لم يهدأ الجدل بعد حول الأغنية الجديدة التي طرحها فنان الرّاب المغربي عمر السهيلي، المعروف بـ"دِيزِي دْرُوسْ"، عبر قناته الرسمية في يوتيوب، وتحمل عنوان "مع لعشران"، بالنظر إلى رسائله الكثيرة التي استهدف بها شخصيات فنيةً وسياسيةً على وجه الخصوص.
كلمات أغنية دروس حملت عبر الكليب المصوّر، رسائل مشفرةً كثيرةً، أو "كْلاشَاتْ" بلغة أهل فن الراب في المغرب، وُجِّهت بطريقة مباشرة إلى رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، بالإضافة إلى الأحزاب السياسية والإعلام وحرية الصحافة. و"الكلاش" تعريب للكلمة الفرنسية clash، التي تقابلها Beef بالإنكليزية.
لم ينسَ الرَّابْر ديزي دروس، "خصومه" في موسيقى الرّاب، إذ شنّ عليهم نقداً حاداً واستهدف في "كلاشات" بشكل خاص فنان الراب "دون بيغ"، الذي يُعدّ من أشهر نجوم الراب في المغرب من جيل بداية الألفيّة، إلى جانب الفنانة منال بنشليخة.
دُرُوس ديزي
يقول الخبير الفني، هشام عبقري: "أي عنوان أو كليب للرّاب يتضمن ‘كلاش’ ما من خلال سطر أو كلمة على الأقل"، مضيفاً أنه "توجد إشارات كبيرة في فيديو أغنية 'مع لعشران'، التي تعني 'مع الأصدقاء'، خصوصاً في استهداف فنان الرّاب البيغ، بالإضافة إلى أن الخطاب في الكليب، موجه بالأساس إلى جماعات الرّاب، لتفادي أي سوء فهم من جهات أخرى لا تنتمي إلى هؤلاء العشران".
أغنية مع لعشران
في حديثه إلى رصيف22، تابع عبقري، الذي ساند التجارب الأولى لفن الرّاب في المغرب في تسعينيات القرن الماضي، قائلاً إن "الكليب أعطى أيضاً إشارات وعناصر عديدةً، تحيل على فترات قديمة في سياق ما يسمى بـ'أولد سكوول'، والتي تعبّر عن موقع ديزي دروس ضمن الموجة القديمة للرّاب".
كلمات أغنية دروس حملت عبر الكليب المصوّر، رسائل مشفرةً كثيرةً، أو "كْلاشَاتْ" بلغة أهل فن الراب في المغرب، وُجِّهت بطريقة مباشرة إلى رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، بالإضافة إلى الأحزاب السياسية والإعلام
إلى جانب ذلك، "فالجميل في الفيديو، أنه لم يسوّق له قبل طرحه، وقد اشتغل على هذا العمل الجديد بإتقان، خصوصاً أنه يتضمن كما أشرنا إلى ذلك عدداً من العلامات في كل مشهد"، يضيف عبقري.
"الكلاش"... ثقافة
عبّر الكثير من المهتمين بالموسيقى الحديثة في المغرب، عن إعجابهم بعمل ديزي دروس، الذي حقق انتشاراً كبيراً وصل إلى 18 مليون مشاهدة في ظرف أسبوع على قناته في يوتيوب وحدها، ورافقه أيضاً الجدل الواسع، خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما يترقب آخرون أن يطرح بعض ممتهني الرّاب في المغرب أعمالاً جديدةً في الأيام المقبلة، في سياق الرد على "الهجوم" الذي حملته أغنية "مع لعشران".
ترى الباحثة في سوسيولوجيا الفن والاحتجاجات الاجتماعية، سارة الشرقاوي، أن "الكلاش جزء لا يتجرأ من هذه الثقافة الحضرية، المسماة باللعبة the game"، عادّةً أن "الكلاش هنا لا يعني بالضرورة تلاسناً بين فناني الراب، بقدر ما هو مرتبط أساساً بالذاتية، وحضورها الوازن في معظم أغاني الراب".
في أغنية الرابر المغربي ديزي دروس "مع لعشران"، يوجه رسائل و"كلاشات" للسلطة والأحزاب والإعلام وخصومه من مغني الراب. أغنية حققت ملايين المشاهدات في يوتيوب في ظرف أسبوع
توضح الشرقاوي، لرصيف22، أن "'الكلاش' ظاهرة صحية في الرّاب وعادية جداً، لكن مع وسائل التواصل الاجتماعي أصبح مُدّراً للأرباح وجالباً للمشاهدات، وكذلك وسيلةً للفنان من جهة للتعبير عن خصوصيته ووسائله التقنية ومهاراته، ومن جهة أخرى تبخيساً للفنان المقصود بهذا 'الكلاش' وتعبيراً عن دونيته".
على هذا الأساس، تُعدّ من ضمن قواعد الرّاب المغربي، تلك الصبغة الثورية والاحتجاجية على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السياسية، وفي بعض الأحيان الفكرية"، تضيف الباحثة السوسيولوجية.
"ابن متمرّد للموسيقى المغربية"
قبل أن يبزغ فن غنائي اسمه الرّاب في المغرب، إبان تسعينيات القرن الماضي، كانت الذاكرة الغنائية المغربية قد أُشبعت بالنموذج الغيواني، وظل الرّاب تلاحقه صفة "الابن العاق" داخل دائرة الأصناف الغنائية المغربية الموجودة في وسط مجتمعي محافظ، ولا زالت، فقد انبرى المغني نعمان لحلو، لنقد أغنية ديزي دروس الأخيرة ومعه مغنّي الراب المغاربة.
مع بداية القرن 21، برزت موجة موسيقية مغربية معروفة بـ"نايضة" https://cutt.us/3hJZg، وهي موجة ثقافية حضرية وحركة موسيقية ناشئة في المملكة تُقارَن أحياناً بحركة "موبيدا" في إسبانيا، كانت أبرز معالمها تنظيم مهرجان "بولفار" الذي انتصر لكل من موسيقى الروك والراب والهارد روك، إلى جانب أنواع موسيقية وتعبيرات ثقافية معاصرة أخرى.
تقول الشرقاوي: "مع بداية القرن الحادي والعشرين، خصوصاً بين سنتي 2003 و2008، أخذت مظاهر الاحتجاج والثورة أشكالاً أكثر ضراوةً وأقرب ما تكون إلى التجربة الغيوانية، مثل مجموعة كازا كرو، أش كاين، زنقة فلو، بيغ، وغيرها...، وعبَّرت بشدة عن احتجاجها على الأوضاع الاجتماعية والسياسية في المغرب".
كما "اتجه انتقاد هؤلاء أيضاً إلى حرّاس القيم من مفكرين وموسيقيين وفنانين عدّوا فن الرّاب فنّاً دخيلاً على المشهد الثقافي والفني المغربي، وكذلك فنّاً خادشاً للقيم المجتمعية والدينية"، تضيف المتحدثة.
مصالحة مجتمعية
غير أن المجتمع المغربي بدأ بالتصالح نسبياً مع هذا النمط الموسيقي، خصوصاً مع ظهور جيل من فناني الراب المغربي، حملت أغانيهم هموم ظواهر اجتماعية على غرار "الهجرة السرية، والفقر، والبطالة"، برغم انحياز الكثير من فناني الرّاب إلى كلام الشارع.
بالنسبة للرّابر يونس طالب، المعروف بـ"موبيديك" و"الموتشو"، وهو أحد أبرز أصوات موسيقى الراب في المغرب، "فالرّاب حقق كل هذا النجاح، لأنه لا يقبل النفاق المجتمعي، زيادةً على أنه ليست فيه رقابة، والشباب المغربي يحبون بشكل كبير ويتابعون إنتاجات الراب المغربي؛ لأنهم يريدون سماع كلام من دون قيود أو موانع".
اتجه انتقاد هؤلاء أيضاً إلى حرّاس القيم من مفكرين وموسيقيين وفنانين عدّوا فن الرّاب فنّاً دخيلاً على المشهد الثقافي والفني المغربي، وكذلك فنّاً خادشاً للقيم المجتمعية والدينية
يتابع الرّابر المغربي، في تصريحه لرصيف22، أن كلمات الراب "تنتمي إلى لغة الشارع من دون رقابة، بخلاف اللغة المستعملة داخل البيت أو المدرسة التي تخضع للرقابة وانتقاء الكلمات".
لذلك، "فالرّاب أو كلام الرّاب المغربي لم ينتَج لكي يُسمع داخل المنازل أو بشكل جماعي بين العائلات والأسر المغربية كما هو الشأن مع أصناف غنائية أخرى. فن الراب انطلق من الشارع، ويُغنّى في الشارع، ويُسمع في الشارع بين الأقران الذين يحبّون سماع هذه اللغة فقط"، يخلص موبيديك.
من جانبه، يؤكد عبقري أن "الشباب الممارس للرّاب لم يخترع الكلمات والألفاظ التي يتغنّى بها، بل لدينا تراث غنائي يشتمل على ألفاظ 'شبقية'، لكنها لم تثِر في السابق جدلاً، إذ كان المغاربة متسامحين معها ويتقبلونها ويستمعون إليها".
جزء من خريطة الموسيقى
استطاع الرّاب المغرب اليوم أن يصبح أحد عناصر المنظومة الفنية ولا تخلو منه المهرجانات والحفلات الموسيقية، بالنظر إلى انتشاره الواسع، واجتذابه لجمهور مهم في صفوف الناشئة والشباب المغربي، إذ تعتقد الباحثة الشرقاوي، أنه "نوع موسيقي متميز، ساهم في نشر الوعي بقيمته الفنية، حتى أصبح تدريجياً جزءاً مهماً في المشهد الفني خاصةً الموسيقى المغربية".
بل إن الرّاب "طفرة نوعية في الموسيقى المغربية، وساهم في إثرائها والتسويق لها من خلال العديد من المحافل الدولية والمهرجانات العالمية"، تستطرد الباحثة.
كما سجل عبقري من جهته، أن "انتشار الرّاب في البداية على مستوى جغرافي مهم في المغرب، يرجع بالأساس إلى طبيعة الإنتاج في الراب الذي يختلف بشكل كبير مع الأنواع الغنائية الأخرى، إذ إن وسائل إنتاج الرّاب بسيطة جداً، بالإضافة إلى أن الطبيعة الشكلية للراب تسهّل على الشباب ممارسته، فهو لا يفرض شروطاً تعجيزيةً مقارنةً بأشكال غنائية أخرى".
يضيف المصدر لرصيف22، أنه "منذ عام 2006، ظهرت سياسة المهرجانات في المغرب، وسمحت لفناني الرّاب، الذي يتوفرون أصلاً على قاعدة جماهيرية مهمة من المتابعين والمحبين، بالمشاركة على الخشبات الكبيرة في مهرجانات ذات شهرة على الصعيد الوطني".
إلى جانب ذلك، "ساهم تحرير القطاع السمعي البصري في المغرب في إحداث إذاعات خاصة غير حكومية، أفسحت مجالاً مهمةً لبث وترويج إنتاج الراب المغربي، كونه منتجاً موسيقياً لم يكن يستفيد في السابق من قنوات البث الحكومية الرسمية"، وفق عبقري.
خلص المتحدث ذاته، إلى أن "هؤلاء الفنانين المغاربة (صنف الرّاب)، عندما حققوا شهرتهم ونجوميتهم وطوروا أعمالهم، انتقلوا إلى استغلال التقنيات الحديثة للبث على المنصات الرقمية العالمية"، كما هو الشأن اليوم مع كليب مع لعشران لديزي دروس الذي حقق نسبة مشاهدات تجاوزت الملايين، واستطاع أن يفرض نفسه في النقاش المجتمعي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...