شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
بعد تسليم معارض للجزائر... هل تراجعت تونس عن حماية اللاجئين السياسيّين؟

بعد تسليم معارض للجزائر... هل تراجعت تونس عن حماية اللاجئين السياسيّين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 7 سبتمبر 202204:24 م

أعادت الرسالة التي وجهتها عائلة المعارض الجزائري سليمان بوفحص، إلى الرئيس التونسي قيس سعيّد، عن ملابسات ما أسموه اختطاف بوفحص وتسليمه إلى السلطات في بلاده، حيث يتم حبسه الآن، تساؤلاتٍ في شأن تراجع محتمل لتونس عن التزاماتها في حماية اللاجئين السياسيّين، خاصةً أن السلطات التونسية كانت قد سلّمت في 2012، مسؤولاً ليبياً سابقاً إلى الميليشيات في طرابلس.

تعود حادثة تسليم بوفحص إلى الخامس والعشرين من آب/ أغسطس من العام الماضي، بعد ملاحقات قضائية من قبل السلطات الجزائرية بتهم ''الإساءة إلى الرسول والاستهزاء بالمعلوم من الدين وشعائر الإسلام". استندت السلطات الجزائرية إلى تدوينات نشرها الحقوقي، على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وقرر القضاء الجزائري حينها حبسه لمدة ثلاث سنوات بسبب هذه التهم في العام 2016، قبل أن تمنحه مفوضية اللاجئين صفة لاجئ سياسي في تونس عام 2018.

يُعدّ بوفحص ناشطاً في الحركة من أجل تقرير المصير في منطقة القبائل (ماك)، التي تصنفها السلطات الجزائرية منظمةً إرهابيةً وتقوم بملاحقة قياداتها سواء خارج البلاد أو داخلها.

"اختطاف بوحشية"

في الخامس والعشرين من آب/ أغسطس الماضي، بعثت عائلة بوفحص رسالةً إلى الرئيس سعيّد، بدت محرجةً في توقيتها، وفي المفردات التي حملتها، إذ اتهمته بنكث عهده في أيلول/ سبتمبر2021، بفتح تحقيق في ظروف "اختطاف" والدهم.

قالت العائلة في رسالتها موجِّهَةً الحديث إلى سعيّد، الذي جرت الحادثة بعد نجاحه في السيطرة على جل الصلاحيات تقريبا العام الماضي: "للأسف، قبل سنة اختُطف والدنا بوحشية من منزله في حي التحرير في العاصمة. نكتب لسيادتك اليوم لنذكّر بتعهّدك في 2 أيلول/ سبتمبر 2021. قلت إنه ليست لديك معلومات عمّا حدث لوالدنا وتعهدت بفتح تحقيق. إلا أنه لم يتم فتح أي تحقيق على الرغم من تقديم شكايتين، الأولى في آب/ أغسطس والثانية في تشرين الأول/ أكتوبر، واختفت أقوال الشهود مقابل صمت تام من قبل الدولة التونسية".

وتابعت عائلة بوحفص في رسالتها: "تخيّل المعاناة الجسديّة والمعنوية لأبينا الذي انتُهكت حقوقه! شعور بالإذلال الشديد والغش! تخيّل أيضاً رعبه الكبير ووحدته خلال اختطافه وسجنه في الجزائر! تخيّل المعاناة التي تحمّلها رغم أنه كان بالفعل ضحية التعذيب أثناء سجنه الأول في الجزائر عام 2016. لقد خرج منه بشخصية متغيرة. أُجبر على الخضوع للعلاج النفسي لعدة أشهر ولم يتعافَ أبداً".

 بعثت عائلة بوفحص الذي سلم إلى الجزائر رغم أنه لاجئ سياسي رسالةً إلى الرئيس سعيّد، بدت محرجةً في توقيتها، وفي المفردات التي حملتها، إذ اتهمته بنكث عهده في أيلول/ سبتمبر2021، بفتح تحقيق في ظروف "اختطاف" والدهم

لم تعلّق رئاسة الجمهورية التونسية بعد على هذه الرسالة التي جاءت في وقت يتعهد فيه سعيّد -الذي أعاد بلاده إلى نظام الحكم الرئاسي القوي- بعدم التراجع عن التزامات بلاده، سواء على صعيد الحقوق والحريات أو على مستوى الاتفاقيات الدولية، في ما يتعلق باللاجئين وغيرهم.

وقالت عائلة بوفحص في رسالتها: "لا نريد أن نكتب لك رسالةً طويلةً ونبكي على معاناته غير المستحقة تماماً وغيابه الذي شعرت به عائلتنا بشكل مؤلم للغاية. نناشدك فقط لأنه كان تحت حمايتك في بلدك. بموجب القانون الدولي، يجب على تونس حماية اللاجئين وعدم إعادتهم إلى بلد قد يتعرضون فيه للاضطهاد. نحن نطالب بفتح تحقيق في الاختطاف والاختفاء القسري وسوء المعاملة على التراب التونسي والإعادة القسرية لوالدنا".

من غير الوضح ما إذا ستفتح السلطات التونسية تحقيقاً في ظروف احتجاز بوفحص، وتسليمه إلى السلطات، لكن ما تعيبه عائلته على تونس أكثر، هو تسليمه في وقت كانت فيه حتى الحدود مغلقةً بين البلدين وبعد تعرضه لتضييقات وتهديدات كبيرة.

"زلّة ثانية"

تثير حادثة إعادة بوفحص إلى الجزائر سيلاً من التساؤلات، التي قد لا تجد إجابةً في الوقت الراهن من قبل السلطات التونسية، حول ما إذا كانت البلاد ستتراجع عن التزاماتها بحماية اللاجئين، خاصةً الملاحَقين من قبل بلدانهم.

لتونس سوابق في هذا المجال لا تتوقف عند فترة حكم سعيّد، فخلال فترة حكم الترويكا، سلّمت الحكومة آنذاك آخر رئيس وزراء في عهد العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، البغدادي المحمودي، للميليشيات المسيطرة على البلاد وسط مخاوف وقتها على سلامته الجسديّة.

سلِّم المحمودي في حزيران/ يونيو من العام 2012، بناءً على طلب ليبي في خطوة أثارت عاصفةً من السجال وقتها بين المعارضة التونسية والحكومة برئاسة القيادي السابق في حركة النهضة الإسلامية، حمادي الجبالي.

تثير حادثة إعادة بوفحص إلى الجزائر سيلاً من التساؤلات، التي قد لا تجد إجابةً في الوقت الراهن من قبل السلطات التونسية، حول ما إذا كانت البلاد ستتراجع عن التزاماتها بحماية اللاجئين، خاصةً الملاحَقين من قبل بلدانهم

وقال وزير الخارجية التونسي الأسبق أحمد ونيس: "من سوء الحظ، سجّلت تونس على نفسها ضعفاً في ما يخص الوزير الأول الليبي السابق البغدادي المحمودي، الذي سلّمته حركة النهضة الإسلامية، والعام الماضي سُلِّم اللاجئ الجزائري بوفحص، بعد أن كان محتمياً في منزل في الأراضي التونسية في زلّة جديدة".

تابع ونيس في حديث إلى رصيف22: "نحن لا نعرف بأي صفة سلّمه النظام التونسي في هذه العملية، أم أنها أمور تغلّبت على الأجهزة التونسية، لكن ما حدث ضعف، والمجتمع التونسي فوق هذا، ويبقى مجتمعاً سليماً وبريئاً من هذه التصرفات".

شدد الوزير السابق على أن ما "حدث في اعتقادي هو زلّات، سواء ما تعلق بتسليم المحمودي أو بوفحص، وهي زلات لا تمثّل المجتمع التونسي".

"مشكلة في الوثائق"

في المقابل، رأت عضوة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان نجاة الزموري، أن "الرابطة أصدرت بياناً بشأن بوفحص، ونحن ضد تسليم اللاجئين السياسيين احتراماً للمواثيق الدولية خاصةً معاهدة جنيف عام 1952، والبروتوكول الإضافي لعام 1969 الذي يمنع تسليم اللاجئين في حال وجود خطر على حياتهم".

وأضافت الزّموري لرصيف22: "مسألة بوفحص مختلفة، إذ يبدو أنه لم يجدّد وثائقه كلاجئ سياسيّ، وإثر ذلك تدخلت على ما يبدو المخابرات الجزائرية وقامت باعتقاله، لكن ما أكّده لنا الرئيس قيس سعيّد عند لقائنا به، أنه لا دخل لتونس في هذا الملف أو العملية، وأبلغنا أنه سيتم فتح تحقيق فيه".

تابعت: "لذلك لا يمكن الجزم بما إذا كانت تونس ستتراجع عن حماية اللاجئين السياسيين، وأعتقد أن العكس يحدث، لأنه منذ 2011، لدينا في تونس مثلاً لاجئون سياسيون ليبيون بالعشرات لم يتم رفع الحماية عنهم أو تسليمهم، ولا أعتقد أن تونس ستقدِم على هذه الخطوة أيضاً، لأن حتى مسألة تسليم البغدادي كانت في إطار صفقة مالية، ونحن رفضنا ذلك وطالبنا وما زلنا نطالب بتحقيق حول من يتحمل المسؤولية".

في ظل تكتم السلطة عما حصل مع بوفحص، وما إذا كان فعلياً قد تعرّض للاعتقال من قبلها أو من قبل السلطات الجزائرية "بتواطؤ"، كما تقول عائلته وهيئة الدفاع عنه، فإنه من الصعب الحسم في ما إذا كان فعلياً هناك تحوّل في سياسة تونس في ملف اللاجئين السياسيين.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard