"أكثر من 43.9 في المئة من الصحافيّات في المغرب تعرّضن للتحرش، داخل مقرات العمل، سواء من قبل زملاء أو رؤساء التحرير، وبينما أقرّت 82.8 في المئة منهنّ بأن التحرش كان لفظياً، قالت 17.2 في المئة منهن إنه كان جسدياً". هذه نتيجة صادمة كشفت عنها دراسة عنوانها "مقاربة النوع الاجتماعي بالمقاولات الصحافيّة بالمغرب وحماية الصحافيّات"، أنجزتها الصحافيّة ماجدة آيت لكتاوي، لصالح المنتدى المغربي للصحافيين والشباب، وبدعم من منظمة "أنترنيوز" الدولية.
الدراسة التي حصل رصيف22 على نسخة منها، تؤكد أن "30.3 في المئة ممن تعرّضن للتحرش قلن إنه كان صادراً عن زميل صحافي، بينما 24.2 قلن إنه كان صادراً عن رئيس التحرير، و9.1 في المئة كان صادراً عن مدير النشر"، مبرزةً أن "الصحافيّات المتعرّضات للتحرش لا يقمن بالتبليغ عن المتحرش بنسبة تصل إلى 91.2 في المئة، فيما قامت فقط 8.8 في المئة منهن بالتبليغ"، ناهيك عن فوارق الأجور ما بين الصحافيّات والصحافيين، في كل مناصب المسؤولية وغيرها، بمُبرّر أن "الصحافي (الرّجل) لديه مسؤوليات ماديّة أكثر من المرأة الصحافيّة".
شاركت في "الاستبيان" الذي اعتمدت عليه الدراسة، 66 صحافيّة وطالبة إعلام ومتدربة يمثلن مجتمع الصحافة في المغرب، ويعملن في مؤسسات إعلامية خاصةً أو عموميّةً، وينتمين إلى الفئة العمرية ما بين 20 إلى 35 سنةً بنسبة 74.2 في المئة، و14 صحافيّة تتراوح أعمارهن ما بين 36 إلى 45 عاماً، بنسبة 21.2 في المئة، بالإضافة إلى 3 صحافيات ينتمين إلى الفئة العمرية ما بين 46 و 55 عاماً، بنسبة 4.5 في المئة.
تُدافع عن المجتمع وتخشاه
تقول ماجدة آيت لكتاوي، مُعدّة الدراسة ومنسقة الهيئة المغربية للصحافيّات الشابات المنبثقة عن "المنتدى المغربي للصحافيين الشباب"، إن "المرأة الصحافيّة بالرغم من كونها تُدافع عن نساء المجتمع، وتنقل كافّة المشكلات التي تعيشها من خلال موادها الصحافيّة، إلا أنها حين تتعرض للتحرش، تخشى من الكشف عن ذلك، خشية ما قد تُنعت به أو ما قد يلحق بها من أذى"، مبررةً عدم كشف جُلّ الصحافيّات اللواتي تعرّضن للتحرش عن ذلك، بأنهن "قد يربكهنّ المحيطون بهن من أب أو زوج أو أخ، إذ إنه وللأسف، لا يزال المجتمع المغربي غير متفق على قبول عمل المرأة في مجال الصحافة".
"الصحافيّة التي لا تقوى على الدفاع عن نفسها حين تتعرض للتحرش، هي متناقضة مع نفسها، خاصةً إن كانت تشتغل على قضايا حقوق الإنسان"
أضافت ماجدة، في حديثها إلى رصيف22، أن المرأة الصحافيّة "تتفادى الكشف عن تعرضها للتحرش خشية أن يُسقط المجتمع صوره النمطية عليها، فتُفضّل الصمت إثر ذلك"، مبرزةً أنه "قبل عقدين فقط من الزمن، كانت مهنة الصحافة والإعلام (في المغرب) حكراً على الرجال، ثم اقتحمت النساء هذا المجال عن جدارة واستحقاق، وعدد الصحافيّات اليوم على الرغم من أنه يشكّل نسبةً قليلةً، لكن أعتقد أنها نسبة تتطور يوماً بعد آخر".
تعيش نحو44 في المئة من الصحافيات المغربيات حالات للتحرش داخل العمل. فيما يعانين من التمييز في الأجور ومناصب المسؤولية أمام الرجال. دراسة حديثة كشفت عن متاعب النساء اللواتي يمارسن الصحافة في المملكة
بحسب أرقام المجلس الوطني للصحافة التي أعلن عنها في شهر تموز/ يوليو المنصرم، بعد معالجته لطلبات الحصول على بطاقة الصحافة المهنية برسم سنة 2021، حصل على بطاقة الصحافي المهني 3،394 ممارساً من ضمنهم 953 صحافيّةً، إذ تمثل النساء الصحافيّات بالكاد في الجسم الصحافي المهني نسبة 28 في المئة، وهي النسبة نفسها التي تم تسجيلها عام 2020، حين حصل على بطاقة الصحافي المهني 2،928 شخصاً من ضمنهم 831 صحافيّةً، النسبة التي تقول لكتاوي في حديثها إلى رصيف22، إنها "غير كافية في مغرب اليوم، لكننا نطمح إلى أن يتم فتح الأبواب أكثر أمام الصحافيّات، وأن يجدن الدعم الكافي داخل المجتمع، من أجل متابعة الدراسة والتدريب في مجال الصحافة والإعلام، وكذا ممارسة المهنة، ليكنّ قيمةً مضافةً".
تمييز واضح
وُصفت الأرقام التي كشفت عنها هذه الدراسة، بـ"الصادمة"، خاصةً أنها عُنيت بجملة من الجوانب المتعلقة بالجنسين معاً، من بينها "الأجور والامتيازات المتعلقة بالسفريّات والورشات التدريبية والتغطيات الخاصة"، إذ كشفت "62.1 في المئة منها أن التمييز موجود ويضّر بالمرأة الصحافيّة، في وقت لم تلمس 37.9 في المئة هذا الأمر داخل المقاولات الصحافية التي يعملن فيها"، بالإضافة إلى أن "57.6 في المئة من الصحافيّات، يرين أن إدارة المؤسسة الإعلامية لا تراعي احتياجات وخصوصية النساء والفتيات في العمل، فيما أكدت 30.8 في المئة أنهن يعملن إلى ساعات متأخرة من الليل، بينما اشتكت 23.1 في المئة من توقيت عمل غير ملائم".
بحسب الدراسة نفسها فإنّ "بعض الإكراهات التي تعترض عمل الصحافيّات، تعود إلى التمثلات المجتمعية حول الصحافي بصفة عامة، والتي غالباً ما تكون منحازةً وغير سليمة، وذلك لوجود أزمة ثقة بين العمل الصحافي والمجتمع، بل أكثر من ذلك، هذه التصوّرات لا ينحصر أثرها في مربع التمثل، بل يمتد إلى التجسد في السلوك كتصرفات ومواقف، مما ينتج عنه تزايد العنف المادي والمعنوي الذي يلحق بالصحافيّات".
يدافعن عن الحقوق ويتعرضن للتحرش والتمييز. صورة تثير الغضب أكثر فأكثر بين العاملات في مجال الصحافة في المغرب
تقول أمال كنين، صحافيّة مهنية، إن "الصحافيّة التي لا تقوى على الدفاع عن نفسها حين تتعرض للتحرش، هي متناقضة مع نفسها، خاصةً إن كانت تشتغل على قضايا حقوق الإنسان، وتُنادي بعدد من المبادئ، بالرغم من مبرر الخوف من فقدان عملها"، وترى أن "المرأة الصحافيّة التي تتعرض للتحرش من صحافيّ زميل يجب عليها إبلاغ رئيس التحرير، وفي حال تعرضها للتحرش من رئيس التحرير تُبلغ مدير النشر، وإن تعرضت مثلاً للتحرش من مدير النشر فلتعمل على إبلاغ 'المجلس الوطني للصحافة' (مؤسسة رسمية). لكنني أتفهم مسألة صعوبة إثبات التحرش".
أما في ما يتعلق بتجويد القوانين المُتعلقة بالعمل الصحافي، فتؤكد كنين، في حديثها إلى رصيف22، أنه " يجب أن يُسنّ القانون من أجل تجويد العمل الصحافي عموماً، وليس من أجل التمييز الإيجابي لصالح المرأة الصحافيّة، إذ إنني من باب المساواة أرى أنني مثل زميلي الصحافي، كل منّا يقوى على العمل الميداني، الشيء الذي يجب أن ينعكس على الأجور".
في السياق نفسه، يقول سامي المودني، رئيس المنتدى المغربي للصحافيين الشباب، إن "الغرض من هذا الاستبيان هو الوقوف عند مختلف الإشكاليات المتعلقة بعمل المرأة الصحافيّة داخل المؤسسات الإعلامية في المغرب، بجميع أصنافها، وكذا تقييمها ورصدها بشكل دقيق، الشيء الذي سيخّول لنا إيجاد منافذ لملاءمة السياسة العمومية ذات الصلة بمجال الإعلام مع مقاربات النوع الاجتماعي".
وأضاف المودني في حديثه إلى رصيف22: "نعمل من خلال هذه الدراسة على تقديم جملة من المقترحات من أجل بلورة سياسة عمومية تنتصر للنوع الاجتماعي داخل المؤسسات الإعلامية"، مبرزاً أنه "داخل المنتدى المغربي للصحافيين الشباب، تم العمل على عدد من المحاور داخل هذا الإطار، وتالياً لا يمكن الترويج لقيم المساواة والإنصاف في الممارسة من دون أن تكون القيم نفسها داخل هذه المؤسسات".
يحاول هذا العمل ودراسات أخرى، تقديم تصوّر أوضح عن الحقوق والواجبات داخل المؤسسات الإعلامية، لكيلا تتلطخ "نظّارات" المجتمع بسلوكيات تندّد بها كل يوم، وتكشف عن خطورتها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ اسبوعينلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...