انشغل عدد من كتّاب اليوميات من الأجانب، بهاجس أنثروبولوجي وهم يقيمون في البلدان التي أقاموا فيها، أو رحلوا إليها، ونقلوا عادات شعوبها، جيّدها وسيّئها، وقارنوا بينها وبين عادات غيرها. ويمثّل شهر رمضان واحداً من العناصر المشتركة عند كتّاب الرحلات واليوميات في العالم الذي تتماس جزء من سيرهم الذاتية فيه مع العالم الإسلامي. وعادةً ما تعكس تلك الأعمال نظرتهم إلى تلك الشعوب عبر تلك التعليقات واللقطات المختارة في نصوصهم الحميمة. وأشهر تلك الأعمال التي تناولت شهر رمضان، يوميات أندريه جيد "أمينتاس يوميات شمال إفريقيا"، و"يوميات طنجة" للكاتب الأمريكي بول بولز.
"يوميات شمال إفريقيا" لأندريه جيد والاستشراق
قضى أندريه جيد، حياته وهو يكتب في فن اليوميات، فوضع فيه عدداً كبيراً من المصنّفات، وداخل هذا الاختصاص كان ينوّع، فظهرت له يوميات خصّصها لتقصّي تطور كتابته لروايته "مزيّفو النقود"، كما أطلق عدداً من اليوميات هي دفاتر رحلاته إلى الشرق وإفريقيا، كرحلته إلى مصر، ورحلته إلى الكونغو، وخصّ شمال إفريقيا بكتاب هو "أمينتاس يوميات شمال إفريقيا"، وقد بدأ بتسجيل اليوميات تلك في نيسان/أبريل 1899، وكتبها على امتداد سبع سنوات في رحلات مختلفة، ووضعها في أربعة أجزاء نُشرت لأول مرة في فرنسا، سنة 1906، ونقلها إلى الإنكليزية ريشار هاوار، ونُشرت في دار "ذو إيكو براس" في نيويورك، سنة 1988.
خصص أندريه جيد في بداية رحلته عدداً من اليوميات لنقل أجواء رمضان في تونس، فقد تزامنت رحلته مع حلول شهر رمضان، وانشغل بشكل خاص بالمقاهي والعروض المسرحية والموسيقي، وأبهره عرض الكراكوز
خصص أندريه جيد في بداية رحلته عدداً من اليوميات لنقل أجواء رمضان في تونس، فقد تزامنت رحلته مع حلول شهر رمضان، وانشغل بشكل خاص بالمقاهي والعروض المسرحية والموسيقي، وأبهره عرض الكراكوز.
ولأن زياراته لتونس كانت في غالبيتها سياحيةً، مثل زيارات الرسام بول كلي، الذي كتب بدوره يوميات رحلاته، فإن تناوله لرمضان ظل قريباً من الرؤية الاستشراقية المنبهرة، ولم يتعداها إلى تحليل الشخصية التونسية وسلوكياتها. فرؤية أندريه جيد، إلى الشعوب الأخرى التي يزورها، وخاصةً التونسيين، كانت رؤيةً لا تتجاوز رصد العادات، والتي لم يتعمق فيها جيداً، حتى أنه كان ينسى بعض الأماكن والأسماء وأخطأ عندما تحدّث عن أيام الصيام في رمضان، وسجّل في يومياته أن التونسيين يصومون أربعين يوماً، ومع ذلك فقد رصد أشكالاً من العنف، كعنف ممثلي وراقصي الكاركوز من السود، وابتزازهم.
يقول: "كاراكوز، دكان آخر. سوداني. أين هم السودانيون. العرب لا يذهبون طوعاً. لذلك نرى هنا الزنوج فقط. ولكني وجدت هذا المساء أيضاً صديقي ر." (فيدرو رزونبارغ مستشـرق روسي).
لم يبدأ العرض بعد (دائماً ما تكون فترات الاستراحة أطول بكثير من العرض؛ فالأخير لا يستمر ربع ساعة)، يتلوى زنجي أمام ر.؛ يكاد يجلس عند أقدامنا، يغنّي، مرتجلاً أغنيةً مأساويةً رتيبةً، يقول فيها، بقدر ما أستطيع أن أفهم، أنه فقير جداً، وأن ر. غني جداً، وأن الزنوج يحتاجون دائماً إلى المال. ولأنه بدا عنيفاً قليلاً، ولأن العرب يزعمون أنه لا يمكن الثقة طويلاً لا بالجمل ولا بالزنجي ولا بالصحراء فلم ننتظر طويلاً".
ويقول في موقع آخر متحدثاً عن أجواء رمضان: "يستمر الصيام طوال أربعين يوماً، من الشروق حتى المساء. صيام كامل، لا طعام، ولا شراب ولا تبغ ولا عطور ولا نساء. كل الحواس، حرمان في النهار والليل انتقام، ونحن نستمتع بقدر ما نستطيع. هناك أيضاً عرب متديّنون جداً يقضون ليلة رمضان، بعد وجبة متقشفة جداً، في التأمل والصلاة. كما أن هناك آخرين يواصلون تسلية أنفسهم حتى في النهار؛ لكن هذا لا يحدث إلا في المدن الكبرى التي أفسدها الروم؛ غالبية العرب، تقريباً، يمارسون شعائرهم الدينية".
غير أن ما يلاحَظ في يوميات أندريه جيد، في رمضان تونس، هي رغبته الملحة في مشاركة الناس عيشهم وسمرهم ومتعهم وهو ما يتماشى مع طبيعة يومياتها التي تندرج ضمن دفاتر السفر والتي سبق أن خصّصنا لها مقالاً في رصيف22.
العنف في "يوميات طنجة" لبول بولز في رمضان
في "يوميات طنجة" التي سجلها بول بولز، بين 1987 و1989، وهو المقيم في طنجة منذ أربعينيات القرن الماضي، والتي نقلها إلى العربية إبراهيم الخطيب، يتوقف مطولاً عند ظاهرة العنف، ويروي حوله العديد من القصص.
يبدأ بول بولز الحديث عن رمضان قبل يوم من انطلاقه، فيسجل يوم 19 نيسان/أبريل: "لا أحد يدري، بالضبط، ما إذا كان شهر رمضان سيبدأ اليوم أم غداً... لقد علمنا، أمس مساءً، فقط، عندما دوّت صفارات، أن الصيام سيبدأ اليوم: هذا هو رمضان الثاني الذي استُعملت فيه صفارات الإنذار، عوض المدفع" .
هكذا يشرع الكاتب الأمريكي في رصد أحد أشكال العنف التي يتسبب فيها تعاطي الناس والسلطة مع شهر رمضان، وهي إعلان مواعيد الإفطار والسحور، فقد غيّرت السلطة صوت المدفع بصفارات الإنذار، وينتقد الكاتب هذا القرار الذي يحوّل الإشارات الروحية والطقوس الدينية إلى عنف تسلّطه السلطة على المواطنين، ورعب تطلقه في النفوس مع صمت تام من تلك الحشود، وقبولها بهذا الوضع السوريالي الذي أصبحت عليه تلك المواعيد في الأيام المقدسة.
يكتب بولز بأسلوب ساخر مقدّماً العلل التي تذرّعت بها السلطة لتتخذ ذلك القرار: "هيّا نرى لماذا ضربة مدفع تكون كافيةً لتجد نفسك في الجانب الآخر من الحدود، في بلد الممنوع. ربما كان هذا صحيحاً عند غروب الشمس، أما في الرابعة صباحاً، فالمدينة تكون صامتةً. أستغرب كيف لم يُشِر أي مسلم إلى سخافة استعمال صفّارة إنذار تُستعمل، عادةً، تحسّباً لهجوم جوي، للإعلان عن يوم الصيام المقدّس" .
يمثّل شهر رمضان حسب يوميات بول بولز، الشهر النموذجي لارتكاب أشنع الجرائم حيث تنفلت فيه الأعصاب وتتعطل فيه لغة الحوار وتسبق اليد اللسان.
في اليومية نفسها، يشير الكاتب إلى فوبيا الأجانب من رمضان بسبب كثرة المحظورات، مما يؤثر على حركة التجوال نفسها التي تصبح مقننةً ضمن نواميس معيّنة تُسقط من يتحداها أو يجهلها، في أخطار قد تهدد حياته.
يكتب بول بولز: "في كل سنة، يكون عليّ أن أتذكّر تنبيه الذين يأتون لشرب الشاي هنا، أن عليهم الانصراف قبل مدة طويلة من غروب الشمس؛ ذلك أن الساعة التي تتلو حلول الليل يجب قضاؤها في البيوت، وليس في الشارع، قطعاً، لأنها الوقت الذي تتم فيه مهاجمة الأجانب. الشوارع تكون خاليةً تماماً، فلا سيارة، ولا مارّ، ولا شرطي يوجدون، حينئذ، في أي مكان من المدينة" .
ويؤكد الكاتب هذه الملاحظات بالقرائن والأحداث التي عاشها هو، أو عاشها رفاقه، ويعطي مثالاً على ذلك ما تعرضت له صديقته الأمريكية التي زارته يوماً في رمضان: "إحدى زائراتي، وهي أمريكية مسنّة، تمّ ضربها وركلها بالأقدام، وسرقة متاعها في الشارع، أمام العمارة. لقد شعرت بالذنب، لكوني أعيش في مكان، لم تعُد فيه اعتداءات من ذلك القبيل تثير دهشة أحد" .
ويستدرك أيضاً ليقول إن إحساسه بالذنب هو أنه أيضاً مضطر إلى أن يأكل، أما بعض المسلمين الذين يزورونه برغم أنهم يلحّون عليه أن يأكل إذا ما جاع. كما يتوقف الكاتب عند العنف الذي يسلّطه المجتمع والسلطة معاً على من يفطر في رمضان: "الضغط الاجتماعي حاد، إلى درجة أنه لو فوجئ أحدهم، يأكل في مكان عام، لتمّ القبض عليه، وزجّ في السجن" .
يشير بول بولز، إلى ما يُسمّى في بعض دول شمال إفريقيا بـ"حشيشة رمضان"، وهي حالة من الغضب الكبير الذي لا مبرر له، والذي يتسبب في الكثير من المشكلات بين الناس، وقد ترجع التسمية إلى الحشيش أو الحشيشة، أي التوقف عن شرب الحشيش أو الشاي بسبب الصوم، فينجرّ عنه انفعال وتوتر واضطراب، وهي حالة عامة يصبح عليها الشعب مشدودةً أعصابه في شهر من المفروض أنه شهر التراحم والتلاحم والحلم والتعبّد والتقرّب إلى الله.
يقول بول بولز: "هم يقولون إن العطش أشد إيلاماً من الجوع، والمدخّنون يغدون حانقين في الأيام الأولى للصيام. وطوال الشهر تزداد المشادّات بين الناس، لكن الناس لا أحد يعترف بأن سوء مزاجه ناتج عن رمضان، يقول عبد الواحد:
ـ إذا كان مزاجك سيئاً بسبب رمضان، فإن صيامك يغدو من دون قيمة، والأفضل ألا تصوم.
ومع ذلك، فالناس يهتاجون عند أول فرصة، وأنا أحتاط ألا أعارضهم، أو أوجّه النقد إليهم" .
القتل عمل سهل في رمضان
يمثّل شهر رمضان حسب يوميات بول بولز، الشهر النموذجي لارتكاب أشنع الجرائم حيث تنفلت فيه الأعصاب وتتعطل فيه لغة الحوار وتسبق اليد اللسان.
يسرد بول بولز، يوم 3 أيار/مايو، قصة جريمة سوريالية حدثت في السوق بلا أي مبرر، إلا لأن طرفيها في شهر رمضان: موسم العنف. حيث تصل درجة التوتر إلى أقصاها حتى يصبح القتل قراراً سهلاً يقدم عليه الجناة لأتفه الأسباب ويعدّها "حكايةً تقليديةً عن العنف في شهر رمضان" .
تروي القصة أن بائع الشباكية، والزلابية، جلس إلى جواره شخص آخر يبيع الأمشاط ومعاجن الأسنان في سوق "كاسابراتا"، فطلب منه مغادرة المكان فوراً، فاستسمح الرجل أن يمكث دقيقةً ليستردّ أنفاسه من التعب، فما كان منه إلا أن "أخرج مديةً طويلةً، ضرب بها الرجل الآخر بحركة من أعلى إلى أسفل، ممزّقاً أوداجه. نهض الجريح، وخطا بضع خطوات، ثم سقط. ولده، ذو الأربع سنوات، ظل ينظر إليه، وهو ينزف دماً، إلى أن مات".
وإذا استحضرنا أن رمضان بدأ يوم 20 نيسان/أبريل، والحادثة وقعت يوم 3 أيار/مايو، وأن الكاتب ختم يوميته بالقول إن هذه ثاني جريمة تقع في "كاسا براتا"، منذ بداية رمضان، أي في المكان نفسه، وقد "وقعت جرائم أخرى في أماكن أخرى مختلفة من المدينة"، تعفف الكاتب عن ذكرها لأنه لم يتوصل بتفاصيلها من شهود عيان، عرفنا حجم العنف الذي يحدث في شهر رمضان.
إن هذا الوصف الدقيق لوقائع العنف، ينزلها بول بولز، ضمن ثقافة العنف المستشرية في المجتمعات الشرقية التي تعيش ضمن مفارقة سلوكية عجيبة مع ما تعيشه من موعد سنوي مع الروحانيات والطقوس الدينية. وهو بذلك ينقد المؤسسة الدينية التي لم تنجح في إصلاح هذه المجتمعات، واكتفت بالمحافظة على طقوس خاوية وكرنفالية تخفي وراءها واقعاً مأزوماً من العنف والجريمة والتباغض الإنساني بين الناس.
محمد المرابط يتحيّل على أمريكية ويهددها بالقتل
في يومية بتاريخ 19 نيسان/أبريل، يروي لنا بول بولز قصةً أخرى عن العنف بطلها الكاتب محمد المرابط. بدأت القصة بوصول صديقة أمريكية لبول بولز، تحمل باقة ورود جميلة، فوجدت باقةً أخرى وضعها محمد المرابط، فحولت باقته إلى مزهرية أخرى متواضعة ووضعت ورودها الجديدة في المزهرية الجميلة. يقول بولز: "فكّرت، للتوّ، في أن المرابط سوف يكون سعيداً جداً بهذا الوضع، لكني لم أكن أتوقع عنف رد فعله. تقاطرت من فمه أقذع ألفاظ السباب والشتم، وكلما حاولت 'خيريس' الشروع في الكلام، كان صراخه يعلو فوق صوتها".
لم ينتهِ الأمر هنا، فقد تطور إلى عنف وتهديد بالقتل، إذ "نطّ المرابط بخفة، والتقط عوداً من أخشاب المدفأة، وتوجّه صوب المرأة البائسة لضربها على الجمجمة"، ولولا تدخّل شخص آخر اعترضه ومنعه لحدثت كارثة.
وقد شرع المرابط لكل ذلك العنف بالدفاع عن المسلم والإسلام، ويضيف الكاتب الأمريكي: "واصل الصراخ مجدداً قائلاً بأنه يوجد في غرفة مليئة بالذين يجب، في نظره، قتلهم لمنعهم من تلويث الجو الذي يتنفسه المسلم".
ويواصل بول بولز، نقل تلك المعركة غير المتكافئة بين امرأة أمريكية تنتحب خوفاً، ورجل مغربي بجسد قوي يهددها كل مرة حتى يصل إلى القول: "لو عدت من نيويورك، فسوف أقتلك"، فتلوذ بالصمت خمس دقائق قبل أن تهمس لمواطنها الكاتب: "هل تعتقد أنه سيقتلني؟"، فيجيبها مبتسماً في محاولة لتهدئتها: "طبعاً لا". لكنه يضيف معلّقاً: "لكن وعيد المرابط لم يكن ليطمئنها، وكنت أمنّي نفسي أنها حين تعود من السفر، فإن شهر رمضان سيكون قد انتهى".
ولكن ما الذي يختفي وراء هذه القصة وهذا العنف؟
يكشف بول بولز، أنها اتهمته بالسرقة، ومحمد المرابط يجيب: "هل باستطاعتها البرهنة على ذلك. وهل لديها شهود؟"، فيعلّق بول بولز على سلوك المرابط: "عندما يشعر المغربي بأنه مذنب، فإنه يعمد إلى نهج سبيل الهجوم".
