ما السر في الحب الكبير الذي حصل عليه كل من عبد الرحمن أبو زهرة، ونبيل الحلفاوي، وعبد العزيز مخيون؟ ليس الجواب مقتصراً على تميز الأعمال الفنية التي قدموها أو غزارتها، وليس العمق الإنساني والتعبيرات الصادقة التي اتسموا بها في تقمصهم للشخصيات التي أدّوها. هنالك ما هو أكثر من ذلك في الحب غير المألوف الذي حصل عليها هؤلاء.
يشترك ثلاثتهم في أنهم احترموا الجمهور بتقديم أعمال جادة تتعامل بمسؤولية مع عقلية وذوق المشاهدين، ولم يقعوا في هوّة النظرية السائدة لتبرير التدنّي "الجمهور عايز كده" التي ظلّت مشجباً لكل من يرضى بتقديم الأعمال الرديئة. حتى مشاركاتهم في الأعمال الكوميدية كانت عن اختيار واع ولم تكن إسفافًا؛ بل جاءت في إطار من الجدية والسعي لتقديم أعمال مميزة.
أبو زهرة... تاريخ من الإبداع
لعبد الرحمن أبو زهرة تاريخ طويل من الإبداع ومسيرة فنية لافتة تحتاج إلى تأمل ودراسة تشعبها ومراحلها المختلفة وتعدد الأنماط الشخصية التي قام بها، حيث التقمص والقدرة على التعبير سواء بالمسرح أو السينما أو الدراما التلفزيونية، فقد أبدع أبو زهرة في كافة الأشكال الفنية التي توزعت جهوده بينها.
ما السر في الحب الكبير الذي حصل عليه كل من عبد الرحمن أبو زهرة، ونبيل الحلفاوي، وعبد العزيز مخيون؟ ليس الجواب مقتصراً على تميز الأعمال الفنية التي قدموها، هنالك ما هو أكثر من ذلك في شبه الإجماع الذي حظي به هؤلاء
شارك أبو زهرة في أعمال كوميدية عديدة وكان أداؤه مؤثراً ومحورياً كما في فيلم "بابا آخر من يعلم" 1975، وفيلم "فص ملح وداخ" 2016، و"تيتة رهيبة" 2012 مع محمد هنيدي والمخرج سامح عبد العزيز...وغيرها. وبعيداً عن الكوميديا جاءت مشاركته في فيلم "أرض الخوف" 2000، من إخراج داود عبد السيد لافتة وعميقة كشفت عن فنان قدير.
الحلفاوي... وكرة القدم
وقدم نبيل الحلفاوي أيضا العديد من الأعمال للمسرح والدراما والسينما تقوم على الجدية، وشارك في أفلام كوميدية مثل "العميل رقم 13" 1989، من تأليف ممدوح فهمي وإخراج مدحت السباعي حيث جسد شخصية ضابط مباحث يسعى للقبض على عصابة تهريب من خلال تجنيد مأمور جمرك (محمد صبحي) للإيقاع بأفراد العصابة.
قد يأخذ البعض على الفنان الحلفاوي هو تعصبه الكروي لأحد الأندية المصرية، ما يجعله يدخل في جدالات بسبب منشوراته وتغريداته على مواقع التواصل لصالح النادي الذي يشجعه.
يأخذ البعض على الفنان الحلفاوي تعصبه الكروي لأحد الأندية المصرية، ما يجعله يدخل في جدالات بسبب منشوراته وتغريداته
مخيون... المثقف اليساري
أما عبد العزيز مخيون فهو الفنان المثقف واليساري الذي يحمل على كتفه هموم مجتمعه، وفي أعماله الفنية تنوع في اختياراته للشخصيات التي يجسدها سواء بالسينما أو الدراما التلفزيونية، فقدم الشخصية الوطنية، والمدمن، وضابط الموساد الإسرائيلي، والضابط المصري الباحث عن الحق، وقدم منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي أكثر من 85 مسلسلاً تلفزيونياً وأكثر من 30 فيلماً، فضلًا عن العديد من السهرات التلفزيونية والأعمال الإذاعية.
عن الفنانين الثلاثة تقول الكاتبة والباحثة سحر عبد المجيد في حديثها لرصيف22: "يشترك نبيل الحلفاوى وعبد العزيز مخيون وعبد الرحمن أبو زهرة فى جدية العمل والتنوع والاختيار المتميز للدور والمثابرة والاستمرارية فى التواجد فى المجتمع المصري والتأثير فى وعي كل مصري بما يقدمونه من أعمال جادة ومميزة".
الفصحى... ونجاح الأعمال التاريخية
بدأ عبد الرحمن أبو زهرة مسيرته الفنية في خمسينيات القرن الماضي، حيث تخرج في معهد الفنون المسرحية بالقاهرة عام 1958، وعُين ممثلاً في المسرح القومي، واعتلى خشبة المسرح مبكراً وشارك في نفس الفترة في عديد من الأفلام السينمائية مثل "شباب اليوم" 1958، و"أنا حرة"1959.
