في تغيّر دراماتيكي، يستعد رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، لتطبيع العلاقات مع تركيا، عبر زيارة رسمية سيقوم بها خلال الفترة المقبلة إلى أنقرة، لإجراء أولى محادثاته الرسمية، وجهاً لوجه، مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وكبار مساعديه.
الزيارة المرتقبة سبقتها، حسب ما كشفت مصادر ليبية مطلعة لرصيف22، محادثات سرية في القاهرة، جمعت عقيلة صالح مع عدد من كبار المسؤولين الأتراك، من بينهم رئيس جهاز المخابرات التركية.
بداية القصة
بعد أن فشلت القائمة المشتركة لعقيلة صالح مع وزير الداخلية في حكومة الوفاق السابقة، فتحي باش أغا، في الحصول على تأييد أعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي الذي رعته بعثة الأمم المتحدة في جنيف، وتشكلت السلطة الانتقالية الجديدة من مجلس رئاسي برئاسة محمد المنفى، وعبد الحميد الدبيبة رئيساً لحكومة الوحدة، أدرك صالح أنه يتعين عليه تغيير البوصلة.
لاحقاً، أوفد صالح أقرب مستشاريه عبد الباسط البدري، سفير ليبيا السابق لدى السعودية وروسيا، ومبعوثه الخاص إلى روسيا، في زيارة غير معلنة إلى تركيا.
في أنقرة، التقى البدري بمسؤولين في جهاز المخابرات التركية ووزارة الخارجية، لتسويق عقيلة صالح، وفتح صفحة جديدة بين تركيا ورئيس البرلمان الذي لطالما مثّل ركن الزاوية في معسكر المشير خليفة حفتر المعادي لتركيا
في أنقرة، التقى البدري بمسؤولين في جهاز المخابرات التركية ووزارة الخارجية، لتسويق عقيلة صالح، وفتح صفحة جديدة بين تركيا ورئيس البرلمان الذي لطالما مثّل ركن الزاوية في معسكر المشير خليفة حفتر المعادي لتركيا، كونه الرجل الأقوى في شرق البلاد.
تفاهمات القاهرة-أنقرة
ونتيجة التفاهمات التركية المصرية، شرعت مصر في الانفتاح على المنطقة الغربية في ليبيا مجدداً، مقابل تسهيل تطبيع تركيا علاقتها المتوترة مع المنطقة الشرقية هناك.
كانت التفاهمات مؤشراً على نجاح الخطة الأمريكية في منع تصادم حلفاء واشنطن، مصر وتركيا، على الأراضي الليبية.
بالنسبة إلى الأمريكيين، كان الأمر يعني فقط الاحتفاظ بالحلفاء المؤثرين، لمنع استمرار روسيا من تحقيق نفوذ إقليمي جديد في ليبيا.
في مرحلة ما من المفاوضات، تعهد صالح بزيارة تركيا، شريطة أن تسرّع وتيرة انسحاب قواتها العسكرية من المعسكرات الموجودة فيها في العاصمة طرابلس، ومدينة مصراتة في غرب البلاد.
أدرك كلٌّ من صالح وحفتر، أن ثمن الوصول إلى رئاسة البلاد في أي انتخابات رئاسية، هو تقديم القرابين إلى تركيا، والقبول العلني والرسمي بدور لها
كما اشترط صالح إخلاء معسكرات المرتزقة السوريين الموالين لتركيا، الذين يقاتلون إلى جانب صفوف السلطة الانتقالية.
لكن الأتراك رفضوا العرض الذي قدّمه صالح، وطالبوه في المقابل بإقناع حفتر بالانضمام إلى عملية التطبيع.
أدرك كلٌّ من صالح وحفتر، أن ثمن الوصول إلى رئاسة البلاد في أي انتخابات رئاسية، هو تقديم القرابين إلى تركيا، والقبول العلني والرسمي بدور لها.
صالح الطامح لخوض الانتخابات الرئاسية، أبدى حسن النوايا، وقال بعد إعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية التي كانت مقررةً في الشهر الماضي، وألغيت، إنه إذا نجح، فسيعرض الاتفاقية المثيرة للجدل مع تركيا على البرلمان، ليقرر مصيرها، في حال فوزه بمنصب أول رئيس منتخب في تاريخ ليبيا.
ومع تعثر المفاوضات، تنصّل صالح من مبعوثه البدري، وأنكر صلته به، ونفى أي علاقة به، ليلجأ الأخير إلى الدبيبة والمنفى، ويحصل على منصب سفير ليبيا لدى الأردن.
بيد أن حفتر الذى اكتسب شهرةً إضافيةً بعدائه للأتراك، في صفوف الليبيين، خاصةً في شرق البلاد، لم يبدُ أنه سيتغير.
المرجح هنا، وحسب المعطيات، أن خريطة العلاقات التركية الإقليمية فرضت نفسها على اللاعبين المحليين في ليبيا، وأجبرتهم على تغيير مواقفهم العدائية لتركيا.
المساعي لإتمام زيارة سيقوم بها لاحقاً عقيلة صالح إلى تركيا، تأتي نكايةً ربما بنائبه الأول فوزى النويري، الذي قفز خلال ترؤسه بالإنابة رئاسة مجلس النواب، قفزةً إلى الأمام، بمجاهرته بالعلاقات مع تركيا، عبر زيارة رسمية التقى خلالها في الشهر الماضي، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
الزيارة التي انتهت بتشكيل لجنة صداقة برلمانية، ناقشت فتح المجالين الجوي والبحري بين بنغازي وأنقرة!
النويري، ليس البراغماتي الوحيد في شرق ليبيا، فثمة آخرون يتذرعون بتغيّر المنطق والموقف الإقليميين، على نحو يجعل من الحديث عن تطبيع العلاقات مع تركيا، أمراً محموداً، بعدما كان مجرد التفكير فيه، من المحرمات الوطنية.
المنافسة هنا تبدو على أشدها بين المطبعين الجدد مع أنقرة، والكل يتسابقون لإبداء مرونة إعلامية تهيّئ المناخ لاحقاً، لعلاقات سياسية واقتصادية.
عودة القطراني الميمونة
لم تكن من فراع، تلك الدعوة الرسمية التي وجهها بأريحية، حسين القطراني، نائب رئيس حكومة الوحدة، إلى سفير تركيا في العاصمة الليبية طرابلس، لزيارة المنطقة الشرقية، والتي ظلت، خلافاً لنظيرتها الغربية، على عداء تاريخي مع الأتراك.
التطور الدراماتيكي الذي كشفته الدعوة، طرح تساؤلات أخرى حول ما إذا كان القطراني، وهو أحد الموالين للمشير خليفة حفتر، الرجل القوي في شرق ليبيا، والقائد العام للجيش الوطني، يعكس موقفه الشخصي، أم يعبّر بالضرورة عن تغيّر إستراتيجي ما في معسكر حفتر وحلفائه المحليين والإقلميين، حيال التسليم بإمكان تقبّل تركيا، وفتح حوار معها.
البراغماتية سيدة الموقف
هنا، البراغماتية هي سيدة الموقف الليبي بامتياز، فكلٌّ من النويري والقطراني، تحدثا عن اعتزام تركيا فتح قنصلية في مدينة بنغازي، وعودة الحركة التجارية بين تركيا وموانئ الشرق الليبي، ومطاراته.
لكن الأمر ليس سهلاً، فالعداء الشعبي للعثمانيين في شرق ليبيا، تاريخي للغاية، ومرتبط أيضاً بسياساتهم العدائية على مدى السنوات العشر التي تلت الإطاحة بنظام حكم العقيد الراحل معمر القذافي.
امتنع حفتر عن إدانة الانفتاح الذي يبديه حلفاؤه على المستويين المحلي والإقليمي، حيال تركيا، في نهج غير معتاد من الرجل الذي اعتاد استغلال كل المناسبات لشن هجوم كلامي عليها
يدرك الأتراك أن تحقيق مكاسب في الشرق، على صلة بضمان وضعهم الأمني في بيئة معادية، لذلك فقد تحججوا بأن الظروف الأمنية قد لا تسمح الآن بهذه الخطوات.
صمت الماريشال
كل هذه التطورات المتلاحقة، لم تقنع المشير حفتر بالخروج عن صمته، لتوضيح موقفه من التطبيع الحاصل مع تركيا، على نحو يشي بأن حفتر نفسه، وفي إطار التحضر للانتخابات الرئاسية المؤجلة، لا يمانع التقارب معها.
ثمة من يتحدث عن دور إقليمي في إقناع حفتر بعدم عرقلة خطوات التطبيع بين شرق ليبيا وأنقرة، كجزء من التفاهمات الجديدة التي تأخذ طريقها ببطء نسبي بين مصر وتركيا.
حتى الآن، امتنع حفتر عن إدانة الانفتاح الذي يبديه حلفاؤه على المستويين المحلي والإقليمي، حيال تركيا، في نهج غير معتاد من الرجل الذي اعتاد استغلال كل المناسبات لشن هجوم كلامي عليها.
قبل نحو عامين، وقف المشير حفتر ليقول في خطاب رسمي: "لن نتوقف عن مسيرتنا المقدسة حتى تحرير كامل تراب الوطن من الغزاة الأتراك والإرهابيين، وشعارنا سندفع الدماء لا الميري للعثمانيين"، في إشارةٍ إلى الإتاوة التي كان يدفعها الليبيون للمحتل العثماني.
واتهم تركيا بأنها ترى ليبيا إرثاً تاريخياً لها، وأنها تسعى إلى السيطرة على ثرواتها من أجل رفاهة شعبها على حساب قوت الليبيين.
من وجهة نظر حفتر، فإن تركيا تُرسل بوارجها الحربية إلى شواطئ ليبيا، وتنشئ غرف عمليات حربية في طرابلس، ومدن أخرى لإدارة المعارك وضباطها وجنودها وآلاف المرتزقة من الإرهابيين، وتبني جسوراً جويةً وبحريةً لنقل الأسلحة المختلفة لقصف قوات الجيش الوطني.
لكن هذا كله قد يتغير الآن، فثمة روح براغماتية جديدة تعصف بالشرق، قادمة من القاهرة، على أمل أن يؤدي تحسن العلاقات مع تركيا إلى تغيير المشهد السياسي والعسكري المأزوم، الذي تعيشه ليبيا منذ انهيار نظام القذافي عام 2011.
أحدهم قال: أخبرني من أصدقاؤك، لكي أخبرك من أنت. ولربما تصح هذه المقولة حالياً في ليبيا التي عانت من مرارة الحرب الأهلية، وتغيّر الحلفاء والأصدقاء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Apple User -
منذ 4 ساعاتHi
Apple User -
منذ 4 ساعاتHi
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا