شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
تزوجت خليفتين ونقلت حديثي رد الشمس والمنزلة و

تزوجت خليفتين ونقلت حديثي رد الشمس والمنزلة و"شخب ثدياها دماً"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 11 يناير 202205:55 م

ربما نتوصل لأفضل السبل لفهم حقبة الإسلام المبكر من خلال قراءة نقدية مبتكرة للماضي، تتمثل بالمقام الأول في إعادة قراءة هذا التاريخ بشكل محايد وموضوعي. فإن دراسة سير الشخصيات التاريخية المحورية في تلك الحقبة -ومنها شخصية أسماء بنت عميس- بعد تحليل كل هالات التقديس/ التدنيس التي تحيط بها، هي خطوة في منهج منفتح على التعددية والنقد.

على الرغم أن الصحابية أسماء بنت عميس، قد اشتهرت في المصادر التاريخية الإسلامية باعتبارها إحدى المسلمات الأوائل اللواتي هاجرن إلى الحبشة، ونقلن الكثير من المؤثرات الحضارية إلى المجتمع المسلم في المدينة المنورة، إلا أن جزءاً كبيراً من شهرتها يعود -بالمقام الأول- إلى الطريقة التي قُدمت بها في المصادر المذهبية، سواء كانت السنية منها أو الشيعية.

في المصادر التاريخية: الحبشية وصاحبة الهجرتين

وردت تفاصيل سيرة أسماء بنت عميس في العديد من المصادر التاريخية الإسلامية المعتبرة، ومنها على سبيل المثال كل من "الطبقات الكبرى" لابن سعد، و"تاريخ الرسل والملوك" لابن جرير الطبري، و"سير أعلام النبلاء" لشمس الدين الذهبي.

قراءة سير الشخصيات التاريخية المحورية في الحقبة الكلاسيكية -ومنها شخصية أسماء بنت عميس- بعد تحليل كل هالات التقديس/ التدنيس التي تحيط بها، هي خطوة في منهج منفتح على التعددية والنقد

بحسب ما ورد في تلك المصادر، فإن أسماء هي أسماء بنت عميس الخثعمية، وكانت تنتمي لعائلة معروفة بسبق الكثير من أفرادها إلى الإسلام، وبقربهم من النبي وأهله، إذ كانت شقيقتها سلمى بنت عميس زوجة لحمزة بن عبد المطلب عم الرسول، كما أن النبي قد تزوج من أختها –من الأم- زينب بنت خزيمة، وبعد أن توفيت، تزوج من أختها الثانية ميمونة بنت الحارث.

تتفق المصادر على أن أسماء قد اعتنقت الإسلام منذ فترة مبكرة من عمر الدعوة المحمدية، وأنها كانت من أوائل النساء اللاتي أعلن إسلامهن على يد الرسول، وربما وقع ذلك بسبب زواجها من ابن عم النبي، جعفر بن أبي طالب، الذي كان واحداً من أوائل الهاشميين الذين تحولوا إلى الإسلام.

المحطة المهمة الأولى في سيرة أسماء وقعت عندما هاجرت مع زوجها جعفر وعدد من الرجال والنساء إلى مملكة أكسوم المسيحية، وذلك في وقت غير محدد على وجه الدقة، فيما عُرف في الكتابات التاريخية باسم الهجرة الثانية للحبشة. أقامت أسماء في الحبشة لمدة تقترب من عشرة أعوام، وولدت خلال تلك الفترة ثلاثة من الأبناء، ولم ترجع إلى شبه الجزيرة العربية مرة أخرى، إلا في العام السابع من الهجرة، عقب فتح خيبر، فأقامت حينها مع أسرتها في يثرب/ المدينة المنورة، وبدأت في العمل على الاندماج مع المجتمع المسلم بفصيليه من المهاجرين والأنصار.

شهرة أسماء بنت عميس تكمن في كونها إحدى المسلمات الأوائل اللواتي هاجرن إلى الحبشة ونقلن الكثير من المؤثرات الحضارية إلى المدينة، إلا أن جزءاً كبيراً من شهرتها يعود إلى الطريقة التي قُدمت بها في المصادر المذهبية 

بعض المرويات تؤكد على أن المسلمين القادمين من الحبشة لم يجدوا الترحاب اللائق في وطنهم الجديد، إذ نُظر إليهم على كونهم قد هربوا من المشاق الجسيمة التي واجهها المسلمون الأوائل في سبيل إثبات وجودهم ومواجهة قريش وحلفائها، الأمر الذي يظهر بشكل واضح في الرواية التي أوردها محمد بن إسماعيل البخاري في صحيحه، والتي جاء فيها أن أسماء لما لقيت عمر بن الخطاب يوماً ما في منزل ابنته حفصة، فأنه قد تفاخر عليها بالهجرة إلى يثرب ونعتها بالحبشية، فغضبت عندها أسماء، واشتكت للنبي، فطمأنها وهدأ من روعها وطيب خاطرها، وكان مما قاله لها عندئذ: "للناس هجرة واحدة، ولكم هجرتان".

في العام الثامن من الهجرة، تعرضت أسماء لمحنة شديدة عقب مقتل زوجها جعفر في موقعة مؤتة، ولكن بعد ما يقرب من العام، تزوجت من أبي بكر الصديق، لتهبه ابنها محمد بن أبي بكر، والذي قيل إنه قد ولد في حجة الوداع في العام العاشر من الهجرة، وبعد وفاة الخليفة الأول في العام الحادي عشر من الهجرة، تزوجت أسماء من علي بن أبي طالب، وعاشت في كنفه حتى وفاته، ثم ماتت بعدها في وقت غير محدد على وجه اليقين، ويوجد لها الآن قبر مشهور في العراق.

في المِخيال الشيعي: أم محمد بن أبي بكر، سادنة الزهراء وراوية حديثي رد الشمس والمنزلة

على العكس من الكثير من الصحابيات اللاتي تغافلت عنهن السردية الشيعية، فإننا نجد أن أسماء بنت عميس قد استحوذت على مكانة مهمة في المِخيال الشيعي الجمعي، إذ نُظر إليها على كونها إحدى المؤمنات الصادقات اللاتي بذلن الكثير من الجهد في سبيل نصرة الإسلام وتأييد آل البيت النبوي.

بحسب ما تتفق عليه المصادر التاريخية، فإن محمد بن أبي بكر قد تربى في كنف علي بن أبي طالب، ونشأ على حبه ومودته، حتى إذا ما شب عن الطوق كان ممن لازمه، وصار واحداً من كبار شيعته وأنصاره

في الحقيقة، يمكن أن نحدد مجموعة من الأسباب المفسّرة لوصول أسماء لتلك المكانة العظيمة، أولها هو أمومتها لمحمد بن أبي بكر، الذي يعدّه الشيعة واحداً من أبطالهم الأوائل. بحسب ما تتفق عليه المصادر التاريخية، فإن محمد بن أبي بكر قد تربى في كنف علي بن أبي طالب، ونشأ على حبه ومودته، حتى إذا ما شب عن الطوق كان ممن لازمه، وصار واحداً من كبار شيعته وأنصاره، وشارك معه في العديد من المعارك والحروب، كما أنه ولاه مصر، وقُتل فيها في العام الثامن والثلاثين من الهجرة، إثر بعض المعارك التي خاضها ضد أنصار معاوية بن أبي سفيان.

كيف يمكن أن تتحول دراسة قصيرة لسيرة صحابية من التاريخ الأول ندّم فرصة لفتح الآفاق على النقد والتحرر من القيود المذهبية في فهم العالم؟

الروايات الشيعية اختارت أسماء الأم لتؤكد من خلالها على مقام محمد الابن، وذلك من خلال بعض النبوءات غيبية الطابع، ومن ذلك ما ذكره إبراهيم بن محمد الثقفي في كتابه "الغارات"، من أن أبا بكر كان قد خرج في إحدى الغزوات، فرأته أسماء في المنام وهو يلبس الثياب البيضاء، وقد أُخضبت رأسه ولحيته بالحناء، فلما قصت تلك الرؤيا على النبي، قال لها: "يَرْجِعُ أَبُو بَكْرٍ صَالِحاً فَيَلْقَى أَسْمَاءَ فَتَحْمِلُ مِنْهُ أَسْمَاءُ بِغُلَامٍ تُسَمِّيهِ مُحَمَّداً يَجْعَلُهُ اللَّهُ غَيْظاً عَلَى الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ".

وكما احتفى المِخيال الشيعي بلحظ ميلاد ابن أبي بكر من خلال رؤيا أسماء، فقد كان من الطبيعي أيضاً أن يحتفي بلحظة نهايته الدامية من خلال إظهار حزن أسماء على ابنها، ومن ذلك ما أورده ابن حجر العسقلاني في كتابه "الإصابة في تمييز الصحابة"، لما ذكر أن أسماء لما بلغها قتل ولدها محمد بمصر: "قامت إلى مسجد بيتها وكظمت غيظها حتى شخب ثدياها دماً".

على العكس من الكثير من الصحابيات اللاتي تغافلت عنهن السردية الشيعية، فإننا نجد أن أسماء بنت عميس قد استحوذت على مكانة مهمة في المِخيال الشيعي الجمعي، إذ نُظر إليها على كونها إحدى المؤمنات الصادقات اللاتي بذلن الكثير من الجهد في سبيل نصرة الإسلام وتأييد آل البيت

السبب الثاني المفسّر لمكانة أسماء في المِخيال الشيعي، يتمثل في محاولة إظهارها وكأنها المرأة الوثيقة الصلة بفاطمة الزهراء، تلك التي تظهر بقربها في أهم المواقف التي مرت بها، والتي وقفت بجوارها لتشدّ من أزرها في أكثر اللحظات حرجاً وصعوبة.

على سبيل المثال، تؤكد الكثير من الروايات الشيعية أن أسماء بنت عميس كانت موجودة وحاضرة في زواج علي بن أبي طالب من فاطمة، وأنها كانت في بيت فاطمة لتساعدها وترشدها إلى ما يجب فعله في هذا اليوم المهم.

فسّرت المصادر الشيعية ذلك الموقف بوعد قديم قطعته أسماء للسيدة خديجة بنت خويلد في مكة، وبحسب ما يذكره محمد باقر المجلسي في كتابه الموسوعي "بحار الأنوار"، فإن أسماء كانت حاضرة بجوار السيدة خديجة في لحظاتها الأخيرة، فلما وجدتها تبكي سألتها عن السبب، فأخبرتها خديجة أنها مشفقة على فاطمة أن تتزوج دون أن تكون أمها بجانبها في هذا اليوم، وعندها طمأنتها أسماء وقالت لها: "يا سيدتي لك علي عهد الله إن بقيت إلى ذلك الوقت أن أقوم مقامك في هذا الأمر".

الملاحظة المهمة هنا أن قصة حضور أسماء يوم زواج علي وفاطمة تتعارض مع ما اتفقت عليه المصادر التاريخية، والتي تؤكد أن هذا الزواج قد وقع في العام الثاني من الهجرة، أي أنه قد وقع في الوقت الذي كانت فيه أسماء لا تزال مع جعفر في الحبشة. من الجدير بالذكر أن رواية حضور أسماء يوم زواج علي وفاطمة قد لاقت رواجاً كبيراً بين الإخباريين والمؤرخين، حتى أنها قد انتقلت من الكتب الشيعية إلى بعض المدونات الحديثية السنية، ومنها على سبيل المثال مصنف عبد الرزاق الصنعاني.

حاولت المصادر السنية أن تحدّ من مكانة أسماء لدى علي بن أبي طالب، وأن تطعن في زواجه منها، وذلك من خلال الاستعانة ببعض الروايات التي تخلط بين أسماء من جهة وابنة أبي جهل التي قيل إن علياً قد أراد أن يتزوجها في حياة فاطمة من جهة أخرى

السردية الشيعية واصلت العمل على الربط بين أسماء بنت عميس وفاطمة الزهراء، من خلال التأكيد على وجود الأولى في لحظة وفاة الثانية، وأن أسماء كانت صاحبة فكرة النعش الذي يُحمل فيه جثمان الميت، وأنها قد أخذت تلك الفكرة مما كانت قد شاهدته أيام إقامتها في الحبشة، الأمر الذي يذكره الذهبي في "سير أعلام النبلاء"، إذ يقول: "إن فاطمة قالت لأسماء بنت عميس: إني أستقبح ما يُصنع بالنساء، يُطرح على المرأة الثوب فيصفها. قالت: يا ابنة رسول الله، ألا أريك شيئاً رأيته بالحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنَتْها، ثم طرحت عليها ثوباً، فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله، إذا مت فغسليني أنت وعليّ، ولا يدخلن أحد عليّ".

صناعة النعش لفاطمة وتغسيلها، لما يكونا الأمرين الوحيدين الذين ربطا بين أسماء والزهراء، بل إن السردية الشيعية أظهرت أسماء أيضاً في موقف المدافع عن فاطمة والمنفذ لوصيتها بعد الوفاة، إذ يذكر المجلسي في البحار أنه لما توفيت فاطمة الزهراء: "جاءت عائشة تدخل فقالت أسماء لا تدخلي فشكت إلى أبي بكر فقالت أن هذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول الله، وقد جعلت لها مثل هودج العروس فجاء فوقف على الباب فقال يا أسماء ما حملك على أن منعت أزواج النبي، أن يدخلن على بنت رسول الله، وجعلت لها مثل هودج العروس فقالت أمرتني أن لا يدخل عليها أحد واريتها هذا الذي صنعت وهي حية فامرتني أن أصنع ذلك لها قال أبو بكر فاصنعي ما أمرتك، ثم انصرف".

أما السبب الثالث المفسّر لمكانة أسماء في المِخيال الشيعي، فيتمثل في زواجها من الإمام الأول علي بن أبي طالب، وأنها كانت صاحبته التي وقفت بجانبه في فترة خلافته، ليس ذلك فحسب، بل إنها كذلك تروي عنه مجموعة من الأحاديث والروايات المثبتة لعلو قدره ومكانته من جهة، والمؤكدة على حقه في الإمامة والحكم من جهة أخرى.

من أشهر تلك الروايات، الرواية المشهورة باسم "حديث رد الشمس"، والتي ذكرتها الكثير من المصادر الشيعية والسنية، ومنها على سبيل المثال كتاب "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" للقاضي عياض، والذي ينقل عن أسماء قولها: "إن النبي كان يوحى إليه ورأسه في حجر علي بن أبي طالب فلم يصلّ العصر حتى غربت الشمس، فقال رسول الله: أصليت يا علي، قال: لا، فقال: اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فأردد عليه الشمس، قالت أسماء: فرأيتها غربت، ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت، ووقفت على الجبال والأرض".

من تلك الروايات أيضاً، الرواية المشهورة باسم "حديث المنزلة"، والتي قيل إنها قد وقعت قبل خروج النبي لغزوة تبوك في السنة التاسعة من الهجرة، عندما ترك علي بن أبي طالب في المدينة ولم يصطحبه معه للقتال، فلما حزن علي، فإن الرسول قد طيب خاطره، وقال له بحسب ما ورد في مسند أحمد بن حنبل منقولاً على لسان أسماء بنت عميس: "يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي"، وهي الرواية التي يستدل بها الشيعة على إمامة علي، وعلى كونه الحاكم الشرعي للمسلمين بعد وفاة الرسول.

في المِخيال السني: نموذج المرأة

تظهر أسماء بنت عميس في المِخيال السني الجمعي على كونها واحدة من الصحابيات الفاضلات اللاتي أطعن الله ورسوله، وأنها كانت نموذجاً للزوجة المثالية خصوصاً أنها تزوجت ثلاثة من مشاهير الصحابة، الأمر الذي يتفق إلى حد بعيد مع توجهات المجتمع العربي في تلك الفترة التاريخية المبكرة، والذي لم يكن يجد ضيراً في زواج الأرملة أو المطلقة عقب انتهاء عدتها.

الأمر الذي ينبغي الإشارة إليه هنا أن الروايات السنية عملت على أن تضع أسماء في مجموعة من المواقف المقابلة للسردية الشيعية، على سبيل المثال، إذا كانت المصادر الشيعية قد أكدت على مشاركة أسماء في تغسيل فاطمة الزهراء، فإن المصادر السنية قد حرصت على إثبات قيامها بتغسيل أبي بكر، وأنه هو الذي أوصى بذلك قُبيل وفاته، وفي ذلك أورد الإمام مالك بن أنس الأصبحي في كتابه "الموطأ": "أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ، غَسَّلَتْ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ حِينَ تُوُفِّيَ ثُمَّ خَرَجَتْ فَسَأَلَتْ مَنْ حَضَرَهَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَتْ إِنِّي صَائِمَةٌ وَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ شَدِيدُ الْبَرْدِ فَهَلْ عَلَىَّ مِنْ غُسْلٍ فَقَالُوا لاَ"، وهي الرواية التي استدل بها جمهور الفقهاء فيما ذهبوا إليه من جواز تغسيل المرأة لزوجها.

بالطريقة نفسها، حاولت المصادر السنية أن تحدّ من مكانة أسماء لدى علي بن أبي طالب، وأن تطعن في زواجه منها، وذلك من خلال الاستعانة ببعض الروايات التي تخلط بين أسماء من جهة وابنة أبي جهل التي قيل إن علياً قد أراد أن يتزوجها في حياة فاطمة من جهة أخرى، إذ ورد في "المعجم الكبير" للطبراني، أن علياً قد خطب أسماء بنت عميس في حياة الرسول، فلما بلغه ذلك، غضب وقال: "ما كان لها أن تؤذي الله ورسوله".

أما فيما يخص الروايات الكثيرة التي روتها أسماء في فضل علي ومكانته، فقد عملت السردية السنية على ضربها جميعاً في مقتل، من خلال بعض الروايات الموازية والتي تؤكد فيها أسماء على علو مكانة كل من جعفر بن أبي طالب وأبي بكر عن مكانة علي، ومن ذلك ما ذكره ابن سعد في كتابه "الطبقات الكبرى"، أن ابني أسماء من جعفر وأبي بكر قد اختصما في يوم من الأيام، وادعى كل منهم أن والده أفضل من والد أخيه، فلما سمع علي حديثهما، طلب من أسماء أن تفصل بينهما، فقالت: "مَا رَأَيْتُ شَابّاً مِنْ الْعَرَبِ خَيْراً مِنْ جَعْفَرٍ وَلَا رَأَيْتُ كَهْلاً خَيْراً مِنْ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا تَرَكْتِ لَنَا شَيْئاً وَلَوْ قُلْتِ غَيْرَ الَّذِي قُلْتِ لَمَقَتُّكِ، فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: إِنَّ ثَلَاثَةً أَنْتَ أَخَسُّهُمْ لَخِيَارٌ"، وهكذا يظهر علي في هذه الرواية على كونه أخسّ/ أقلّ الرجال الثلاثة مكاناً وفضلاً، الأمر الذي يقف -بشكل مبطن- في صف وجهة النظر السنية التقليدية التي تؤكد على أن أبا بكر الصديق كان أفضل الصحابة وأحقهم بالخلافة بعد وفاة الرسول.

نأمل في هذا المقال أن تكون دراسة سيرة أسماء فرصة تفتح الآفاق على المزيد من النقد والتمحيص دون تبني سردية وترك أخرى، ودون الانتصار لوجهة نظر على حساب غيرها. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image