شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"أعشق شعري المموّج"... مغربيّات ينتصرن لـ"الكيرلي" بعد اكتشاف خدعة الشعر الناعم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 13 نوفمبر 202204:36 م

"ما زال بحثي عن شعري الأصلي ذي التموجات الكثيفة مستمراً، بعد أن دمّرتُه بمحاولات جعله ناعماً وصباغته"؛ هذه العبارة نردّدها على مسامع بعضنا البعض، نحن صاحبات الشعر المجعّد، بعد اكتشافنا خدعة الشعر الناعم والمعيار النمطي للجمال. يتضح الأمر من خلال عدد المشاهدات التي تحصدها الفيديوهات الخاصة باستعادة تموجات هذا النوع من الشعر "الكيرلي"، والاعتناء به.

تنقسم صاحبات الشعر المموج إلى فئات، فهناك من خاضت رحلةً طويلةً وشاقةً مع منتجات تمليس وفرد الشّعر لترضي المجتمع الذي لا يؤمن باختلاف معايير الجمال، وتعيش بذلك صراعاً طويلاً مع نفسها، تحاول إخفاء طبيعة شعرها بجميع الوسائل الممكنة.

فيما تلجأ فئة أخرى إلى حل أسهل وغير مكلف، هو "الحجاب"، الذي تحجب به من خلال قطعة القماش شعرها الذي كان ولا يزال مصدراً لعبارات التنمر التي تلاحقها في العائلة والشارع.

كما أن فئةً أخرى، وهي المحظوظة، لم تدخل في دوامة الصراع هذه، وتلقّت دعماً من عائلتها للحفاظ على شعرها على أنه تميّز وتفرّد.

تغيير شاق وتقبّل للطبيعة

ضمن هؤلاء اللواتي توصلن إلى قناعة ذاتية بضرورة تقبّل طبيعة شعرهن، وتمردن بذلك على المعايير التي رسمها المجتمع لجماليته، نجد مريم جرديوي، التي خاضت غمار تجربة التغيير سنة 2019، بعد تأثرها بالنتيجة التي توصلت إليها إحدى الشابات على مجموعة فيسبوكية للشعر الكيرلي، لتختار بعدها قصّ كل أطراف الشعر الذي يحمل في جزيئاته مواد كيمائيةً مرطبةً، وتحصل على قصة شعر قصيرة. ثم تبدأ رحلة التغيير التي تصفها بالمُرْضِية للذات والصعبة في آن واحد، لأنها لم تلاحظ الفرق في طول الشعر المموج.

فيما تصف العارضة هدى فونو، تقبّل طبيعة شعرها "الأفرو"، بغير السهلة، قبل سنتين، بعد تجربة فَرْدِه التي استمرت لأعوام، بسبب التنمر الذي طالها من قبل تلاميذ المدرسة الابتدائية، الذين نعتوها بـ"الجيكس" (أسلاك معدنية لتنظيف الأواني)، أو بـ"الوحش" الذي يمتلك شعراً غير ناعم، وهذا ما جعلها تطلب من أمها فرد شعرها باستمرار.

في المقابل، حافظت الممثلة المغربية هاجر بوزاويت، على طبيعة شعرها المموّج، عادّةً إياه تميّزاً وتفرّداً عن الأخريات، إذ يمكنها بعد الاستحمام تجفيفه والخروج إلى الشارع من دون الحاجة إلى مصفف الشعر أو الصالون.

"لم أجد لي صورةً واحدةً بالشعر الكيرلي، وهو ما أثار جانب الفضول لديّ، لا سيما أنني من محبّات هذا النوع من الشعر، لذلك شرعت في البحث عن تجارب مماثلة لحالتي"

تأخّر المهندسة الصناعية مريم جرديوي، في العودة إلى طبيعة شعرها، يُعزى إلى جهلها بطبيعته لسنوات، إذ بدأت بالترطيب والتمليس منذ أن كان عمرها سبع سنوات ليستمر الأمر عشرين سنةً. تقول: "لم أتعرّف على طبيعة شعري في صغري والذي صُنّف في خانة الشعر الخشن أو "الأحرش"، فبالعودة إلى صوري، لم أجد لي صورةً واحدةً بالشعر الكيرلي، وهو ما أثار جانب الفضول لديّ، لا سيما أنني من محبّات هذا النوع من الشعر، لذلك شرعت في البحث عن تجارب مماثلة لحالتي".

كما أن معاناة مريم مع تساقط الشعر بعد إصابتها بكوفيد19، دفعتها لقراءة مقالات علمية حول علاقة التساقط بكوفيد، لتقرر بعدها التعمق في عالم الشعر وجزيئاته، من خلال دراسة تخصّص الشَعر وأمراضه "Trichology" الذي يهتم بالدراسة العلمية لصحة الشعر وفروة الرأس.

تشير مريم إلى أن هذا التخصص الأكاديمي، مكّنها من فهم طبيعة شعرها، وأن الشّعر مزيج بين الماء والفيزياء والبيولوجيا، في الظاهر يبدو شيئاً عادياً لكنه صعب الفهم والتركيب، ويلزمه التعمق والبحث لفهم طبيعته وكيفية الاعتناء به، كما أن التخصص مكّن مريم من إصدار ماركة خاصة بها لمنتجات الشعر الكيرلي تعتمد في صناعتها على المواد الطبيعية.

الافتراضي فضاء للتمرد

في ظل هذا التنمر الذي يلاحق صاحبات الشعر المموّج في الفضاء العام، فقد مكّنهن الفضاء الافتراضي من التعبير عن رفضهنّ للمعايير المجتمعية وتمردهن عليها واثبات اختلافهن.

هو ما تؤكده صانعة المحتوى هدى فونو، قائلةً: "مواقع التواصل الاجتماعي مكّنتنا من التمرد على الصور النمطية للجمال"، ويظهر الأمر حسب هدى في تنامي صفحات الاعتناء بالشعر وعدد المشاهدات والتعليقات التي تصاحبها، مضيفةً أن هذه الصفحات مكّنتنا من التعرف على المنتوجات المناسبة لطبيعة ونوع شعرنا.

"مواقع التواصل الاجتماعي مكّنتنا من التمرد على الصور النمطية للجمال"

بالإضافة إلى هدى التي تعمل على نشر فيديوهات للاعتناء بالشعر الكيرلي و"الأفرو"، تسعى مريم إلى توعية متتبعيها استناداً إلى المقالات العلمية والأكاديمية وتخصصها، ليتمكنوا من التعرف على طبيعة شعرهم والمنتوجات المناسبة للاعتناء به، خصوصاً أن الدراسات العلمية بشأن كيفية تعامل المغاربة مع الشعر المجعّد منعدمة حسب المتحدثة ذاتها، وغالباً ما يتم ربط الشعر المموج أو الأفرو بلون البشرة.

في هذا الخصوص، تقول هدى: "دائماً ما يُطرح السؤال التالي عليّ: هل أنت مغربية؟ أو كيف تمكّنت من إتقان الدارجة؟ بسبب لون بشرتها الأسمر وشعرها الأفرو، اللذين كانا ولا يزالا محطّ تنمر وتمييز لا سيما في جلسات التصوير، إذ دائماً ما يتم اختيار العارضات اللواتي يتمتعن بمعايير جمال غربيّة (شعر طويل أملس أسود أو أشقر وبشرة بيضاء).

"يُربط شعري المموج بالأدوار الأربعينية"

يعمل كل من الإعلام والسينما على تكريس الصور النمطية حول معايير جمال المرأة، فنادراً ما نجد أعمالاً سنيمائيةً أو تلفزيونيةً مغربيةً تعمل على محاربتها، فالصورة البصرية لهذه الاعمال تركز دائماً على شعر المرأة الرطب وبياض بشرتها، وتحاول تجنّب كل اختلاف وتميّز لدى بقية النساء.

توضح الممثلة هاجر بوزاويت، أن الشعر الكيرلي يقف عائقاً أمام حصولها على بعض الأدوار، ويُعزى الأمر وفق هاجر إلى المنتجين، فأغلبهم رجال، عكس ما إذا كانت المرأة هي المنتجة، إذ تكون على دراية بطبيعة الشعر وأنه يمكنه أن يتماشى مع أي دور.

وتضيف هنا: "يتم تصنيفك في إطار نمطي، لا يمكنك لعب جميع الأدوار، لا سيما أدوار السيدات اللواتي ينتمين إلى طبقة راقية، ويتم حصرك دائماً في أدوار نساء يبلغن الأربعينات من العمر".

"ما زال بحثي عن شعري الأصلي ذي التموجات الكثيفة مستمراً، بعد أن دمّرتُه بمحاولات جعله ناعماً وصباغته"

تحاول الممثلة المغربية الحفاظ على طبيعة شعرها المموج، من دون ربطه بالكفاءة الفنية، مشيرةً إلى أنه لا يمكن قياس الكفاءة بطبيعة الشعر أو طول القامة أو قصرها، بل الكفاءة تكمن في التكوين والممارسة والعمل بذكاء، وشروط الكفاءة هذه هي من جعلت هاجر تحصل على أدوار رئيسة منها البطولة في أعمال تلفزيونية وسينمائية.

من جهة أخرى، تسعى هدى من خلال صفحتها على إنستغرام إلى محاربة الصور النمطية في الإعلام العمومي والأفلام والمسلسلات. ترصد التمييز القائم بسبب طبيعة الشعر ولون البشرة، كما هو الأمر في بعض الأعمال الرمضانية، وتسجل أن الإعلام المغربي يحاول إبراز الجمال "الغربي" الذي لا يمت إلينا بصلة، ويقصي ذوات وذوي البشرة السوداء والشعر المجعد من الأدوار الرئيسة.

ترى بوزويت، أن جمال المرأة معياري يجسَّد دائماً في صورة سيدة راقية وذات شعر أملس، مشدّدةً على أن جميع نساء المغرب جميلات وجمالهنّ يكمن في اختلافهن، وأن التلفزة المغربية هي من تساهم بالأساس في ترسيخ هذه الصورة، كما تتمنى أن ترى نساء محجبات وأخريات بتنورات قصيرة ونساءً بالشعر المجعد وأخريات بشعر أملس وشعر ممشَّط في الأعمال الفنية المغربية.

بخصوص دور الفن والسينما في محاربة هذه الصور النمطية، تقول هاجر إن الأمر يتطلب العمل وفق رؤية خاصة والاجتهاد وتقبّل من الآخر مع التصالح مع الذات أولاً، وأنّ على المغاربة الانفتاح على القراءة، وبقيّة الأعمال الفنية الأجنبية، من أجل إغناء الصور البصرية بالاختلاف والتنوع، لا الدعوة إلى التطبيع أو التقليد.

تطمح صاحبة دور إلهام في فيلم "جبل موسى"، من خلال أعمالها إلى انخراط بقية النساء اللواتي يتمتعن بالشعر المموج في الوصلات الإعلانية والأعمال التلفزيونية والسينمائية أيضاً، مع ضرورة الحفاظ على اختلافهن وتفردهن.

تُجمع النساء الثلاثة في حديثهن إلى رصيف22، على أن عبارات التنمر (شعكوكة، جيكس، معندكش المشطة...)، لا تزال تلاحقهن في الشارع العام والفضاء الافتراضي بسبب تموجات شعرهن المتميزة، إلا أنهن يتعاملن مع الأمر بمنطق اللا مبالاة انطلاقاً من قناعتهن الشخصية بضرورة تقبّل اختلافهن، وتشجيع غيرهن من الشابات والشباب على عدّ الاختلاف بالشعر المتموج الجميل تفرّداً.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard