بوفاة النبي محمد، عام 11هـ، انقطعت علاقة الملاك جبريل بإرسال الوحي إلى الأرض، حسب عقيدة المسلمين السنّة. أما في الوجه المقابل، في العقيدة الشيعة، فإن الملائكة بما فيها جبريل داومت على زيارة السيدة فاطمة، بحسب روايات تكررت في مصادر شيعية، واستندت إليها آراء كثيرين من المعاصرين.
حدَّث ابن رستم الطبري في كتابه "دلائل الإمامة" عن جعفر الصادق، أن فاطمة سُمّيت "مُحدَّثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما كانت تنادي مريم بنت عمران، فتقول: يا فاطمة، إنَّ الله اصطفاك وطهَّرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربِّك، واسجدي واركعي مع الراكعين، وتُحدِّثهم ويُحدِّثونها"، ونتج عن هذه الزيارات الملائكية كتاب سُمّي بـ"مصحف فاطمة".
روايات عدّة رسمت ملامح هذا المصحف المفقود، وأثارت جدلاً واسعاً وصلت حدته إلى التشنيع على الشيعة، لما للروايات التي تداولوها من مخاوف يتحسب لها السنّة، مثل فتح الباب لعودة ملاك الوحي بعد انقطاعه، أو التأسيس لنص يمتلك نفس قوة وأثر القرآن.
ورغم التطمينات التي قدّمها الشيعة المعاصرون بشأن نفي احتواء مصحف فاطمة على قرآن بديل، والتشديد على غيابه وعدم تداوله، فإن كثيرين من السنّة يشككون في هذه الطمأنينة بوصفها مجرد تقية، "تُبيح لهم التظاهر لنا بغير ما يبطنون، فينخدع سليم القلب منّا بما يتظاهرون له به من رغبتهم في التفاهم والتقارب"، بحسب محب الدين الخطيب في كتابه "الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها دين الشيعة الإمامية الاثناعشرية".
مصحف فاطمة في التراث الشيعي
وردت تفاصيل كثيرة حول مصحف الزهراء في كتاب "الكافي في الأصول والفروع" لمحمد بن يعقوب الكليني (ت. 329هـ)، وهو واحد من أهم الموسوعات الحديثية لدى الشيعة. سَجَّل الكليني جملة من المرويات والأحاديث عن عدد من الرواة تحت عنوان "باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام".
أول الأحاديث، عن الراوي أبي بصير الأسدي (ت. 150هـ)، يقول فيه جعفر الصادق (ت. 148هـ)، وهو الإمام السادس بحسب المذهب الشيعي الاثناعشري، حين سُئل: "وما مصحف فاطمة عليها السلام؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد".
وفي حديث ثانٍ رواه حمَّاد بن عثمان (ت. 190هـ) عن الصادق أيضاً أنه سمعه يقول: "تظهر الزنادقة في سنة ثمان وعشرين ومائة، وذلك أني نظرت في مصحف فاطمة عليها السلام. قلت: وما مصحف فاطمة؟ قال: إن الله تعالى لما قبض نبيه صلى الله عليه وآله دخل على فاطمة -عليها السلام- من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، فأرسل الله إليها ملكاً يسلي غمها ويحدثها، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي، فأعلمته بذلك فجعل أمير المؤمنين عليه السلام يكتب كلما سمع، حتى أثبت من ذلك مصحفاً. ثم قال: أما إنه ليس فيه شيء من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون".
ويروي حديث ثالث عن الصادق ظروف نزول المصحف مرة أخرى، هكذا: "إن فاطمة مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوماً وكان دَخَلها حزن شديد على أبيها وكان جبرئيل عليه السلام يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي عليه السلام يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة عليها السلام".
وأورد الكليني حديثاً رابعاً خلق مشكلة، لأنه يخالف ما جاء في الحديثين الأول والثاني من نفي أن يكون في مصحف فاطمة شيئاً من القرآن، وأنه يشتمل على الحلال والحرام، ويُفيد بأنه يحتوي على أحكام فقهية بصورة دقيقة وصلت إلى معرفة "أرش الخدش"، أي عقوبة الخدش. فعن الحسين بن أبي العلاء أنه سمع الصادق يقول: "إن عندي الجفر الأبيض. قلت: فأي شيء فيه؟ قال: زبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحف إبراهيم عليهم السلام، والحلال والحرام، ومصحف فاطمة، ما أزعم أن فيه قرآناً، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد حتى فيه الجلدة، ونصف الجلدة، وربع الجلدة، وأرش الخدش".
حديث خامس، يتحدث فيه الصادق مخطاباً آخرين: "إن في الجفر الذي يذكرونه لما يسوءهم، لأنهم لا يقولون الحق، والحق فيه، فليخرجوا قضايا علي وفرائضه إنْ كانوا صادقين، وسلوهم عن الخالات والعمات، وليخرجوا مصحف فاطمة عليها السلام، فإن فيه وصية فاطمة عليها السلام، ومعه سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله".
بعض جوانب هذا الخلاف المذكور تتضح أكثر في حديث سادس، يرويه فضيل بن سكرة عن الصادق سأله فيه: "يا فضيل أتدري في أي شيء كنت أنظر قبيل؟ قلت: لا. قال: كنت أنظر في كتاب فاطمة عليها السلام، ليس من ملك يملك الأرض إلا وهو مكتوب فيه باسمه واسم أبيه، وما وجدت لولد الحسن فيه شيئاً".
هذه الأحاديث الستة أوردها الكليني في كتابه "الكافي"، وتكررت في كتب تراثية أخرى، مثل كتاب "بصائر الدرجات في فضائل آل محمد" لمحمد بن حسن بن فروخ الصَّفار (ت. 290هـ) وكتاب "دلائل الإمامة" لمحمد بن جرير بن رستم الطبري الشيعي (ت. 411هـ) وكتاب "بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار" لمحمد باقر المجلسي (ت. 1110هـ).
رواية أخرى تزيد من إشكاليات مصحف فاطمة، أوردها ابن رستم الطبري في كتابه "دلائل الإمامة"، لا يوجد فيها ذكر لإملاء الملائكة وكتابة علي، بينما يلاحظ نزوله جاهزاً وجملة واحدة مع الملائكة. فعن الإمام الباقر (ت. 114هـ)، الإمام الخامس عند الشيعة الاثناعشرية، أنه "لما أراد الله عز وجل أن يُنزله عليها، أمر جبرئيل وميكائيل وإسرافيل أن يحملوا المصحف فينزلوا به عليها، وذلك في ليلة الجمعة من الثلث الثاني من الليل، هبطوا به عليها وهي قائمة تصلي، فما زالوا قياماً حتى قعدت، فلما فرغت من صلاتها سلموا عليها، وقالوا لها: السلام يقرئك السلام. ووضعوا المصحف في حجرها، فقالت لهم: الله السلام ومنه السلام وإليه السلام وعليكم يا رسل الله السلام. ثم عرجوا إلى السماء فما زالت من بعد صلاة الفجر إلى زوال الشمس تقرأه حتى أتت على آخره".
وهناك كتاب آخر تذكره بعض المرويات الشيعية يسمى "الجفر"، والمرويات الشيعية عنه في "الكافي" تختلف في تحديد طبيعته، بعضها يراه كتاباً يضم معارف دينية وأسراراً غيبية، وبعضها يراه وعاء من الجلد يحتوي على كتب الأمم السابقة كالتوراة والإنجيل وصحف إبراهيم بالإضافة إلى مصحف فاطمة، وسيف النبي محمد.
وعن نزول الملائكة إلى فاطمة، روى الطبري، في كتابه "دلائل الإمامة"، عن جعفر الصادق أن من أسماء فاطمة: "المُحدَّثة، والزهراء"، وتحت عنوان "معنى المُحدَّثة" أورد حديث نداء الملائكة لها: "يا فاطمة، إنَّ الله اصطفاك وطهَّرك واصطفاك على نساء العالمين"، وتذكر الرواية أنها سألت الملائكة ذات ليلة: "أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إن مريم كانت سيدة نساء عالمها، وإن الله جعلك سيدة نساء عالمك وسيدة نساء الأولين والآخرين".
خبر ما كان وخبر ما يكون ليوم القيامة
في مروية ذكرها الطبري، في كتابه "دلائل الإمامة"، عن أبي بصير الأسدي سأل الإمام محمد الباقر عما يحتويه المصحف، فأجابه: "فيه خبر ما كان، وخبر ما يكون إلى يوم القيامة، وفيه خبر سماءٍ سماءٍ، وعدد ما في سماءٍ سماءٍ من الملائكة وغير ذلك، وعدد كل مَن خلق الله مرسلاً وغير مرسل وأسماؤهم، وأسماء الذين أرسلوا إليهم، وأسماء مَن كذَّب ومَن أجاب منهم، وفيه أسماء جميع مَن خلق الله من المؤمنين والكافرين من الأولين والآخرين، وأسماء البلدان، وصفة كل بلد في شرق الأرض وغربها، وعدد ما فيها من المؤمنين، وعدد ما فيها من الكافرين، وصفة كل مَن كذَّب، وصفة القرون الأولى وقصصهم، ومَن وُلّي من الطواغيت ومدة ملكهم وعددهم، وفيه أسماء الأئمة وصفاتهم وما يملك واحداً واحداً، وفيه صفة كرَّاتهم (أي رجعتهم بعد الموت) وفيه صفة جميع مَن تردد في الأدوار من الأولين والآخرين".
رغم التطمينات التي قدّمها الشيعة المعاصرون بشأن نفي احتواء مصحف فاطمة على قرآن بديل، والتشديد على غيابه وعدم تداوله، فإن كثيرين من السنّة يشككون في هذه الطمأنينة بوصفها مجرد تقية
قال أبو بصير: "جُعلت فداك وكم الأدوار؟ قال: خمسون ألف عام، وهي سبعة أدوار، وفيه أسماء جميع خلق الله من الأولين والآخرين وآجالهم، وصفة أهل الجنة وعدد مَن يدخلها، وعدد مَن يدخل النار، وأسماء هؤلاء وأسماء هؤلاء، وفيه علم القرآن كما أُنزل، وعلم التوراة كما أُنزلت، وعلم الإنجيل والزبور، وعدد كل شجرة ومدرة في جميع البلاد".
وفي نهاية الرواية، يندهش السائل قائلاً: "إن هذا العلم كثير"، فيجيب الباقر: "إن هذا الذي وصفته لك لفي ورقتين من أوله، وما وصفت لك بعد ما في الورقة الثالثة ولا تكلمت بحرف منه".
كتاب على درجة عالية من السرية
في ردهم على الجدل الذي يثيره مصحف فاطمة، يفكك المنبَرون الشيعة للمشاركة فيه مقولات الخصوم لعدد من المسائل، أبرزها إشكالية التسمية، ويستشهدون بالمعاجم اللغوية التي تطلق لفظ "مصحف" على ما جُمع من الصحف والأوراق بين دفتي الكتاب.
وفي ما خص نظرة الشيعة المعاصرين إلى بعض النقاط التي لطالما أثارت الجدل مع السنّة، نقرأ على موقع "مركز الأبحاث العقائدية" التابع لإشراف المرجع الديني الشيعي علي السيستاني، في إجابات على تساؤلات حول هذا المصحف، أن نزول الملائكة على فاطمة أمر "ممكن جداً وخصوصاً مع سيدة نساء العالمين، فقد أخبرنا القرآن الكريم تحديث جبريل والملائكة مريم والتكلم معها مع أنها ليست نبية بالإجماع".
إجابة أخرى تصف مضمون مصحف فاطمة بأنه "مدوّنة علمية على درجة عالية من السرية، لأن فيها حوادث المستقبل وأسماء الملوك وأصحاب الفتن، وفشو هذه الأمور لدى المؤمنين، لا يؤمن منه عدم احتمالهم لها من جهة، كما لا يؤمن تسربها إلى غير المؤمنين من جهة أخرى، ويترتب على كلتا الحالتين مفاسد اجتماعية ودينية كبيرة".
من جانب آخر، يذهب الداعية الكويتي ياسر الحبيب، وهو أحد وجوه التيار الشيعي الشيرازي، إلى أن مصحف فاطمة "عبارة عن كتاب أُمليت فيه مجموعة من الأحاديث القدسية التي أوحى الله تبارك وتعالى بها إلى فاطمة الزهراء البتول صلوات الله وسلامه عليها، عبر جبرائيل عليه السلام"، ويضيف أنه "كتاب موجود لكنه ليس بأيدينا نحن، بل بيد الإمام صحاب العصر عليه السلام، في هذا الزمان، يعني أنه كتاب إلهي من جملة الكتب الإلهية لكنه مختص بالمعصومين"، بحسب رده على سؤال حول حقيقة مصحف فاطمة في برنامج "جلسات الحوار".
نفي القرآنية عن مصحف الزهراء
ورغم تمسك بعض الشيعة بمضمون القصص المروية، محاولين التوفيق بين اختلافاتها، فإن بعض الباحثين يبتعدون عن المرويات وينتقدونها ويذهبون إلى أن محتوى مصحف فاطمة هو مجرد شروحات مبكرة لآيات القرآن، أو يذهبون إلى رفض كل ما ورد من قصص عنه ويشككون في ما تعرضه من وقائع.
وقديماً، علّق المجلسي على روايات مصحف فاطمة قائلاً: "الظاهر من أكثر الأخبار اشتمال مصحفها عليها السلام على الأخبار فقط"، بحسب كتابه "مرآة العقول في شرح أخبار الرسول/ ج3".
"فيه خبر ما كان، وخبر ما يكون إلى يوم القيامة، وفيه خبر سماءٍ سماءٍ، وعدد ما في سماءٍ سماءٍ من الملائكة وغير ذلك، وعدد كل مَن خلق الله مرسلاً وغير مرسل وأسماؤهم... ومَن وُلّي من الطواغيت ومدة ملكهم وعددهم..."
يرى الشيخ العراقي أحمد الوائلي، وهو أحد علماء الشيعة المجددين والإصلاحيين، أن مصحف فاطمة "عبارة عن الشروح التي كان الإمام علي عليه السلام يكتبها، من بعد ما يأخذ المعنى، ومن بعد وفاة النبي قام يقرأها لفاطمة يسليها به أيام مرضها، يسليها بمعاني القرآن، شروح الأحكام، شروح العقائد، هذا هو مصحف فاطمة، يقول عنه الإمام الصادق ما فيه من قرآنكم شيء، يعني ما فيه من النص، فيه شرح، لأن النص كتبه الإمام على حدة، والشروح على حدة".
وبحسب الوائلي، فـ"الذي يهرجون به علينا، الشيعة عندهم قرآن غير قرآن المسلمين، وطبعاً هؤلاء لا يحترمون كلمتهم، لو كانوا يحترمون كلمتهم، أو يبحثون عن الحقيقة، لكانوا إذا واحد أرشدهم إلى الحقيقة يبطلون عن هذا التهريج، لكنهم غير باحثين عن الحقيقة، هم عندهم رسالة في تفريق المسلمين".
وفي كُتيّب بعنوان "دفاع عن الحقيقة"، ينفي الوائلي صحة كلام القائلين بتحريف القرآن، ويقول: "نظراً لمكانة القرآن هذه في نفوس المسلمين فإن أي فئة تذهب إلى القول بالتحريف فيه ستكون جسماً غريباً في هيكل هذه الأمة وستكون موضع النقمة، من أجل ذلك كان في طليعة ما طبخته مطابخ الحكم وأوكلت إلى وكلائها القيام بتسويقه هو نسبة القول بالتحريف في القرآن الكريم إلى الشيعة"، ويتابع: "إن رأي جمهور الشيعة على أن القرآن الكريم محفوظ لم ينله تحريف من زيادة أو نقصان في آياته وسوره وحروفه".
رأي مختلف يطرحه الباحث العراقي أحمد الكاتب. يشكك في وجود مصحف فاطمة معتمداً على تناقضات المرويات عنه واضطرابها. وبحسب مقال له نشره في نيسان/ أبريل 2020، فإنه "نظراً للاختلاف الهائل في الروايات حول ‘كتاب علي’ أو ‘مصحف فاطمة’، لا يمكن الوقوف على حقيقته، هل هو كتاب واحد؟ أم هما كتابان؟ هل هو قراءة خاصة بالإمام علي، على حرف من الأحرف السبعة؟ أم كتاب يحتوي على القرآن مع التفسير المنزل من الله؟ أم هو كتاب فقهي يحتوي على الحلال والحرام؟ وهل هو موجود حقاً؟ أم مجرد كتاب مزعوم؟".
إلحاح من موقع مخاصم على مقولة تحريف للقرآن
بالرغم من أن جمهوراً عريضاً من الشيعة قديماً وحديثاً يرفض فكرة أن يكون في مصحف فاطمة وحي بديل للقرآن أو منافس له، فإن الكثيرين من الخصوم يصرّون على أن الشيعة يعتقدون بوجود مصحف لفاطمة يحتوى على قرآن مختلف.
في مقدمة خصوم الشيعة قديماً تقي الدين بن تيمية الذي أصر على اعتقادهم بوجود كتب سرية، لكنها من اختلاقهم. وبحسب كتابه "مجموع الفتاوى"، فإن "كل ما يُذكر عن علي وأهل البيت من أنهم اختُصّوا بعلم خصهم به النبي دون غيرهم كذب عليهم، مثل ما يُذكر منه الجفر والبطاقة والجدول وغير ذلك، وما يأثره القرامطة الباطنية عنهم فإنه قد كُذِبَ على جعفر الصادق رضي الله عنه ما لم يكذب على غيره، وكذلك كُذِبَ على علي رضى الله عنه وغيره من أئمة أهل البيت".
وحديثاً، ألَّف محب الدين الخطيب كُتيباً بعنوان "الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها دين الشيعة الإمامية الاثناعشرية" هاجم فيه الخصائص المذهبية للشيعة، واتهمهم بالطعن في صحة القرآن الكريم، وتطرق إلى مصحف فاطمة فاتهم راوي الحديث بالكذب.
"هل هو قراءة خاصة بالإمام علي، على حرف من الأحرف السبعة؟ أم كتاب يحتوي على القرآن مع التفسير المنزل من الله؟ أم هو كتاب فقهي يحتوي على الحلال والحرام؟ وهل هو موجود حقاً؟ أم مجرد كتاب مزعوم؟"
وبحسب الخطيب، فإن "من أعلامهم أبو بصير الذي كذب على جعفر الصادق فادَّعى أنه سمع منه قوله ‘وإنّ عندنا لمصحف فاطمة، مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم هذا حرف واحد’، ومع أن طائفة كبيرة من دينهم وأحاديث بخاريهم الذي يسمون ‘الكافي’ مروية عن أبي بصير هذا، فإن علماءهم معترفون بأن أبا بصير مطعون في دينه، لكنهم قالوا ‘إنه ثقة، والطعن في دينه لا يوجب الطعن’".
خلافاً لمثل هذه الآراء، يعلن بعض علماء الأزهر ومنهم الشيخ علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق، أن "مصحف فاطمة مسألة لغوية وليست شرعية، فهو كتاب في الأدعية والمناجاة، ووارد أن يكونوا جمعوا أدعية السيدة فاطمة في كتاب"، بحسب رده على سؤال بخصوص المصحف في إحدى حلقات برنامج "والله أعلم".
مصير مصحف فاطمة
تشير مصادر التراث الشيعي إلى أن مصحف فاطمة من الكتب السرية المحفوظة لدى الإمام الغائب، وأنه واحد من علامات الإمام، حيث أورد الطبري في "دلائل الإمامة" حديثاً لأبي بصير يسأل فيه الإمام الباقر عن مصير مصحف الزهراء، فأجابه: "دفعته (فاطمة) إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فلما مضى صار إلى الحسن، ثم إلى الحسين، ثم عند أهله حتى يدفعوه إلى صاحب هذا الأمر"، ويقصد المهدي المنتظر.
ووضع علي بن موسى الرضا (ت. 203هـ)، وهو الإمام الثامن عند المذهب الاثناعشري، ضمن علامات الإمام، أنه "يكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعتهم إلى يوم القيامة، وصحيفة فيها أسماء أعدائهم إلى يوم القيامة، ويكون عنده الجامعة وهي صحيفة طولها سبعون ذراعاً فيها جميع ما يحتاج إليها ولد آدم، ويكون عنده الجفر الأكبر والأصغر، وإهاب ماعز وإهاب كبش، فيهما جميع العلوم حتى أرش الخدش وحتى الجلدة ونصف الجلدة، ويكون عنده مصحف فاطمة عليها السلام"، حسبما أورد ابن بابويه القمي في كتابه "عيون أخبار الرضا/ ج1".
هذه الفكرة عبَّر عنها بصورة أوضح المرجع الشيعي اللبناني الراحل محمد حسين فضل الله في كتابه "الزهراء القدوة"، بقوله إن مصحف فاطمة "ليس موجوداً بأيدينا، وإنما هو موجود عند الإمام الحجّة (عج). ولذلك، فإنّ الجدل في ما يحويه ويشتمل عليه ليس له أيّة ثمرة عمليّة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...