"هؤلاء العشاق، هم آنية الضوء الأخيرة في هذا الكون، نساء يستحم الماء بأجسادهن ورجال لا تهدأ أشواقهم، وفي حديقة الأخطاء كل شيء وارد... نحن مدينون بالكثير لهذا الغرام، اللحظي منه والأبدي، وتلك العلاقات الناعمة التي عاشت طويلاً أو تكسرت سريعاً فوق مرايا الماء المشروخة، الذين ملأوا فراديسنا بجاذبية سرية وهم يلمعون أساطيرهم فوق أطلال حياتهم المهدمة، أصبحوا الآن بين أيديكم، في ملتقى ندامى الغياب"، بهذه الكلمات بدأ الدكتور ياسر ثابت، كتابه الجديد الرومانسيون الصادر عن دار زين، والذي تناول خلاله 45 قصة حب جمعت نجوم الوسط الفني عبر أزمنة مختلفة.
يركز ثابت فى جانب من الرومانسيون على تجارب الثنائيات، والتي لم تشهد تكافؤاً عمرياً، مثل حالة شادية وعماد حمدي، فرغم الحب والتفاهم بينهما، إلا أن قصتهما انتهت بسبب ضربه له
الكتاب يتحدث عن الحياة الخاصة لأبرز الثنائيات الفنية في مصر، ويصف العلاقة بينهم بطريقة أدبية مختلفة ومغايرة، بحيث تكون الكتابة بين النثر والشعر، وكأن كل قصة قصيدة قائمة بذاتها، ويكون الاهتمام الأساسي بأن يخاطب كل طرف منهما الآخر، بطريقة "كشف حساب" لهذه العلاقة منذ بدايتها وحتى الارتباط، سواء التي تمت بزيجات أو التي انتهت دون زواج، مثل فريد الأطرش وسامية جمال.
قد يظن البعض هنا أن الكتاب مجرد سرد تاريخي لسيرة أهل العشق من أهل الفن، غير أن تصفح القصص الأولي سيضرب لك هذا الاعتقاد في مقتل، حيث التزم ثابت في الخط العام لكتابه بالتاريخ، ولكن ليس بسرد التاريخ بل كإطار للعلاقة، كيف كانت؟ كيف تطورت؟ معتمداً على الخطوط العريضة للعلاقات مع مزجها بالخيال، ليعرف الجمهور كيف تعرضت العلاقة لضغوط، تحديات أو عقبات، ولهذا نجد في الكتاب كل طرف يروي وحده تفاصيل العلاقة، بلغة ناعمة وبتكثيف رشيق، ودون أى ترتيب حيث يبدأ الكتاب من الأجيال القديمة بعلاقات خاطفة وعابرة، وصولاً إلى زيجات السبعينيات، مثل نور الشريف وبوسي، أو زيجات وارتباطات حديثة، ختاماً بالزيجة السرية لعبد الحليم حافظ وسعاد حسنى.
إخلاص ثابت لمشروعه الجديد جعله أميناً في كتابته عن كل طرف إلي حد تخصيص نفس عدد الكلمات لكل طرف، بمعني أنه إذا خصص 100 كلمة لتتحدث فيها ليلي مراد عن علاقتها بأنور وجدى يكون رد الأخير عليها بـ 100 كلمة أيضاً، وسيلفت نظرك في الجزء الأول من الكتاب أن "رشدي أباظة" يتواجد لثلاث مرات بقصص مختلفة مع تحية كاريوكا وصباح وسامية جمال، حيث وجد الكاتب فى تفاصيل علاقاته بهذا الثلاثي ما يستحق الرصد، كما ستتوقف فى الجزء الأول أيضاً أمام تفاصيل مدهشة عن لمحات من علاقات ربما لم نسمع بها من قبل، كما الحال مع "شادية" التى أحبت صلاح ذو الفقار، لكنها حُرمت من الإنجاب أو أجهضت لتتحطم قصة حبهما.
"نحن مدينون بالكثير لهذا الغرام، اللحظي منه والأبدي، وتلك العلاقات الناعمة التي عاشت طويلاً أو تكسرت سريعاً فوق مرايا الماء المشروخة"
45 قصة فقط اختارها ثابت ليضمها لكتابه الجديد، رغم أن الوسط الفني يحمل من الثنائيات وقصص الحب ما يزيد عن هذا الرقم... لكن صاحب الرومانسيون له رأي في هذا العدد.
يقول ياسر: "بعض النصوص كتبتها من الصور، مثل سعاد حسنى وعبد الحليم حافظ، ونور الشريف وبوسي، أو أحمد زكي وهالة فؤاد، والبعض الآخر كتبته انطلاقاً من "الحالة"، لا يمكن أن أنسى هنا مثلاً علاقة عمر الشريف وفاتن حمامة، فهي أيقونة العلاقات، صحيح أن كل منهما ترك الآخر وذهب في طريقه بعد فترة من الزواج، هي تزوجت غيره لكن بقي الاسم مرتبطاً بالاسم، حيث تجاوزت العلاقة الارتباط والزمن، حتى الفراق يجعل للاسم لمعاناً أكبر أو للعلاقة خلوداً أكبر".
يضيف: "وأنا لم أزد على 45 قصة لأني لست كاتب سيرة ذاتية، أنا أكتب مشروع يتخيل أشياء انطلاقاً من الواقع، لما تيجي تكلمني مثلاً عن زيجات معينة مشهورة أو حتى بقيت في الذاكرة، كـ فؤاد المهندس وشويكار، كيف صارحها بحبه وكيف تزوجها وقالها: "تتجوزيني يا بسكوته؟" لم تكن زيجته الأولى وكانت هي أرملة شابة، تخيلت العلاقة والبدايات والنهايات، وكتبت عن تلك القصة التي أربكت الجميع، خصوصاً وأنهما بعد الانفصال عملا معاً في أكثر من تجربة، رغم توقع البعض انفصالهما فنياً أيضاً".
يركز ثابت فى جانب من الرومانسيون على تجارب الثنائيات، والتي لم تشهد تكافؤاً عمرياً، مثل حالة شادية وعماد حمدي، فرغم الحب والتفاهم بينهما، إلا أن قصتهما انتهت بسبب ضربه لها ورغم أنه حاول أن يعتذر عن هذا الموقف إلا أن شادية رفضت وانتهت قصة ارتباطهما، كذلك قصة ليلى فوزي وعزيز عثمان، الذي غنى أغنية "بطلوا ده واسمعوا ده، الغراب يا وقعة سوده جوزوه أحلى يمامة"، وانطبقت كلماتها عليه، لأنه كان صديق والد ليلى فوزي ورغم فارق العمر الكبير وافقت على الزواج منه".
لم تمر كل القصص على ثابت مرور الكرام فقد وقفت أمامه بعض القصص التي وجد فيها صعوبة لاستكمالها.
يقول الكاتب: "من أكثر القصص التي تأخرت في كتابتها، قصة محمود ياسين وشهيرة، "مش لاقي لقطة فى قصتهم"، تماماً كما جرى مع قصة أحمد رمزي ونجوى فؤاد بزواجهما القصير العابر، ورغم أنها زيجة خاطفة إلا أنها استغرقت مني وقتاً أكبر من القصص الأخرى، لأني كنت أريد أن أتخيل الجو العام وأتخيل العلاقة، حتى لا أظلم أي طرف منهما.
أما أسهل القصص في كتابتها فكانت قصة حسين فهمي وميرفت أمين، ونور الشريف وبوسي اللذين انفصلا ثم عادا لبعضهما البعض وبقيت معه حتى وفاته، أيضاً قصة عمر الشريف وفاتن حمامة كانت من أسهل وأيسر القصص في الكتابة، بحسب تأكيد "ثابت".
فيما تبقى قصة عبد الحليم حافظ وسعاد حسنى وما يقال عن ارتباط دينا الشربينى وعمرو دياب من أبرز الحكايات التي شغلت الجمهور، وهنا أيضا في الرومانسيون ستجد مساحة خاصة تحدث فيها ياسر ثابت عن تلك العلاقات المثيرة للجدل، حيث بنى قصة العندليب والسندريلا انطلاقاً من صورة عقد زواجهما العرفي الذي وقع عليه يوسف وهبي، تلك الوثيقة التي أغلقت كل الأبواب أمام الأحاديث المتضاربة، المؤكدة تارة زواجهما والنافية له في مناسبات أخرى، فقد كان حليم حريصاً على إخفاء الزواج خوفاً من تراجع شهرته، وسعاد كانت تحبه جداً، رغم أن المرض كان مؤثّراً عليه، ولم يكن قادراً على أن يكون الزوج الذي تتمناه أي فتاة، ومع ذلك كانت تحبه لذاته وارتضت أن تبقى في الظل كما أراد حليم.
ويقول ثابت على لسان حليم: "سعاد الحليبية التى تخترع الغنج وترتدي الليل بلا أزرار، زهرة الغفران فى سلة التيه، تحتكر الألق وتشدو كترنمية الفصول، العصية، أخت القمر، كل من حلموا بها استيقظوا على سرير آخر، حورية تؤمئ للموج، وتأتيني بنهدين وافرين داخل قميصها الضيق، الذي شرب البحر، أستخلصك لنفسي، أنا الوحيد الذي يشفق عليه الآخرون".
لترد السندريلا: "حليم، أيها اللحن الهائم الذي خدش قلبى، تعال، اسكن في بخفة ساحر، شد وثاقي إليك بالشغف الحار، تعال، نربط الشرايين بالشرايين، ونرمي الليل من النافذة، بيننا غرام تهيأ في الخفاء، فلنحرر الشوق من سجن الشفاه".
أما قصة عمرو دياب ودينا الشربيني والتي شغلت اهتمام المصريين، خصوصاً وأن طرفيها لم يعلنا ارتباطهما رسمياً رغم أن قطاعاً كبيراً من الجمهور بات يعتقد ذلك، فقال عنها صاحب كتاب الرومانسيون: "بغض النظر عما يقال، فالحقيقة المؤكدة أنهما ثنائي، وأنا لم أكتب سيرتهما الذاتية، فقط كتبت عن علاقتهما كثنائي معاً، ومن جديد أؤكد أنا لست بصدد إصدار أحكام قيمية على أي ثنائي، ولم أكن مأذوناً في هذا الكتاب".
"كان حليم حريصاً على إخفاء الزواج خوفاً من تراجع شهرته، وسعاد كانت تحبه جداً، رغم أن المرض كان مؤثّراً عليه، ولم يكن قادراً على أن يكون الزوج الذي تتمناه أي فتاة، ومع ذلك كانت تحبه لذاته وارتضت أن تبقى في الظل كما أراد حليم"
وإلى جانب قصص المشاهير من النجوم، كتب ثابت أيضاً عن بعض "العلاقات المغمورة" التي شغلت الوسط الفني، مثل أحمد عبد الوارث وسعاد نصر، كذلك حسن مصطفى وميمي جمال، كانت زيجتهما طويلة لكنها في الهامش، ورغم ذلك عاشت وصمدت للنهاية، كونها مليئة بالتفاصيل الإنسانية، والتى تشكل حالة خاصة، حيث ظل عبد الوارث وفيا لسعاد نصر رغم دخولها فى غيوبية طويلة، ورغم أنهما انفصلا قبلها، كذلك الحال مع حسن مصطفى وميمي جمال، حيث أكد كثيرون أن العلاقة لن تستمر طويلاً بسبب فرق السن لكنهما تجاوزا كل الصعاب وقفزا فوق كل العقبات ليصنعا أحد النماذج الملهمة فى العلاقات العاطفية بالوسط الفنى، الذي يتردد دوما أن زيجاته عمرها قصير.
تنوعت ردود الفعل على الكتاب عبر منصات السوشيال ميديا، ورغم أن الاتهام الجاهز الآن، أن الشباب لم يعد يقرأ إلا أن أغلب من قرأ الكتاب كانوا من الشباب، الذي أشاد بأسلوب ثابت وطريقته في العرض وكيف أنه أزاح الراوى في القصص ليحدث كل طرف في العلاقة الجمهور وجهاً لوجه ويقربه إلى حكايته، ورغم أن بعض القصص مرت على الجمهور مرور الكرام مثل فريد الأطرش وسامية جمال وأحمد عز وأنغام وكندة علوش وعمرو يوسف، إلا أن أغلب القصص حظيت باهتمام الجمهور والذي جاء أغلبه من الفتيات، حيث أكدن أن استخدام ثابت للمفردات كان حساساً وبديعاً للغاية، كما أنه كان بارعاً في رسم الصور وتوصيف العلاقات، الأمر الذي كشف لهم جوانب مهمة في حياة نجوم طالما أحبوهم على الشاشة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...