شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
الانتظار الذي صارَني وصرتُه

الانتظار الذي صارَني وصرتُه

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مجاز

الاثنين 17 أكتوبر 202205:35 م


تندرج المادة ضمن ملف "الانتظار... رنينُ هاتفٍ في صحراء"، إعداد وتحرير تمّام هنيدي.


أجيد الانتظار. بالأحرى أصبحت أجيد الانتظار أثناء انتظاري. لا أذكر إن كنت دائماً منتظرة ولا متى أصبحت أنتظر، ولا أذكر من وكيف كنتُ قبل أن أصبح منتظِرةً، ولكني عندما أنظر خلفي، وأبحث في ذاكرتي أو في صوري، أجدني منتظرة. وخلال هذا الانتظار وجدتُ ما يسعفني على انقضائه.

أزلتُ الطلاء المتقشر عن أظافري وأنا أنتظر غليانَ مياهِ  الشاي؛ نمت وأنا أنتظر انقضاء فترة ما بعد الظهر الحارة؛ نمت وأنا أنتظر انقضاء فترة ما بعد الظهر الباردة؛ كتبت قصيدة وأنا أتأمل ظهر رجلٍ عارٍ قربي؛ سافرت وأنا أنتظر الاحتمالات؛ مارست الجنس ليلاً على رمل البحر وأنا أنتظر الحب.

تعلمتُ أن أكون باردة وأنا أنتظر القُبل؛ تعلمت قيادة السيارة بمحول سرعة عادي وأنا أوصل أبي إلى المستشفى؛ بريت أقلام رصاص كثيرة وأنا أنتظر فكرة؛ أطعمت كلبتي وأنا أنتظر أن تحبّني؛ ضحكت مع ضيوفٍ كثر وأنا أنتظر مغادرتهم؛ تصالحت مع وزني الزائد وأنا أنتظر خسارته؛ ابتعدت كثيراً وأنا أنتظر محطتي، صرخت كثيراً وأنا أنتظر بصمت.

سخرت كثيراً وأنا أنتظر نكتة تستحق الضحك؛ تذكرت أحداثاً سقطت وأنا أنتظر أحداثاً جديدة؛ بكيت وأنا أنتظر بدء فيلم كوميدي؛ حدّقت في الأشجار والسماء وأنا أنتظر انتهاء النهار؛ أصبحت شاعرة وأنا أنتظر الحرب؛ عددت النجوم وأنا أنتظر الشهب.

لم يكن الانتظار قصيراً

لم يكن الانتظار قصيراً. لا أذكر متى أصبح طويلاً ومتى أصبح مفلوشاً على كل حياتي، ولكني عندما أنظر خلفي وأبحث في ذاكرتي وصوري أجده يمسك يدي، أو يضع إحدى يديه حول كتفي وينظر إليّ فيما أنظر إلى الكاميرا وأبتسم لتوثيق انتظاري.

أبتسم للانتظار وأبتسم بحضوره؛ حضوره الذي ملأ كلَّ أفعالي، وأفعالي التي وقعت بظلّ حجَّته.

أصبحت أجيد الانتظار أثناء انتظاري. لا أذكر إن كنت دائماَ منتظرة ولا متى أصبحت أنتظر، ولا أذكر من وكيف كنت قبل أن أصبح منتظِرة، ولكني عندما أنظر خلفي، وأبحث في ذاكرتي أو في صوري، أجدني منتظرة. وخلال هذا الانتظار وجدتُ ما يسعفني على انقضائه

ارتديت فساتين جميلة وأنا أنتظر أن أتعرى؛ حفظت ملامح وجه وسيم وعددت تجاعيده وتشنجاته وأنا أنتظر الأورغازم؛ قبّلت كثيرين وأنا أنتظر قبلة؛ أمسكت يد أمي وأنا أنتظر انتهاء حلقة من مسلسلها المفضل؛ لمست كتف شابٍ أسمرَ وأنا أنتظر خلعه الجينز؛ قرأت بول أوستر وهاروكي موراكامي وبيتر زوسكيند وأنا أنتظر انقضاء نهايات الأسبوع؛ أحببت بسام حجّار ووديع سعادة وأنا أنتظر عودة فادي أبو خليل؛ أمضيت وقتي وحيدةً وأنا أنتظر أن لا أكون وحدي؛ راقبت المارة وأنا أنتظر أن يفتح المقهى؛ دردشتُ طويلاً وأنا أنتظر انتهاء الدوام؛ تمددت تحت ذهب الشمس وأنا أنتظر غروبها؛ شذّبت ياسمينةَ أبي وأنا أنتظر انتهاء ميلانكوليا يوم الأحد؛ مارست الرياضة وأنا أنتظر موسم البحر؛ شربت البيرة وأنا أنتظر اكتشاف مشروبي المفضل؛ كذبت كثيراً وأنا أنتظر إيجاد إجابات دقيقة؛ اخترعت نهاياتٍ متنوعةً وأنا أنتظر بدايةً جديدة.

ملء الانتظار

انتظاري ممتلئ. أنا أجيد ملء الانتظار. لا أذكر متى بدأت ملءَ الانتظار، ولا كيف بدأ يمتلئ، ولكني عندما أنظر خلفي وأبحث في ذاكرتي أو صوري، أجده انتظاراً ممتلئاً. وفي هذا الامتلاء وحدةٌ.

أنا أجيد الوحدة، أو بالأحرى أصبحت أجيد الوحدة أثناء وحدتي.

لا أذكر متى أصبحت وحيدةً، أو إن كنت دائماً وحيدة. لا أذكر من وكيف كنت قبل أن أكون وحيدة، ولكنني عندما أنظر خلفي وأبحث في ذاكرتي وصوري أجد امرأةً بملابس قليلة تجلس في مقهى تحمل قنينةَ بيرة بلجيكية، أو فنجان قهوة كورتادو الإسبانية، وتأكل كيك الموز، وتتأمل المارة والجالسين قبالتها، وتسترق السمع إلى أحاديث الجالسين خلفها وتنتظر وحدها.

سخرت كثيراً وأنا أنتظر نكتة تستحقّ الضحك؛ تذكرت أحداثاً سقطت وأنا أنتظر أحداثاً جديدة؛ بكيت وأنا أنتظر بدء فيلم كوميدي؛ حدّقت في الأشجار والسماء وأنا أنتظر انتهاء النهار؛ أصبحت شاعرةً وأنا أنتظر الحرب

رسمت حياتي العادية وأنا أنتظر مغامرةً غير عادية؛ سمعت عصفور الطنان وأنا أنتظر الهدوء؛ شاهدت أفلاماً من العالم وأنا أنتظر فيزا؛ لمست جسمي وأنا أنتظر لمسة؛ امتهنتُ الشتم وأنا أنتظر حلولاً؛ حاربت السيليوليت وأنا أنتظر انتهاء خَبْزِ قالب الكيك؛ بدّلت شراشف سريري وأنا أنتظر النوم؛ كتبت وأنا أنتظر الموهبة؛ جلست على الرصيف وأنا أنتظر أن يأتي النادل بكأسي؛ تبعت حواسي وأنا أنتظر إشارات منطقية؛ تعلمت قواعد لعبة الفوتبول وأنا أنتظر أن يخلع الشبان عن صدورهم جيرسي فريقهم المفضل احتفالًا بربحه؛ عددت النمش على ساقيّ وأنا أنتظر انتهاء الإعلانات قبل بداية الفيلم؛ لعبت كالصغارِ ومعهم وأنا أنتظر أن أكبر؛ رقصت وأنا أنتظر الطيران؛ تنقّلت بين منازل كثيرة لها شُرفاتٌ واسعة وأنا أنتظر عودتي؛ لمست غرباء وأنا أنتظر الألفة؛ غفوت وأنا أنتظر  الأحلام؛ استعدت أوهام طفولتي وأنا أنتظر أن أنضج؛ سامحت البعضَ وأنا أنتظر أن أغفر لنفسي.

بعض الانتظار كان وحده، بدوني وبدون سلطتي وتدخلاتي، خالياً من الملل والأمل؛ كان ثابتاً بحضوره، وراقياً بقبولي حوله؛ كان يملك هو المساحة والوقت؛ كان صاحب المكان وكنت أنا الزائرة الطارئة. هذا الانتظار لم يعكره أحد أو حدث ولا حتى رسالة واتس أب. حتى أنا لم أقاطعه. تركته يجري كنهرٍ ويغمرني. سمعتُ صوتَ جريانِه وأنا أنصت إلى أصوات أنفاسي وأراقب الوقت الذي يستغرقه كلُّ زفير وشهيق. رأيت شعري وهو ينبت وأظافري وهي تنمو وجسمي وهو يرتعش وجلدي وهو ينكمش من برد مائهِ ولم أغادر النهر. تعلمت التنفس تحت ماء نهر الانتظار حتى صارني وصرتُه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image