يندرج المقال في ملف عن الخوف أعده وأشرف عليه تمّام الهنيدي، المحرر الضيف في رصيف22 لشهر حزيران/يونيو
مشهد مرعب ذلك الذي شاهدناه في مصر الأسبوع الماضي؛ فتاة جامعية تُذبح علانيةً أمام باب الجامعة في مشهد يذكّرنا بسلوكيات تنظيم داعش المستندة إلى تفسيرات خاصة للنصوص الدينية. لم تكن نيّرة أشرف حالة أولى أو فردية، ولن تكون حالة أخيرة على الأرجح. شعورٌ ثقيلٌ بالخوف لازم الجميع في الأيام التي تلت الجريمة. خاف المصريون مما آلت إليه الأمور، ومن احتمالية وجودهم في مرمي الجريمة إن تواجدوا في الوقت أو المكان الخطأ أو احتكوا بالشخص الخطأ. المخيف أكثر أن معايير المجرم لم تعد محددة، وبذلك صار كل رجل مجرماً محتملاً في نظر المرأة المصرية، من المرجح أن يتحول في أي لحظة ليرتكب أبشع الأفعال.
نيّرة أشرف، ضحية واحدة ومجرمون بلا عدد
لمن لا يعرف نيّرة أشرف، فهي طالبة جامعية (20 عاماً) تعرضت الأسبوع الماضي لجريمة قتلٍ بشعة ارتكبها صديقها الطالب الذي يكبرها بعام واحد. تقول الأخبار المنشورة حول الواقعة إن الشاب وقع في حبها، وطلب خطبتها أكثر من مرة، وقوبل بالرفض من نيرة وأهلها، ما ترك غصة في قلبه دفعته لقرار الانتقام على طريقة الإرهابيين ومجرمي الأفلام الأمريكية: أوقفها أمام باب الجامعة، وطعنها، ثم قام بنحرها كما يفعل الإرهابيون، في مشهد مصوّر يثير الرعب في النفوس جراء انتشار هذا النوع من الجرائم وتكرارهِ في السنواتِ الأخيرة، حيث شهدنا قبل أقل من عام حادث قطع رأس مواطنٍ في الشارع وفي ضوء النهار بمحافظة الإسماعيلية؛ قطعَ المجرم رأس الشاب الضحية، وطاف بها الشارع.
الفارق بين الجريمتين أن حادث نيّرة مرتبط بشكل وثيق بالعنف على أساس الهوية، ومرتبط بالسياقات العامة لتعنيف النساء بمباركة جمعية من المجتمع، وبغض للنظر من قبل السلطة. تشير الأخبار حسب تصريحات والد نيّرة إلى قيامهم بتحرير محضر رسمي في قسم الشرطة ضد القاتل في شهر أبريل/نيسان الماضي بعدم التعرض بعد أن ضايقها وترصدها لمرات عدة، وأخذ يكتب عنها بشكل مسيء على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن الجهات الأمنية لم تأخذ الأمر على محمل الجد حتى وقعت الواقعة.
كلما زادت الضغوط على الأسر كلما زاد العنف ضد النساء، وكلما زاد العنف كلما انتشر الخوف أكثر
انتشرَ مقطع فيديو صُوّرَ بعد الحادث مع جيران القاتل، يتحدثون خلاله عن هدوئه ودماثة أخلاقه، وأنهم لم يسمعوا له صوتاً إلا عندما كان يضرب أمه أو أخته! قالوا شهادتهم بسلاسة وهدوء ودون شعور منهم بغرابة ما يقولون أو بجريمة الفعل، إنما قالوا العبارة بنوع من التباهي بأخلاق القاتل الهادئ الذي من الصعب أن يقتل لأنه –حسب رؤيتهم- ذو خلق رفيع يظهر عندما يضطرّ لاستخدام العنف ليؤدب نساء بيته.
أرقام مفزعة في حق النساء
تعرضت 99% من النساء في مصر لشكل واحد على الأقل من أشكال التحرش الجنسي الـ13 التي أقرّتها الأمم المتحدة، وذلك حسب نتائج دراسة أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة في عام 2013، وتشير الدراسة إلى تعرض ما يقرب من 60% من النساء إلى التحرشات الجسدية المتضمنة للمس.
وذكر تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وهو مؤسسة رسمية تابعة للحكومة المصرية، أن 34% من المصريات في عام 2015 في الفئة العمرية من 18إلى 64، اللواتي سبق لهن الزواج تعرضن لعنف بدني أو جنسي من أزواجهن، إلى جانب تعرض 90% من النساء إلى الختان، وزواج أكثر من ربع النساء تحت سن الـ18.
وفي تقرير أكثر حداثة صادر عن مؤسسة إدراك للتنمية والمساوة (منظمة مجتمع مدني مصرية)، رصد مرصد جرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي 813 حالة عنف ضد النساء خلال عام 2021، مقارنة بـ415 حالة رصدتها المؤسسة في 2020، وبنسبة زيادة تبلغ 96%، وذكر التقرير أن أكثر من نصف الحالات التي جرى رصدها متربطة بعنف أسري، حيث تعرضت 413 فتاة إلى جرائم عنف جسدي وجنسي من أشخاص ينتمون لأسرتها.
وتتراوح الجرائم التي رصدتها المؤسسة بين الضرب والاعتداء والتحرش والقتل والشروع في القتل والاغتصاب والانتحار، فهناك 74 جريمة ضرب من بينها 49 جريمة ضرب من أفراد الأسرة. ما تتعرض له النساء في مصر من عنف داخل المنزل وخارجه يدفعهن في بعض الأحيان إلى خيار الانتحار والخلاص من حياتهن، أشار التقرير إلى رصد 100 حالة انتحار لفتيات أغلبها بسبب عنف أسري أو ابتزاز جنسي.
ما تتعرض له النساء في مصر من عنف داخل المنزل وخارجه يدفعهن في بعض الأحيان إلى خيار الانتحار والخلاص من حياتهن
امتدت جرائم الاعتداء على النساء لتشمل من يحاول الدفاع عنهن أيضاً، فيشير التقرير السابق إلى 7 حالات قتل لشبان حاولوا الدفاع عن فتيات يتعرضن للتحرش في أماكن عامة في مناسبات مختلفة. وكذا امتد العنف للأطفال أيضاً ما دفع بفتاتين أقل من 11 عاماً إلى الانتحار!
الشعوب المقهورة تضطهد النساء
يقولُ ابن خلدون إن "الشعوب المقهورة تسوء أخلاقها"، ولكي لا ننظر إلى ظاهرة العنف على أساس النوع الاجتماعي نظرة سطحية، وألا نختزله اختزالاً منقوصاً، فلا يمكن اجتزاء ظاهرة تزايد العنف ضد المرأة من سياق الضغوط المجتمعية ككل، فمن يتم قهره وترويعه من سلطة أعلى، يبحث حوله عن طرف أضعف يفرّغ خلاله قهره وترويعه، ويشعر بقوته وسلطته. هذا الطرف الأضعف يتمثل بشكل واضح في المرأة، فتزداد حوادث العنف القائمة على أساس الهوية والنوع الاجتماعي.
وكما رأينا في الفقرة السابقة فإنّ نسبة الاعتداءات المبنيّة على النوع الاجتماعي قد تزايدت باضطراد بعد انتشار وباء كورونا، لتصل الزيادة إلى ٪96، ما يؤكد على الأثر الذي أصابَ الحياة الأسرية بسبب انعكاسات الوباء السلبية على النساء، وتأثيرها المباشر في زيادة معدلات العنف ضدهن في السنة الماضية. فما فرضه الوباء من فترات عزلة طويلة وبقاء في المنازل تسبب في زيادة معدلات العنف الأسري، إلى جانب ما سببه من زيادة الضغوط الاقتصادية على مجتمعات تعاني أصلًا من الفقر منذ سنين، وكلما زادت الضغوط على الأسر كلما زاد العنف ضد النساء، وكلما زاد العنف كلما انتشر الخوف أكثر.
بالإضافة إلى الدور الذي يلعبهُ انخفاض هامش الحريات العامة في البلاد والوضع السياسي المتأزم منذ سنين؛ فمن تُلقى على كاهله متطلبات حياتية كثيرة وضغوط اقتصادية متصاعدة بشكل سريع لا يقوى على مجاراته، ويخشى البوح أو الشكوى حتى لا يتعرض لعقاب قاسٍ، فينمو الغضب ويتزاحم في صدره ويتكثّفُ الغِلّ ووتراكم الأحقاد حتى ينفجر في نساء الأسرة في صيغة عنف وحشيّ غير مبرر يعززه الشعور بأنّهنّ الأضعف في المعادلة، وهنّ الوحيدات التي يمكن فرض السيطرة عليهنّ إثباتاً للقوّة المجروحة.
الخوف متجسداً في هيئة رجل
تلجأ بعض الفتيات، والحال هذه، إلى الدخول في علاقات سريعة غير آمنة وغير مدروسة بهدف الخلاص من الجحيم المنزليّ، بينما تدخل أخريات في تجارب زواج مضطربة اكتفاءً للشرّ المنزليّ الذي تتعرض له هذه الشرائح الذي قد يبدأ بإطلاقِ النعوتِ المسيئة بحقّ النساء، ويمتدّ ليصلَ إلى العنف، وكثيراً ما تنتهي هذه الزيجات بالطلاق، بعد أن يكتشفنَ أنهنّ "كالمستجيرِ من الرّمضاء بالنارِ"، إذ يجدنَ عنفاً آخرَ ينتظرهنّ في "القفص الذهبي".
تجارب حيّة
تحكي سلوى عن رفضها المتكرر للمتقدمين للزواج منها إلى أن تجاوزت سن الثلاثين، عندئذ ازدادت عليها الضغوط من شقيقها الأصغر ووالدتها، وبدأ التشكيك في سلوكها وشرفها ومطالبتها بالذهاب إلى الطبيب لإجراء فحص العذرية. تعرضت سلوى لعنف أسري وضرب متكرر من أخيها الأصغر بتشجيع من والدتها بدافع التربية والتأديب. واستمر هذا الأمر، وهي شابة بالغة وخريجة جامعية وامرأة عاملة وناجحة في المجتمع، إلى أن اضطرت للموافقة على أول رجل تقدم لخطبتها كي تهرب من المنزل، وانتهت الحكاية بالطلاق بعد أقل من عامين، فسرعان ما تعرضت لعنف جديد من زوجها بعد اكتشافها بعضاً من ميوله المنحرفة، ومواجهته بها، ورفضها مجاراته في ما يطلب. هربت سلوى من المنزل بعد الطلاق وانقطعت صلتها بأهلها.
تحكي سلوى عن رفضها المتكرر للمتقدمين للزواج منها إلى أن تجاوزت سن الثلاثين، عندئذ ازدادت عليها الضغوط من شقيقها الأصغر ووالدتها، وبدأ التشكيك في سلوكها وشرفها ومطالبتها بالذهاب إلى الطبيب لإجراء فحص العذرية
فيما تقول شيماء إنها تعودت على الضرب في المنزل من أبيها وأخيها وبمباركة الأم أيضاً حتى أصبح روتيناً يومياً. عندما ضاق بها الأمر وفي إحدى مرات الاعتداء قررت المواجهة بالصراخ والتصدي لهم، لكنّ هذا أشعلَ العنفَ الكامنَ في نفوسهم بدل أن يخفّف غلواءهم، فاندفعت شيماء إلى أقرب نافذة وألقت بنفسها منها، وعندما عاد إليها الوعي وجدت نفسها في المستشفى حيث تعرضت لكدمات وكسور متفرقة في جسدها، بعضها سيترك عاهات مستديمة لا يمكن علاجها. بعد أن خرجت من المشفى وقبل إتمام شفائها كلياً قررت الهروب دون مأوى، وهي الآن تفكر في الانتحار.
هناك حالة أخرى أخبرني بها أحد الأصدقاء عن جارته التي تعرضت لما هو أسوأ، إذ كانت تتعرض للتحرش من قبل والدها الذي ظلّ يعتدي عليها بدنياً وجنسياً بشكل متكرر وروتيني منذ طفولتها عندما تخرج والدتها من المنزل: يحبسُها في غرفة ويكبّلها ويحذرها من الصراخ، ثم يبدأ مرحلة الجريمة.
استمر هذا الأمر لسنوات حتى كبرت الطفلة وصارت شابة بالغة ولا زال الاعتداء يتكرر ولا تقوى على الهرب إلى عالم لا تعرفه، وتخشى في الوقت نفسه إبداء أيّ مقاومة أو مواجهة، فقد اعتادت الأمر منذ الطفولة، ثم في لحظة قررت أن تعترف لوالدتها بما حدث، وكانت المفاجأة تكذيب أمها لها وتعنيفها ونعتها بـ"الشرموطة" و"المنيوكة"، واستمرت أمها في مناداتها بهذه الألفاظ بدلاً من اسمها، إلى أن اختفت هذه الفتاة من المنطقة منذ سنوات بشكل مفاجئ، وانقطعت جميع قنوات التواصل بينها وبين معارفها وأصدقائها، ولا أحد يعرف ماذا حلّ بها.
لا تنتهي الحكايا الخاصة بالجرائم ضد المرأة، لكل امرأة في وطننا حكاية خاصة بها جديرة أن تُحكى لولا الخوف من التعبير عمّا تعرضن له كيلا يزداد الأمر سوءاً. أصبح الخوف ملازماً للنساء لا يبارحهن: يخفن الخروج من المنزل كيلا يواجهن التحرشات، ويخفن البقاء فيه لكيلا يواجهن ما هو أسوأ من تحرشات الشارع في بعض الأحيان، ويخفن التحدث عمّا تعرضن له من تجارب سيئة حتى لا يوصمنَ بالعار أو يزداد وضعهن تعقيداً.
تعيشُ النساء في مصر ظروفاً يستحيل التعايشُ والتساهلُ معها، فينطبق عليهنّ قول المتنبّي: "وسوى الروم خلف ظهرك رومٌ/فعلى أيّ جانبيكَ تميلُ".
ويبقى السؤال: إلى أين تهرب النساء؟ إلى الشارع مخافة المنزل أم إلى المنزل مخافة الشارع؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 18 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع