شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
انتحار وعجز وحميمية… 3 حكايات لكاتبات شاطحات

انتحار وعجز وحميمية… 3 حكايات لكاتبات شاطحات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 25 مارس 202303:01 م

- لماذا تكتب المرأة؟

- أي امرأة؟

- أي امرأة.

سألني صديق.

فكرت: ربما لا يدرك حقيقة أنها تبحث لذاتها عن حياة أخرى جديدة كل مرة، تصنع لنفسها بيتاً ووطناً جديدين، تبدل القيود بأجنحة، والممنوع بالمشروع، والخجل بالبوح، والخطوط الحمراء بصفحة جديدة بيضاء لا مكان فيها للون الأحمر.

نافذة هواء، ومتنفس حقيقي تتمسك به إحدانا، وتدير الدفة لتكون لها شطحاتها الدينية والجنسية التي كانت بالنسبة لها غرفاً محرمة.

في لغة الكتابة، يكون هناك عشق حقيقي وتعرٍ لا عتاب فيه، وشرائع جديدة لها شعائر غير مقدسة. في عالمنا نبني الأضرحة ونهدمها في آن واحد. الكاتبة تمزق العيب بين جدران كتابها، وتحوله إلى أشلاء؛ لا تصد قلمها ولا تضع حواجز على خيالها، فتصبح خالية من الانكسارات، ولو حتى بين جناحي كتاب.

الحكاية الأولى

الحكاية الأولى: أنا حرة

تعري أرواح بطلاتها، تترك لهن براحاً كاملاً، مجموعة نساء يعشن في مجتمع تصفه بـ"القاسي، الذي لا يعرف أي نوع من أنواع العدالة"، تلك أحداث رواية "قيامة تحت شجرة الزيتون" لإيمان الجبل، التي تقول لرصيف22: "تعيش بطلاتي حيوات كاملة داخل الرواية، لا أدخل على الكتابة بنية من يريد زلزلة أرض ما، كل ما أحرص عليه من خلالها هو رغبتي في أن أكون إنسانة حرة تعيش حياة كاملة، دون حاجة لانتزاع تصنيف خارج الكتابة أو داخلها".

لماذا تختار بعض الكاتبات أن تكسر التابوهات؟ أن تتحدث عن الانتحار والحب والجنس؟
كيف تتعامل مع بطلاتها مقارنة بالكتاب الرجال؟ كيف تتخيل وتعبر عن خيالها كتابةً؟

تضيف عن رواية "قيامة تحت شجرة الزيتون": "عاشت بطلاتي حيواتهن كاملة داخل الرواية، دون أن أحاول المساس بخصوصيتهن، تركت كل واحدة منهن تفرغ نفسها دون أن أتبرع ببتر كلمة، أو بإسكات صوت إذ كانت هنالك العقد الجنسية، واضطراب العلاقة بالجسد، والحوادث التي تمر بكثرة بين طبقاتنا الاجتماعية ويتم التكتم عليها في صيغة "العيب"، "الحرام"، كانت تطاوعني الكتابة داخل السياق بما يثري العالم المخلق ويحكم بناءه".

لإيمان ثلاث روايات أخرى هي "لا أحد ينجو من آنا فونتينا"، "من ينقذ بحيرة البجع"، و"لعبة البيت"،

الحكاية الثانية: انتحار وعجز

على عكس إيمان، تفضل شيرين فتحي "التصادم مع القارئ أثناء الكتابة"، تحيره بأسئلة واحتمالات تحرك عقله على الدوام، تقول: "أفضل أن أكون الكاتب القوي الذي يستحوذ على القارئ بصورة كلية، لا الضعيف الحريص كل الحرص على إرضاء قارئه، ربما لهذا لا تقلقني كثيراً فكرة كسر التابوهات التي يحصرها البعض في عرض جمل جريئة والتلاعب بألفاظ اللغة والإيحاءات".

لكسر التابوهات معنى خاص لدى إيمان، "شيء أكبر" من الجرأة والتلاعب، إنه "محاولة لكسر رؤوس منغلقة على أفكار محفوظة سلفاً، ومن حسن الحظ أن الكتابة عالم رحب وواسع للخروج عن كل ما هو مألوف".

تغوص شيرين في أعماق المحرمات، والمسكوت عنه، وتكتشف وتعيد اكتشاف معانٍ جديدة: "في مجموعتي القصصية "البطلة لا يجب أن تكون بدينة"، كتبت قصة بعنوان "أحمد"، يفشل بطلاها في إنجاح قصة حبهما لاختلاف الديانة، تبدأ القصة من مشهد النهاية، من انتحار البطلة التي أرادت أن تصفع بانتحارها المجتمع الذي تجاهل وجودها وجرَّم مشاعرها".

ومن الانتحار إلى تيمة الجنس في روايتها الأخيرة "خيوط ليلى" وحتى مجموعة "عازف التشيللو" التي لم تصدر بعد، قررت شيرين الغوص في هذا النوع من التابو "بصورة أكثر اختلافاً عن رؤية الجنس كأداة للمتعة أو للإنجاب فقط، الجنس الحقيقي هو أداة لإعادة خلق النفس ومن بعده خلق العالم، الشريك هو المرآة الحقيقية لشريكه، هو تقبل الآخر واحتواؤه دون أي شروط أو قواعد، هو وجه البحيرة الذي يعكس صورة الآخر، هو شفافية المياه حين تضم الجسد وترفعه على سطحها رغم الثقل".

ومن الجنس إلى العجز ف قصة "مرآة"، تقول: "زوجان يعجزان عن إقامة علاقتهما الزوجية بشكل طبيعي، ولا ينجحان في الأمر إلا بعدما ينحيان كل أفكارهما المسبقة، ويفتحان حواسهما عن آخرها ليتخلل كل منهما روح الآخر، ويصل إلى روح صاحبه".

الحكاية الثالثة: العفريت في الرأس

تساءلت ما إذا كان صديقي يعرف أني أتعرض للانتقادات أحياناً بسبب مقال كتبته أو قصة تحمل فكرة جريئة، أتهم أحياناً بأنني خلعت رداء الخجل والعفة.

سألتني إحدى قريباتي يوماً، مندهشة: "كيف تكتبين ذلك؟".

لا أستاء من تلك التساؤلات بل أتجاهلها، وفي المقابل أعانق تلك الفرحة الغامرة التي تهب بداخلي، لقد استطعت أن أُخرج هذا العفريت من رأسي وإن لم يُعجب أحداً.

تساءلت: هل غيري يشعر بما أشعر به؟

تشعر شيرين فتحي بانعدام الجدوى من كتابة "لا تطرق عقول الناس، وتخلخل الرؤية المسبقة والثابتة للأشياء، وتعيد تشكيل العقول والأفكار بمنظورات أخرى وجديدة".

قررت الغوص في هذا النوع من التابو "بصورة أكثر اختلافاً عن رؤية الجنس كأداة للمتعة أو للإنجاب فقط، الجنس الحقيقي هو أداة لإعادة خلق النفس ومن بعده خلق العالم، الشريك هو المرآة الحقيقية لشريكه… هو وجه البحيرة الذي يعكس صورة الآخر، هو شفافية المياه حين تضم الجسد وترفعه على سطحها رغم الثقل"

الأفكار المغايرة لا تعجب الكثيرين بالطبع، وكثيراً ما يتعرض الكاتب، على الأخص لو كان امرأة، لاعتراض أو رفض لما يكتب، وكأن الأصل هو دفن الرؤوس في الرمال كالنعام.

تقول شيرين: "سمعت أشياء من هذا القبيل بعد صدور "خيوط ليلى"، حين تعنت أحد النقاد ليختصر الرواية كاملة في بضع فقرات رآها جريئة من وجهة نظره، ليتناولها بمعناها الحرفي دون بذل أي جهد للبحث داخل الفكرة والمضمون أو حتى الحبكة الأدبية".

لا تقبل إيمان جبل هي الأخرى حالة المقارنة التي تتعرض لها الكاتبة، والإسقاط على حياتها الشخصية بعد طرح كتابها، وتقول: "باعتبارك كاتبة تنتمين لهذا المجتمع، فبطريقة أو بأخرى سيتم استدراجك خارج السياق فور وضعك القلم، وخروج كتابك للشارع".

لا تفكر إيمان أثناء الكتابة في كل ذلك مطلقاً، ولكنها تشعر أن هناك "مشنقة في الانتظار مهما ادعيت البرودة واللامبالاة". وتقول: "إحدى المرات اتهمني شخص لا أعرفه بأنني أمارس إسقاطي النفسي لما أود أن أمرره من رسائل خفية، وأن هذه العقد تمسني وحدي. وكثيرة هي المرات التي حاول فيها المتلقي أن يترك العالم الروائي بين يديه، ليمسكني أنا. حدث، ويحدث الكثير وسيتم على الدوام محاولة إلباس الكاتب عباءة أبطاله وشخوصه. ولا أضع هذا الشيء في رأسي، حينما أبدأ الكتابة".

ترفض إيمان بشدة أن تعيش تلك المشاعر في عالم الكتابة، الذي هو "العالم الوحيد الآمن الذي أعرفه. أن تكون كاتبًا يعني ألا تفترض أن يخلو عالمك من عتمة الداخل، وجهل الخارج ووقاحته، وأن تكوني كاتبة يعني الثقل والمرارة مضافاً إليهما كل ما سبق".

نفس الأمر تتعرض له الكاتبة مريم العجمي إذ لا خلاص من بعض الأحكام والاعتراضات التي تصدر من المقربين أيضاً، تقول: "يُفاجأ بعض المقربين مما نكتب، وكأن الجانب الجسدي لا علاقة له بالبشر، هل اخترعناه؟ التراث العربي حافل بليالي ألف ليلة وليلة درة الكتابة الإنسانية ولا تخلو من المشاهد والألفاظ الجنسية الصريحة، وهي ألهمت الكتاب العالميين والعرب، وأنا من هذه المنطقة لا أتنصل من الجسد ورغباته، أراهما محركاً رئيسياً لاهباً لا يستهان به". 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard