شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
وسائل إعلام سورية تتوجه إلى الأتراك بلغتهم... لماذا تذكّرتم الآن؟

وسائل إعلام سورية تتوجه إلى الأتراك بلغتهم... لماذا تذكّرتم الآن؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

"ضربوه لأنه يبدو سورياً"؛ عبارة احتلّت عناوين أخبار وسائل الإعلام العربية عن حادثة تعرض مراسل صحيفة "الموندو" الإسبانية، لويس ميغيل هورتادو وزوجته، في مدينة إسطنبول التركية، في تموز/ يوليو الماضي، من قبل شبان أتراك، وسط تنامي خطاب الكراهية ضد الأجانب والسوريين تحديداً من قبل المعارضة التركية، قبيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة مبدئياً في صيف العام الحالي 2023.

وهذه الحادثة هي جزء من عشرات الحوادث العنصرية والاعتداءات الجسدية، إلى جانب الحملات المتتالية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وسط غياب أي تحرّك جدّي من قبل الحكومة التركية، وقلق عارم يجتاح المقيمين في تركيا، مما أدى إلى تحرك المئات باتجاه الدول الأوروبية بطريقة غير شرعية برّاً أو بحراً.

وسط هذه الحوادث والحملات، وجدت وسائل الإعلام العربية والسورية تحديداً التي تتخذ من تركيا مقراً لها، نفسها عاجزةً في مواجهة هذه الحملات، فلا هي لديها القدرة الكاملة على الوصول إلى الجمهور التركي من جهة، ولا يمكن لها أن تصمت في ظلّ الظروف الحالية، مع علم وسائل الإعلام العربية عموماً بأن وجودها على الأراضي التركية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالظروف السياسية والعلاقات بين تركيا والدول التي تعارضها وسائل الإعلام، وتحديداً السورية.

ونتيجةً لانتقادات الجمهور المتكررة، وجدت وسائل الإعلام السورية طريقةً للتحرك والحديث عن الحملات العنصرية التي يواجهها السوريون، ومحاولة مواجهة ما لا يمكن مواجهته بشكل منفرد ومن دون إمكانات ضخمة، من معلومات مغلوطة وشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك من خلال مخاطبة الجمهور التركي بلغته.

نتيجة للعنصرية المتزايدة، أطلقت أكثر من مؤسسة إعلامية سورية في اسطنبول برامج موجهة للأتراك وتخاطبهم بلغتهم

دوافع للمحاولة

أطلقت مؤسسة "الأورينت" المملوكة لرجل الأعمال السوري غسان عبود، منصة "Orient Türk" الناطقة باللغة التركية، وذلك في 10 تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي 2022، وقالت حينها إن الغرض من إطلاقها "مخاطبة الشارع التركي بلغته ونقل صوت السوريين وصورتهم كما هي وتفاصيل همومهم وأوجاعهم والتي قد لا تصل إلى الأتراك بشكلها الصحيح"، فيما رأى رئيس تحرير القناة علاء فرحات، أن المنصة "تسعى إلى تصحيح المفاهيم والمعلومات الخطأ والمضللة التي تنشرها العديد من وسائل الإعلام التركية ومنصاتها عن السوريين"، بحسب ما نشرت "أورينت" في 9 تشرين الأول/ أكتوبر 2022.

وحاول رصيف22، التواصل مع فرحات، لكنه لم يجب عن الأسئلة المطروحة من قبلنا حول المنصة.

في المقابل، يُجري "تلفزيون سوريا" التابع لمؤسسة فضاءات القطرية، والذي يُعدّ المنافس الرئيسي لقناة "أورينت" في الإعلام السوري، استطلاعات رأي مع مواطنين أتراك باللغة التركية تُنشر بشكل دوري عبر صفحاته على وسائل التواصل الاجتماعي وقناته في "يوتيوب".

أما صحيفة "عنب بلدي"، والتي تتخذ من تركيا مقراً لها، فذهبت باتجاه مختلف عندما أنتجت "بودكاست" تقدّمه صحافية تركية، حمل اسم "Sınır Etkisi"، يتحدث عن حقوق الإنسان والمهاجرين بشكل عام، كما أنتجت في رمضان الماضي برنامجاً مصوراً بثته عبر قناتها في "يوتيوب"، حمل اسم "طبخ وشغل"، جمع صبيتين، تركية وسورية، تحدثتا خلاله عن الثقافة والعادات والتقاليد والأكلات المشتركة والفروقات بينها، كما أطلقت في مطلع عام 2021، بودكاست حمل اسم "سيميت وشاي" للتعريف بثقافة وعادات الأتراك وتسهيل حياة العرب في تركيا ومساعدتهم على التصرف في بعض الأمور المعيشية وكذلك الحديث عن بعض الأماكن المهمة في البلاد.

يقول رئيس تحرير عنب بلدي جواد شربجي، لرصيف22، إن الصحيفة "حرصت على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لتركيا منذ انتقالها للعمل فيها في عام 2015، وهو ما تحول لاحقاً إلى سياسة تحريرية، ونتعامل فقط مع القضايا التي تخص السوريين، لذا تُعدّ صناعة محتوى مخصص للأتراك تحولاً وخطاً جديداً".

"كيف نؤثر؟"

شربجي يرى أن "جميع وسائل الإعلام العربية وليس فقط عنب بلدي، شعرت بالعجز بعد عام 2018، وازدياد حملات الكراهية ضد الأجانب عموماً، والسوريين خصوصاً، وهذا العجز هو نتيجة وجود منبر ووسيلة إعلام وجمهور، لكن لا توجد قدرة على الوصول إلى جمهور تركي يتفاعل بشكل سلبي مع وسائل الإعلام التركية والحالة الاقتصادية".

جميع وسائل الإعلام العربية شعرت بالعجز بعد عام 2018، وازدياد حملات الكراهية ضد الأجانب عموماً، والسوريين خصوصاً، من دون قدرة على التفاعل مع الجمهور التركي... فعلى ماذا تعتمد هذه المبادرات؟

ويضيف: "ملتزمون بعدم التدخل، خاصةً أننا مستهدفون بالأصل ولا أحد لديه القدرة الكاملة على المواجهة، لذا كان السؤال كيف يمكن للجمهور التركي أن يسمعك ويتأثر بشكل إيجابي؟".

ولا توجد أعداد دقيقة لأعداد الإعلاميين العرب والسوريين أو وسائل الإعلام العربية في تركيا، لكن الرئيس السابق لجمعية "بيت الإعلاميين العرب" زاهد غول، قال في حوار مع وكالة الأناضول في عام 2017، إنها تتجاوز الـ50 مؤسسةً، فيما أشار الإعلامي الفلسطيني رامي الجندي، في تقرير نشرته "مجلة الصحافة" التابعة لـ"معهد الجزيرة للإعلام الجزيرة"، إلى وجود 13 قناةً فضائيةً عربيةً وعشرة مواقع إلكترونية عربية، علماً أن هذا العدد انخفض بطبيعة الحال مع تغير سياسات الحكومة التركية تجاه عدد من وسائل الإعلام وتحديداً المصرية منها، بالإضافة إلى صعوبة الحصول على التراخيص اللازمة.

تقول الصحافية في "تلفزيون سوريا" سيما نعناعة، لرصيف22، إن "السبب الرئيسي لمحاولة إنتاج مقابلات الشارع باللغة التركية هو تزايد موجة العنصرية والمعلومات المغلوطة بين الأتراك حول السوريين ووضعهم في تركيا، لذا هي محاولة لتصحيح هذه الأخطاء وإيصال المعلومات الصحيحة إلى أكبر عدد ممكن من الأتراك"، مشيرةً إلى أن هذه الخطوة قد "تسهل على بعض السوريين الرد على الأخطاء التي يكررها الأتراك".

وفي الوقت الذي اتجهت فيه نعناعة، إلى الشارع كمكان يحمل مواجهةً مباشرةً، لجأت عنب بلدي إلى إطلاق البودكاست السابق ذكره، عبر مواطنة تركية، وهو ما يقول عنه شربجي إن الصحيفة "أرادت شخصاً تركياً مؤمناً بحقوق الأجانب واللاجئين الهاربين من الحرب ويخاطب ابن بلده، وعلى هذا الأساس انطلقت التجربة".

ولا يتحدث البودكاست عن السوريين عموماً، بل يمكن تصنيفه تحت بند حقوق الإنسان، ويحكي عموماً عن حقوق المهاجرين في كل العالم وتحديداً من يأتي إلى تركيا، ويهدف وفق شربجي إلى "توعية المثقف التركي للانتباه إلى حقوق هؤلاء الأشخاص بوصفهم بشراً ومستضعفين ولديهم أزمات في بلادهم، مع التركيز على أن تركيا نفسها عانت يوماً ما من الحرب، وتحول الأتراك إلى طالبي حماية أيضاً، لذا هو خطاب تركي-تركي وتاريخي واستفزاز حقوقي وإنساني للمواطن التركي".

جدوى الاختراق

يبلغ عدد سكان تركيا أكثر من 84 مليون نسمة وفق أرقام هيئة الإحصاء التركية، كما تمتلك تركيا عدداً ضخماً من وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، لذا يبدو السؤال حول جدوى تحركات وسائل الإعلام السورية في محاولة التواصل مع شرائح الجمهور التركي في مكانه، خاصةً أن المواجهة قد لا تكون في صالحها من جهة، ومن جهة أخرى فإن صمت الحكومة التركية وعدم اتخاذها خطوات جديةً باتجاه الحد من خطاب الكراهية والعنصرية، قد لا يفيد هذه التحركات التي تستهدف مخاطبة شرائح متعددة المستويات الثقافية والاجتماعية أيضاً.

لا يتحدث البودكاست عن السوريين عموماً، بل يمكن تصنيفه تحت بند حقوق الإنسان، ويحكي عن حقوق المهاجرين في كل العالم

قد لا تكون هذه التحركات مجديةً أو قادرةً على التأثير والتغيير، لكن فكرة نشر المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي والنزول إلى الشارع والمواجهة، تعني بشكل ما وجود فرصة ولو كانت ضئيلةً للتغيير وهو أمر يستحق المحاولة حتى لو كان التغيير لن يأتي عبر عصا سحرية.

اختارت صحيفة عنب بلدي، عبر برامجها المنتجة مؤخراً، التوجه إلى شريحتين مختلفتين، الأولى هي الشريحة الشعبية التي استهدفها برنامج "طبخ وشغل" بينما اتجه بودكاست "سينير إتكيسي" (أثر الحديد)، إلى مخاطبة شريحة أكثر نخبويةً.

يقول شربجي إنه "بعد حادثة ضرب الصحافي الإسباني في إسطنبول، أعدنا التفكير مرةً أخرى، فالمشكلة لم تعد أن هناك كراهيةً للسوريين، عندما نرى الكراهية تصل إلى الاعتداء بسبب الشكل، وعندما نرى مواطنين أتراكاً يعنّفون أشخاصاً يتحدثون لغةً إنكليزيةً في وسائل النقل العام، وعندما نرى هذا الكم من التصرفات والسلوكيات في الشارع من قبل مواطنين عاديين لمجرد مصادفتهم شخصاً غير تركي، فهناك "مشكلة مجتمعية عميقة"، وهذا ما استدعى أن نخاطب قادة الرأي أو الأشخاص المؤثرين والمثقفين القادرين على إدارة توجهات الشارع والتأثير على وسائل الإعلام التركية بشكل إيجابي في هذا الموضوع، لذا أصبحت لدينا أولوية لمخاطبة هؤلاء وتغيير وجهة نظرهم وعدم تقبل أي شخص مختلف مهما كان مدى أو شكل اختلافه".

وحول مدى قدرة المحتوى على التغيير، يؤمن شربجي بأن "أي محتوى يُنشر يؤدي إلى التغيير"، وهو ما يتقاطع فيه مع سيما نعناعة، التي تقول إنه وبرغم صعوبة "تغيير وجهة نظر شعب كامل تعرض لحملات إعلامية مضادة على مدى سنوات منذ بدء الثورة السورية، ولكن يمكن التأثير ولو بشكل غير مباشر وهو ما يحصل بالفعل".

من جهته، يرى شربجي أن المحتوى الذي تقدمه عنب بلدي، هو "محتوى جيد ويهدف إلى التغيير ويُضاف إلى المكتبة الصوتية التركية وغير مرتبط بحدث معيّن، وتالياً يمكن الاستماع إليه في أي زمان ومكان، بالإضافة إلى أنه محتوى مفهوم وسلس لكل الفئات العمرية"، ويضيف: "هو في النهاية نقطة في صخرة لتعزيز حقوق الإنسان بشكل عام، لذا يجب أن يؤدي إلى تغيير ما ولو بعد زمن بعيد".

مؤشرات التغيير

أحد أبرز ما تقدّمه وسائل التواصل الاجتماعي لصنّاع المحتوى ووسائل الإعلام، هو القدرة على قياس التفاعل والوصول وتحديد شرائح الجمهور المختلفة، وهو ما يمكن الاستفادة منه لتحليل هذه الشرائح وتلافي نقاط الضعف وتطوير المحتوى نفسه، وتُعدّ هذه النقطة في غاية الأهمية في الظرف الراهن، والهدف الذي قررت وسائل الإعلام لأجله إطلاق محتوى باللغة التركية.

"عندما نرى هذا الكم من التصرفات والسلوكيات في الشارع من قبل مواطنين عاديين لمجرد مصادفتهم شخصاً غير تركي، فهناك "مشكلة مجتمعية عميقة"، فهل تكفي مخاطبة الشارع بلغته وهل تأخر هذا الأمر كثيراً؟

ربما لم يحقق البودكاست الذي أنتجته عنب بلدي، تفاعلاً أو انتشاراً واسعاً حتى اللحظة الحالية، لكن ذلك لا يعني أنه لا يسير في طريق تحقيق الهدف الأساسي له.

يشرح شربجي مستوى التفاعل بقوله: "قليل بشكل عام، وشعبيته ليست كبيرةً، ولذلك أسباب مفهومة أبرزها حداثة التجربة على منصة عربية، وهو ما يقلل وصوله، وهو ليس محتوى يُصنّف ضمن الترفيه، ولكن برغم ذلك هناك تفاعل وأراه مبهراً من حيث نوعية المتابعين، فعندما نرى إحصائيات الوصول عبر موقعنا الرسمي أو الصفحة الخاصة بالبودكاست، نرى لأول مرة شريحةً لم نعتدها وهي الشريحة العمرية بين 50 إلى 65 عاماً، بينما عادةً تكون بين 18 و24 و24 و35، لكن هذا البودكاست يصل إلى الكبار، وعندما نرى التعليقات فمعظمهم أساتذة جامعات أو من العاملين في منظمات مدنية، وهو أمر نستطيع تفهمه في الظرف الحالي".

من جهتها، تقول نعناعة إن المحتوى الذي تقدمه يحظى "بتفاعل متواضع لضعف الإمكانيات والانتشار ‘إيد لوحدها ما بتصفق’، ولكن وعلى مستوى المستطلعين وتمكين السوريين في معرفة كيفية الرد، وانتشارها بين بعض الأتراك فهو جيد، والدليل التفاعل سلباً أم إيجاباً مع هذا المحتوى، الذي يساعد على تخفيف حالة الخوف من العنصرية التي قد لا تنعكس بالضرورة في الإعلام المعارض، فليس لدى كل الأتراك التوجه ذاته".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بين دروب المنفى وذكريات الوطن

خلف كلّ مُهاجرٍ ولاجئ، حياة دُمِّرت وطموحاتٌ أصبحت ذكرياتٍ غابرةً، نُشرت في شتات الأرض قسراً. لكن لكلّ مهاجرٍ ولاجئ التمس السلامة في أرضٍ غريبة، الحقّ أيضاً في العيش بكرامةٍ بعد كلّ ما قاساه.

لذلك هنا، في رصيف22، نسعى إلى تسليط الضوء على نضالات المهاجرين/ ات واللاجئين/ ات والتنويه بحقوقهم/ نّ الإنسانية، فالتغاضي عن هذا الحق قد يؤدّي طرديّاً إلى مفاقمة أزمتهم والإمعان في نكبتهم. 

Website by WhiteBeard
Popup Image