أثمرت هدنة الحرب في اليمن بين التحالف العربي بقيادة السعودية وجماعة أنصار الله (الحوثيين)، برعاية الأمم المتحدة، مطلع نيسان/ أبريل 2022، عن إعادة افتتاح مطار صنعاء، بعد نحو ست سنواتٍ من إغلاقه، حُرم خلالها آلاف اليمنيين من استخدامه.
ومثلما تسجّل ذاكرة الحرب التي اندلعت في آذار/ مارس 2015، حظر التحالف العربي رحلات الذهاب من المطار والإياب إليه، باستثناء سماحٍ محدودٍ شمل عام 2016 رحلات للعاملين في الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية أخرى، تسجل أيضاً تسيير أول رحلة تجارية بين صنعاء والعاصمة الأردنية عمّان، في 16 أيار/ مايو 2022، بطائرة تابعة للخطوط الجوية اليمنية، على متنها نحو مئة يمني، غالبيتهُم مرضى ومسنّون.
يقول مازن غانم، المتحدث الرسمي باسم الهيئة العامة للطيران في مطار صنعاء، لرصيف22 إن الحظر فاقم الوضع الإنساني الذي وصفه بالمتدهور لنحو 70% من المدنيين ممن يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
وأشار إلى أن 20 إلى 30 مريضاً بأمراض مزمنة كانوا يفقدون حياتهم يومياً، وفقاً لإحصائية نقلها عن وزارة الصحة، نتيجة عدم تمكنهم من السفر للعلاج أو لعدم تلقيهم أدوية كانت تصل إلى البلد جواً قبل الحظر.
كذلك، والحديث لغانم، أدى الحظر إلى حرمان بعض المقيمين في الخارج من زيارة أسرهم، وعرقلة الدراسة في الخارج. لذا، يرى أن رفع الحظر وإعادة افتتاح مطار صنعاء الدولي يشكّل بداية لإنهاء معاناة آلاف المرضى وعودة المغتربين إلى زيارة البلاد، فضلاً عن تدفق الأدوية والمستلزمات الطبية مجدداً، وتفعيل التنمية الاقتصادية بنحو عام.
ولفت إلى أن المطار الذي يقع على بعد 15 كيلومتراً من وسط العاصمة اليمنية صنعاء في الاتجاه الشمالي "أعيد ترميمهُ ليعمل وفقاً للمعايير الدولية، وبوسعهِ استقبال أكثر من خمس رحلات في الساعة الواحدة ويمكن للمواطنين حاملي الجوازات التي تمنحها حكومة الحوثيين استخدامه".
وكان مقرراً بموجب الهدنة التي تستمر لشهرين قابلين للتمديد، تسيير أول رحلة طيران بين مطاري صنعاء والملكة عالية في عمّان، في 24 نيسان/ أبريل 2022، لكنها أرجئت بحسب بيانٍ لشركة الخطوط الجوية اليمنية، بسبب عدم حصولها على تصاريح التشغيل الأول.
لكن، وبتوالي الأحداث لاحقاً، تبيّن أن سبب الإرجاء هو قرارٌ سابقٌ بإلغاء الحكومة التي تُعرف خارج نطاق سيطرة الحوثيين بـ"الشرعية" (المعترف بها دولياً) التعامل مع جوازات السفر التي تصدرها الحكومة الحوثية. لكنها تراجعت عن قرارها في ما بعد، لتسهيل سفر المواطنين من صنعاء، على أن تتكفل بتبديل جوازاتهم في سفارتها في الأردن.
ويأمل أبناء صنعاء والمناطق المحيطة بها أن يستمر المطار بتسيير الرحلات الجوية، لأن البديل المتاح، وهو السفر عبر البر، مُكلفٌ، شاقٌ ومحفوف بالمخاطر ولا سيما للمرضى. ويضطر الراغبون في السفر للتوجه إلى مناطق "الشرعية" لاستخراج جوازات صادرة من حكومتها تمكّنهم من السفر جواً.
وهنالك أحاديث متداوَلة في الشارع اليمني، عن انتعاش سوق سوداء للجوازات، ووصل سعر الجواز الواحد فيه إلى 500 ريال سعودي (133 دولاراً أمريكياً)، وهي، كما أخبرنا يمنيون، جوازاتٌ سليمة من الناحية القانونية، تصدر بناءً على اتفاق وتفاهمٍ بيين سماسرة مكاتب النقل، وموظفين من دائرة الجوازات مقابل نسب مالية يتقاضونها.
تفاؤل شعبي
تتذكر مشيرة علي (30 عاماً)، من صنعاء، يوم رافقت والدتها التي اشتد عليها المرض للعلاج في العاصمة الأردنية عمان، منتصف عام 2020. ولأن مطار صنعاء كان مغلقاً، اضطرتا للسفر براً إلى عدن، عبر طريق استغرق 16 ساعة، بسبب وعورة بعض أجزائه، ونقاط التفتيش الكثيرة عليه.
تستذكر الأمر بتأثر، وتقول لرصيف22: "كنّا نتوقف كل ساعتين، من أجل إعطاء والدتي أدويتها، وكان وضعها يزدادُ سوءاً بسب الإرهاق جراء السفر الطويل".
تأخذ نفساً عميقاً، ثم تغطي وجهها بيديها وتتابع: "كُنت خائفة جداً من أن أفقدها في ذلك اليوم".
تروي كيف أنهما تعرضتا لمضايقات من عناصر الأمن على نقاط التفتيش الكثيرة التي استُحدثت خلال الحرب، على طول الطريق المار بين المحافظات الخاضعة لكِلا الحكومتين (الشرعية والحوثيين) ابتداءً من ذمار، يريم، قعطبة، الضالع، العند، لحج ثم وصولاً إلى عدن، فتارة يتم استجوابهما لكونهما من المناطق الشمالية، وأخرى لعدم وجود "محرم" (رجل) معهما.
بارقة أمل بعد سنواتٍ من ظلام الحرب، ترتفع معها أكف اليمنيين بالدعاء لأن تكون بداية لسلام دائم، يعلمون تماماً أنه لن يتحقق، إنْ لم يقل جميع أطراف الصراع، وبنحو نهائي: وداعاً للسلاح
"بكت أمي، حين رأت في التلفزيون مشاهد إقلاع أول طائرة مدنية من مطار صنعاء" تقول مشيرة، متمنيةً أن يستمر الأمر ولا يقتصر على مجرد هدنة لمدة محدودة فقط.
بخلاف مشيرة، لم يتمكّن يوسف حامد (37 عاماً)، وهو معلم من صنعاء، من نقل والده المصاب بالسرطان إلى الخارج ليعالجه كما فعلت هي مع أمها، فوافاه الأجل أواخر عام 2020. يقول لرصيف22 إن الأمل الوحيد أمامه كان افتتاح مطار صنعاء ليسافر مع أبيه إلى القاهرة ويعالجهُ هناك.
ويضيف بنبرة حزن: "منذ إصابة والدي بالمرض الخبيث وأنا أعده بالسفر إلى الخارج، لكن تدهور حالته ووضعي المادي المتردي، خصوصاً بعد انقطاع الرواتب، لم يسعفانني لأفي له بوعدي. أشعر بغصة في قلبي كلما تذكرت معاناته دون أن أتمكن من فعل شيء".
أما بشير سنان، ويعمل مستشاراً إعلامياً لدى شركة خاصة في العاصمة القطرية الدوحة، فيصف إعادة افتتاح مطار صنعاء بـ"خبر مفرح طال انتظاره لدى شريحة كبيرة من المواطنين اليمنيين المغتربين، لأن من شأن ذلك اختصار الوقت وتقليل التكلفة، خصوصاً لمَن لديهم ارتباطات عملية خارج البلاد تسمح لهم بالعودة في إجازة قصيرة فقط".
وعبّر في حديثه لرصيف22 عن أمله في أن يتسع نطاق الرحلات الجوية في المستقبل القريب ليشمل دولاً أخرى غير الأردن، وأن يعقب انفراج فتح المطار "افتتاح طرق رئيسية رابطة بين المحافظات، مضت على قطعها سنوات طويلة، بالإضافة الى فرصة فتح الطرق الرئيسية المقطوعة في عدد من محافظات الجمهورية".
رحلتان في الأسبوع
تسبب الصراع القائم في اليمن منذ أكثر من سبع سنوات بتقليص الخطوط الجوية اليمنية لوجهات رحلاتها، وحصر الرحلات المنطلقة من مطار عدن بالوجهات التي يسافر إليها المواطنون اليمنيون للعمل أو الدراسة أو العلاج. من أهم تلك الوجهات القاهرة، عمان، جدة، الرياض، الخرطوم، مومباي.
وسيكون الحال مماثلاً مع مطار صنعاء في حال انتظمت رحلاته، حسبما تخطط إدارة الخطوط الجوية اليمنية.
ووفقاً لتصريح صحافي نُسب إلى وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك، نشر بالتزامن مع إعلان هدنة نيسان/ أبريل 2022، فإن حكومته نسقت مع سلطات مصر والأردن لبدء رحلات جوية عبر مطار صنعاء الدولي الخاضع لسيطرة الحوثيين. وهذا يعني أن هنالك رحلات يفترض أن تتوجه من هناك إلى القاهرة كذلك.
لكن الوزير مبارك عاد ليقول في منشور له على حسابه على تويتر يوم 15 نيسان/ أبريل 2022: "انطلاقاً من حرصها على التخفيف من معاناة أبناء شعبنا، وجّهت الحكومة اليمنية الجهات الفنية منذ اليوم الأول للهدنة باستكمال كافة الإجراءات الداخلية لتشغيل رحلتين أسبوعياً من وإلى مطار صنعاء".
ولم نحصل على تأكيد بخصوص ذلك من الخطوط الجوية اليمنية، سوى بتكرارٍ نصي لما ذكره وزير الخارجية، دون توضيح إنْ كانت الرحلتان ستكونان فقط بين صنعاء وعمّان.
هدنة إنسانية
ياسر الصلوي، أستاذ علم اجتماع سياسي مساعد في جامعة تعز، جنوبي اليمن، يرى في حديث لرصيف22 أن المجتمعان الدولي والإقليمي يحاولان مد يد السلام والصلح، ويعملان على تمديد الهدنة الإنسانية مع جماعة أنصار الله (الحوثيين).
وتوقع انخراط الطرفين في جوالات سلام قادمة "ستفضي إلى سلام شامل يوقِفُ الصراع المستمر في البلاد منذ سنوات".
20 إلى 30 مريضاً بأمراض مزمنة كانوا يفقدون حياتهم يومياً نتيجة عدم تمكنهم من السفر للعلاج أو لعدم تلقيهم أدوية كانت تصل إلى البلد جواً قبل الحظر
ويعدّ الصلوي رفع الحظر الجوي عن مطار صنعاء والسماح للحوثيين بإصدار جوازات سفر تنازلاً قدمتهُ الحكومة للحوثيين "بناءً على ضغط من الخليجيين، لكن علينا الأخذ بعين الاعتبار أن الجهود إنسانية هدفها التخفيف من معاناة المواطنين ولا سيما المرضى وكبار السن وتسهيل سفرهم إلى خارج البلاد".
واتهم الحكومة الحوثية بتسييس الجانب الإنساني واستغلاله، وقال عن ذلك: "هنالك ملفات أخرى كثيرة كان ينبغي التصدي لها، منها فتح طرق ومنافذ تعز، وهو ملفٌ إنسانيٌ لا يقل أهمية عن فتح مطار صنعاء".
وكانت جماعة الحوثيين قد فرضت، منذ مطلع شهر أيلول/ سبتمبر 2015، حصاراً خانقاً على محافظة تعز، جنوبي البلاد، عقب مواجهات اندلعت مع ما يسمى بشباب المقاومة المناهضة للجماعة آنذاك.
خطوه مهمة
افتتاح مطار صنعاء، وإنْ كان مُحدداً برحلتي ذهاب وإياب أسبوعياً، إلا أنه رفع من سقف التفاؤل لدى العاملين في المجال الاقتصادي، إذ إن كل ما يتم استيرادهُ تقريباً في الوقت الراهن يكون مصدر نقله البحر أو البر.
ويأمل هؤلاء أن يدخل الشحن الجوي للبضائع ضمن عمل المطار في القريب العاجل، وأن تشمل الرحلات دولاً من خارج المنطقة العربية، لتشجيع دخول رجال أعمال ومستثمرين.
وفي دائرة الأمل ذاتها، يترقب الخبير الاقتصادي مصطفى نصر تنظيم رحلات شحن جوية إلى جانب الرحلات الإنسانية عبر مطار صنعاء، تخصَّص لنقل الأدوية والمستلزمات الطبية ومعداتها، والأسماك الطازجة وغيرها من المواد والسلع الغذائية، لأن من شأن ذلك دفع حركة الاقتصاد خطوة إلى الأمام.
غير أنه يستدرك: "لا أعتقد أن فتح المطار بصيغته الحالية سينفع الاقتصاد الوطني بشيء، لكنها تظل خطوة إنسانية مهمة تخفف العبء عن كواهل المواطنين، وتخفض تكاليف السفر التي كانوا يتكبدونها لدى الانتقال براً للوصول إلى مطار عدن".
وعلى الصعيد الإغاثي، تعتقد نهى علي (اسم مستعار)، وتعمل في إحدى منظمات الإغاثة في صنعاء، أن يؤدي افتتاح المطار إلى توسيع عمل المنظمة من خلال ما سيردها عبر الشحن الجوي.
تشرح أن المنظمة تعتمد حالياً على ما يصلها عبر مطار عدن، وترافق ذلك الكثير من "العراقيل والابتزاز من قبل نقاط التفتيش، إضافة إلى الضرائب والرسوم الجمركية، وسوء الطرق وطولها"، حسبما تشرح لرصيف22.
وسيؤدي افتتاح المطار أيضاً بحسب علي إلى توفر الأدوية والمستلزمات الطبية في السوق المحلية وبأسعار معقولة، وبالتالي سيُقضى على مشكلة احتكارها، وسيُختصر الوقت الذي تستلزمه عملية الشحن البرية من مطار عدن.
وسيجعل فتح المطار من صنعاء منطقة آمنة وجالبة للمشاريع، ومستقطبة لمنظمات ومؤسسات إنسانية أكثر، لأن الكثير منها لا تعمل في بيئات غير آمنة. وحتى بالنسبة إلى التمويل، "نحصل على منح مالية بسيطة ولفترات متقطعة، ومتفائلة من أن يؤدي فتح المطار إلى تغيير ذلك"، تقول علي بحماس.
فرصة للصحافيين
يشير الصحافي الاستقصائي اليمني أصيل سارية إلى أن فتح مطار صنعاء سينعكس بالإيجاب على كثير من الصحافيين اليمنيين، ممن لا يستطيعون السفر عبر مطار عدن وسيئون، بسبب "الخوف من المضايقات والاعتقال والعرقلة".
ويقول لرصيف22 إن الصحافيين في مناطق سيطرة الحوثيين "يتلقون في العادة دعوات لحضور دورات تدريبية ومؤتمرات خارجية، لكن الجهات التي وجهت تلك الدعوات لا تغطي نفقات نقلهم البرية الكبيرة من صنعاء إلى عدن والإقامة فيها يوماً واحداً في الأقل قبل السفر جواً من هناك، مما يحرمهم من فرص كثيرة".
"الأمر لا يتعلق فقط بالجانب المادي"، يقول سارية، ويتابع: "الصحافي يمرّ بجميع أطراف الصراع، ابتداءً بأنصار الله (الحوثيين)، الشرعية ثم الانتقالي، وكونه صحافياً، فإنه موضع شك، مما يعرّضه لكثير من المضايقات وأحياناً الاعتقال، لهذا يضطرّ إلى إخفاء هويته أو يلغي فكرة السفر من الأساس".
هل هي بداية لسلام دائم؟
الوساطة الأممية عبر مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، نتجت عنها هدنة لمدة شهرين، تنتهي مع نهاية شهر أيار/ مايو 2022، وهي مرشحة للتمديد بسبب ما يظهره طرفا الصراع من تجاوب.
استطاعت الهدنة، بحسب مراقبين، أن تنجح في اختبار حلحلة ملفات وصفت دائماً بأنها معقدة، كفتح مطار صنعاء، والسماح للحوثيين بإصدار جوازات سفر، وفتح الطرق الرئيسية المغلقة بفعل الصراع (ما زال قيد التنفيذ).
ويتضمن اتفاق الهدنة كذلك تيسير دخول 18 سفينة تحمل الوقود إلى موانئ الحديدة، وعقد اجتماع بين الأطراف للاتفاق على فتح الطرق في تعز وغيرها من المحافظات لمنح الأفراد حرية التنقل داخل البلاد.
بارقة أمل بعد سنواتٍ من ظلام الحرب، ترتفع معها أكف اليمنيين بالدعاء لأن تكون بداية لسلام دائم، يعلمون تماماً أنه لن يتحقق، إنْ لم يقل جميع أطراف الصراع، وبنحو نهائي: وداعاً للسلاح.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...