لم يتوانَ عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الليبية المؤقتة عن محاولة استغلال الحرب التي تشنها السلطات في العاصمة طرابلس على من تصفهم بالعلمانيين وناشري الإلحاد، وإظهار نفسه مدافعاً عن الإسلام في ليبيا.
بداية القصة
بدءاً من نوفمبر/ تشرين الأول الماضي، اعتقل جهاز الأمن الداخلي المعروف سابقاً باسم "ميليشيا قوة الردع" سبعة أشخاص تراوح أعمارهم بين 19 و29 عاماً في طرابلس، وبث مقاطع فيديو على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك، لاعترافهم ب"الإلحاد واللادينية والعلمانية والدعوة إلى المساواة بين الجنسين واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الإلحاد وازدراء الدين".
وفور تصاعد الحملة ضدها، أعلنت حركة تنوير التي تدعو للمساواة بين الجنسين والحقوق الاجتماعية والثقافية، وتصف نفسها كحركة مدنية تؤمن بأن "المعرفة هي الحل للنهوض بنا من جديد، وهي الحل لكل مشاكلنا وأزماتنا، هدفنا هو إعادة صياغة العقل الليبي"، أعلنت الحركة حل نفسها بعد هروب مؤسسيها إلى الخارج خوفاً على سلامتهم.
وأثار اعتقال جهاز الأمن الداخلي للنشطاء على مدى الأشهر الأربعة الأخيرة استنكاراً واسعاً من قبل منظمات حقوقية محلية ودولية وإقليمية عديدة.
ونددت منظمة "هيومان رايتس ووتش" الحقوقية الدولية باعتقال النشطاء الخمسة، فيما طالبت منظمة العفو الدولية السلطات الليبية بوضع حد لاضطهاد الشباب الليبيين من قبل رجال الميليشيات وعناصر الأمن بحجة حماية القيم الليبية والإسلامية.
لم يتوانَ عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الليبية المؤقتة عن محاولة استغلال الحرب التي تشنها السلطات في العاصمة طرابلس على من تصفهم بالعلمانيين وناشري الإلحاد، وإظهار نفسه مدافعاً عن الإسلام في ليبيا
أوراق الدبيبة
ظهر الدبيبة رئيس الوزراء المنتهية ولايته بحكم قرار مجلس النواب، لكي يلعب دور المؤذن لصلاة الجمعة الأخيرة، بعدما افتتح مسجد أبو رقيبة بالعاصمة طرابلس ليقول من على المنبر، بعد خطبة كان عنوانها الأبرز الإلحاد، إن "هذه البلاد بنيت على أساس قوي ولا يمكن إلا أن ترفع راية التوحيد ولا خوف على شبابنا من الإلحاد".
كان الدبيبة بهذه الكلمات يدشن حملة رسمية تتزامن مع اتهامات "الصديق الصور" النائب العام الليبي لخمسة نشطاء محليين -لاحقاً أصبحوا سبعة- بالترويج للإلحاد داخل المجتمع والإساءة إلى الدين الإسلامي.
موظفاً الدين في خدمة سياسته الرامية لمغازلة الرأي العام المحلي بقضية تحوم حولها الشكوك، سعى الدبيبة الى دغدغة عواطف ومشاعر مواطنيه بأنه الحارس الأول لقيم الإسلام في الدولة الليبية.
في سعيه للاحتفاظ بمنصبه رئيساً للحكومة، ترمي تصريحات الدبيبة أيضاً لمغازلة الميليشيات المتشددة الموالية له، وأبرزها جهاز الأمن الداخلي، الذي نصب نفسه وصيّاً على الأخلاق العامة في المجتمع الليبي.
هل تحولت النيابة الليبية إلى أداة للتضييق على الحريات؟
تحقيقات في أنشطة سرية!
وقال بيان نشرته النيابة العامة إنها "تحقق في نشاط جماعة سرية موسومة بحركة التنوير، أسست على خلاف أحكام القانون الأساسي"، واستندت فى ذلك إلى الأدلة المرفوع من جهاز الأمن الداخلي في مواجهة عدد من المتهمين بارتكاب فعل الترويج للإلحاد داخل المجتمع والإساءة إلى الدين الإسلامي والتشكيك فيما حفظته الشريعة الإسلامية".
طبقاً للبيان، "اعترف أن الخمسة الذين جرى استجوابهم بواقع أنهم من دعاة الإلحاد الإنكاري لوجود الخالق ورفض الأديان وقد تعمدوا الإساءة إلى الدين الإسلامي والاستهزاء بأحكامه الشرعية".
وتابع أن "المتهمين أذاعوا أفكارهم حول إنكار المعتقدات، وعلى الأخص وجود الله سبحانه والرسل والرسالات عبر وسائل دعوية أظهرها نقل النظريات والمبادئ إلى أبناء المجتمع بواسطة مواقع التواصل الاجتماعي والفاعلية في الملتقيات العلمية والاجتماعية".
وأوضح أن "المحقق فرغ من استجواب المتهمين وإثبات واقع استطالة نشاطهم إلى أقوال وممارسات مسيئة للدين وترويجهم لأفكار ونظريات ترمي إلى تخلي الناس عن الدين الإسلامي، واستجابة عدد من الأشخاص لهم والشروع في تغيير النظم الأساسية ".
وانتهت النيابة العامة، إلى "تسطير إعلان توبة المتهمين عن فعل الردة والقول به في مدونة التحقيق، وأمرت بحبسهم احتياطياً، وقررت إحالة الأوراق لغرفة الاتهام تمهيداً لتقديمهم للمحاكمة".
خنق الحريات
وأثارت هذه الاتهامات تساؤلات طرحتها وسائل إعلام ليبية محلية بشأن ما اذا كانت النيابة قد تحولت إلى أداة للتضييق على الحريات، مشيرةً الى أنها تتماهى مع المحاضر المحالة من جهاز الأمن الداخلي، الذي يواجه موجة حادة من الانتقادات المحلية والدولية، وصلت ذروتها مع اتهام منظمة العفو الدولية للجهاز ورئيسه لطفي الحراري بارتكاب انتهاكات وجرائم تعذيب.
لكن حركة "تنوير" الحقوقية التي سعت على مدى السنوات العشر الماضية لوضع الثقافة بديل الحروب، والمعرفة بديل السلاح، نددت في المقابل باتهام جهاز الأمن الداخلي لها بالدعوة للإلحاد والتخابر، واعتبرت أنها "نفس الاتهامات الباطلة التي تعتمد عليها الأنظمة الديكتاتورية في إلغاء أي صوت مخالف".
ولفتت إلى أن الاعترافات المزعومة "هي ادعاءات مفبركة صُرح بها تحت ظروف التعذيب، مؤكدة أنها لم تروج مطلقاً للإلحاد، بل عملت دوماً على مشاريع ثقافية من خلال مهرجانات الكتب ونوادي القراءة، ومشاريع توعوية".
وبعدما أسفت لما وصل إليه التضييق على النشاط المجتمعي، اعتبرت الحركة أن "القبضة الأمنية تحاول إخراس الجميع، وهذا تدمير ممنهج للثقافة والفكر والفن".
قلق دولي
واستدعت القضية قلقاً دولياً عبّرت عنه مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة التي أبدت قلقها مما وصفته بـ"قمع المجتمع المدني في ليبيا على نحو متزايد"، ودعت السلطات إلى وقف الحملة ضد المدافعين عن الحقوق والإفراج عن جميع المعتقلين تعسفياً.
واتهمت المفوضية جهاز الأمن الداخلي وجماعات مسلحة موالية للدولة باحتجاز المدافعين عن حقوق الإنسان والجهات الفاعلة في المجتمع المدني بشكل تعسفي، بحجة حماية "القيم الليبية والإسلامية" وتعريضهم للتعذيب والمضايقة اللفظية والترهيب.
وقالت ليز ثروسيل المتحدثة باسم المفوضية إنه يمكن أن يكون للاعتقالات التعسفية وحملات التشويه على وسائل التواصل الاجتماعي "تأثير مروع على المدافعين عن حقوق الإنسان والعاملين في المجال الإنساني والجهات الفاعلة الأخرى في المجتمع المدني"، مشيرة إلى أن هذه الاعترافات "تم الحصول عليها بالإكراه، مما يثير مخاوف جدية بشأن استخدام التعذيب وهو أمر محظور تماماً".
ودعت السلطات الليبية إلى الوقف الفوري لهذه الحملة العدوانية ضد الليبيين الذين يمارسون حقوقهم الإنسانية، لافتةً الى أن مقاطع الفيديو أثارت موجة من خطب الكراهية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان.
طبقاً لمنظمة العفو الدولية، فقد اعتقل جهاز الأمن الداخلي ومقره طرابلس على مدى الأشهر الأربعة الماضية سبعة شبان على الأقل لممارستهم السلمية لحقهم في حرية التعبير، واحتجزهم بشكل تعسفي مع اتصال ضئيل أو معدوم بالعالم الخارجي وسط قلق متزايد على سلامتهم، بينما اختبأ آخرون، بمن فيهم مَن وردت أسماؤهم في "الاعترافات" المصورة وأولئك الذين أعربوا عن دعمهم للشباب السبعة المعتقلين، بعد تعرضهم لتهديدات بالقتل وحملات تشهير على وسائل التواصل الاجتماعي.
ومنذ شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، دأب الجهاز على نشر مقاطع فيديو للرجال السبعة وهم "يعترفون" تحت إكراه واضح بالتواصل مع الملحدين واللادينيين والقرآنيين والنسويات والعلمانيين على الإنترنت وشخصياً، كما أُجبروا على الاعتراف في ظروف قسرية من دون حضور محامين.
لم يكتفِ جهاز الأمن الداخلي بهذه الاعترافات، بل هنأ نفسه على محاربة هذا السلوك "غير الأخلاقي"، وقال إن المعتقلين يعارضون القيم الليبية والإسلامية، وحذر مما وصفه بالتأثير غير الأخلاقي للمنظمات المحلية والدولية على السواء، متهماً إياها باستغلال الشباب الليبي لنشر ما أسماه بأفكار زائفة.
في رده على هذه الاتهامات، قال جهاز الأمن الداخلى في بيان نشره موقعه الالكترونى الرسمي أن رئيسه يعتبر وزيراً مفوضاً ويحمل مرسوماً وتم تكليفه من الدولة الليبية ولا يجوز وصفه بأنه زعيم ميليشيا .
ودافع عما وصفه بـ"الإجراءات القانونية السليمة في قضية الموقوفين بتهمة الإلحاد، حفاظاً على سلامة القضية وضمان العقاب المناسب للمتهمين".
تعيين الحراري
يعتبر لطفي الفيتوري بلقاسم الحراري، أحد أبرز أمراء الحرب في طرابلس وعمل مساعداً لآمر قوة الأمن المركزي أبو سليم، عبد الغني الككلي المعروف باسم إغنيوة. هذه القوة تفرض سيطرتها على ضاحية أبو سليم المزدحمة بالسكان وتعد من المناطق الشعبية الفقيرة، في جنوب العاصمة طرابلس، وتورطت، بحسب منظمات دولية، في جرائم بموجب القانون الدولي وانتهاكات جسيمة أخرى لحقوق الإنسان منذ عام 2011.
وعُيّن الحراري رئيساً لجهاز الأمن الداخلي بقرار من فائز السراج رئيس حكومة الوفاق السابقة، بعدما اختطف مسلحون مجهولون رئيسه السابق الرشيد الرجباني من داخل مطار معيتيقة بالعاصمة طرابلس، وأنزلوه بالقوة من طائرة على المدرج لإجباره على الاستقالة في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2021.
ورددت وسائل إعلام محلية معلومات عن محاولة المخابرات التركية تجنيد الحراري، بعد إيقافه في أحد مطارات تركيا بينما كان في طريقه الى النمسا والتحقيق معه لمدة ثلاث ساعات، إذ قيل آنذاك إن الهدف إدراج الحرارى ضِمن أوراق نفوذ تركيا في ليبيا.
وفى إطار حرص الدبيبة على شراء ولاء قادة الميليشيات المسلحة مُنح الحراري ميزانيات مالية مفتوحة آخرها 40 مليون دينار ليبي، على اعتبار أن الجهاز يلعب دوراً في دعم حكومة الدبيبة ضد مساعي إقالتها من مجلس النواب الذي نصب حكومة جديدة موازية برئاسة فتحي باشاغا وزير الداخلية السابق، وثمة شهادات على الدور الذى لعبه الحراري في تعذيب سجناء.
وكان بيان لإحدى وحدات الجيش الوطني الذى يقوده المشير خليفة حفتر المتمركز في شرق البلاد،، قد ادعى إصابة الحراري في إحدى المعارك خلال الحرب الفاشلة التي شنها لتحرير العاصمة طرابلس عام 2019، وبتر رجله، قبل أن يتضح لاحقاً عدم صحة هذه المعلومات.
ولدى الجهاز الذى يخضع الجهاز اسمياً لسيطرة الدبيبة ويتلقى تمويلاً من الدولة، ويصف نفسه بأنه "جهاز مدني يتمتع بالشخصية الاعتبارية تم إنشاؤه بناءً على قرار مجلس الوزراء رقم (325) لسنة 2013"، صلاحيات واسعة النطاق تشمل إعداد الخطط الأمنية والإستراتيجية والدراسات الخاصة بالجريمة الماسة بأمن وسلامة الدولة والأنشطة الهدامة والظواهر الإجرامية، بالإضافة إلى رصد ومتابعة النشاطات الإرهابية ومكافحة جرائم غسيل الأموال وجرائم تهديد الثروات الوطنية ورصد ومتابعة وضبط الوقائع التي تمس الاقتصاد الوطني والأموال العامة وجمع المعلومات عن كل النشاطات المشبوهة والمعادية لأمن الدولة الداخلي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون