"درت النية كِمّا قال الركراكي، لكن الفساد مْهَيمن في البلاد. نْتَزعوا منا أحلامنا"؛ هكذا عبّرت متبارية في امتحان ولوج مهنة المحاماة في المغرب، عن خيبة أملها عقب إعلان نتائج مباراة أثارت انتقادات واسعةً، جراء ما حام حولها من شبهات "تزوير وتلاعب في النتائج" لصالح أبناء سياسيين ومحامين وشخصيات مرموقة وموظفين في وزارة العدل.
يبدو للمتبارية مريم وزملائها، وغيرهم من المواطنين الذين انتابتهم الشكوك حول مباراة المحاماة، أن الحلم الذي حث عليه مدرب المنتخب الوطني وليد الركراكي، بعبارة "ديرو النية" في أثناء صناعته التاريخ في مباريات المونديال، لا يمكن أن يتجاوز زوايا المستطيل الأخضر، فهو لا ينطبق في نظرهم على واقع المغرب السياسي حيث "يهيمن الفساد وتتفشى المحسوبية على حساب أحلام الشباب".
فتح تحقيق
يطالب المتبارون الراسبون في الامتحان الكتابي لمزاولة مهنة المحاماة، بفتح تحقيق في نتائج المباراة، وإبطالها وإعادة تصحيح الأوراق في حال ثبوت التهم، فضلاً عن المساءلة القضائية لوزير العدل عبد اللطيف وهبي، وإعفائه من منصبه، في الوقت الذي يدافع فيه الأخير عن شفافية الامتحان ومصداقيته، متشبثاً بعدم التجاوب مع مطلب المواطنين، قائلاً: "لستُ إزاء جريمة لكي أفتح تحقيقاً".
وتساءل في حديثه إلى الصحافة: "لماذا سأفتح تحقيقاً؟ هل فقط لأن شخصاً جالساً في المقهى طالبني بذلك في تدوينة على مواقع التواصل الاجتماعي؟"، ما أثار ضجةً واسعةً على مستوى الأخيرة، وفي أوساط المتبارين ومتابعي القضية من الذين انتقدوا استهتار الوزير بما يصفونها بأنه "مطالب مشروعة".
وسط تصاعد حدة الانتقادات، وظهور قرينة تلو الأخرى معزِّزةً شكوك المواطنين حول نتائج الامتحان، أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس، الخميس 5 كانون الثاني/ يناير الجاري، عن أن وزير العدل عبد اللطيف وهبي "لديه موقف واضح بشأن مباراة المحاماة سيشرحه خلال الساعات القادمة"، وهو ما لم يحدث بعد حتى تاريخ نشر هذا المقال.
فضيحة وطنية!
يرى المحامي ورئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة "إفدي" الدولية لحقوق الإنسان عبد المجيد مراري، أنه يتوجب على وزير العدل أن يأمر بفتح تحقيق "إذا كان فعلاً يبحث عن إيجاد حل، وإقناع المواطن المغربي والطلبة الذين يشعرون بأنه قد تم إقصاؤهم من هذه المهنة"، مستغرباً عدم رغبة الوزير في الحديث عن التحقيق، وتلويحه بمواضيع أخرى خارج السياق.
الفساد مْهَيمن في البلاد. نْتَزعوا منا أحلامنا"؛ هكذا عبّرت متبارية في امتحان ولوج مهنة المحاماة في المغرب، عن خيبة أملها عقب إعلان نتائج مباراة أثارت انتقادات واسعةً، جراء ما حام حولها من شبهات "تزوير وتلاعب في النتائج"
يلفت المحامي في حديثه مع رصيف22، إلى أن صورة المغرب تهتز بمثل هذه السلوكيات، لذا سيكون لزاماً على سلطات البلاد فتح تحقيق لحسم الجدل حول ما سمّاه "الفضيحة الوطنية"، مشدداً على أنها بلغت المدى وتناقلتها مختلف وسائل الإعلام العربية والدولية، متسببةً للأطر المغربية في الخارج "بحرج كبير في ما يتعلق بسمعة المغرب وما يروج حوله من شبهات في هذا الملف".
"هذا هو الحل"؛ يؤكد مراري، ومن دونه يبقى الكلام كلاماً وشعارات "وتصريحات فقط من هنا وهناك غالبيتها سياسية"، داعياً الذين يحسون بالظلم بسبب نتائج مباراة المحاماة إلى اللجوء للقضاء، لأن "حق المتباري مكفول في الاطلاع على نسخة أجوبته وفي الطعن عبر القضاء الإداري أو الجهة المختصة داخل محكمة النقض"، من أجل الضغط من جهة المتبارين المتضررين في اتجاه فتح تحقيق بشأن هذه "الفضيحة".
شبهات وقرائن
من بين ما فجّر اتهامات "المحسوبية" و"التلاعب في نتائج الامتحان" الذي سجّل نجاح 2،081 متبارياً من أصل نحو 70 ألفاً، ظهور أسماء عدد من الناجحين تحمل ألقاباً عائليةً متشابهةً تنتمي إلى عائلات نافذة لمسؤولين سياسيين وقضاة ومحامين، من بينها ابن وزير العدل عبد اللطيف وهبي.
بالإضافة إلى وجود اسم مسؤول في وزارة العدل ضمن لائحة الناجحين، بالرغم من أن القانون يمنعه من اجتياز الامتحان لوجوده في حالة تنافٍ، وصدور قرار على مستوى الوزارة نفسها ينص على عضوية مديري الإدارة المركزية ضمن لجنة الإشراف على المباراة.
كرة الثلج التي أثارتها النتائج لم تتوقف عن التدحرج، وكبرت مع الكشف عن تفاصيل جديدة متوالية، منها ورود اسم ابن رجل أعمال في قائمة الناجحين قد لا يكون اجتاز الامتحان الكتابي فعلياً؛ إذ إن رقم الاستدعاء الذي يصاحب اسم الشخص الناجح يعود إلى مترشح آخر يُدعى مراد لشقار، لم يُعلَن اسمه ضمن الناجحين في الامتحان بينما ورد في لائحة المترشحين المقبولين لاجتياز المباراة، التي لم تتضمن اسم هوية ابن رجل الأعمال ولا رقمه، ما أثار المزيد من الشكوك حول شبهات التزوير والتلاعب في النتائج.
أسماء مسؤولين وأبنائهم ومحامين كبار ورجال أعمال ظهرت في قائمة الناجحين في امتحان المحاماة في المغرب ما أثار حفيظة بقية المتبارين الذين يتحدثون عن "فساد" و"تزوير"
وعبّرالمترشح مراد لشقار، في حديث إلى وسائل إعلام مغربية، عن استغرابه، وقال إنه تفاجأ بعدما وجد رقم استدعائه الذي اجتاز به الامتحان الكتابي، لدى شخص آخر باسم بطاقة هوية ورقم مختلفين، مطالباً وزارة العدل بالتوضيح وضمان حقه في اجتياز الامتحان الشفوي، بعد تطابق رقم استدعائه مع الرقم الذي أعلنت الوزارة نجاحه.
من جهته، شدد الشخص الثاني على أن ظهور اسمه في لائحة الناجحين يأتي بعد اجتيازه الاختبارين الكتابيين لامتحان الأهلية الخاص بمزاولة المحاماة، إذ يتوفر على استدعاء رسمي يتضمن اسمه ورقم بطاقة هويته الوطنية ورقم الاستدعاء ذاته، نافياً علاقته بالخطأ المتداول.
يقول المحامي عبد المجيد مراري، لرصيف22، إنه توجد مجموعة قرائن توحي بأنه قد حدث شيء غير عادي في امتحان المحاماة، وتحوم شكوك حول التزوير والغش وتسريب الأسئلة وحول المحسوبية والزبونية، لافتاً إلى أن كلامه لا يعني "ابن وزير أو ابن محامٍ أو ابن مسؤول قضائي بذاته لأنه من حق الجميع أن يزاولوا المحاماة أو أي منصب كان، ما دامت قد توفرت الأهلية والكفاءة لديهم".
يشير مراري إلى أنه إذا ثبتت بالفعل شبهة "الزبونية" (المحسوبية)، فهذا من شأنه أن يلغي كل تلك النتائج، "خاصةً مع وجود قرينة تتعلق ببعض الأسماء التي جاءت بأرقام واضحة وهويات متسلسلة تُظهِر أن الأمر يتعلق بعائلات وليس بأسماء عائلية تشابهت من باب الصدفة"، ويؤكد أن "هذه كلها قرائن يمكن الاعتماد عليها للطعن في نتائج الامتحان".
النزاهة على المحك
من بين "القرائن الكثيرة التي تدفع إلى هذه الشكوك" حسب المتحدث، تسريب الأسئلة في يوم الامتحان، وقبل ذلك الخلاف الذي حدث بين الوزارة وجمعية هيئات المحامين في المغرب على اعتبار أنه "لم يتم إشراك الأخيرة في تحديث الامتحان، ولا في تحديد موعده أو محاوره، كما جرت العادة في عهد وزراء العدل السابقين".
يتأسف مراري لاختيار وزير العدل الحالي عبد اللطيف وهبي، طريقاً مختلفاً وسياسةً جديدةً غريبةً عن سابقيه من الوزراء الذين كانوا "يقاربون القضايا مقاربةً تشاركيةً، أي أنهم كانوا يشركون هيئات المحامين في كل ما يهم الشأن المهني، سواء الامتحان أو أي قانون له علاقة بهم في جسم العدالة".
في هذا السياق، يقول رئيس فيدرالية المحامين الشباب في المغرب عبد البر منديل، لرصيف22، إن "هيئات المحامين وإطاراتهم المهنية كانت قد فطنت لما يحاك ضد مهنة المحاماة وطلبة الحقوق، وطالبت بتأجيل الامتحان إلى حين توفير الشروط الموضوعية لنجاح المستحقين وتكوينهم"، مشيراً إلى أن الإعلان عن امتحان الأهلية لولوج مهنة المحاماة من طرف وزارة العدل من دون استشارة أو تنسيق مع هيئات المحامين كان "بدايةً لمسار منحرف طبع جميع مراحل هذا الامتحان".
ويرى منديل أنه بعدما حصل "من تسريب لأسئلة الامتحان وتشكيك المواطنين ونشر الصحافة لمعطيات خطيرة حول الناجحين، تبيّن أن وجهة نظر المحامين كانت صائبةً، وأن نزاهة الامتحان على المحك"، الأمر الذي من شأنه، حسب المتحدث ذاته "الإضرار من جهة بصورة الوطن، ومن جهة ثانية برسالة المحاماة، ومن جهة أخيرة بجميع الطلبة الذين اجتازوا المباراة"، محمّلاً وزارة العدل المسؤولية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...