شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
مقالب السوشال ميديا... ثقافة التنمر والترهيب ومواجهة الموت

مقالب السوشال ميديا... ثقافة التنمر والترهيب ومواجهة الموت

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحريات الشخصية

الاثنين 22 أغسطس 202201:04 م

ترافق سطوع نجم مواقع التواصل الاجتماعي مع ظهور فئة من صناع المحتوى التي تركز بشكل أساسي على جمهور المراهقين والشباب، تقوم بإنتاج أشكال وأنواع متعددة من فيديوهات المقالب والتحديات.

 يركز هذا النوع من المحتوى على المفاجأة التي تصور رد الفعل الحي لضحية المقلب، وتراوح أنواع المقالب بين المضحك والمسلي ولكن أحد أنواعها الشائعة هو أن تقوم الشريكة الأنثى بادعاء إجراء تغيير دائم في شكلها لا يناسبها أو مثلاً ادعاء أنها حامل وتصوير رد فعل شريكها على ذلك، لينتهي الفيديو بإخبار الشريك الحقيقة فيبكي أو يضحك أو يرد بدوره في فيديو لاحق بمقلب. 

وتنتشر أيضاً بين الأصدقاء فيديوهات المقالب التي تطورت شيئاً فشيئاً لتتحول إلى صناعة تتطلب إنتاجاً ضخماً يشبه برامج الكاميرا الخفية العربية التي شهدناها في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى فيديوهات التحديات التي يدور معظمها حول موضوع الأكل والقدرة على تناول كميات هائلة من الطعام أمام الكاميرا. 

وتحصد هذه الفيديوهات أعلى نسب المشاهدات بين فئات المحتوى خاصة على يوتيوب. 

تدور معظم فيديوهات التحديات حول القدرة على تناول كميات هائلة من الطعام أمام الكاميرا. 
وتحصد هذه الفيديوهات أعلى نسب المشاهدات بين فئات المحتوى خاصة على يوتيوب. 

ترافق نجاح هذا النوع من المحتوى مع تحول صناعه على منصات التواصل الاجتماعي إلى نجوم بين المراهقين وتحول عملهم إلى صناعة تدر المال، وبدأ يصبح لهم تمثيل في الصناعة من حيث أن لكل منهم وكيل أعمال وناشراً وفريقاً يساعدهم في إدارة وإنتاج المحتوى.

ويبدو أن بعض الوكلاء خطرت لهم فكرة تجميع بعض صناع المحتوى في مكان واحد بهدف دفعهم لمزيد من الإنتاج، ويتكهن البعض أن من ضمن شروط عقود الوكلاء إنجاز عدد محدد من الفيديوهات في اليوم الواحد مما يشكل ضغطاً كبيراً على صناع المحتوى الصغار عمراً والذين اغتنوا مادياً فجأة لاختراع الأفكار الجديدة والمختلفة.

وفي مرحلة من المراحل كانت إحدى أشهر هذه المجموعات مجموعة اسمها "فلوغ سكواد" بقيادة يوتيوبر مشهور اسمه "ديفيد دوبريك". 

خرج أحد أفراد مجموعة دوبريك على الإعلام فجأة العام الماضي ليعلن أنه كاد يموت بسبب إحدى المخاطرات أثناء تصوير فيديو، إذ تعلق "جيف" بحبل مربوط برافعة يقودها "دوبريك"، وبسبب خطأ ما، بدل أن يقع جيف في البحر ضربته الرافعة على وجهه وهشمت جمجمته، وأعلن حينها أنه لن يقاضي دوبريك، ولكن الفضيحة رافقتها فضائح أخرى، واتضح أن المجموعة كانت قائمة على علاقات قوة مبنية على التحرش والتنمر على الآخرين، وفي حال عبّر أحد أعضاء الفريق عن رفضه لطرق دوبريك تم تهديده بالطرد من المجموعة وبالتالي حرمانه من العائد المادي الهائل، ويبدو أن تدهور وضع دوبريك شجع زميله المصاب على مقاضاته أخيراً. 

بعد أن هزت فضائح مجموعة "فلوغ سكواد" عالم اليوتيوب، عادت ظاهرة جديدة لتشعل حماسة جماهير اليوتيوب الشابة، إذ تواجه مشاهير يوتيوب وتيك توك في مباريات ملاكمة شاهدها الملايين وحصد المشاركون فيها ملايين الدولارات وعلى رأسهم "جيك بول" وأخوه "لوغان بول" الذي تعافى من فضيحة كبيرة كادت تقضي على مهنته حين صور جثة إنسان منتحر على يوتيوب قبل عدة سنوات.  

خرج أحد أفراد مجموعة "دوبريك" على الإعلام ليعلن أنه كاد يموت بسبب إحدى المخاطرات أثناء تصوير فيديو، إذ تعلق بحبل مربوط برافعة، وبسبب خطأ ما، بدل أن يقع في البحر ضربته الرافعة على وجهه وهشمت جمجمته

لا يبدو لهذا العالم العجيب أي صلة بعالمنا العربي ومشاكله، لكنني أروي لكم هذه الحكاية اليوم لأطلعكم على ما يشاهده أطفالنا اليوم حين لا نراقب المحتوى الذي يستهلكونه.

 يتعرض الأطفال في كل العالم بسبب آليات عمل الخوارزميات لمحتوى من فئة المقالب والتحديات يومياً، وقد لاحظت أن المقالب التي أجدها سمجة عموماً يجدها الأطفال في محيطي مضحكة، ولعل الأمر مرتبط بأن حس النكتة لدي لا يجد الكوميديا الجسدية مضحكة على الإطلاق. 

يقلق الأهل من أن يخطر في بال أولادهم تقليد هذه المقالب وتعريض حياتهم للخطر، وهم محقون بأن هذا هو الخطر الأشد،  ولكن للأمر جوانب أخرى تثير القلق بدورها وهي تطبيع ثقافة قائمة على التنمر وترهيب الآخرين بهدف إضحاك المجموعة. ثقافة تهدف في جوهرها إلى إذلال أحدهم أو إيذائه كي يضحك البقية، أما من يدافع عن الضحية أو يحاول الإشارة إلى تمادي المجموعة فيخرج مباشرة من جنة الشهرة والأموال والشعبية، ويطرد إلى عالم "العاديين والعاديات" ويشار إليه بالصفة المرافقة دوماً في الثقافة الأمريكية لمن يغرد خارج السرب: "لوزر" (أي الفاشل). تقوم أيضاً هذه الثقافة على السخرية من الجدية والتعلم والمدرسة والقراءة. فصناع المحتوى عموماً لم يكملوا تعليمهم بسبب صعودهم إلى الشهرة في عمر مبكر للغاية، بالإضافة إلى تطبيع العنف "الودي"، فمن العادي أن يلكم أحدهم زميله فقط لأن ذلك سيسلي الجمهور. 

تواجَه مشاهير يوتيوب وتيك توك في مباريات ملاكمة شاهدها الملايين وحصد مشاركوها أموالاً طائلة ومنهم "جيك لوغان" وأخوه "بول" الذي تعافى للتو من فضيحته، بعد أن صور جثة إنسان منتحر على يوتيوب!

يبدو عالم صناع المحتوى اليوم أشد تعقيداً من أي وقت مضى، لا سيما في ظل انفلاته من قوانين ناظمة، وفي ظل عدم إمكانية السيطرة على نوع المحتوى الذي يستهلكه الأطفال والمراهقون، وفي ظل انفلات ثقافة العنف والتنمر، وبشكل أساسي بسبب أن المكافأة المادية قائمة على جذب أكبر عدد ممكن من المشاهدين للمحتوى، وبالتالي كلما كان المحتوى أشد غرابة، كانت المكافأة أكبر. وبما أن النوع مستمر منذ سنوات، أصبح ما يصدم الجمهور أو يفاجئه أصعب منالاً، لذا لا بد من التمادي أكثر فأكثر في كل مرة. 

لست أدعو هنا إلى إغلاق هذه المواقع ولا إلى منع الأطفال من مشاهدتها، لأنني أعتقد أن الحرمان سيؤدي إلى تأزيم الموقف ما دام كل الأطفال الآخرين يشاهدون، ولكنني أدعو للتفكير بالموقف، إذ لا أمتلك حلولاً جاهزة للمعضلة. 

لعل أفضل الخيارات المتاحة اليوم هو أن يشاهد الأهل الفيديوهات الأكثر انتشاراً مع أولادهم ويشرحوا لهم الجوانب السلبية التي يرونها فيها، أو لعل الحل يتمثل في محاولة توجيههم باتجاه كميات هائلة من المحتوى التعليمي المسلي والقنوات المفيدة خاصة في مجالات تعلم الهوايات والمهارات. ولعل الطريقة الوحيدة التي نمتلكها اليوم في مواجهة عالم العنف والتنمر والشراهة هو أن نتعلم ونعلم المزيد من اللطف والمحبة، علنا لا نغرق كباراً وصغاراً في طوفان المحتوى البشع الذي يحيط بنا من كل حدب وصوب.  

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

نؤمن بأن للإنسان الحق في التفكير وفي الاختيار، وهو حق منعدم في أحيانٍ كثيرة في بلادنا، حيث يُمارَس القمع سياسياً واجتماعياً، بما في ذلك الإطار العائلي، حيث أكثر الدوائر أماناً، أو هكذا نفترض. هذا الحق هو الخطوة الأولى نحو بناء مجتمعات ديمقراطية، فيها يُحترم الإنسان والآخر، وفيها يتطوّر وينمو بشكل مستمر. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا!/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard