شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
سهرة رأس السنة مع محمد رمضان

سهرة رأس السنة مع محمد رمضان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الجمعة 7 أكتوبر 202204:14 م

ما سأقصه عليكم الآن هو مجرد حلم، منام مثل كل المنامات التي لا نتدخل في اختيارها، وأنا للحقيقة معظم مناماتي سعيدة، على عكس واقعي. لا أدري السبب؛ ربما هي وفق التحليل النفسي تعويض عن تعاسة الواقع، لا سيما ونحن نعيش في بلاد شهدت حرباً طويلة، ونعاني ويلاتِ آثارها التي ربما سنظل نعاني منها لسنوات طويلة. وهكذا تلك الحرب، الباقية آثارُها، والتي قد لا أبالغ إذا قلت إن آثارها أصعب بكثير من الحرب نفسها، تصبح حرباً أخرى، انبثقت من الأولى، ولكن هذه المرة لم تعد ترعبنا القذائف وحسب، أو الرصاص وإن كان طائشاً، بل الحياة نفسها، بما فيها من صعوبات لم نكن نتخيل أننا سنعايشها يوماً. الحياة نفسها هي أحد أسباب الموت الرئيسة، تماماً مثلما يكتبون على علب التبغ: "التدخين سبب رئيس للموت"، فالحياة عندنا هي أيضاً سبب رئيس للموت.

لنتوقف الآن عند هذه الجرعة من التراجيديا، ونعود للمنام، فأنا رأيت مناماً جميلاً وسعيداً مثل أغلب مناماتي. نهضت من نومي، وعندي رغبة للكتابة، مع أني استيقظت قبل موعد استيقاظي المفترض، فأنا قد نمت متأخراً أمس، لكن على أية حال يبدو أن لا سبب لاستيقاظي سوى ذلك المنام نفسه. بالمناسبة أشاهد مناماتي كما أشاهد فيلماً سينمائياً، كأن هناك مخرجاً عبقرياً، خلفها، يحرك الكاميرا، ويصنع المشاهد بألوانها الفاقعة المميزة، فأنا نادراً ما أشاهد مناماً شاحباً. الجودة جزء أساسي من مناماتي، كما أن هناك سيناريو ملفت، وعنصر المفاجئة كثيراً ما يحضر. ربما في ذلك ما يعكس حبي للسينما، وذلك على أبسط تقدير.

أنا شخص لا يحب النوم كثيراً، ولا أنام إلا إذا شعرت بالتعب ودعتني الحاجةُ إلى ذلك، لكني غالباً أحب الأحلام التي يقترحها دماغي علي، كما أنني اكتشفت مؤخراً أن حديثاً سعيداً قبل النوم، بالضرورة سيقودني إلى منام سعيد.

ما سأقصه عليكم الآن هو مجرد حلم، منام مثل كل المنامات التي لا نتدخل في اختيارها، وأنا للحقيقة معظم مناماتي سعيدة، على عكس واقعي. لا أدري السبب؛ ربما هي وفق التحليل النفسي تعويض عن تعاسة الواقع 

أنام على الأرض، بلا سرير، فبالإضافة إلى أني لا أملك سريراً بسبب ضيق البيت الذي أسكن فيه، للطقس أيضاً مشيئته في طريقة نومنا، مثلما للحروب مشيئتها في طريقة أكلنا وشربنا، مثل مجتمعنا الذي نولد مصادفة فيه، ويتدخل بتفاصيل حياتنا وخياراتنا، لدرجة أنه يحرمنا من متعة الركض، وإن كان بلا سبب. قد يعتبره البعض نوعا من الجنون: "انظر إنه يركض مستعجلاً. البلد كلها تزحف كالسلحفاة وأخينا هذا يركض". إذا كانت فكرة الركض كذلك، فما بالك بأشياء أكثر أهمية وجوهرية؟

المهم، استيقظت من نومي الساعة العاشرة والنصف صباحاً وبي رغبة للكتابة. غسلت وجهي، وغليت قهوتي، وعدت إلى مرتبتي على الأرض. عدت لأكتب، فهذه أول مرة أكتب عن منام، مع أن في الأمر الكثير من الإغراء لتدوين تلك المنامات السحرية وعوالمها الجميلة والغريبة. في الأمس مثلاً كان آخر مشهد من منامي الذي نهضت أثره، عبارة عن شخص، يحجز أُسوداً تزمجر في ما يشبه محلاً تجارياً؛ أُسود جائعة، وأمام المحل تماماً يمتد بحر صغير، تتموج داخل مائه أجساد غير واضحة المعالم؛ أجساد يسيل منها الدم حيث تتحرك مع حركة الماء للخلف والأمام.

كنت جزءاً من المشهد أراقب ببعض الخوف والفضول المشهد من مسافة ليست قريبة. ثم فجأة يفتح ذلك الشخص للأسود بمساعدة شخص آخر يعطيه الإشارة، كي تبدأ عملية الانقضاض. لكن في نفس اللحظة يتحول جانب البحر إلى شارع تقف فيه عشرات السيارات، تنتظر لتعبر، تنبهت، و أنا أراقب ما يحدث، والهدف من كل تلك العميلة هو جعل تلك الأسود تنقض على أولئك البشر، لتفتك بهم و تقتلهم. حين بدأ يتحول المشهد فعلاً إلى واقع، أقصد حين بدأ يتحقق، هربت مسرعاً، لكن الرجل شاهدني أركض، فصرخ على الرجل الآخر ليلحق بي، وليتخلص مني. ربما لأنني أنا الشاهد الوحيد على تلك المجزرة التي ستحدث: الأسود تهجم على الناس داخل سياراتها.

في تلك اللحظة استيقظت، لكني لم أكن خائفاً كما يظن البعض، بل مندهشاً من هذا الإخراج وهذه المشاهد. أسود محبوسة، أمام بحر في شارع رئيسي، ثم سيارات تبدو وكأنها تنتظر أن ينطفئ ضوء الإشارة الحمراء، لتعبر، وإذا بأسود جائعة وغاضبة، تبدأ بالهجوم عليها.

لا أدري ما الذي أتى بي إلى هذا المكان؟ فأنا لا أعرف أحداً فيه، إلا محمد رمضان، الذي سيصبح صديقي ونقضي سهرة رائعة معاً

الحقيقة ما لفت انتباهي في هذا الجزء الأخير من منامي -لأني نسيت الأجزاء السابقة التي قد لا تكون لها علاقة عضوية مع المشهد الأخير- طريقةُ إخراج المنام، ومشهد البحر في أوتوستراد، والأسود المتوحشة المحبوسة داخل محل تجاري، أكثر من دموية المشهد نفسه، أو كمية الرعب التي يتخللها المشهد نفسه.

اليوم جمعتني المصادفة بالفنان المصري النجم محمد رمضان، هكذا دون أي مناسبة، وحتى أنني لم أقرأ ولم أشاهد أي شيء للفنان محمد رمضان قبل النوم ولا حتى قبل أيام. فجأة ظهر في منامي داخل حلم جميل وممتع، وأيضاً ربما يصلح لأن يكون مشهداً سينمائياً. شخصياً يعجبني هذا الممثل، وأحب حضوره على الشاشة بشكل عام، فمنذ أن تابعت دوره في مسلسل "الأسطورة" وأنا نادراً ما أفوت له عملاً درامياً أو سينمائياً، لكن ليس إلى درجة أن أراه في منامي وأن أقضي بصحبته ليلةَ رأس السنة.

مصادفةً وجدتُ نفسي في مكانٍ يتجمع فيه نجوم ومشاهير لقضاء ليلة رأس السنة. لكن تلك الليلة كانت كليلةٍ عادية يمكن أن تجمع أصدقاء، فليس فيها مسرح ولا جمهور ولا حتى فرقة موسيقية، لكن كانت ثمة موسيقى تنبعث من مكان ما بين الحين والآخر، في المكان الذي يشبه إلى حد ما بعض شوارع إسطنبول المرتفعة ذات الأدراج، لكنها في المنام كانت متعرجة ووعرة بعض الشيء. كان الحضور عبارة عن مجموعة من النساء والرجال، يجتمعون وهُم في غاية الأناقة للاحتفال.

لا أدري ما الذي أتى بي إلى هذا المكان؟ فأنا لا أعرف أحداً فيه، إلا محمد رمضان، الذي سيصبح صديقي ونقضي سهرة رائعة معاً.

كان المكان عبارة عن مصاطب مصنوعة بطريقة فنية بسيطة ملتصقة بالجدران، ملساء ومطلية باللون الأبيض، وكانت النراجيل غريبة الشكل، حيث كان هناك طريقة غريبة لوضع الفحم، لم أشاهدها في الواقع. المهم كنت واقفاً بين الحضور، إلى أن ناداني النجم محمد رمضان وهو يهم بالجلوس على أحد المصاطب، قائلاً لي بلهجته المصرية المحببة: "تعال اقعد جنبي".

جلست بقربه، وكان في غاية اللطف، وأخذنا نتحدث عن أشياء لا أتذكرها. لقد بدا لي أنه يعاني من انفصال عاطفي أو ما شابه، حيث قرر أن يسهر وحيداً ويجلس مع شخص يراه لأول مرة.

بعد أن انتهى من توزيع الهدايا، وضع في جيبي هديةً صغيرة أحببتها، وهي عبارة عن إبريق صغير جميل وكوب برتقالي، لا يصلحان للاستخدام، إنما للعرض فقط. أحببت تلك الهدية، ولم أنس أن أشكره. وهكذا وبعد كل التفاصيل، استيقظتُ وكان يعتريني شعورٌ غامرٌ بالسعادة

كان الجو بارداً بعض الشيء، وكان ثمة أشخاص قد أشعلوا النار، متوسلين الدفء، وربما لإضفاء مسحة من الرومانسية والخصوصية على الاحتفال، حيث كان الاحتفال برمته في الهواء الطلق.

بعد قليل انسحبتُ من بين الحضور، ومشيتُ خارج المكان، الذي كان يشبه مطعماً أو كلوباً، له بوابة وجدار نافر من الخارج، ولكنه مفتوح من الداخل، وبلا سقف. خرجت من البوابة. أمامي شارع عريض باتجاهين، خالٍ تماماً باستثناء بعض السيارات المركونة على جانبي الطريق. قابلني شاب لطيف يجلس على المنصّف العريض، يحمل أيضاً نارجيلته، وأخذ يدعوني لمتابعة الحفل من الخارج، بعيداً عن الضجة، بكل تلك البساطة.

بدا الشاب لطيفاً، لكني شعرت بأن علي العودة للداخل. لكن فجأة وبشكل لا يحدث إلا في الأحلام أتت الممثلة الأمريكية سكارليت جوهانسون بقميصها الأبيض وبنطالها الأسود وطولها الفارع، لتقبلني على فمي، مثلما قبّلت عمر واكد في فيلم "لوسي"، لكن طريقة تقبيلي أثارت استياءها، فلقد كانت ترغب بقبلة خفيفة. ثم مشينا معاً عكس اتجاه الاحتفال وأنا أعتذر منها، متذرعاَ بوقع المفاجئة. كانت لطيفة و ابتسمت، لكن لا أدري ما الذي أعادني إلى الداخل، لنمضي أنا ومحمد رمضان، في جولة جميلة عبر تلك الأزقة الضيقة والملساء، وكأنها محفورة في الطبيعة، بمنطقة جبلية نوعاً ما. مضينا نغني أغانيَ مصرية لم أعد أتذكرها. الحقيقة كان واضحاً أن محمد رمضان لا رغبة له بالاحتكاك مع أحد، فقد رفض أمامي دعوةَ امرأة جميلة، حاولتْ دفعَه ليدخل سيارتها الفاخرة، فرفض معتذراً. كانت ملامح وجهه توحي بحزنٍ ما، لكن لم أبادر بأية أسئلة، كنت مستمتعاً بصحبته وبغنائنا معاً.

في الطقس البارد والذي أخذ يصبح ضبايباً بعض الشيء في تلك الليلة، كان يرتدي محمد رمضان معطفاً من الكتان طويلاً يصل إلى تحت الركبتين بقليل، وسروالَ جينز ضيقاً، وحذاءً بنّياً كبيراً. ثم فوق تلك الأرض الملساء، في الهواء الطلق، حيث الليل وبعض الضباب يلف المكان وبعض الناس المجتمعة في المكان، أخذ يوزع الهدايا على البعض؛ هدايا غريبة لتوزَّع في هكذا مناسبة، فقد ناولني على سبيل المثال شاشةَ كمبيوتر مسطحةً، فاعتذرت عن أخذها قائلاً: عندي لابتوب، لا حاجة لي بها.

ثم بعد أن انتهى من توزيع الهدايا، وضع في جيبي هديةً صغيرة أحببتها، وهي عبارة عن إبريق صغير جميل وكوب برتقالي، لا يصلحان للاستخدام، إنما للعرض فقط. أحببت تلك الهدية، ولم أنس أن أشكره. وهكذا وبعد كل التفاصيل، استيقظتُ وكان يعتريني شعورٌ غامرٌ بالسعادة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image