قالت مصادر حقوقية وأهالٍ إن محكمة سعودية أصدرت أحكاماً بالسجن تراوح بين 10 و18 عاماً على 10 نوبيين اعتُقِلوا في المملكة قبل نحو عامين إثر احتفال "على الطريقة النوبية" بذكرى الانتصار في حرب أكتوبر المجيدة عام 1973.
ووصفت منظمات حقوقية محلية وعربية الأحكام بحق المعتقلين النوبيين بأنها "قاسية"، ملمحةً إلى أن المحاكمة "لم تراع القواعد الدنيا لضمانات المحاكمة العادلة أمام محكمة استثنائية متخصصة".
ووجه حقوقيون انتقاداً لاذعاً للقنصلية المصرية في الرياض، والحكومة المصرية، لـ"تقاعسهما عن التدخل للإفراج عنهم أو حتى تقديم الدعم القانوني لهم".
في حين وصفت منظمة العفو الدولية المحاكمة بأنها "استهزاء بالعدالة"، مطالبةً بضرورة إطلاق سراح النوبيين المصريين العشرة فوراً وإسقاط جميع التهم الموجهة إليهم.
ما قصتهم؟
تعود القضية إلى 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، حين نظّمت مجموعة جمعيات نوبية في المملكة احتفالاً "على الطريقة النوبية" لتخليد ذكرى أبطال النوبة في حرب أكتوبر 1973.
#مصر متهمة بـ"التقاعس عن التدخل للإفراج عنهم أو حتى تقديم الدعم القانوني لهم"... أحكام بالسجن تراوح بين 10 و18 سنة على 10 نوبيين احتفلوا بذكرى انتصارات أكتوبر عام 1973 في #السعودية ولم يرفعوا صورة #السيسي
صباح اليوم التالي للاحتفال، ألقت السلطات السعودية القبض على مجموعة من المنظمين والحضور، وحققت معهم في غياب محاميهم. ركز التحقيق آنذاك على عدم وجود صورة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ضمن الصور المرفوعة خلال الفعالية. وأجاب المعتقلون بأن السبب يرجع إلى عدم مشاركة الرئيس الحالي في الحرب، وأن الفعالية كانت مخصصة لأبطال الحرب ومن النوبيين حصراً.
ألمحت تقارير إلى أن تخصيص جانب كبير من الاحتفال للحديث عن دور المشير محمد حسين طنطاوي ربما أزعج السلطات المصرية التي أوعزت للسلطات السعودية بالقبض على مواطنيها، على حد زعمها.
بعد شهرين، أُطلق سراح الجميع مع أمر بمنعهم من السفر، لتُعيد السلطات السعودية اعتقال البعض منهم يومي 14 و15 تموز/ يوليو 2020، إذ أودعوا سجن الحائر بالرياض ثم نُقلوا إلى سجن عسير بمدينة أبها (يبعد نحو 950 كم عن العاصمة الرياض) دون تحقيق أو تمكينهم من تكليف محامٍ للدفاع عنهم، أو تواصل مع ذويهم قبل السماح لهم بمكالمة أسبوعية واحدة مع أسرهم. وواصلت السلطات السعودية اعتقالهم تعسفياً حتى بداية جلسات محاكمتهم في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021.
وبتهم تتعلق بالإرهاب وتنظيم تجمع دون ترخيص، أُحيل النوبيون العشرة (تراوح أعمارهم بين 37 و65 عاماً) إلى المحكمة الجزائية المتخصصة في قضايا الإرهاب، المعروفة بأحكامها القاسية والمشددة، بعد أكثر من عام على احتجازهم.
وبحسب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان (CIHRS)، فإن غالبية المعتقلين النوبيين "يعانون من أمراض مزمنة تستوجب رعاية طبية دورية" وجميعهم "أعضاء في جمعيات نوبية مستقلة في السعودية، تأسست منذ سنوات كوسيلة للتواصل والترابط بين أبناء النوبة في السعودية، ولا تستهدف ممارسة أي نشاط سياسي أو حزبي".
والمحكومون العشرة هم: رئيس الأسرة النوبية بمدينة الرياض عادل سيد إبراهيم فقير، ويعمل محاسباً بالسعودية منذ عام 1978، والرئيس السابق للجالية النوبية بالرياض فرج الله أحمد يوسف، وهو عالم آثار إسلامية وأحد مستشاري هيئة الآثار والسياحة السعودية، والصحافي بمؤسسة اليمامة الصحافية بالسعودية وائل أحمد حسن، ومهندس تقنية المعلومات محمد فتح الله جمعة. بالإضافة إلى رئيس جمعية قرية دهميت النوبية بالرياض جمال عبد الله مصري، والأعضاء بنفس الجمعية: هاشم شاطر، وعبد السلام جمعة علي وعلي جمعة علي بحر، وعبدالله جمعة علي بحر، وصالح جمعة أحمد.
وصفت منظمات حقوقية الأحكام بأنها "قاسية"، ملمحةً إلى أنها أعقبت "محاكمة غير عادلة" للنوبيين العشرة "عقاباً على ممارسة حقهم المشروع في حرية التنظيم وتكوين الجمعيات"
محاكمة "جائرة"؟
وكانت ست منظمات حقوقية مصرية قد استنكرت، في العام الماضي، اعتقال النوبيين العشرة، واعتبرته "احتجازاً تعسفياً… ليس فقط لما شهده من خروق واضحة من احتجاز دون تحقيق ودون تواصل مع محامين، لكن لأنه يأتي للمرة الثانية للمجموعة نفسها".
وهذه المنظمات هي: مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ومركز النديم، ومبادرة الحرية، والجبهة المصرية لحقوق الإنسان، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير.
وقد شدد بيان المنظمات على أن الاعتقال كان "عقاباً" على "ممارسة حقهم المشروع في حرية التنظيم وتكوين الجمعيات"، مستنكرة عدم حصولهم على "الحق في محاكمة عادلة". وقالت منظمة العفو الدولية في بيان، قبل شهرين، إن المعتقلين النوبيين التقوا بمحاميهم لأول مرة في أولى جلسات المحاكمة، وبعد 16 شهراً من الاحتجاز.
كما اتهم بيان المنظمات المصرية القنصلية المصرية في الرياض بـ"التنصل من مسؤوليتها عن المقبوض عليهم بحجة أن القواعد والأنظمة بالمملكة العربية السعودية تحظر إنشاء جمعيات أو كيانات لجاليات الدول المقيمة بأراضيها أو إقامة أي أنشطة، ورفضت القنصلية التدخل في القضية لكونها قضية أمنية وليست جنائية".
وكانت القنصلية قد حذّرت في بيان عبر فيسبوك من مخالفة القوانين السعودية التي تحظر إنشاء جمعيات أو كيانات للجاليات المقيمة، مناشدةً "احترام الأنظمة والقوانين بالمملكة".
ولفتت المنظمات الحقوقية إلى أن ذوي المعتقلين تواصلوا مراراً وتكراراً مع المسؤولين في وزارة الهجرة المصرية ووزير الخارجية المصرية الذين أكدوا معرفتهم بالأمر ومتابعة القضية، "دون تدخل ملموس".
يُرجح أن هجرة #النوبيين إلى #السعودية ارتبطت بعمليات التهجير الكبرى التي رافقت إنشاء السد العالي. وقد تأسست أول جمعية نوبية في الرياض عام 1970، ومع تعدد الجمعيات النوبية تشكّلت ثلاث أُسر نوبية كبرى تجمع #النوبيين في #المملكة
وطالما عبّر النوبيون، وهم أقلية في مصر والسودان، عن معاناتهم التهميش والتمييز التاريخي. وتقدر جماعات حقوق الإنسان أعدادهم في مصر بثلاثة إلى أربعة ملايين.
وتُشير التقديرات التاريخية إلى أن هجرة النوبيين إلى السعودية ارتبطت بعمليات التهجير الكبرى التي رافقت إنشاء السد العالي. وقد تأسست أول جمعية نوبية في الرياض عام 1970، وارتفع عدد الجمعيات النوبية في المملكة لأكثر من 30 بالرياض فقط.
ومع تعدد الجمعيات النوبية تشكّلت ثلاث أُسر نوبية كبرى تجمع النوبيين في المملكة، وهي: الأسرة النوبية في الرياض، والأسرة النوبية في جدة، والأسرة النوبية في المنطقة الشرقية. وتقول وكالة فرانس برس إن هذه الجمعيات سبق أن نظمت احتفالات عديدة، بينها إحياء ذكرى حرب أكتوبر من دون أن تتعرض لأي مضايقات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...