شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
إعادة تدوير التربية التي كرهناها...  لماذا نحبّ هذه الممثلة، ونرفض أن تصبح ابنتنا مثلها؟

إعادة تدوير التربية التي كرهناها... لماذا نحبّ هذه الممثلة، ونرفض أن تصبح ابنتنا مثلها؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الأربعاء 26 يناير 202201:29 م

هل نحن من نلتصق بها، أم هي من تلتصق بنا رافضةً تركنا؟ تلك الموروثات والعادات البالية التي رفضناها قديماً، وحرمتنا من تحقيق أحلامنا، وقيّدتنا سنوات، لماذا لا نتركها؟ تمر بنا الأيام والسنوات، ونكبر ونعيد إحياءها في ثوب جديد يحقق لنا بعض الراحة الزائفة التي يتكشف لنا زيفها مع أول مواجهة.

حرمنا أهلنا من أن نفتح أذرعنا للحياة، وبتنا نشاهدها من وراء حجاب... نتخفى وراء هذه الأبواب ننتظر بعض المتع التي تأتينا مغلفةً وفاقدةً رونقها... أصبحنا نبصر ونتنفس وراء تلك الكلمات: "عيب... العادات تقول... الناس ترى". ثم جاءت الفرصة لننفض عنا هذا الغبار، فإذا به أصبح جزءاً منا لا نتخلى عنه، ولا يتخلى عنا.

هل تقولون إن هذا هو الدين؟ إذاً أنا لا أريد هذا الدين.

مشاهد تعيد نفسها

هل يمكن أن تكون هناك كاميرا مخفية عنا تسجّل المشاهد التي عشناها قديماً، وكنا ضحاياها، ثم تحتفظ بهذه المشاهد لتعيد صياغتها من جديد، بعد سنوات، ونكون نحن أبطالها الأشرار؟

وأنا طفلة، كنت أكره فكرة حشو عقلي بالمعلومات الكثيرة، ومحاولة توجيهي نحو طريق لا أريده، أو لا فكرة لدي عن نهايته. كانت أمي تقول لي إنها تريد أن تراني في أفضل مكان، وتتمنى أن أحقق كل أمنياتها التي لم تستطع أن تحققها. تساءلت بيني وبين نفسي: ما ذنبي؟ لماذا يحمّلنا أهلنا تبعات أحلامهم؟ ولماذا نحمل على أكتافنا مسؤولية رضاهم الذاتي الذي لا يحدث أبداً؟ ثم رغماً عني، وجدتني أخبر ابنتي بأنني أتمنى أن أراها طبيبةً -كما قيل لنا- ونحن صغار.

لطالما انزعجت من صديقاتي اللواتي يملأن أوقات صغارهنّ بين المذاكرة والدروس والتمرين. كانت صديقتي تسخر مني قائلةً: "انتظري لنرى ماذا ستفعلين بعدما تصيرين أماً". ويبدو أن السيناريو الساخر المتكرر أبى أن يتركني، فبتُّ أفعل كل ما كنت أنتقده، وأبرر فعلتي بأني دائماً أريد الأفضل لابنتي. كررت كل المبررات التي لم أكن أقتنع بها قديماً، بل وكنت أرفض الاستماع إليها.

هل يمكن أن تكون هناك كاميرا مخفية عنا تسجّل المشاهد التي عشناها قديماً، وكنا ضحاياها، ثم تحتفظ بهذه المشاهد لتعيد صياغتها من جديد، بعد سنوات، ونكون نحن أبطالها الأشرار؟

"انتهى وقت اللعب"؛ هذا ما قالته لي أمي بعد أن بلغت، ولم يعد يصح أن أشارك صبيان القرية اللعب في الشارع. لم تعد هناك فرصة لمعانقة الكرة والجري بها، ولم أعد قادرةً على تسلّق شجر التوت، وجمعه مع الأولاد. لم تعد السماء قادرةً على احتضاني، والهمس في أذني، مثلما كانت تفعل. لقد كبرت، وبعدها بسنوات سمعتني أقول لابنة أخي: "انتهى وقت اللعب في الشارع... أنت كبرت وهذا لا يصح".

نرفض الأعباء التي وضعها أهلنا على أكتافنا، وأثقلونا بها. وعندما يعود الأمر إلينا، نعيد وضعها على أكتاف صغارنا من دون أي تأنيب ضمير.

موروثات لا تتركنا

كنت أحترق غضباً في الصغر، عندما أجد أخي يتمتع بالكثير من الحريات التي حُرمت منها؛ يستطيع الخروج من البيت في أي وقت، ويجد من يلبي له طلباته، ويتمتع بالراحة، فلا يؤدي أي عمل منزلي، لأنه وُلد ذكراً فحسب. وطبعاً هذه الأعمال يجب أن تقوم بها شقيقته أو والدته. لم أقتنع أبداً بهذه المبررات: "هكذا الرجال... إنه ولد... هكذا تربّينا... الدين يقول ذلك"... وكم غضبت من الله لأنه يمنحه ذلك كله، ولا يمنحني شيئاً. هل تقولون إن هذا هو الدين؟ إذاً أنا لا أريد هذا الدين.

نرفض الأعباء التي وضعها أهلنا على أكتافنا، وأثقلونا بها. وعندما يعود الأمر إلينا، نعيد وضعها على أكتاف صغارنا من دون أي تأنيب ضمير.

كبرت وتزوجت، وبات زوجي يساعدني في أعمال البيت من حين إلى آخر، وأشكره عندما يقوم بأي فعل. وعلى الرغم من كل قناعاتي، ما زلت أرى أن هذه الأعمال لا تخصّه، بل هي من شؤون المرأة فحسب، وأنني يجب أن أقوم بها في المقام الأول، وأن أي مساعدة من جانبه، هي تفضّلٌ منه ليس مطالباً به. أكرر باستمرار القناعات نفسها، ولكنها لا تكون موضع التنفيذ الفعلي، وكأنها ليست بالقوة المطلوبة، أو لم تحصل على تأييد يليق بها.

هذا ما نفعله نحن، بعض النساء، عادةً. نعترض على ما يحدث لنا، ونطالب بالتغيير، ثم نذهب إلى منازلنا لنقوم بكل الأدوار الملقاة علينا، من دون تردد، لأننا نعاني من هذا الإحساس الداخلي بأن هذا ما يجب أن نفعله، وبأن هذا هو دورنا حقاً، وإن كان ذلك مخالفاً لقناعاتنا.

بعد زواجي رزقت بابنة صغيرة، وكنت سعيدةً جداً، والجميع كانوا سعداء. ولكن تلك السعادة لم تخلُ من بعض الإشارات والدعوات إلى أن يكون المولود الثاني ذكراً. كنت أضحك، وأسخر، وأسبّ، وألعن، وأغضب، بينما بيني وبين هذه الذات الآثمة، تمنيت أن يكون الثاني كذلك، ليس لأنني أفضّل الولد، ولكن حتى أتخلص من هذا الضغط الذي قد أتعرض له من أهلي، وقد كان.

صديقتي التي لديها ولدان، أخبرتني بأنها لا تحب إنجاب الإناث، وأنها منذ البداية دعت الله أن تنجب ذكوراً فحسب. وعندما سألتها عن السبب، قالت إن هذا في الجينات، فدائماً الأمهات يفضّلن الذكور مهما أنكرن ذلك، ومهما مر الزمن لن نستطيع أن ننزع عنا هذا الإرث.

نكرر باستمرار هذه الشعارات الرنانة التي تؤكد لمن يسمعها أننا نؤيد الحريات، ثم تأتي أفعال بعضنا مناقضةً تماماً، وكأن الكلمات خفيفة، بينما العادات التي تنمو في داخلنا أثقل من أن نتجاوزها. كانت جارتي تسبّ الختان، وتحكي عن تجربتها القاسية التي تعرّضت لها وهي صغيرة، ولكنها كررت الفعل نفسه مع ابنتها، وقالت مبررةً فعلتها إنها ذهبت بها إلى طبيب، وإنها فعلت ذلك بعد إلحاح من حماتها.

هذا الموروث الذي لا يُستبعد الرجال منه، خاصةً الذين يصفقون لزملائهن المجتهدات في العمل، ويشجعوهن على أي تميّز، بينما يضيّقون الخناق على زوجاتهن وبناتهن، مطبّقين كل عادات الأهل بأن الزوجة لا يجب أن تكون أعلى شأناً من زوجها، وأن هناك قائمةً من الممنوعات لا يجوز تجاهلها.

هل نحن حقاً خلعنا عباءة أهلنا، وتركنا وراءنا هذه الموروثات المعيبة؟ إذاً لماذا نقول إننا نؤيد المطلقة وحقوقها، ثم نتحدث سراً عن المطلقة التي تعيش وحدها؟ لماذا نؤيد الحريات ونراقب تصرفات الأرملة التي تعود إلى البيت في ساعة متأخرة؟

هذه العادات التي كبّلت المرأة التي تزوجت في سن صغيرة، وعانت الأمرّين، ثم أنجبت طفلةً، وعندما أصبحت في الرابعة عشر قررت أن تزوجها. فعلت بها الشيء نفسه، وكررت المأساة عينها، فقط لأنها تعتقد بينها وبين نفسها بأنه ربما يكون هذا هو الأفضل، وربما يكون الزواج عفةً في هذه السن.

فهل نحن حقاً خلعنا عباءة أهلنا، وتركنا وراءنا هذه الموروثات المعيبة؟ إذاً لماذا نقول إننا نؤيد المطلقة وحقوقها، ثم نتحدث سراً عن المطلقة التي تعيش وحدها؟ لماذا نؤيد الحريات ونراقب تصرفات الأرملة التي تعود إلى البيت في ساعة متأخرة؟ لماذا نرفض ونضيّق الخناق على فتياتنا، حتى باتوا يكرهون حياتهن مثلما كنا نكرهها قديماً؟ لماذا نُعجب بهذه الممثلة، ونرفض أن تدخل فتياتنا مجال التمثيل؟

موروثاتنا ستظل دائماً عقبةً أمام كل حلم جميل ينتظر، وكل فكرة تحارب للظهور. ربما لم يكن لنا ذنب في ما فعله غيرنا، ولكن هل نحن أبرياء وسط هذا الخوف والتقييد والتناقض؟ أعتقد أننا يجب أن نعترف أولاً بأننا أسرى، أسرى هذا الماضي الذي يخنقنا، ونحن نريد أن نعانقه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image