وقد تنوعت أعماله طوال مسيرته الفنية، فقدم الدراما الاجتماعية والتاريخية وشارك في عشرات الأفلام والعروض المسرحية، وبرز أداؤه في المسلسلات التاريخية بسبب تمكنه من اللغة العربية الفصحى ونطقه الصحيح لها مما كتب النجاح لهذه الأعمال، فضلاً عن مشاركاته في الأعمال الفنية الموجهة للأطفال.
يوضح الكاتب والمخرج المسرحي مجدي محفوظ لرصيف22 قائلاً: "حينما تتحدث عن تاريخ الدراما في مصر فلابد أن يكون حديثنا عن فنان كبير مثل عبد الرحمن أبو زهرة والذي مثل حقبة فنية كبيرة شارك في الكثير من الأعمال المسرحية والدراما التلفزيونية والإذاعية والسينما، وارتبط كل ذلك بقيم فنية ذات طابع خاص، واستطاع من خلال تاريخه الطويل أن يجسد الكثير من الشخصيات والطبقات الاجتماعية التي أظهرت قدرته على الابتكار في تنوع الشخصيات وامتلاك الكثير من المواهب الفنية التي دفعت به للتجسيد والتقمص وكأنك تعايش الحقيقة وتلك هي مقومات الممثل الناجح".
تميز خاص في دور الأسد سكار
في الأعمال المدبلجة للأطفال استطاع أن يعبر عن الشخصيات التي يؤديها وأن يحمل صوته أحاسيسها إلى الأطفال فتفاعلوا معها وشعروا بها.
قدم عبد الرحمن أبو زهرة أداءً صوتياً لا ينسى في دور "سكار" في فيلم ديزني "الأسد الملك"، وليس أقل منه دوره الاستثنائي "الحاج سردينة"في مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي"
الباحثة والناقدة الفنية داليا همام قالت لرصيف22 أن الفنان عبد الرحمن أبو زهرة "من أكثر الممثلين تفرداً فهو يمتلك موهبة كبيرة ولديه طبقة صوتية مميزة، وأكد دوبلاج الأسد سكار الذي قدمه في فيلم "الأسد الملك" مع شركة ديزني العالمية على تمكنه من جميع أدواته التمثيلية".
وفي أدواره الدرامية لا يمكن إغفال المعلم سردينة في مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي"، فقد كان أداؤه متقناً واستطاع تقديم شخصية درامية متماسكة درامياً، من خلال تفاعله مع شخصية (عبد الغفور البرعي) التي قدمها نور الشريف، أما دوره في فيلم "أرض الخوف" فعبر عن ذروة النضج في مسيرته الفنية.
وترى سحر عبد المجيد أن عبد الرحمن أبو زهرة هو الأكثر تميزاً فى "التلوين الصوتي" والأكثر تنوّعاً في اختيار أدواره، فمن يستطيع مشاهدة فيلم "الأسد الملك" دون أن يقف أمام شخصية العم "سكار" وبراعة أبو زهرة فى الدوبلاج والجمع بين الشر وخفة الظل؟
الحلفاوي... والبُعد الوطني للشخصيات
تنوع نبيل الحلفاوي في أعماله الفنية وقدم العديد من الشخصيات الهامة التي ارتبط بها الجمهور لأنها تحمل بعدًا وطنياً مثل شخصية قبطان في فيلم "الطريق إلى إيلات" 1993، وشخصية نديم هاشم في مسلسل "رأفت الهجان"1988-1992، كما برز في مسلسلات الدراما التلفزيونية"غوايش"، "لأعلى سعر"، "ونوس"، "القاهرة كابول"... وغيرها.
تقول سحر عبد المجيد: "الجدية له تعني حضوره فى أعمال لها تأثير مجتمعي، وحرصه على أن يؤدي دوره فى تشكيل الوعي للمواطن المصري من خلال أدواره أو من خلال تواجده المجتمعي، وأداء الدور المسند له بإحكام لنقل رسالة محددة، ولا أعتقد أنه فقط يؤدي ما يطلب منه على وجه الإتقان فقط؛ إنما ما يؤمن به كمصري".
وتضيف: "إنه يعي تماماً المسؤولية التي يقوم بها كفنان فى مجتمع يعتمد مؤخراً حضارة الصورة ويستند عليها بشكل كبير، هذا الفنان يرتكز على مبادئ لا يمكن التنازل عنها، وهو لا يسعى إلى الشهرة بقدر ما يسعى بشكل واضح للتميز والإضافة الحقيقية".
الحلفاوي... كاريزما تتسم بالجديّة
نبيل الحلفاوي ممثل يختلف عن السائد، ولديه حضور واضح وكاريزما تتسم بالجدية، تقول داليا همام إن بصمته شديدة الخصوصية ومشاركاته المسرحية منتقاه بعناية، وقد أكد دور المفتي الذي قدمه في مسرحية "طقوس الإشارات" على قدرته على الهيمنة على خشبة المسرح، كما جسد دوره في فيلم "الطريق إلى إيلات" الحزم والأبوة والقلق والشعور بالخطر.
وتضيف: "هو ممثل تكتمل موهبته في مسلسل "لأعلى سعر" حيث عبر عن روح الفنان الحقيقي الذى تؤلمه موهبته غير المتحققة، وفي مسلسل "ونوس" جسّد رحلة إنسان من الغواية للهداية فهو يمتلك عينان تعبران بصدق عن مكنون الشخصية الدرامية".
ويرى مجدي محفوظ أن أدواره تحمل بصمة خاصة وأثراً إيجابياً لدي المشاهد، جعلته مدفوعاً للبحث والمتابعة لكل ما يخص اسم نبيل الحلفاوي وانتظار أعماله ومتابعتها.
ويدرك المتابع لهذه المسيرة الحافلة بالأعمال مدى قدرته على الأداء والتميز من خلال أدائه لكثير من الشخصيات التي مازالت عالقة في ذاكرة المشاهد مما يدل على القدرات الفنية التي يمتلكها هذا الفنان الذي يضع اسمه بين أبرز الفنانين في مصر والعالم العربي.
أدوار لا تنسى لعبد العزيز مخيون
أما عبد العزيز مخيون الفنان المثقف فقد شارك في كثير من الأعمال مثل "إسكندرية ليه" و"حدوتة مصرية" من إخراج يوسف شاهين، و"للحب قصة أخيرة" من إخراج رأفت الميهي، وهذه الأفلام الثلاثة تم اختيارها ضمن أفضل 100فيلم في تاريخ السينما المصرية.
3 من الأفلام التي مثّل بها عبد العزيز مخيون تم اختيارها ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية
كما قدم العديد من الأدوار المهمة مثل دوره في فيلم "الهروب" للمخرج عاطف الطيب، و"الجوع" للمخرج علي بدرخان. فكانت للأدوار التي قام بها في فيلمي "الهروب"، و"الجوع"، و"بئر الخيانة" وقع خاص على المشاهدين حيث زادت هذه الأدوار من ارتباط الجمهور به والحرص على متابعة أعماله.
دور لا ينسى لمخيون من خلال شخصية "طه السماحي" التي قدمها في مسلسل "ليالي الحلمية" تأليف أسامه أنور عكاشة وإخراج إسماعيل عبد الحافظ، العمل الذي تناول التاريخ المصري الحديث من خلال رؤية فنية للمجتمع المصري في حقب سياسية مختلفة، وقد عُرضت أول أجزاء المسلسل عام 1987. كما جاء أداؤه لشخصية النادل المدمن في فيلم "امرأة آيلة للسقوط" أكثر تميزاً.
مخيون.. المتفرد في كل اختياراته
ترى داليا همام أن عبد العزيز مخيون خامة فنية شديدة المرونة، تقول: "يمكننا أن ترى تحول أداؤه في الشخصية الواحدة بحسب طبيعة الدور ففي مسلسل (شيخ العرب همام) يتحول في يُسر بالغ من المساندة والدعم إلى الخيانة والغدر وكأنه يشير إلى الإنسان وتناقضاته، فلا يوجد إنسان بعيد عن الخطيئة، أما دوره في فيلم (الهروب) فيجسد صراعه المرير بين العاطفة التي تتجسد في حبه لمنتصر وبين القانون الذى سعى لتطبيقه، لقد استطاع مخيون ترك بصمة واضحة في أي عمل شارك فيه).
أما سحر عبد المجيد فتصفه بالـ"التفرد" في كل اختيار قام به فى مسيرته الفنية، تقول :"ينجح باقتدار فى كل عمل سواء جاءت مساحته فى العرض كبيرة أو صغيرة لكنه يقدم الاستمتاع الحقيقي للمشاهد، وهو الأكثر حرصاً على احترام مفهوم الإدارة، فكل فنان مهما كانت موهبته لا يستطيع تحقيق ما يتمنى إلا عن طريق إدارة ناجحة".
الفنان الذى وصفه الشاعر أمل دنقل بأنه ريشة فى مهب الريح، وهو الذى سجل للشاعر قصيدة "لا تصالح" بصوته وأدائه المميز، والأكثر تعاملاً بروح الممثل الذى يمتلك توجّهاً سياسياً واضحاً لا يستطيع أن يحيد عنه، وإن كان الثمن هو ضياع كثير من الأدوار لا تتفق مع مبادئه وتوجهه السياسي.
ومخيون هو صاحب مبادرة "مسرح الفلاحين" التى عمل فيها كمخرج ومؤلف ومنشط فني وثقافي، وعمل المسرح من خلال نصوص واقعية قدمها مواطنى القرية، نحو حلم تأسيس مسرح نابع من البيئة المصرية لكن التجربة لم تلق الترحيب أو الدعم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...