لا يمكن للمهتمين بالأدب العربي أن يتجاهلوا مجلة بانيبال أو أن يغيب اسمها عنهم، سواءً كانوا عرباً يقرأون بالإنكليزية، أو مختصين، أو مهتمين، يرغبون بمعرفة ما يحدث على الساحة الثقافية العربيّة. فالمجلة التي أسسها الكاتب العراقي صموئيل شمعون والناشرة البريطانيّة مارغريت أوبانك عام 1998 في لندن، كانت عتبةً الكثيرين للوصول إلى قراء اللغة الإنكليزيّة، ومساحة اختبر ضمنها المترجمون انتقالَ الآداب العربية إلى الإنكليزية.
لن نحصي أسماء الكتاب الذين ظهرت أسماؤهم بين صفحات المجلة، ولا المترجمين المخضرمين الذين نقلوا إلى لغة شيكسبير أعمال الكثير من الكتاب والشعراء العرب، بجهود صموئيل شمعون صاحب كتاب "عراقي في باريس"، الذي غادر (أو طرد) عام 1969 مدينته "الحبانية" بعد أن وصل حزب البعث العراقي إلى السلطة.
توقفت مجلة بانيبال بعد 25 عاماً من العطاء، هي المساحة التي أتاحت نقل الأدب العربي إلى القراء الإنكليز والأوروبيين، ويمكن القول إن تاريخ الأدب العربي في الغرب يقسم إلى ما قبل بانيبال وما بعدها
خمسة وعشرون عاماً مضت على تأسيس بانيبال والعدد الأول الذي زينت لوحةٌ ليوسف عبدلكي غلافه، وكتبت أوبناك في افتتاحيته: "يحدثني بعض كتاب العربية عن نقص حاد لترجمات الأدب العربي إلى الإنكليزية، موعزين إلى أنه محض مؤامرة ضد الثقافة العربية، بل وإجحاف ضد العالم العربي برمته. ومع علمي بوجود عوائق، فقد قررت أن أغضّ النظر عن أسئلة لا تجد لها إجابات –تعود قضاياها إلى قرون خلت– وأن أبدأ. هكذا!".
خمسة وعشرون عاماً تنتهي بالعدد 75 الذي ترافق مع بيان صحفي، يعلن فيه شمعون وأوبناك توقف المجلة عن الصدور، نقتبس منه هنا، ونعلق على بعض ما جاء فيه، ويمكن القول إنه ليس رثاءً، بل هو حافز لمن نعرفهم ولا نعرفهم على متابعة جهد بانيبال، وتقديم ما يسمح باستمرار حركة الترجمة من العربية إلى الإنكليزية.
يفتتح البيان بحقيقة يمكن القول إنها مازالت مستمرة إلى الآن، إذ نقرأ: "تأسست مجلة بانيبال رداً على النقص الفادح في ترجمة الأدب العربي إلى اللغة الإنكليزية. ومنذ انطلاقة المجلة، ظلّت مستقلة تماماً، واعتمدت طوال فترة إصدارها على الجهود الفردية لشخصين عزما على ملء هذا الفراغ، وسدّ الفجوة القائمة بين الأدبين العربي والعالمي، وإرساء قاعدة من القراء الذين يحبّون الأدب العربي ويقدرّونه".
ويمكن أن نضيف أنه بعد اندلاع ثورات عام 2011، أصبحت ترجمة الأدب العربي أقرب إلى من يجمع نماذج الكيتش، ليلبي فيها رغبة القراء الأوروبيين بالتعرف على الوافدين الجدد، لا الاطلاع على "آداب" العربية.
تأسست مجلة بانيبال رداً على النقص الفادح في ترجمة الأدب العربي إلى اللغة الإنكليزية. ومنذ انطلاقة المجلة، ظلّت مستقلة تماماً، واعتمدت على الجهود الفردية لشخصين عزما على ملء هذا الفراغ، وسدّ الفجوة القائمة بين الأدبين العربي والعالمي
نقرأ لاحقاً عن مكانة بانيبال التالي: "غني عن البيان إنّ بانيبال حققت، خلال خمسة وعشرين عاماً، إنجازات عديدة في مجال ترجمة الأدب العربي إلى اللغة الإنكليزية - ومن الإنكليزية إلى لغات أخرى، حتى بات يمكننا تأريخ حركة ترجمة الأدب العربي المعاصر إلى اللغات الأخرى، بـما قبل بانيبال وبعدها".
وتتابع بعدها أوبانك حديثها عن أسلوب عمل المجلة، إذ نقرأ: "عملنا بصورة يومية طوال الـخمسة والعشرين عاماً الماضية، بمعيّة فريق صغير جداً من غير المتفرغين والمتطوعين. أما الأعمال الكثيرة الرئيسية التي تشمل التحرير والإدارة، والشؤون المالية، والتوزيع والإعلان والتسويق، وغيرها من المهام، فكانت من نصيبي أنا وصموئيل، وكنا نمتلك الطاقة والقدرة الجسدية والحماسة والقناعة التامة في العمل الذي أديناه بشغف أعاننا على إصدار المجلة، عدداً بعد عدد، طوال ربع قرن. كنا، ما إن نصدر عدداً جديداً من المجلة، حتى نبدأ بالتخطيط والإعداد للعدد التالي، وكانت تنهال علينا دائماً كمية كبيرة من الأعمال الأدبية العربية الجديرة بالترجمة، ويمكننا أن نقول بحق إن شغفنا بالأدب العربي المعاصر هو الذي أدام طاقتنا اليومية طوال تلك السنوات".
هل انتهى دور بانيبال؟
تجيب أوبناك في البيان عن السؤال الذي طارد الكثيرين بعد أن قرأوا على صفحة صموئيل شمعون خبر توقف المجلة، ومفاده :"هل انتهى دور المجلة؟"، قائلة: "قطعاً لا. فالأدب العربي يحتاج دائماً إلى مجلة مثل بانيبال، لا بل يحتاج إلى أكثر من بانيبال. وها نحن نختتم عملنا بالعدد 75 من المجلة، لا لأنها لم تعد ضرورية، بل لأننا، أنا وصموئيل، وبصفتنا العاملين الرئيسيين فيها، لم نعد قادرين على مواصلة العمل، مؤمنين في الوقت نفسه بضرورة ضخّ دماء جديدة من الشباب الذين يتمتعون بالحماسة نفسها التي رافقتنا خلال هذه الرحلة، نحن وجميع من عمل معنا منذ صدور العدد الأول في شباط/فبراير 1998".
ويختتم البيان: "لم نشكُ أو نتذمر يوماً من قصور المؤسسات الثقافية العربية تجاه المجلة، وعدم تجاوبها معنا، وغياب دعمها لترجمة الأدب العربي إلى لغات أخرى، مع أننا ندرك تماماً أن ذلك يجب أن يكون من أساسيات رسالة ومهام تلك المؤسسات. في النهاية، يحدوني، ورفيق رحلتي صموئيل، السعادة والفخر البالغان، بما أنجزناه منذ عام 1998حتى يومنا هذا. هكذا هي الحياة، وهذه النهاية الحتمية لرحلة حافلة بالاكتشاف والعطاء. لقد أدينا واجبنا على أكمل وجه... وداعاً، وشكراً لكم".
لم يمر الخبر هكذا على المهتمين والكتاب والكثير ممن يعرفون بانيبال، إذ انهالت التعليقات على منشور شمعون الذي أعلن فيه توقف المجلة، فعلق الكاتب اللبناني-الألماني فارس يواكيم :"أي وداع صعب هذا!... حقبة ثقافية رائدة لم ترعها وزارة ثقافة، بل صدرت بمجهود فردي جبار من ماغي وصمويل. حقبة طويت فيها آخر صفحة، لكنها باقية في ذاكرة عشاق الثقافة... غيابها يترك فراغاً".
أما الناشر النوري عبيد، فكتب: "كل الأسف على غياب أهم ما فعلتما مع الأدب العربي وبه... أشدّ على يديك للتفكير في مشروع يواصل ما شرعت فيه... تحيتي لكما".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.