لن نفهم اتهام المرأة لمحمد المرابط، ولا تعليق بول بولز، إلا في يومية 5 آب/أغسطس، عندما عادت خيريس دي لا فرونتيرا، من أمريكا بصحبة أمها، حيث ستكشف لأمها أنها كانت ترسل للمرابط أموالاً لتشييد بيت لها في مغايغ، لكنه سرقها ولم ينتهِ من تشييده، ورفض تسليمها إياه. ويعود بول بولز، كل مرة، ليكشف شيئاً من قصة ذلك البيت الذي استولى عليه محمد المرابط، فيكشف في يومية 5 حزيران/ يونيو من سنة 1989، أن محمد المرابط كتب البيت باسم زوجته الزهرة.
الصورة البشعة التي ينقلها بول بولز، عن رمضان المغرب، ختمها بخبر سحب أروع ما يشدّه إلى طنجة ورمضانها، وهي موسيقى الغيطة، وهو بذلك يكتب نهاية طنجة الدولية وطنجة التي ترك وراءه كل العالم ليستقر فيها إلى الأبد
يكتب بول بولز: "خيريس والبشير موجودان، حالياً، في طنجة، وهما مهتاجان ومنفعلان... كانا يحتاطان بالغ الحيطة حتى لا يقوما بزيارتي إلا عندما يكونان متأكدين من أن المرابط غير موجود قي شقّتي. البشير هو الآن زوج 'خيريس'؛ لذا هو يعتبر المنزل الذي شُيّد بأموالها ملكاً له، بصفة جزئية. أعتقد أنه يعرف أن نسبة استرداده للمنزل لا تزيد على واحد في المائة، لكونه مسجّلاً باسم الزّهرة وليس باسم المرابط".
الصورة البشعة التي ينقلها بول بولز، عن رمضان المغرب، ختمها بخبر سحب أروع ما يشدّه إلى طنجة ورمضانها، وهي موسيقى الغيطة، وهو بذلك يكتب نهاية طنجة الدولية وطنجة التي ترك وراءه كل العالم ليستقر فيها إلى الأبد. يكتب يوم 16 أيار/مايو: "من ميزات شهر رمضان، ذلك العزف المنفرد على الغيطة، في صوامع المساجد، قبل الأذان. في هذه السنة، تم إلغاء ذلك. أتخيّل أن أحدهم، ربما، ارتأى أن تلك الممارسة متخلفة، أو أنها غير شرعية... في سنة 1977، قمت بتسجيل معزوفات المزامير الليلية، طوال شهر رمضان. لعلّني، دون أن أنتبه إلى ذلك، كنت أرتاب في أنهم سيقومون بإلغاء العزف، آجلاً أم عاجلاً: فالأشياء الجميلة، للأسف، لا تبقى".
لم يكن بول بولز يتجنّى على المغاربة، ولا يعمل على تشويههم، لأن الواقع نفسه نجده عند شعوب عربية أخرى تعيش هذه المفارقة؛ الشهر الروحاني والعنف الشعبي إلى اليوم، ومفارقة الأخلاق والدين، وكانت اليوميات نقلاً أميناً يوماً بيوم لهذا التحوّل الأخلاقي عند الشعوب العربية التي لم تتمسك إلا بقشور الدين وترتكب كل الجرائم والخطايا من سرقة وتحيّل وقتل وعنف حتى في الشهر الفضيل.
وتعكس هذه اليوميات أن بول بولز، لم يعد سعيداً بوجوده في طنجة التي لم تعد تلك التي أتاها شاباً مسحوراً بجمالها وسلمها: طنجة تلك المدينة الدولية الساحرة التي كانت جنّة جيل البيت (Beat Generation) وغيرهم من المثقفين والمبدعين والهيبيز لتحل محلها طنجة الجريمة والظلام وحظر التجوال والاحتيال. فهل هذه هي طنجة فعلاً أم كان بول بولز مبالغاً أو أن طول مكوثه فيها جعله يكتبها كأي مغربي، بحيث تختفي تدريجياً نظرة السائح لتحل محلها نظرة المواطن البائس الذي يعاني واقعاً أمنياً واقتصادياً واجتماعياً راهناً؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون