"بعد عودة ابني من أول يوم دراسي، حاملاً الكتب الجديدة التي صُرفت له، أُصبت بخوف ورعب شديدين بمجرد اطّلاعي عليها، واجتاحني سؤال أقضّ مضجعي: ما المستقبل الذي ينتظر أبنائي إنْ استمروا في تعلم هذه المناهج التي أقلّ ما يمكن وصفها به هو أنها مفخخة وتبني شخصية عدائية قتالية".
بهذه الكلمات عبّرت أمنية*، وهي والدة لأحد التلامذة، لرصيف22، عن صدمتها من التغييرات الأخيرة في المناهج الدراسية اليمنية. وتضيف: "حالياً، صارت أمنيتي الوحيدة هي الخروج من اليمن، حتى أحافظ على أبنائي وأحميهم من التأثر بالمحيط، وبالتأكيد من المدارس والكتب التي تُدرَّس فيها".
أمنية ليست حالة فريدة. مع بداية العام الدراسي الحالي، تفاجأ أهالي الطلاب، في المناطق التي تخضع لسيطرة الحوثيين، والتي يعيش فيها نحو نصف اليمنيين، بتغيير كبير في المناهج الدراسية، بما يتوافق مع العقيدة المذهبية والسياسية والاجتماعية لجماعة أنصار الله (الحوثيين).
ووصلت نسبة التغيير الذي طال بعض المواد الدراسية إلى أكثر من 90%، وشملت التغييرات المراحل الابتدائية والأساسية، وتركزت في المواد الدراسية ذات الطابع الأدبي (التربية الإسلامية، القرآن الكريم، اللغة العربية، التاريخ، الجغرافيا، والتربية الوطنية)، والتي وُظّفت بشكل صريح في التعبئة الطائفية والحربية (الجهادية) للجماعة.
تكريس عنصرية سلالية طبقية
سعى الحوثيون من التعديلات الأخيرة على المناهج الدراسية إلى تعزيز وتمرير الكثير من الأفكار الدينية التي تعزز وتُعلي من مكانتهم الدينية وتُرسخ لدعاية أفضليتهم العرقية وأحقيتهم في الحكم والسيادة.
في كتاب القرآن الكريم للصف الأول من المرحلة الأساسية، صفحة (22)، عُدّل تفسير سورة الفاتحة وتحديداً آية "صراط الذين أنعمت عليهم" ليصير "طريق المهتدين كالأنبياء وأعلام الهدى". استُخدم مصطلح "أعلام الهدى" الذي دائماً ما يكرره الحوثيون في كتبهم ووسائل إعلامهم للإشارة إلى قادتهم ورموزهم الدينية من آل البيت، بمَن فيهم زعيمهم عبد الملك الحوثي الذي يصفونه دائماً بأنه "علم من أعلام الهدى".
هذا الأمر تكرر في الجزء الأول من كتاب التربية الإسلامية للصف التاسع، قسم الحديث، صفحة (65). ففي درس التحذير من الكبر، ذُكر أن من أنواع الكبر، "التكبّر على الأنبياء وأعلام الهدى، برفض طاعتهم واتّباعهم وعدم الانقياد لهم". وذُكر أن من أنواع التواضع "التواضع للأنبياء وأعلام الهدى وأتباعهم".
وفي مادة التاريخ للصف السادس من المرحلة الابتدائية، صفحة (68)، درس بعنوان "تأسيس الدولة الزيدية في اليمن"، فيه حديث مسهب عن الدولة الزيدية وثناء وتمجيد لحكامها من الأئمة مع التركيز على انتمائهم إلى آل البيت.
أما في الجزء الأول من كتاب اللغة العربية للصف التاسع، الوحدة الخامسة، صفحة (68)، فقد أضيف نص شعري بعنوان "رُمنا الفخار"، ووُظّفت هذه الوحدة للتركيز على مسألة حب آل البيت والولاء لهم، وكيف أن الولاء لآل البيت "منهج سار عليه أجدادنا، ونحن نقتفي أثرهم ونسير على نهجهم في ذلك"، كما ورد في نص الكتاب.
كذلك، في الدرس الرابع من الجزء الأول من مادة التربية الإسلامية للصف السابع من المرحلة الأساسية، صفحة (46)، أضيف نشيد بعنوان "هذا الإله ينادي"، تضمن أبياتاً تدعو إلى التمسك بآل البيت (يقول الحوثيون إنهم ينتمون إليهم) للنجاة من الزيغ والفساد. وتم تأكيد هذا الأمر في فقرة ما يُستفاد من الدرس.
وفي قسم السيرة من ذات الكتاب، صفحة (117)، أضيف درس بعنوان "آباء النبي وقبيلته"، تم التركيز فيه على اصطفاء بني هاشم، ووُظّف لتكريس مفهوم اصطفاء آل البيت وتعزيز مكانة الحوثيين الدينية.
وفي الجزء الثاني من ذات المادة، في قسم الإيمان، صفحة (37)، أضيف نشيد بعنوان "خاتم الرسل"، وُظّف لتكريس مفهوم "العترة الطاهرة"، ويعني عند الشيعة "أهل البيت".
هذه المسألة تكررت في أكثر من مادة. مثلاً، في الجزء الأول من كتاب اللغة العربية للصف الثامن، صفحة (86)، أضيف نص شعري بعنوان "نصائح" يحتوي على أبيات تدعو للتمسك بالـ"العترة الطاهرة"، واستفاض الدرس في شرح هذه الأبيات مع التركيز على ضرورة التمسك بالقرآن الكريم والعترة الطاهرة، عن طريق الاستشهاد بحديث (مشكوك في صحته): "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي أبداً: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يَرِدَا عليَّ الحوض".
تقول أستاذة** التربية الإسلامية في إحدى مدارس ذمار الحكومية إن هذا الحديث أضيف مؤخراً إلى المناهج الدراسية، بجانب أحاديث ضعيفة أخرى، جرى استخدامها وتوظيفها طائفياً وسياسياً في أكثر من مادة وفي عدة مواضع.
وتضيف لرصيف22 أن أغلب التعديلات الجديدة، خصوصاً في المواد الدينية، كان تأثيرها كارثياً على الطلاب، فهي "تدعو صراحةً إلى ترك التسامح الذي جاء به الإسلام وتشجع على التمسك بالطائفية والتعصب لجماعات بدون وجه حق". كل هذا، بحسب قولها، "يساهم في ضياع الهوية الدينية والوطنية عند الطلاب، والتي غالباً ما تتشكل بذرتها الأولى في المدارس".
تعزيز المذهبية
المذهب الزيدي الهادوي هو واحد من المذاهب التي يتبعها اليمنيون، وينتشر خصوصاً في بعض المناطق الريفية في شمال اليمن، إلا أنه ليس الوحيد. لكن مع ذلك، سعى الحوثيون إلى تعميم هذا المذهب ونشر تعاليمه وأفكاره بشكل أحادي من خلال المناهج الدراسية الجديدة.
في المناهج الدراسية الجديدة التي فرضها الحوثيون على التلامذة في مناطق سيطرتهم، "تعزيز لفكرة الانتقام من المختلف وممَّن لا يتفق معهم، حتى لو كانوا أعداء قد مضى عليهم دهراً كمعاوية ويزيد"
في كتاب مادة التربية الإسلامية، وتحديداً في قسم الفقه، عُدّلت جميع دروس الفقه لتتوافق مع أحكام وعقيدة المذهب الزيدي الهادوي، وهو المذهب الذي يتبعه الحوثيون ويمثل لهم الأساس الوحيد للتشريع بعد القرآن.
على سبيل المثال، في الجزء الثاني من مادة التربية الإسلامية للصف السابع، في قسم الفقه، صفحة (88)، وتحديداً في درس "سنن الصلاة"، أضيفت صيغة أخرى للتشهد، وأضيف دعاء القنوت في صلاة الفجر والوتر كسنن من سنن الصلاة.
وفي الصفحة (97) من ذات الكتاب، أضيفت جملة "حي على خير العمل" على لأذان.
وفي صفحة (96) ذكر قول "بجواز تأخير الصلاة للمشغول كطالب الجامعة والجندي المجاهد في سبيل الله". وكل هذا يأتي من المذهب الزيدي الذي يعتقد به الحوثيون.
أما في قسم السيرة، فقد حُذف أو على الأقل اختُصر الكثير من دروس السيرة النبوية التي تتحدث عن مواقف لكبار الصحابة كأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، وجرى التركيز على الأحداث التي ورد فيها ذكر مواقف لعلي بن أبي طالب.
ففي الجزء الأول من كتاب التربية الإسلامية للصف التاسع، وتحديداً الدرس الثالث، صفحة (127)، جرى التركيز كثيراً على دور الصحابي علي بن أبي طالب في غزوة الأحزاب، مع ذكر أحاديث ضعيفة تتحدث عن فضله.
وفي الصفحة (155)، أضيف درس بعنوان "الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام"، وُظّف لتكريس وجوب مولاة علي وآل البيت.
وفي درس آخر بعنوان "حجة الوداع"، في الجزء الثاني من الكتاب، صفحة (162)، جرى التركيز أيضاً على أن النبي محمد أوصى بأهل البيت وأمر باتّباعهم، وخُصصت فقرة للحديث عن "بيعة غدير خم" وعن جعل الولاية لعلي بن أبي طالب، باعتبارها آخر ما أبلغه الرسول من التشريع. وبالمناسبة، يحتفل الحوثيون سنوياً بـ"عيد الغدير" و"يوم الولاية".
وفي الجزء الأول من كتاب اللغة العربية للصف السادس، وتحديداً في درس الهجرة النبوية، صفحة (98)، جرى التركيز والإسهاب في الحديث عن الدور الذي قام به علي بن أبي طالب في الهجرة وإغفال الحديث عن دور أبي بكر الصديق، تماماً.
وبشكل عام، ورد الكثير من أقوال علي في العديد من الدروس، حتى أن بعضها لم يكن لها أي علاقة مباشرة بموضوع الدرس، وأيضاً تم تغيير صيغة جملة علي بن أبي طالب "رضي الله عنه" إلى "عليه السلام".
وفي كتاب التاريخ للصف السادس، صفحة (40)، استُدعيت الخلافات التاريخية التي حدثت بين الصحابة والتابعين من خلال إضافة درس يتناول الخلاف والحروب التي قامت بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفان، ومن بعدهما أبناءهما الحسين بن علي ويزيد بن معاوية (معركة كربلاء).
تذكر مشرفة تربوية لرصيف22 أن التعديلات الجديدة في الكتب المدرسية، حوّلتها إلى كتب لا تختلف كثيراً عن كتب و"ملازم" جماعة أنصار الله الحوثيين، فاستُخدمت مصطلحات ومسميات جديدة على الذاكرة الجمعية لليمنيين، وهي ذاتها المصطلحات التي يستخدمها الحوثيون في ملازمهم، والتي غالباً ما استسقوها من إيران.
وتضيف: "تم تبني المذهب الزيدي الهادوي بشكل كامل، وحُذفت كل الآراء الأخرى من المذاهب الأخرى، بما فيها المذهب الشافعي الذي كان موجوداً في الكتب القديمة، والذي يتبعه الغالبية من اليمنيين. كذلك حُذفت الدروس التي تتكلم عن عائشة بنت الصديق والأحاديث التي روتها، وحُذفت الدروس التي تتحدث عن والدها أبي بكر الصديق إلى جانب عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان". والأخطر من ذلك كله، برأيها هو "تعزيز الحوثيين فكرة الانتقام من المختلف وممَّن لا يتفق معهم، حتى لو كانوا أعداء قد مضى عليهم دهراً كمعاوية ويزيد".
تشويه الهوية الوطنية ورموزها التاريخية
بعد مطالعتنا للمناهج الدراسية الجديدة، بدا واضحاً مقدار التوظيف السياسي والطائفي الذي حصل في مواد التاريخ والتربية الوطنية واللغة العربية، بموجب التعديلات الجديدة، فقد حُذفت دروس كثيرة واستُبدلت بأخرى تنسجم مع رؤية الحوثيين الطائفية للكثير من الأحداث الوطنية والتاريخية، وتتبنى رواية تاريخية تخدم مصالحهم السياسية والاجتماعية.
في كتاب التربية الوطنية للصف الخامس، وتحديداً في درس "الثورات اليمنية"، صفحة (10)، أضيفت ثورة الإمام القاسم بن محمد (1597م)، وثورة الإمام المنصور وابنه يحيى حميد الدين (1892م).
أيضاً، أضيفت "ثورة 21 سبتمبر 2014"، وهذا تاريخ انقلاب الحوثيين على الشرعية اليمنية واستيلائهم على الحكم، بعد اقتحامهم العاصمة صنعاء وعدة محافظات أخرى. وذُكر في الكتاب أن هذه الثورة "أتت لتصحيح وتحقيق أهداف الثورات السابقة، ثورة 26 سبتمبر 1962 وثورة 14 أكتوبر 1963 وثورة 11 فبراير 2011".
كذلك، حُذف الكثير من الدروس التي تتحدث عن شخصيات تاريخية أجمع الكل على دورها الكبير في الأحداث التي ساهمت في التغييرات المحورية التي شهدها اليمن. وبدلاً منها، أضيفت دروس تتغنى بقيادات الحوثيين ورموزهم والشخصيات المنتمية لهم سياسياً ودينياً، مع التركز على الأحداث والمناسبات الخاصة بالجماعة.
في المناهج الدراسية الجديدة التي فرضها الحوثيون على التلامذة في مناطق سيطرتهم، حُذفت دروس كثيرة واستُبدلت بأخرى تنسجم مع رؤيتهم الطائفية للكثير من الأحداث الوطنية والتاريخية، وتتبنى رواية تخدم مصالحهم السياسية والاجتماعية
مثلاً، في الجزء الثاني من كتاب اللغة العربية للصف الخامس، صفحة (115)، خصصت وحدة كاملة للحديث عن مؤسس جماعة أنصار الله الحوثيين حسين بدر الدين الحوثي، ودوره الجهادي في مواجهة الإرهاب وأمريكا وإسرائيل، وعن الشعار الذي استورده من إيران "الله أكبر... الموت لأمريكا... الموت لإسرائيل... اللعنة على اليهود... النصر للإسلام) وعما يسمونه بـ"الصرخة" التي خصص لها الحوثيون يوماً في السنة للاحتفال بها، ويعتبر حسين الحوثي مُبتدعها.
وفي كتاب التربية الوطنية للصف السادس، (صفحات 64 - 69)، خُصّص درس من ست صفحات للحديث بإسهاب عن سيرة الرئيس السابق لما يسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى" التابع للحوثيين صالح الصماد، والذي قُتل بغارة جوية استهدفت سيارته في مدينة الحديدة مطلع العام 2018. وأضيف درس آخر عن سيرة "الإمام الهادي إلى الحق (يحيى بن الحسين)" وهو أحد أئمة الزيدية.
وفي كتاب التربية الوطنية للصف الثامن، وتحديداً في درس "الحقوق السياسية والثقافية"، صفحة (39)، أضيفت صور لأغلفة كُتب تقدّم رؤية وفكر الحوثيين، وكُتب أسفلها: "بعض أنواع الحقوق الثقافية والفكرية".
في المقابل، حُذفت دروس من كتاب التربية الوطنية للصف الخامس، صفحة (47)، تتحدث عن شخصيات مثل الإمام محمد الشوكاني (العالم والفقيه اليمني المعروف)، والأديب والشاعر محمد محمود الزبيري، واللوء العسكري علي عبد المغني، اللذين كانا من رموز ثورة 26 سبتمبر 1962 التي قامت ضد حكم الأئمة الزيديين وحكمهم الذي اتسم بالفقر الشديد وبظلم اليمنيين وتجهيلهم وسلب حقوقهم. وللمفارقة، كان من ضمن مَن استُبدلوا بهذه الشخصيات الإمام القاسم بن محمد (أحد الأئمة الزيديين الذين حكموا اليمن).
في الجزء الأول من كتاب اللغة العربية للصف الثامن، صفحة (147)، أضيفت وحدة بعنوان "قضايا إسلامية ووطنية"، تتناول نص شعري يمجّد مقاتلي الحوثيين ويتغنى باقتحامهم صنعاء وإسقاطهم الحكم وسيطرتهم عليه. أيضاً، ذُكرت السيرة الذاتية للشاعر الذي دائماً ما يفاخر بانتمائه للحوثيين.
يقول موجه ومدرس سابق مادة اللغة العربية لرصيف22 إن "في التغييرات الأخيرة تم التركيز على أحداث مُعيّنه وشخصيات سياسية وأدبية معرفة بانتمائها الفكري والمذهبي للحوثيين، سواء كانوا قديمين أو معاصرين، ولذلك حُذفت الكثير من الشخصيات والأحداث والقصائد الشعرية، وأضيفت بدلاً منها أحداث وشخصيات وقصائد لم نكن نعرفها من قبل".
التعبئة القتالية الجهادية
طفل بملابس عسكرية، يحمل سلاحاً فوق كتفه، ويلوح بإشارة النصر. هذه صورة غلاف الجزء الثاني من كتاب اللغة العربية للصف السادس من المرحلة الأساسية، التي أضيفت حديثاً.
وعلى غلاف الجزء الثاني من ذات المادة للصف الثالث، يظهر طفل وهو يقوم بوضع النقود في صندوق لدعم جبهات القتال، كُتب عليه: "صندوق سبيل الله لدعم الجبهات".
وفي ذات الكتاب، خُصّص درس بعنوان "الوفاء"، صفحة (115)، للحديث عن كيفية تبرع الطالب لجبهات القتال من مصروفه الخاص.
الصورتان المذكورتان أخيراً تعطيان لمحة بسيطة عن مقدار ما تحتويه المناهج الدراسية الجديدة من تعبئة قتالية (جهادية) ممنهجة، تُشجع الأطفال على الانخراط في جبهات القتال، وتُعلي من ثقافة العنف والعداء للآخر ولكل ما هو مختلف.
الطفل الذي ظهر على غلاف الجزء الثاني من كتاب اللغة العربية، هو هاني طومر، من محافظة صعدة، وهو أحد الأطفال الذي انضموا للقتال مع الحوثيين، وقُتل في مواجهات عسكرية في إحدى جبهات القتال في محافظة الجوف.
وأضيفت وحدة كاملة، صفحة (24)، للحديث عن هذا الطفل و"بطولته وشجاعته وتضحيته بنفسه في سبيل الله".
أيضاً، تم التركيز في هذا الدرس على حث الطلاب على الاقتداء بطومر والتعلم من سيرته. على سبيل المثال، وردت على لسان أحد الأطفال في نص القراءة جملة: "ستبقى سيرته منهالاً لنا في ميادين الجهاد". كذلك، تم حث الطلاب على مشاهدة المقاطع التي ينشرها الإعلام الحربي التابع للحوثيين.
ركّزت التعديلات الجديدة كثيراً على التعبئة الجهادية والحث على القتال والعنف من خلال الصور التوضيحية والنصوص وغيرها، فلا يكاد يخلو درس من الإشارة الى هذه الموضوع بطريقة أو بأخرى.
في كتاب القرآن الكريم للصف الأول، صفحة (116)، أضيفت صور لمقاتلين من جماعة الحوثيين يحملون أسلحة في جبهات القتال، وكتب أسفلها: "المجاهدون في سبيل الله يدافعون عن بلدهم".
وفي الجزء الأول من كتاب اللغة العربية للصف الثاني، صفحة (64)، أضيف نشيد بعنون "المستقبل"، يحتوي على أبيات صريحة تدعو إلى الجهاد.
وفي الجزء الثاني للصف الثالث من ذات المادة، صفحة (86)، وُضعت صورة لمقاتلين من الحوثيين وسط معركة وهم يحملون أسلحة، مع نص لنشيد يتغنى بالقوة والشجاعة والنصر على الطواغيت".
الأمر عينه تكرر في الجزء الأول من كتاب اللغة العربية للصف الثامن، صفحة (65)، في وحدة بعنوان "الشجاعة".
وفي الجزء الأول من كتاب اللغة العربية للصف الخامس، صفحة (101)، في الدرس الخامس من درس النصوص والتذوق، أضيف نص شعري بعنوان "يمن البطولة"، وُظّف للتعبئة الجهادية، وأُرفق مع النص صورة لطفل بملابس عسكرية، يحمل سلاحاً بين يديه.
وفي الجزء الأول من كتاب اللغة العربية للصف التاسع، صفحة (78)، أفردت وحدة كاملة للحديث عن الجهاد وفضله والترغيب فيه، مع توظيفها بشكل صريح في التعبئة التي يقوم بها الحوثيون لتجنيد المقاتلين خصوصاً الأطفال.
واستُبدل غلاف كتاب التربية الوطنية للصف الثامن القديم بغلاف تظهر عليه صور شخص يحمل أسلحة متوسطة (قاذف صواريخ محمولة على الكتف) يدعى "حسن الملصي"، وهو أحد قادة الحوثيين العسكريين، وقُتل في العام 2016.
تقول أخصائية نفسية واجتماعية في إحدى المدارس إن كمية العنف الموجود في المناهج الدراسية الجديدة ستجعل الكثير من الطلاب يفكرون جدياً في ترك التعليم والمدارس وممارسة هذا العنف في مجتمعهم المحيط او عن طريق الانضمام إلى الجبهات.
وتروي لرصيف22 أنها من خلال احتكاكها مع الطلاب وحوارها معهم لمست ميل الكثير منهم إلى تفضيل الحلول العنيفة ورغبتهم الكبيرة في أن يصبحوا مقاتلين (مجاهدين وشهداء).
وكل هذا، بحسب المتحدثة، نتيجة للتعبئة الكبيرة التي تقوم بها أطراف الصراع من خلال وسائل الإعلام المحلية، خصوصاً القنوات التلفزيونية. وتحذّر من أن نقل هذه التعبئة إلى المناهج الدراسية سيعمق المشكلة أكثر، وستفتقد المدارس الكثير من طلابها.
تدمير ممنهج
ولضمان التزام المعلمين بتدريس المناهج الدراسية وفقاً للتغييرات الجديدة، استُحدثت آلية جديدة سُمّيت "الاختبارات الموحدة"، بحيث تقوم لجان مختصة تابعة لوزارة التربية والتعليم التابعة للحوثيين، بإعداد الامتحانات وتوزيعها على كافة المدارس العامة والخاصة، إضافة إلى متابعة الموجهين للمدارس ونزولهم الميداني المفاجئ للتأكد من أن المناهج الجديدة تُدرَّس بحذافيرها.
طفل بملابس عسكرية، يحمل سلاحاً فوق كتفه، ويلوح بإشارة النصر... هذه صورة غلاف الجزء الثاني من كتاب اللغة العربية للصف السادس من المرحلة الأساسية، التي أضيفت حديثاً بموجب المناهج المعدّلة
تقول باحثة حاصلة على درجة الماجستير في جودة التعليم لرصيف22 إن التحسين المستمر للمناهج الدراسية هو من المعايير الأساسية لجودة المناهج، لكن للأسف، في اليمن، يُستخدم هذا المفهوم بصورة عكسية، فما يحدث هو تدمير مستمر للمناهج الدراسية، فبدلاً من تحسينها نقوم بتغييرها للأسوأ.
وتذكر أن "من الآثار المستقبلية المترتبة على التغييرات الأخيرة في المناهج الدراسية، أن فكر وعقيدة الطالب وانتماءه الوطني، والمخرج التعليمي النهائي سيكون مختلفاً عما عهدناه من قبل، بصورة سلبية وسيئة، بالطبع". وتشير إلى أنه "يُفترض أن تضمن مخرجات التعليم، تكوين طفل سوي سليم فكرياً ونفسياً وعقائدياً، طفل يكون قادراً على التعامل مع المجتمع من حوله بشكل سوي. ولكن للأسف مع هذه التغييرات سنفتقد كل ذلك".
*اسم مستعار، حفاظاً على سلامة المتحدثة من أي ضرر قد يلحق بها.
**أخفينا أسماء المتحدثات والمتحدثين في هذا التقرير حفاظاً على سلامتهم ولحمايتهم من أي انتقام.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون