في المغرب لا حديث في الأيام القليلة الماضية، إلا عن إدانة غالبية الأصوات في البرلمان الأوروبي، لأول مرة منذ 25 سنة، لـ "حُرية الصحافة والتعبير في المملكة"، خلال جلسة عامة البرلمان البرلماني، تمت المُطالبة بإطلاق سراح كافة المُعتقلين على خلفية الأحداث الاجتماعية التي عرفها المغرب، بمن فيهم الصحافيون عمر الراضي وسليمان الريسوني وتوفيق بوعشرين، ومعتقلو حراك الريف؛ وما خلّفه من ردود أفعال في الوسط الدولي والوطني، خاصة البرلمان المغربي، الذي قرّر إثر ذلك "إعادة النظر في علاقاته مع البرلمان الأوربي وإخضاعها لتقييم شامل".
البرلمان الأوروبي انتقد حُرية الصحافة والتعبير في المغرب، وفق قرار صوّت له 356 عضوا بالبرلمان الأوروبي، مقابل رفض 32 وغياب 42 من إجمالي 430 نائبا، مُطالبا بإطلاق سراح الصحفيين وكافة معتقلي الرأي والتعبير في المغرب
بشكل رسمي، عقد البرلمان المغربي بمجلسيه يوم 23 يناير/ كانون ثاني 2023 جلسةً مشتركة، حضرها رؤساء وممثلو مختلفِ الفرق والمجموعات البرلمانية والبرلمانيون غير المنتسبين، للتنديد بتوصية البرلمان الأوروبي، واصفا إياها بـ"الحملة المُغرضة"، ومُعلنا في الوقت نفسه، عن اندهاشه وامتعاضه من هذه التوصية، مشيرا إلى أنها "أجهزت على منسوب الثقة بين المؤسستين التشريعيتين المغربية والأوربية ومسّت في الصميم بالتراكمات الإيجابية التي استغرق إنجازها عدّة عقود".
اعتبر البرلمان المغربي توصية البرلمان الأوروبي تجاوزا غير مقبول لاختصاصاته وصلاحياته، وتطاولا مرفوضا على سيادة المغرب وحُرمة واستقلالية مؤسساته القضائية، معربا عن "رفضه المطلق لنزعات الوصاية أو تلقّي الدروس من أي طرف كان، مهما كان مُستوى العلاقات التي تربطه بالمملكة"؛ وهو الشيء نفسه الذي أشار إليه ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية المغربي، بالقول إن "هناك حملة إعلامية وسياسية لبعض الأقليات ضد المغرب"، خلال استقباله جوزيب بوريل، وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، قبل أسبوعين في الرباط.
بين مُوافق ومُعارض
في الوقت الذي أدان فيه المجلس الأعلى للسلطة القضائية في المغرب ما نعته بـ"اتهامات ومزاعم خطيرة تستهدف استقلال السلطة القضائية المغربية"، مستنكرا "ما قام به البرلمان الأوروبي من تنصيب نفسه كهيئة لمُحاكمة القضاء المغربي بشكل مُنحاز" ومشيرا إلى أن "السلطات المغربية عملت على ضمان استقلالية القضاء وحقوق الضحايا في التقاضي"؛ رحّبت كل من منظمتي العفو الدولية ومراسلون بلا حدود إلى جانب شخصيات ومنظمات حقوقية من المغرب بتوصية البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، ومن المنظمات المغربية الهيئة المغربية لمساندة معتقلي الرأي، التي انسجمت كذلك مع توصية البرلمان الأوروبي، مُطالبة بالإفراج عن الصحفيين ومعتقلي الرأي وحراك الريف.
يرى خالد البكاري، المحلل السياسي والناشط الحقوقي، أن هناك "تضليلا فيما يخص توظيف عبارة التدخل في الشؤون الداخلية، الذي يعني التسرب إلى مصادر صُنع القرار بهدف إنتاج سياسات تخدم مصلحة الطرف الخارجي المتدخل" مردفا أن الأمر في توصية البرلمان الأوروبي يتعلق بـ"إثارة قضايا تهم حقوق الإنسان وحمايتها، وهو أمر عادي، بغض النظر عن النوايا، كما أنه أمر تنظمه اتفاقيات، مثل اتفاقية الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي التي منحته وضعية الشريك المتقدم، والتي تضم بنودا تجيز للاتحاد الأوروبي مراقبة الوضع الحقوقي ببلادنا، وتطوير الاتفاقيات الثنائية على ضوء تطور الوضع الحقوقي تقدما أو تراجعا".
هبّة مؤسسات رسمية مغربية للاعتراض على انتقاد البرلمان الأوروبي لوضع حقوق الإنسان في المغرب طرحت تساؤلات لدى عديدين فيما رأى فيها آخرون دفاعا عن السيادة الداخلية
"إن المغرب يتلقى العشرات من التوصيات من بلدان متعددة عبر آلية الاستعراض الدوري في مجلس حقوق الإنسان، بجنيف، التابع للمفوضية الأممية المكلفة بحقوق الإنسان" يضيف البكاري في حديثه لرصيف22، مشيرا في الوقت نفسه، إلى أنه "من أجل العمل على إعادة الثقة الكاملة بين المواطن المغربي ومؤسسات الدولة لا بد من مداخل متعددة، وعاجلها هو العودة إلى روح مغرب نهاية التسعينيات وبداية الألفية الثالثة حيث كان ثمة تطورات في الميدان الحقوقي والديمقراطي".
يبرز المتحدث نفسه، أنه في تلك الفترة الزمنية من تاريخ المغرب، "لم نكن نصل إلى المعايير الكونية، ولكن كانت ثمة تطورات تُحيل إلى إمكانية حدوث انتقال ديمقراطي إذا ما استمرت تلك الوتيرة تصاعديا، لكن للأسف تم القطع مع تلك التجربة، ولذلك فإن الانفراج في الواجهة الحقوقية أصبح مطلبا مُلحّا ومستعجلا، وبالموازاة معه يجب توسيع هوامش حرية الرأي والتعبير، ومحاربة بؤر الريع الاقتصادي والفساد ونهب المال العام، بمعنى آخر يلزمنا إرادة سياسية حقيقية لمحاربة الفساد والاستبداد معا، وأعتقد أن هذا يلزمه حوار وطني صريح لا يستثني أحدا".
ليس مُلزما ولكن..
بالرغم من أن قرار البرلمان الأوروبي لا يُعتبر مُلزما، إلا أنه قد حمل جُملة من التداعيات التي وُصفت من قبل مُتابعي الشأن الدولي والوطني بـ"المُقلقة" على مُستوى العلاقات الثنائية بين الطرفين؛ خاصة فيما تم ترويجه خلال الأسابيع الماضية بشأن وجود شبهات فساد داخل أروقة الاتحاد الأوروبي فيما يُعرف بـ"موروكو غيت"، وهي المسألة التي أعلنت الرباط عن رفضها لها، فيما فتحت فيها المؤسسة الأوروبية "تحقيقا" في شبهات تلقي نواب أوروبيين لرشاوى من طرف المغرب.
في بلاغ له، أعرب البرلمان المغربي، عن أسفه لم وصفه بـ"انصياع البرلمان الأوروبي لبعض الجهات المعادية داخله واستدراجه في حملتهم المضلّلة التي تستهدف شريكا عريقا وذا مصداقية، يضطلع بأدوار كبرى في حماية الحقوق والحريات والدفاع عن الأمن والسلم الإقليمي والدولي، ويُعتبر ركيزة استقرار ودعامة لحُسن الجوار وللتفاهم بين الشعوب والحضارات والثقافات"، مدينا في الوقت نفسه ما اعتبرها "المحاولات العدائية للمساس بمصالح المغرب وصورته".
يرى حسن بلوان، المحلل السياسي والخبير في العلاقات الدولية، أن "هُناك عددا من التحديات لحقوق الإنسان تُواجه المغرب، على غرار جميع الدول التي تعيش انتقالا ديمقراطيا، لكنها لا ترقى أن تُحدث شرخا حقوقيا كبيرا يمكن وصفه بالنكوص الحقوقي"، وفق رأيه، مُعتبرا أن العدالة الاجتماعية، بالإضافة إلى الحق في التنمية المستدامة والشاملة، ومحاربة العنف ضد الأطفال والنساء من أهم التحديات التي لا تزال تُواجه حقوق الإنسان في المغرب.
"في نفس الوقت، يمكن القول إن المغرب عمل على خطوات كبيرة في المجال الحقوقي خاصة فيما يتعلق بحرية التعبير وحفظ الذاكرة، انطلاقا من تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة كخطوة فريدة وشجاعة عربيا وإفريقيا مرورا بتحديث الترسانة القانونية والمصادقة على جميع المعاهدات والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان"، يؤكد بلوان في حديثه لرصيف22.
يضيف المتحدث نفسه، أنه "بالنظر إلى العلاقة الحالية بين المجتمع ومؤسسات الدولة المغربية، أعتقد أنه لم يكن ينعم المغرب بارتفاع منسوب الثقة مثل ما هي عليه اليوم، لمجموعة من الاعتبارات السياسية والثقافية، لعبت فيها محنة كورونا دورا كبيرا، بالإضافة إلى بعض الإنجازات الحقوقية والسياسية والدبلوماسية والرياضية التي عمّقت من الروابط المجتمعية والمؤسساتية" مردفا "لكن لا بد من بذل مجهودات إضافية للقطع مع بعض الممارسات المعزولة التي لا تنسجم مع الأشواط المهمة التي قطعها المغرب في المجال الحقوقي".
يذكر أن البرلمان الأوروبي انتقد حُرية الصحافة والتعبير في المغرب، وفق قرار صوّت له 356 عضوا بالبرلمان الأوروبي، مقابل رفض 32 وغياب 42 من إجمالي 430 نائبا، مُطالبا بإطلاق سراح الصحفيين وكافة معتقلي الرأي والتعبير في المغرب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...