شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
هل أصبحت أشبه أمي؟

هل أصبحت أشبه أمي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء

الاثنين 6 فبراير 202302:50 م

هل تتعامل الأمهات بالمنطق الطبيعي الذي يسير عليه كل البشر أم أن لهن منطقاً خاصاً بهن، وقاموساً يعرفن وحدهن أسراره وطلاسمه؟ هكذا تسير حياة الأمهات وتتعرّى قلوبهن، فلا منطق تام لقلب يغذّيه الخوف والقلق، ولا طمأنينة كاملة مع تساؤل دائم ومشاعر هائجة.

من أكثر الأشياء التي تعلمتها بعدما أصبحت أماً ألا أحكم على الأمور في المطلق، وألا أرفع صوتي عالياً قائلة: "مستحيل أن أفعل ذلك مع ابنتي"، فمع الوقت أجدني أفعل أحياناً تلك الأشياء التي أتذكر جيداً أنني ضربت الأرض غيظاً عندما فعلتها أمي معي، بل أقسمت أنني لن أفعلها أبداً بكامل قناعتي وإيماني.

قاموس واحد

هل أصبحت أشبه أمي؟ منذ فترة بدأت أسأل نفسي هذا السؤال الذي لا أعرف له إجابة واضحة. في أحيان أقول لنفسي: "لا... بالتأكيد هناك اختلاف تام بين الأجيال"، ثم أعود فأجدني في نفس الإطار الذي خرجت منه أمي وكل الأمهات قبلها وبعدها: حياة واحدة، ضغط متشابه، تفكير متقارب، وكأن هناك كتالوج تخرج منه كل الأمهات على نفس الشاكلة دون إرادة منهن أو رغبة في المقاومة.

لا أكره أن أكون مثل أمي، فهي الحنونة الكريمة، ولكني بالتأكيد أود أن أكون أكثر تفهّماً، أمنح ابنتي الحرية لتتصرّف كيفما تشاء، لا أتعنّت معها في أبسط الأمور. ولكني مع الوقت وجدتني أردّد نفس الكلمات التي كنت أسمعها من أمي وأنا طفلة، ينطق فمي نفس العبارات، أنظر من بعيد، فأكاد أرى وجه أمي يضحك لتخبرني أن هذه الجمل مصدرها القلب وليس العقل.

لا أكره أن أكون مثل أمي، فهي الحنونة الكريمة، ولكني بالتأكيد أود أن أكون أكثر تفهّماً، أمنح ابنتي الحرية لتتصرّف كيفما تشاء، لا أتعنّت معها في أبسط الأمور

في الصغر، كنت أرفض الكثير من ألوان الطعام، لم أكن عادة أحب أغلب المأكولات المفيدة للصحة، ولم أكن أحب أبداً عادة أمي في الضغط عليّ لتناول طعام معين دون غيره. كان هذا يشعرني بالضيق والاستفزاز في عقدي الأول، وكنت دائمة العناد، لا أنفّذ ما يطلب مني بل ما أريده وما أرغب فيه أنا. كنت أحياناً، وبعدما كبرت قليلاً، أفكّر أنني عندما أنجب بنتاً سأدعها تأكل ما تريد. لن أكون متحكمة في أبسط حقوقها ولن أدعها تمل من جمل مثل: "خايفة عليكي.. عشان صحتك"، وغيرها، ثم وجدتني للأسف أقول هذه الجمل ولو بطرق مختلفة.

ورثت ابنتي الصغيرة ذات السبعة أعوام كل العناد الذي كان لدي، بل وزادت عليه. تريد دائماً أن تأكل ما تريده وتتصرف وفقاً لهواها. لم أكن أرفض ذلك، ولكن مع الوقت وجدتني أفكر في مصلحتها وبدأ خوفي يحركني، ولم أعد أنا تلك الفتاة الثائرة التي أقسمت ووعدت وتوعّدت.

تقول صديقتي المقربة: "نحن نفعل كل ما كنا نرفضه ونحن صغار، ربما لم نكن نفهم طريقة تفكير أمهاتنا أو أننا لا نملك الجرأة الحقيقية للتغيير". جعلتني جملتها أفكر في المستقبل وإن كنت سأستطيع أن أنفذ كل الوعود التي أعطيتها لابنتي منذ سنوات وقبل أن تأتي إلى الدنيا، أم أن السيناريو سيتكرّر؟

ربما تربينا على الخوف الذي تمكّن منا لدرجة أننا نخاف أن نفعل شيئاً غير الذي سبقنا إليه غيرنا، فنفشل أو نواجه مصائر لا نعرف مذاقها.

مصير مجهول

قبل أن أصبح أماً وإلى الآن، أقول دائماً إنه من الخطأ أن تفكر الأمهات في أولادهن فقط، فعلى الأم أن تعيش وقتها الخاص، وتنفق على احتياجاتها الشخصية وتستمتع بوقتها حتى تجد الطاقة لتهتم بصغارها. هكذا أقول وهكذا يقتنع عقلي، ولكن ربما يكون لقلبي شأن آخر في هذه المسألة أيضاً.

عندما كنت في المرحلة الثانوية والجامعية كنت ألوم أمي لأنها لا تهتم بأي شيء آخر سوانا، لا تفكر في نفسها أبداً ولا تنظر بعين الاهتمام لما تريده، بل والحقيقة أنها لم تطلب شيئاً لنفسها لسنوات. لا أقول إنني أصبحت مثلها، ولكني أرتعش من الخوف عندما أجدني أسير أحياناً على نفس النهج. في لحظات كثيرة أجد نفسي أضع احتياجات أولادي في المقدمة. أفكّر فيما يحتاجه كل منهما قبل أن أفكر فيما أريده. الأولوية في الإنفاق لما يطلبونه وليس لما أحتاجه أو أطلبه أنا. حتى أنه في بعض الأوقات أقوم بتأجيل بعض المشاوير الخاصة بي والفسح التي ربما تعدّل من مزاجي العام وأحتاجها كثيراً، وذلك لأن أحدهما بحاجة إليّ أو لأي سبب آخر.

علينا أن نتعرّى أمام أبنائنا ليفهموا أن للأمومة ثمناً، وأن هذا الثمن لن تدفعه الأم وحدها، وأن الحقوق والواجبات متبادلة، وأن إناء الأم ينضب إذا تم إهماله بشكل زائد

الأفكار التي أؤمن بها ما زلت أقتنع بها وأشجّع أي أم عليها وأفعلها أحياناً، ولكن ليس بنفس الشكل النظامي الذي يجعل من ذلك حقاً طبيعياً لي. يخرج من داخلي أحياناً هذا الإحساس الذي يجعلني أشعر أنني ربما أحصل على شيء ليس لي، أو أنني لست عادلة ومقصرة بطريقة أو بأخرى بحقهن، ثم تثور المرأة الحرّة بداخلي، فأقتنص حقاً من حقوقي، ولكني أعود دائماً لهذا الشعور غير المبرّر ودون إرادة مني أو وعي.

تقول شقيقتي الكبرى إنها الجينات أو ربما العادة أو الفطرة التي خلقنا الله عليها والتي دائماً ستغلب أي قناعات نكتسبها أو نمرن أنفسنا عليها لنصبح أكثر صحة. لم أقتنع بكلامها في البداية، ربما في محاولة لمواصلة العناد، ولكن مع الوقت بدأت أفكر في السبب الحقيقي الذي يجعل الأم تسير على نفس المنهج دون رغبة حقيقية في التغيير.

سأظل دائماً أقاوم هذا المنهج لأني لا أؤمن به. لا أعيب على جيل سابق من الأمهات ولكن أظن أننا نحتاج إلى تغيير حقيقي يمكّننا من أن نعيش أسوياء لنربي جيلاً متزناً نفسياً. لا يجب علينا بأي حال من الأحوال أن نخضع لهذا الضغط النفسي الذي يفرضه المجتمع علينا أو حتى نفرضه نحن على أنفسنا. علينا أن نتعرّى أمام أبنائنا ليفهموا أن للأمومة ثمناً، وأن هذا الثمن لن تدفعه الأم وحدها، وأن الحقوق والواجبات متبادلة، وأن إناء الأم ينضب إذا تم إهماله بشكل زائد.

لا أعيب على من ترفع راية التضحية وإن كانت لم تسمع التصفيق الذي سعت إليه، وأتمنى ألا تعيب علينا الأجيال القادمة، ربما تحقق توازنا حقيقياً لا نعرف نحن له طريقاً واضحاً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard