياضة التايكواندو وتنس الريشة، والتي انضمت إلى نادي الفروسية منذ سنة، وتتدرب على ركوب الخيل برفقة زوجها وابنهما الذي هو في العاشرة من عمره. وهي تتابع عن كثب امتطاء ابنها الخيل بمهارة، وقد بان واضحاً على ملامحها الشغف والغرور، قالت لنا: "قررنا أن نمارس هذه الرياضة بشكل عائلي، وإننا نخطط للمشاركة في السباقات المحلية، وقد نمتلك جواداً. أما بالنسبة للفتيات فأنصحهن بممارسة الفروسية؛ إنها رياضة فاخرة مليئة بالحماس والنشاط والقدرة، وهذا ما جذبني صوبها. أقول ذلك لأنني قضيت معظم وقتي في فروع رياضية أخرى، وأدرك ما أقول".
تضم مدارس الفروسية في إيران، مضامير مجهزةً بمسارات خاصة بالتعليم ومحاطة بما يمنع تعرض المتدربين/ات لأي خطر أثناء النشاط، إلى جانب مرافقة المدربين/ات لهم/ن في جميع خطوات التعليم ومتابعتهم/ن بدقة
بعد ذلك دعتني سيدة جالسة على مدارج النادي إلى أن أصوّر ابنتها وأجري معها حواراً. ملامح وجهها كانت تدل على أنها فخورة بابنتها المراهقة. بعد أن أكملت تمارينها، ذهبنا نحو سوكَند إسماعيلي، لتحدثنا عن شغفها بركوب الخيل، إذ تأتي يومياً برفقة شقيقتها ووالدتها إلى النادي حتى إن لم تكن الصفوف منعقدةً: "أمارس ذلك منذ سنة ونصف مع أختي، وآمل أن أصبح محترفةً ومدربةً كذلك".
تضم مدارس الفروسية في إيران، مضامير مجهزةً بمسارات خاصة بالتعليم ومحاطة بما يمنع تعرض المتدربين لأي خطر في الأثناء، إلى جانب مرافقة المدربين لهن في جميع خطوات التعليم ومتابعتهن بدقة.
بدأت الطفلة آذين، بممارسة الفروسية مع بلوغها سن السادسة، وهي اليوم في العاشرة من عمرها، تواظب على المشاركة في التدريبات كلها، واضعةً نصب عينيها هدف الوصول إلى العالمية بدعم والدها الذي يصطحبها يومياً إلى نادي الفروسية، فساحة تعلّم ركوب الخيل بالنسبة لها بيت آخر بعد المدرسة، تقضي يومياً 3 ساعات وأكثر فيها، تمارس الفروسية وكرة القدم والتنس مع قريناتها.
أما مدربتها التي تمارس أسلوباً خاصاً بها في تدريب الصبايا، فهي مدربة منذ 4 سنوات ورياضية محترفة منذ 14 سنةً. بعد انتهاء الصف تجولت معي مُنا طهراني في الإصطبل، وحين كانت تضع جواد التدريب في موقعه أخبرتني عن خبرتها وبطولاتها وحبها في تحبيب ركوب الخيل للأطفال.
مستثمرات لا محترفات
داخل الإصطبلات السبعة، ثمة نساء أخريات يقفن إلى جانب الخيول؛ لسن محترفات، بل مالكات جياد أو مستثمرات ينفقن أموالهن في شراء الخيول فحسب، وهي هواية تمارسها بعض الأسر الميسورة.
وهناك متجر لمستلزمات الفروسية، صاحبته هي الشابة ثَنا صفّار، التي شرحت لنا عن حبها للجياد وهي تملك جواداً باسم "sky"، وكيف أحدث تغييراً كبيراً في مسار حياتها: "هذه الرياضة تجلب الإدمان لمن يمارسها؛ أنا تعرفت عن طريق صديق والدي على الفروسية حتى أصبحت الآن هوايتي وهويتي ومهنتي، أما علاقتي بجوادي فبمثابة علاقة الأم بابنها".
في زاوية أخرى من النادي، وعلى عكس أسلوب المدرّبات، كان المدرب كاظم مقيمي، يعتمد أسلوباً أكثر صرامةً في تعامله مع المتدربات، وهو رجل جاد يريد تطبيق القواعد بحذافيرها كلها، فهو أول إيراني نال ميداليةً دوليةً في الفروسية قبل عقود، واليوم هو مدرب وحكم يمارس هوايته بمهارة، وقد أجاب عن أسئلتنا المتعلقة بحب الإيرانيات للفروسية قائلاً: "الشعور العاطفي والرقيق لدى الفتيات، هو ما يجعلهن أكثر تواصلاً مع الجياد، وهنّ سباقات في هذا التواصل، وقد تفوقن فيه على الرجال. اليوم وصلت المرأة الإيرانية إلى مكانة جيدة في السباقات الوطنية والدولية، ومستقبلها واعد في هذا المجال".
تعامُل الرياضية ستاره طهراني مع الجياد، يوحي بأنها متمرسة ومتعمقة في علاقتها بها، وقد وصفت لنا الفروسية بأنها "الرياضة الوحيدة التي يمارسها الإنسان والحيوان معاً، حيث تتطلب الجرأة والطمأنينة في آن واحد، وهذا ما تمتلكه الفتيات، فأسهم ذلك في نجاحهن حتى أصبحن منافسات شرسات للرجال".
ليست رياضةً فخمةً
تسود المجتمع الإيراني فكرة أن الفروسية رياضة فخمة وخاصة بالأثرياء، ولكن رئيسة لجنة التحكيم في اتحاد الفروسية الإيراني مونا هُداوَند خاني، ترفض ذلك وتقول: "البعض يستثمر أمواله في اقتناء الخيول، والبعض الآخر يمارس رياضتها فحسب، وهذا لا يعني أن الرياضيات المحترفات هنّ مستثمرات أيضاً، بل إن بعضهن يشتغلن في مجالات أخرى، كالتدريب، ليحصلن على أموال".
تحاول مونا أن تفصل بين شراء الخيول وبين الفروسية، وتؤكد على ضرورة إزالة فكرة رياضة الأثرياء من المجتمع لتشهد إقبالاً عاماً، وتخاطب الفتيات بقولها: "من تهوى الفروسية بإمكانها أن تمارسها، وتصبح سبّاقةً محترفةً دون أن تكون لها أموال طائلة تنفقها في هذا المجال".
وقد وقّع الاتحاد الإيراني للفروسية اتفاقيةً مع اتحاد رياضات الطلاب، كي يتم كشف مواهب الطالبات في الفروسية، وتدريبهن منذ الصغر، وهو تخطيط يهدف إلى تربية رياضيات محترفات على الصعيد الوطني والدولي، كما هو الحال في رياضة كرة القدم وغيرها.
ثلاثة آلاف رياضية
تضم إيران نحو 480 نادياً للفروسية، معظمها ملكية خاصة، وهناك 17 ألف رياضي مؤمّن عليه، بينهم نحو 3 آلاف رياضية، وتعود هذه الإحصائيات إلى سنة 2020.
وتتجذر الفروسية في القومية التركمانية والكردية في إيران أكثر من سائر القوميات الأخرى، وتشهد المدارس والنوادي في محافظة كُلستان، شمال البلاد وهي موطن التركمان، والمحافظات الكردية في غرب البلاد، إقبالاً نسائياً ملحوظاً.
وسُمِح للسيدات بالمشاركة في السباقات الرسمية الوطنية منذ سنة 1993، وذلك برعاية رئيسة هيئة رياضة النساء وقتذاك فائزة هاشمي، ابنة رئيس الجمهورية آنذاك علي أكبر هاشمي رفسنجاني، التي تُلقَّب بعرابة رياضة المرأة في مرحلة نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية المستقر بعد ثورة عام 1979.
ما هو ملحوظ خلال زيارة نوادي الفروسية ومدارس تعليم ركوب الخيل المنتشرة في عموم البلاد، هو الإقبال المتزايد للفتيات على هذه الرياضة، وهي تراثية وممتعة ومثيرة بالنسبة لهن، لذا يطالبن بالدعم الحكومي لهذه الرياضة التراثية
وشهدت النساء في هذه الفترة، تطوراً ملحوظاً، فإلى جانب مشاركتهن في السباقات الوطنية مع الرجال، هناك سباقات محلية ووطنية خاصة بهن في فئات عمرية مختلفة، سواءً في الترويض وقفز الحواجز والسرعة وسباق الضاحية أو غيرها.
وفي كأس عيد نوروز الدولي الخاص بالنساء، نالت الإيرانيات كل مراتب سباق الخيول، مما يدل على جهوزيتهن التامة لدخول عالم السباقات الدولية.
كما تُبرز الأفلام التاريخية الإيرانية، مهنة الفروسية لدى النساء، وتسلّط المسلسلات الحديثة أيضاً الضوء على ترويج فكرة ركوب الخيل وتحبيبها بين أوساط الجيل الجديد، خاصةً الفتيات منه.
ما هو ملحوظ خلال زيارة نوادي الفروسية ومدارس تعليم ركوب الخيل المنتشرة في عموم البلاد، هو الإقبال المتزايد للفتيات على هذه الرياضة، وهي تراثية وممتعة ومثيرة بالنسبة لهن، لذلك يطالبن بالدعم الحكومي لهذه الرياضة التراثية، من توفير إمكانات التعليم لجميع الفتيات، ومنشآت مميزة للتدريب والسباق، ودعم للمشاركة في الاستحقاقات الدولية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...