لا تزال تداعيات جريمة قتل عاملة فلبينية في الكويت وحرق جثمانها على يد مواطن قاصر في عمر الـ16 ربيعاً، بعد اغتصابه لها وحملها منه، مستمرة إذ سعى البعض إلى "الدفاع" عن القاتل و"التبرير" له عبر تشويه الضحيّة واتهامها بالتلاعب به لصغر سنه على غرار ما حدث مع قاتل الشابة المصرية نيرة أشرف. وهو ما أزعج الكثير من الكويتيين.
والسبت 23 كانون الثاني/ يناير 2023، أفادت وسائل إعلام كويتية بالعثور على "جثة محروقة ومتفحمة لامرأة ذات ملامح آسيوية على طريق السالمي"، مضيفةً أن ثمة "تهشّماً في الجمجمة".
وأعلنت النيابة العامة بعد ذلك بيومين: "التحريات والتحقيقات كشفت عن تعرض الضحية للمواقعة والقتل، واتضح أن مرتكب الواقعة مواطن حدث، وجار اتخاذ الإجراءات القانونية بحقه". واتضح أن الضحية هي الشابة جوليبي رانارا التي عملت عاملة منزلية لدى القاتل.
وشهدت الساعات الماضية تطورات عديدة على صعيد القضية التي خُشي من أنها تتسبب في أزمة دبلوماسية بين الكويت والفلبين. أكدت صحيفة "مانيلا تايمز" الفلبينية الصادرة بالإنكليزية، نقلاً عن مصادر رسمية، أن حكومة الفلبين بصدد مراجعة اتفاقية العمل المبرمة مع الكويت لتوفير مزيد من الحماية للعمالة الفلبينية بالبلد الخليجي عقب الجريمة المروعة، فضلاً عن إعادة تقييم عملية توظيف الفلبينيين بالخارج لحماية مصالحهم بدرجة أكبر.
في الأثناء، التقى وزير الخارجية الشيخ سالم العبد الله، الاثنين 29 كانون الثاني/ يناير، القائم بأعمال سفارة الفلبين لدى البلاد، هوزيه ألمودوفار كابريرا الثالث، وأكد له أن جريمة القتل التي راحت ضحيتها وافدة فلبينية "حادث فردي مؤسف ولا يمثل الشعب الكويتي الذي جبل على الرحمة والرأفة والإنسانية".
اغتصبها وحين حملت منه قتلها وهشّم رأسها وحرق جثمانها حتى تفحّم... غضب في #الكويت من محاولات "تبرير وتمييع" #جريمة_بر_السالمي التي قضت فيها عاملة منزلية فلبينية على يد مواطن، عبر تشويه الضحية على غرار "التعاطف" مع قاتل نيرة أشرف
العبد الله أبلغ المسؤول الفلبيني أن "العدالة ستأخذ مجراها في هذه القضية بكل شفافية ونزاهة"، مؤكداً حرص بلاده على "رعاية وحماية وسلامة وحفظ حقوق جميع المقيمين على أرضها بمن فيهم الجالية الفلبينية".
زيادة نسبة الجرائم المميتة
بعكس تصريحات الوزير الكويتي، شهدت البلاد في الأشهر الأخيرة ارتفاعاً في معدل الجرائم العنيفة والمميتة. بالتزامن مع العثور على جثمان العاملة المنزلية الفلبينية، عُثر على ثلاثة جثامين لمواطنين شابين ومواطنة قضوا قتلاً بطرق مختلفة. وتعد العاملات المنزليات من أكثر فئات الوافدين تعرضاً للعنف وإساءة المعاملة والتمييز في الكويت، وفق تقارير حقوقية عديدة متطابقة.
ففي أيار/ مايو 2019، ألمحت الفلبين إلى إمكان إيقاف إرسال عمالتها المنزلية إلى الكويت بعد وفاة عاملة منزلية فلبينية عقب تعرضها لاعتداء جنسي.
وفق أحدث إحصائية للنيابة العامة ووزارة العدل في الكويت، وقعت 964 حادثة قتل واعتداء على النفس عام 2022، تنوعت في توصيفها القانوني بين إزهاق روح وضرب مفضٍ للموت وشروع في القتل ومشاجرات دامية أدت إلى إصابات خطيرة وعاهات مستديمة وغيرها. علماً أن مرتكبي غالبية هذه الجرائم المميتة تراوحت أعمارهم بين 15 و50 عاماً.
وتُطرح "المخدرات والمشكلات النفسية والخلافات العائلية والانتقام والثأر والمشاجرات" كأبرز أسباب زيادة حوادث القتل في الكويت. في حين تفيد تقديرات بأن "نحو 65% من الجرائم مرتبطة بتعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية، ونحو 60 إلى 65% من إجمالي السجناء مدانون في قضايا مرتبطة بالمخدرات".
"علم الجريمة يفسّر دوافع الجريمة، وخاصة الدوافع التي تكون نائمة في لا وعي المجتمع. بيئة الأفكار في عقولنا خطيرة أكثر مما نتصور وقد تكون حاضنة للجريمة"
"تبرير وتمييع الجريمة أخطر"
وعبر وسمي #jullebeeranara و#جريمة_بر_السالمي، عبّر العديد من الكويتيين عن قلقهم إزاء ارتفاع نسبة الجريمة في البلد الخليجي أولاً، وظهور أصوات تدافع عن و/ أو تبرر للقتلة ثانياً. ودعت أصوات غاضبة: "لا مكان للمجرم وسط مجتمعنا، وإن كان حدثاً، أوصلوه لحبل المشنقة".
وألمحت الناشطة مريم الديولي إلى أن محاولة التبرير للقاتل نابعة من العنصرية والتمييز ضد الوافدين وتحديداً العاملات المنزليات في بلدها لا التعاطف مع صغر سن القاتل. غرّدت: "نعيد صياغة الأحداث… اغتصاب وحمل وقتل وحرق. لنفترض أن القصة كانت بين وافد طالب وبنت كويتية في أواخر الثلاثين، راح يكون في تبريرات للقتل حزتها؟! بسكم (كفاكم) مثالية زائفة. وسمّوا الجريمة باسمها. القتل قتل ما في نقاش ولا عرق ولا جنس".
وأشارت الكاتبة الكويتية سحر بن علي إلى إحصائية وزارة العدل عن ارتفاع نسبة الجرائم في البلاد، معقّبةً "مع قراءتي لتعليقات الناس حول الجريمة، فإن تبرير الجريمة من ناس عادية مثلنا أمر مخيف أكثر" أي من زيادة الجرائم.
وفي سلسلة تغريدات، شدد المحامي والمستشار القانوني د. عبد السلام البلوشي: "الجريمة التي أدت إلى قتل العاملة الفلبينية شنيعة وبعض التعليقات كذلك فظيعة ومرعبة. علم الجريمة يفسّر دوافع الجريمة، وخاصة الدوافع التي تكون نائمة في لا وعي المجتمع. بيئة الأفكار في عقولنا خطيرة أكثر مما نتصور وقد تكون حاضنة للجريمة".
"لنفترض أن القصة (اغتصاب وحمل وقتل وحرق) كانت بين طالب وافد وبنت كويتية في أواخر الثلاثين، راح يكون في تبريرات للقتل حزتها؟! بسكم (كفاكم) مثالية زائفة. وسمّوا الجريمة باسمها. القتل قتل ما في نقاش ولا عرق ولا جنس"
مع التسليم بأنه "لا يوجد مجتمع ملائكي"، ألمح البلوشي إلى أن "تبرير وتمييع الجريمة" يسهمان في زيادة نسبة الجريمة في الكويت، خاصةً مع قوله إن "المجتمعات الخليجية ليست عنيفة بطبيعتها". وعدّد المحامي الكويتي أسباب زيادة الجرائم، ومنها: "قلة الوعي بالقانون، والخلط بين القانون والشريعة" بالإضافة إلى "وجود مجتمع محلي ومجتمع وافد"، وهذا ما يترتب عليه "محاولات لتصوير أن هناك فئات وأشخاصاً أقل درجة إنسانية وأقل أحقية للحياة".
وانتقد البلوشي غياب المعلومات من الجانب الرسمي حول الجرائم، ما يفتح الباب أمام التكهنات والتبرير، داعياً إلى "نشر الأخبار الرسمية أولاً بأول حول التحقيقات والتهم الموجهة والعقوبات المتوقعة لمنع نشر الشائعات والأخبار الخاطئة والتفسيرات والتبريرات البشعة من مستخدمي وسائل التواصل" مع ضرورة أن يكون "الخطاب الرسمي والقانون واضحاً وصارماً مثل حد السيف" إزاء العنصرية والتمييز ضد الوافدين.
يُذكر أن لجنة تشكّلت في عام 2015 لدراسة ظاهرة العنف في المجتمع الكويتي، ضمت 16 دكتوراً من جامعة الكويت في تخصصات مختلفة ومسؤولين من وزارات الداخلية والصحة والتربية والعدل.
وخلصت اللجنة إلى أن الأسباب وراء زيادة الجريمة تتمثل في "الضعف الشديد في العملية التعليمية" والذي يؤدي إلى "خلق جيل سطحي غير ناضج وبالتالي من السهل أن ينحرف" و"القوانين الجنائية التي لا تتناسب مع التغيرات الحاصلة، وخاصة قوانين الأسرة وحضانة الأطفال" و"عدم وجود أنشطة يستغل الفرد فيها وقته ويطور من نفسه بحيث أصبح الكثير من الأشخاص بمثابة بطالة مقنعة"، علاوة على "انتشار الاضطرابات النفسية بسبب إدمان المخدرات".
ولام المختص في علم النفس الجنائي د. طلال العلي، وكان أحد أعضاء اللجنة، السلطات الكويتية لعدم تنفيذ توصيات اللجنة، متوقعاً تزايد جرائم القتل والسلوك العدواني في السنوات المقبلة، "لأن الجهات الحكومية تعالج هذه الظواهر بطرق غير علمية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه