شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
العراق

العراق "خلاص" الشباب اللبناني... "هجرة من بؤس إلى آخر"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 23 أبريل 202204:00 م

لم تعد هجرة اللبنانيين في السنوات الأخيرة، وتحديداً بعد الأزمة الاقتصادية الخانقة التي بدأت أواخر العام 2019، تقتصر على الوجهات التقليدية المعروفة للمواطن اللبناني منذ عقود من الزمن، كدول الخليج وأوروبا والأمريكتين، على سبيل المثال.

ففي مطلع العام 2021، ظهرت دول جديدة على خريطة الهجرة اللبنانية، أبرزها تركيا وجورجيا ثم أرمينيا، وذلك وفق كلام الباحث في الشركة الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، لرصيف22، ولسبب وجيه هو أنّ "تلك الدول لا تفرض على اللبناني تأشيرة دخول إليها، وتالياً يمكنه المكوث فيها لثلاثة أشهر، كذلك الحصول على إقامة سنوية لا تتطلب الكثير من التعقيدات مع الإشارة إلى أنّ تركيا عدّلت منذ شهرين إجراءات الإقامة السياحية وشروطها".

وفق شمس الدين، "الدولة العربية الجديدة التي لم تكن في حسابات الشاب اللبناني سابقاً، أصبحت مؤخراً مقصداً لعدد منهم، منها العراق التي يرتفع شهرياً عدد اللبنانيين المتوجهين إليها بحثاً عن فرص عمل".

الدولة العربية الجديدة التي لم تكن في حسابات الشاب اللبناني سابقاً، أصبحت مؤخراً مقصداً لعدد منهم، منها العراق التي يرتفع شهرياً عدد اللبنانيين المتوجهين إليها

ويعيش العراق منذ سنوات، حالةً اقتصاديةً وأمنيةً سيّئةً مع الانقسام الحاصل، والذي لم تستطِع الانتخابات الأخيرة التي جرت أواخر العام الماضي أن تعالجه بعد فشل القوى السياسية في الوصول إلى اتفاق على تشكيل حكومة جديدة قادرة على الحكم، فضلاً عن الفساد المنتشر والأمن الغائب في مختلف المحافظات العراقية.

مع ذلك، باتت اليد العاملة اللبنانية تتوجه نحو بلدٍ يغرقُ في أزمة معيشية عميقة، تماماً كالمثل الشامي الذي يقول: "من تحت الدلف إلى تحت المزراب". فهل الهرب من بلد مأزوم إلى آخر مأزوم أيضاً، هو فعلاً طوق نجاة من مصائب لبنان المتلاحقة؟

البحث عن الفرص

"حين وصلت إلى مدينة البصرة قبل شهرين، وسؤال موّحد يحاصرني به سكانها، حتى قبل الرد على التحية. يقولون لي: أعلن لبنان إفلاسه، وأنتم تأتون للعمل لدينا، هل تعتقدون أن ذلك أمراً سهلاً؟".

يسبب هذا السؤال الدائم الإزعاج لبشير حيدر، ابن قضاء الشوف (في جبل لبنان)، والذي يعمل مصففاً للشعر، والذي فقد فرص عمل عدة في منطقته، وحتى في مناطق لبنانية أخرى، لأن معظم سيدات لبنان لم يعدن يهتممنّ بمظهرهن، وفق ما يقول بشير، لرصيف22.

ويضيف: "بالنسبة إلى مهنتي ومهن أخرى لها علاقة مباشرة بالنساء، فهي ممنوعة تماماً في البصرة التي لا تزال من المدن المحافظة جداً، ولا يمكن للمرأة التخالط فيها مع الرجل، فأحاول حالياً البحث عن مهنة أخرى في هذه المدينة، وهناك مخطط للتوجه إلى كربلاء لأجرّب فرصةً جديدةً".

بحسب حيدر (31 عاماً)، يوجد في البصرة عدد من اللبنانيين إلى جانب مدن أخرى غير بغداد: "قبل التوجه إلى العراق لجأت إلى صفحات التواصل الإجتماعي بعد سماعي من أصدقاء سبقوني إلى هنا عن إعلانات لفرص توظيف، وقدّمت من خلال تطبيق الإنستغرام طلبات عدة، وكان شرطهم الأول الحضور إلى العراق، فهم لا يقبلون مقابلات عبر برنامج زوم أو سكايب وغيرهما، لذا قمت ببيع سيارتي وجمعت ما تيسر مع أهلي من مال لحجز ‘تكت’ طائرة ومصاريف الإقامة وتوكلت على الله".

"نحن نغامر"

ظروف بشير لا تختلف عما يحصل مع شباب آخرين لم يحالفهم الحظ بعد في إيجاد فرصة عمل، مثل سمير أبو زيد الذي كان يعمل في مجال البرمجة قبل فقدان وظيفته في إحدى مستشفيات لبنان قبل سنة، فحزم حقائبه متوجهاً إلى بغداد منذ ثلاثة أشهر، وهو حين أخبر عائلته ومحيطه صُدموا بالقرار، لكن أقنعهم بأن العراق مستقرّ ويبقى أفضل من لبنان.

باتت اليد العاملة اللبنانية تتوجه نحو بلدٍ يغرقُ في أزمة معيشية عميقة، تماماً كالمثل الشامي الذي يقول: "من تحت الدلف إلى تحت المزراب". فهل الهرب من بلد مأزوم إلى آخر مأزوم أيضاً، هو فعلاً طوق نجاة من مصائب لبنان المتلاحقة؟

يقول لرصيف22: "لم أحظَ بوظيفة مناسبة حتى الساعة، فحين كنت في لبنان راسلت عبر الإنستغرام عدداً من الشركات، وجميعها طالبتني بالحضور لإجراء مقابلات، وبعد المقابلة يقولون سنحتفظ بسيرتك الذاتية ورقم هاتفك ونتصل بك في أقرب وقت، وإلى الآن لم يحصل شيء وعليه أنا أخطط للتوجه نحو مدن أخرى"، مضيفاً: "أكثر المهن المطلوبة في العاصمة العراقية متعلقة بالطب والمطاعم وبعض الفنادق، وهذا الكلام سمعته من رئيس الجالية اللبنانية في بغداد، ومن عراقيين، وأيضاً من بعض اللبنانيين هنا".

يقول اللواء سعد معن، مدير الإعلام والعلاقات في وزارة الداخلية العراقية، لرصيف22: "دخل منذ النصف الثاني من العام 2021، وحتى آواخر شهر آذار/ مارس الحالي، نحو ثلاثة وعشرين ألف لبناني بصفة مقيم وليس زواراً للمراقد المقدسة الخاصة بالطائفة الشيعية، ويوجد لدينا حالياً من معظم الطوائف اللبنانية".

ويضيف: "الوجهة الأولى بالنسبة إلى اللبناني، بغداد ثم البصرة وكربلاء والنجف وقليلون يذهبون إلى الموصل وغيرها. بالنسبة إلى أربيل والمناطق الخاضعة لها، الأمر مختلف تماماً كونها مستقلةً ذاتياً عن العراق وتتطلب إجراءات دخول وشروط إقامة مختلفة".

في مطلع شهر شباط/ فبراير الماضي، وصل كميل طوق (38 عاماً)، إلى بغداد للعمل كمدير صالة داخل مطعم في فندق معروف وسط بغداد، كان كميل قبل سنوات مدير مطعم لبناني داخل أحد المولات قبل أن يقفل أبوابه قبل سنة ونصف، وحاول البحث عن فرص في مجاله لكن دون جدوى، لذا فكّر في ترك لبنان ووضع في أولوية مخططاته الخليج وتحديداً دبي والدوحة، لكن مع ظهور جائحة كورونا تعرقلت الأمور وبسبب الفيروس والحجر أُقفلت مطاعم في الخليج تأثراً بالخسائر نتيجة الإقفال العام فطارت منه فرص.

دخل منذ النصف الثاني من العام 2021، وحتى آواخر شهر آذار/ مارس الحالي، نحو ثلاثة وعشرين ألف لبناني بصفة مقيم وليس زواراً للمراقد المقدسة

عاد كميل وصوّب تركيزه نحو إسطنبول، فلم يجد عروضاً متاحةً، لينصحه صديقه وجاره داني بالقدوم إلى بغداد ويسكنا معاً، فعمل بنصيحته وعند وصوله حصل على فرصة تُعدّ مناسبةً قياساً للأوضاع المعيشية في العراق. يقول لرصيف22: "الراتب نحو 900 دولار أمريكي يشمل السكن والمصاريف، ومقارنةً مع الرواتب في لبنان أستطيع القول إنه مغرٍ".

طوق للنجاة

يقول مصدر داخل الملحقية التجارية في السفارة اللبنانية في العراق، لرصيف22، إنّ "معظم الشباب الذين يأتون إلى العراق كانوا يبحثون عن فرص عمل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فيقول لهم المديرون إنه عليكم الحضور لكن هذا لا يعني أنهم جزموا لهم بالحصول على الوظيفة. هناك بعض الشباب حصلوا على عرض عبر صديق أو قريب يعمل هنا".

ويضيف: "يختار الشاب اللبناني الذي يبحث عن فرص عمل، دولاً لا تتطلب إجراءات مثل الحصول على تأشيرة، إذ يحصل المواطن اللبناني على تأشيرة دخول لحظة وصوله إلى العراق مقابل 42 دولاراً أمريكياً".

يشير المصدر إلى أنه "ليس لدى سفارة لبنان حالياً رقم رسمي بعدد رعاياها في العراق، لأن هناك أشخاصاً يجلسون شهراً أو أكثر ثم يرحلون وعليه الأرقام تتفاوت، لكن توجد جالية لا بأس بها نوعاً ما، وأكثر المهن التي تستقطب الخبرات اللبنانية هي الجراحة التجميلية وطب الأسنان والعمل في حقل التجميل بشكل عام (أي ليست شرطاً الجراحة فحسب)، وقد ترك عدد من الأطباء لبنان متوجهين نحو العراق لقاء عروضات مالية جيدة، وتأتي مهنة العمل في المطاعم في المرتبة الثانية، ويحبّذ العراقيون توظيف اللبناني في قطاع المطاعم والفنادق، وأريد الإشارة إلى أنه يوجد هنا نحو 425 شركةً تجاريةً أغلبها من المقاهي والمطاعم".

برأيه، "الوضع الأمني الراهن في العراق جيد، وعادت المطاعم ومراكز الترفيه لتفتح حتى ساعات متأخرة من الليل. صحيح أن الظروف الاقتصادية والمعيشية سيئة إلى حد ما، ولكن بالرغم من ذلك يأتي الشاب اللبناني هرباً من واقعه في بلده، ويعتقد أنه سيجد فرصاً أكبر هنا، لكن الأمر ليس سهلاً في الحقيقة، وأيضاً بعضهم يحاولون الذهاب من هنا إلى أربيل، إلا أن إجراءات الدخول سواء بهدف العمل أو الزيارة، أصعب مما هي عليه في الخليج، وهذا لا يمنع أن يحصل بعضهم على فرص جيدة خاصةً أنه يوجد هناك ما لا يقل عن 550 شركةً لبنانيةً".

أكثر المهن التي تستقطب الخبرات اللبنانية هي الجراحة التجميلية وطب الأسنان والعمل في حقل التجميل بشكل عام، وقد ترك عدد من الأطباء لبنان متوجهين نحو العراق

الهجرة إلى ازدياد

"أقفلت عيادتي التجميلية في منطقة جبيل بعد تراجع العمل بسبب الظروف، فقلّت جداً العمليات التي كنت أجريها شهرياً في لبنان. الناس يبحثون عن الطعام في الوقت الراهن، وفي الأساس كان من ضمن زبائني العرب عراقيون وعراقيات يأتون خصيصاً لشفط الدهون وتجميل الأنف، لكنهم توقفوا عن القدوم إلى لبنان بعد تفجير المرفأ في 4 آب/ أغسطس 2020"، يقول الدكتور ميشال زغيب الذي تعاقد مع مشفى كبير في بغداد مقابل راتب جيد مقارنةً بما كان يتقاضاه في لبنان، مضيفاً: "بالرغم من أن الظروف المعيشية والاقتصادية هنا ليست على ما يرام، ولكن زبائن التجميل بخير".

وفق دراسة أخيرة صدرت مطلع العام الجاري، عن مرصد الأزمة في الجامعة الأمريكية في بيروت، فإن خط الفقر في لبنان وصل إلى نسبة الـ80 في المئة، وهذا مؤشر أكثر من خطير، في وقت نشر المرصد آخر الإحصائيات حول هجرة اللبنانيين والتي أشارت إلى أن عام 2021، سجّل العدد الأكبر من المهاجرين والمسافرين خلال الأعوام الخمسة الماضية، فيما بلغت حصيلة المغادرين بين عامي 2017 و2021 أكثر من ربع مليون شخص.

وأدت الأزمة غير المسبوقة التي يمر بها لبنان، بحسب مركز الدولية للمعلومات، إلى "إغلاق عشرات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة وتقليص أعمال عشرات آلاف المؤسسات الأخرى، وتالياً صرف عشرات آلاف العمال والأُجَراء وهكذا ارتفعت نسبة البطالة التي أصبحت تقارب نحو 35 في المئة من حجم القوى العاملة المقدر عددها بنحو 1،340 مليون عامل، أي أن عدد العاطلين عن العمل يتراوح بين 470 ألفاً و500 ألف".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image