شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
صار الكلب بطلاً وأحدث معجزةً في المجتمع المصري

صار الكلب بطلاً وأحدث معجزةً في المجتمع المصري

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 21 يناير 202206:27 م

الكلب حيوان أليف، ذو شعبية عريضة بين الأطفال والكبار على حد سواء، فوجوده في المنزل يشيع جوّاً من البهجة والطاقة الإيجابية والشعور بالونس لمن يعيش وحيداً في المنزل، أو يقضي ساعاتٍ طويلةً وحده، لأن الكلب يعطي شعوراً بالصحبة والأمن والوفاء غير المشروط، ما يميزه عن أي كائن آخر، بل في بعض الأحيان تكون صحبة الكلب مفضلةً على صحبة البشر.

في مصر، في الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي، قبل المد السلفي الوهابي، كان الكلب دائماً يحظى بالتقدير بين أفراد الأسرة.

ثم في تحولٍ درامي غريب، أصبح الكلب حيواناً نجساً، ووجوده يمنع دخول الملائكة إلى المنزل، واقتناؤه يبطل الأعمال الصالحة، ولا تجوز الصلاة على أرضٍ مشى عليها كلب، وإذا أصابك لعابه فيجب أن تغتسل! وذلك طبقاً لمجموعة أحاديث في كتب التراث، منسوبة إلى النبي محمد (ص)، تم نشرها بين الناس وكأنها حقائق لا تقبل النفي، أو حتى الشك.وفي مصر، في الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي، قبل المد السلفي الوهابي، كان الكلب دائماً يحظى بالتقدير بين أفراد الأسرة، ويقدَّم بشكل جيد في السينما المصرية، إما كحامٍ وصاحبٍ للبطل، مثل "روي" صديق الفنان صالح سليم في فيلم "الشموع السوداء"، أو كدليلٍ على الرفاهة والدلال، مثل كلب الفنانة ماجدة في فيلم "أين عمري".

وأذكر عندماً كنا صغاراً، أن الطفل الذي يطلب كلباً، كان يتلقى تقريعاً وتأنيباً على طلبه الشنيع هذا، والذي سيودي بأهل البيت جميعاً إلى جهنم. ويظل الأهل يتوعدون الطفل بأشد العذاب في الآخرة، حين يصرّ على مخالفة شرع الله، واقتناء هذا الحيوان الجميل، حتى يتراجع عن هذا الفكر. كبرنا ونحن نحمل هذه المشاعر المتناقضة نحو الكلب؛ فما أن تراه حتى تحبّه رغماً عنك، خاصةً إذا كان جرواً صغيراً، أو إذا مسحت على رأسه مرةً فاستقبلك بعدها بترحاب عجيب، كأنك عائد من السفر، أو سار خلفك إلى أي مكان تذهب إليه، كأنه يطمئن عليك، ثم تستغفر الله على هذه المشاعر الشيطانية نحو هذا الكائن النجس.

في تحولٍ درامي غريب، أصبح الكلب حيواناً نجساً، ووجوده يمنع دخول الملائكة إلى المنزل، واقتناؤه يبطل الأعمال الصالحة، ولا تجوز الصلاة على أرضٍ مشى عليها كلب، وإذا أصابك لعابه فيجب أن تغتسل! وذلك طبقاً لمجموعة أحاديث في كتب التراث، منسوبة إلى النبي محمد (ص)، تم نشرها بين الناس وكأنها حقائق لا تقبل النفي

وأخيراً، في زماننا هذا، صار الكلب بطلاً، وأحدث معجزةً في المجتمع المصري لم يسبق لها مثيل من قبل، وذلك عندما تراجعت المؤسسات الدينية عن فتاواها السابقة التي صوّرت اقتناء الكلب على أنه من الكبائر، ووجوده يمنع دخول الملائكة، ويبطل الأعمال الصالحة، وينجّس المنزل، ويبطل الصلاة، وأقرّت بأن هناك أكثر من رأي في هذا الموضوع، ويمكن للإنسان أن يأخذ بما يراه مناسباً، وهذا ليس تساهلاً من المؤسسات الدينية لا سمح الله، ولكن بعد أن منّ الله علينا بالإنترنت، وأصبح من السهل على كل إنسان البحث عن إجابات عن أسئلته، أو استعراض كافة الآراء حول موضوع معيّن، تبيّن أن كل الفتاوى السابقة الخاصة بالكلب كان مصدرها فقهاء الشافعية والحنابلة، في حين أن فقهاء المالكية من قبل، كان رأيهم أن الكلب طاهر، ولا يوجد أي مشكلة في اقتنائه، وفقهاء الحنفية أيضاً يرون أن الكلب طاهر، ولكن لعابه وسوائله نجسة، واتضح أن كل هذه الفتاوى مجرد آراء، وغير ملزمة.

لقد عشنا زمناً طويلاً نتصوّر أن هذه الفتاوى حقائق لا تقبل الجدل، لكن هذا الحيوان الجميل استطاع أن ينتصر على المتشددين في الدين الذين يصرّون على أن يقحموا أنفسهم بين الإنسان وخالقه، وكأن الطريق إلى الله لا يعرفه سواهم، إذ إن المؤسسات الدينية كانت تصدّر لنا ما تراه الصواب من وجهة نظر واحدة، وتخفي وجهات النظر الأخرى، لأنها لا تتلائم مع الفكر السلفي السائد في هذا الوقت. وعندما ظهرت كل وجهات النظر رغماً عن الجميع، تراجعت المؤسسات الدينية عن الحقيقة الواحدة، واستعاد الكلب مكانته وكرامته في الأسرة المصرية.

هنيئاً للكلب على هذه المعجزة، فهو يستحقها بصفاته الجميلة التي دافعت عنه على طول الخط، وأرجو أن يحظى الإنسان بمعجزات أخرى في بقية مشكلاته مع فتاوى المؤسسات الدينية التي تنتمي إلى القرن الماضي

هنيئاً للكلب على هذه المعجزة، فهو يستحقها بصفاته الجميلة التي دافعت عنه على طول الخط، وأرجو أن يحظى الإنسان بمعجزات أخرى في بقية مشكلاته مع فتاوى المؤسسات الدينية التي تنتمي إلى القرن الماضي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image