شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
ذكورية اللغة الرياضية... لماذا أشعر بالإهانة كامرأة وأنا أشاهد كرة القدم؟

ذكورية اللغة الرياضية... لماذا أشعر بالإهانة كامرأة وأنا أشاهد كرة القدم؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الجمعة 5 أغسطس 202203:00 م

في خلفية ضوضاء غرفة معيشتي، أسمع أصوات التشجيع الحماسية للمباراة التي تُعرض على التلفاز، مع صوت المعلّق الرياضي المتحمّس الذي يشرح تفاصيل ما يحدث أمامه، تضرب أذني عبارة إنها "ليلة حمراء"، فيما يعتقده المعلّق مجازاً رائعاً للغاية، فهو يشير إلى لون اللباس الرسمي لأحد الفريقين الذي ينشط لاعبوه بشكل واضح اليوم، ولكن في ذات الوقت له إيحاء جنسي شائع للغاية لا يحتاج إلى شرح، يضع الفريق الفائز محل رجل يمارس الجنس طوال الليل مع زوجته.

تتوالى التعليقات، فبعد دقائق يقول واصفاً أحد الفريقين الذي بدأ المباراة بقوة: "ذبح له القطة"، في إشارة إلى عبارة شهيرة للغاية في الثقافة الشعبية المصرية حول الزوج الذي "يذبح القطة" لزوجته، أي يخضعها من أول ليلة زواج.

هاتان العبارتان ليستا المثال الوحيد على لغة تشجيع كرة القدم الذكورية للغاية، والتي تجعل من مشاهدة المرأة لمباراة إهانة مستمرة لمدة 90 دقيقة.

لماذا العنف ضد المرأة؟

تعلمنا في المدرسة أن الرياضة تهذّب الأخلاق، ولكن بالمقارنة مع الواقع نجد أن تلك ليست سوى مبادئ تصلح لتزيين أسوار المنشآت التعليمية، ليس لها أي وجود على أرض الواقع.

بالإضافة إلى التعليقات الذكورية في القنوات المتلفزة الرسمية، الوضع أسوأ كثيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، فنجد كلمات عنيفة للغاية، مثل "اغتصاب" التي تستخدم بأريحية للتعبير عن الفريق المهزوم، باعتبار أن العنف ضد المرأة هو طريقة "مرحة ولطيفة" للاحتفال بفوز الفريق المفضل.

بالطبع تستخدم أوصاف خاصة بالنساء أو بأعضائهن التناسلية أو "الحيض" لوصف أفراد الفريق المهزوم، ومن المعتاد أيضاً كذلك سبّ لاعبي كرة القدم من الفريق المضاد خلال التشجيع الحيّ في أراضي الملاعب، بوصف "الأمهات" على الأخص بأوصاف مهينة، لأن ذلك أكثر ما يستفزّ اللاعبين ويؤثر على أدائهم في المباراة.

هذا الأمر ليس فقط وليد الثقافة العربية لكنه منتشر بصورة عالمية، على سبيل المثال في أحد مشاهد أحدث أفلام الممثل آدم ساندلر بعنوان "Hustle"، يعمل أحد اللاعبين على إثارة اللاعب الآخر بتلمحيات جنسية حول والدته وابنته، ويحتاج المدرب إلى إلقاء عبارات مماثلة على مسامعه طوال التمرين، حتى يتعلم كيف يتمالك أعصابه فلا يستفزه الخصم بتلك الكلمات.

بالإضافة إلى التعليقات الذكورية في القنوات المتلفزة الرسمية، الوضع أسوأ كثيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، فنجد كلمات عنيفة للغاية، مثل "اغتصاب" التي تستخدم بأريحية للتعبير عن الفريق المهزوم، باعتبار أن العنف ضد المرأة هو طريقة "مرحة ولطيفة" للاحتفال بفوز الفريق المفضل

يشير هذا المشهد إلى مدى التطبيع مع اللغة الذكورية العنيفة ضد المرأة في الرياضة، فأصبح الحل هو إيجاد حيل للتعامل معها من اللاعبين، لكنها لا توصم في حدّ ذاتها على أنها شيء مشين.

المدربون الرياضيون أنفسهم يستخدمون لغة بذيئة وعنيفة مع لاعبيهم من الرجال لتشجعيهم على اللعب بشكل أفضل، ومقارنتهم بالنساء في حال إظهار أي ضعف أو تراخ، باعتبار أن المرأة هي المثال السيء الذي يجب الحذر منه.

لعلّ هذا ما ينفّر الكثير من الأطفال وأولياء من التمرن على الألعاب الرياضية، إذ إنه، ورداً على سؤال على موقع فيسبوك، أجاب الكثيرون أن أسلوب التدريب العنيف جعلهم يتوقفون عن ممارسة الرياضة، بينما أجمعت الأمهات على أنهن اضطررن للضغط على المدربين لوقف هذا العنف، أو التوقف عن تمرين بناتهنّ/ أبنائهنّ.

الجندر الرياضي

البرامج الرياضية والتعليق الرياضي على المباريات بوسائل الإعلام أو منصات التواصل الاجتماعي طريقة شهيرة لنشر المعرفة حول الرياضة، لكنها في ذات الوقت تساهم في تشكيل عقلية الأفراد في المجتمع، وتقدم تفسيرات لمفاهيم مثل الجسد الرياضي والأنوثة والذكورة.

تنشر هذه الوسائل وجهات النظر التقليدية للجنس، سواء كانت كليشيهات لما هو ذكوري وأنثوي، أو تحيزاً بالنسبة لأدوراهما ومكانتهما في المجتمع، وغالباً ما تكون هذه الآراء مشوهة ومسيئة لكلا الجنسين، ولكن على وجه الخصوص للنساء اللواتي يجدن أنفسهن "سبة" أو وسيلة "للإهانة" بلا جريرة سوى جنسهنّ.

يصبح الأمر أسوأ بالنسبة للرياضيات بالتأكيد، اللواتي يتنافسن في مجال تم اعتباره خاصاً بالرجال لقرون طويلة، واللغة في حدّ ذاتها تطورت لتصبح أكثر عدائية لهنّ، فنجد أن تمرينات الضغط التي يرتكز فيها الجسم على الركبتين بدلاً من مشط القدم تدعى "تمارين الضغط للفتيات/ girl push-ups" ورميات الكرة الضعيفة يقال لصاحبها "ترمي كالفتاة"، وتكشف هذه اللغة عن الصور النمطية للمرأة في الرياضة، ويتم الربط هذا في الوقت نفسه بين الأنوثة والقدرة الرياضية الضعيفة ويخزي الرجال لامتلاكهم هذه الصفات.

إن هذا النوع من الإهانة يزيد من الوصم، لا سيما عندما ينتشر في وسائل الإعلام، والنتائج بالتأكيد ضارة بالنسبة للرياضيات، وتثبط الفتيات الصغيرات اللائي يمارسن الرياضة.

الكاتبة الصحفية ميرهان فؤاد عن سؤالها حول متابعة كرة القدم على سبيل المثال كالنشاط الرياضي الأكثر شيوعاً، أجابت لرصيف22: "أكرهها، إنها أكثر ما أكره في حياتي"، ثم استفاضت: "تزعجني فكرة تأنيث العدو، والألفاظ مثل (النهاردة ليلة الدخلة) وتصميم الصور مثل تصوير الفريق المهزوم يرتدي فستان زفاف، هذا بالطبع بالإضافة إلى العنصرية والصوت العالي في الشارع والصريخ".

نقطة العنصرية هي أكثر ما يسيء المصوّرة مها الديب، التي عملت سابقاً كصحفية رياضية، فهي ترى التعليق والتشجيع الرياضي عنصرياً ضد اللاعبين أنفسهم، خاصة مع أصحاب البشرة السمراء، وضربت مثال باللاعب المصري "شيكابالا" الذي شكّك الجمهور في نسب ابنه له لأنه أفتح لوناً، بالإضافة إلى الأحداث العنيفة بسبب كرة القدم، مثل حادثة بورسعيد على سبيل المثال.

"تزعجني فكرة تأنيث العدو، والألفاظ مثل (النهاردة ليلة الدخلة) وتصميم الصور مثل تصوير الفريق المهزوم يرتدي فستان زفاف، هذا بالطبع بالإضافة إلى العنصرية والصوت العالي في الشارع والصريخ"

وقد وجدت دراسة أجرتها جامعة كامبريدج عام 2016، أن الرجال يشار إليهم في وسائل الإعلام مرتين إلى ثلاث مرات أكثر من النساء، ويرتبط الرياضيون الذكور بكلمات مثل "الأسرع" و"القوي" و"الفوز" و"السيطرة"، في حين ترتبط الرياضيات بكلمات مثل "الشيخوخة" و"الحامل" و"المتزوجة" و"المنافسة " والمشاركة".

يكشف هذا عن تحيّز واضح يربط المرأة بمظهرها وأسلوبها العائلي، ويلمح إلى قدرة أقل على الفوز، يأتي جزء كبير من هذه اللغة من عدم القدرة على رؤية ما وراء الأدوار التقليدية للجنسين، والتي لا تزال سائدة في العديد من الثقافات.

الاختلاف الآخر هو اختلاف الألقاب، غالباً ما تُعتبر رياضة الرجال هي القاعدة، بينما تُمنح رياضة النساء كلمة تربطها بالجنس، على سبيل المثال، غالباً ما نشير إلى فريق الرجال على أنه مجرد "فريق الكرة"، في حين أن الفرق النسائية تصبح "فريق كرة السيدات".

في هذا الصدد، قالت الدكتورة الكاتبة أمل عويضة لرصيف22: "هناك لغويون كتبوا عن تذكير اللغة. هي لغة تعكس فخراً ذكورياً يرى أن مجرد حصوله على عضو هو انتصار واستحقاق في حد ذاته، وتقبل مجتمعي يتقبل للشتيمة بعضو الأم الذي جئنا منه جميعاً، واعتبار العملية الجنسبة فعل قهر وسيادة وركوب"، وأضافت: "ولهذا تجدين هذا الهلع لاستخدام المنشطات، لأن أي عطب هو ضرب في الهوية الذكورية... خط يمكن مده على استقامته وسيشرح الكثير".

الذكورة المهيمنة في الرياضة

يتم تعريف مصطلح الذكورة المهيمنة (Hegemonic masculinity) في دراسات النوع الاجتماعي على أنه ممارسة تضفي الشرعية على مركز الرجل المهيمن في المجتمع، وتبرر تبعية الآخرين له الأقل مركزاً، مثل النساء والأطفال.

من الناحية المفاهيمية، تقترح الذكورة المهيمنة شرح كيف ولماذا يحتفظ الرجال بأدوار اجتماعية مهيمنة على النساء، وهويات جنسانية أخرى، والتي يُنظر إليها على أنها "أنثوية" في مجتمع معين.

كمفهوم اجتماعي، فإن طبيعة الذكورة المهيمنة مستمدة من نظرية الهيمنة الثقافية، التي تحلّل علاقات القوة بين الطبقات الاجتماعية في المجتمع. ومن ثم، في مصطلح الرجولة المهيمنة، تشير صفة الهيمنة إلى الديناميات الثقافية التي من خلالها تطالب مجموعة اجتماعية بمكانة قيادية ومهيمنة في التسلسل الهرمي الاجتماعي وتحافظ عليها.

طالما يتم استخدام مصطلحات مثل "ليلة حمراء" و"اغتصاب" و"ذبح له القطة" في التعليق الرياضي وبين المشجعين، ستظل "الذكورة المهيمنة" مسيطرة على المجال الرياضي عبر التقليل من حضور النساء

في الرياضة تصبح "الذكورة المهيمنة" إطاراً يتم فيه التأكيد على السمات الذكورية النمطية، ويرجع ذلك التركيز بشكل مفرط على الفوز، وتهميش أولئك الذين لا يمتلكون سمات معينة، ويتم وصفهن بأنهن بمنزلة أقل، أي "نساء".

حددت قواعد الأدوار الجندرية غير المكتوبة أن مشاهدة المباريات الرياضية، ومتابعتها شأن رجالي بحت، ننظر بريبة لكل فتاة تتابع أي نشاط رياضي وتشجعه، ساهم ذلك في جعل التشجيع الرياضي وحتى اللغة المستخدمة في عمليات التعليق عليها عالم للرجال فقط، لكن في النهاية الرياضة ليست نادياً مغلقاً على جنس بيولوجي محدد.

تكمن المشكلة في ذكورية اللغة الرياضية في التطبيع معها، وأنها مع الوقت أصبحت لا يلاحظها الكثيرون، لكن طالما يتم استخدام مصطلحات مثل "ليلة حمراء" و"اغتصاب" و"ذبح له القطة" في التعليق الرياضي وبين المشجعين، ستظل "الذكورة المهيمنة" مسيطرة على المجال الرياضي عبر التقليل من حضور النساء. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image