شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
ادّعى رجل منها النبوّة... كيف دخلت سلطنة عُمان في الإسلام؟

ادّعى رجل منها النبوّة... كيف دخلت سلطنة عُمان في الإسلام؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأحد 13 مارس 202209:53 ص

دخل الإسلام مبكراً إلى سلطنة عُمان، واستجاب أهلها بسرعة لهذه الدعوة التي بعث بها النبي محمد، من دون أن تراق قطرة دم واحدة في سبيل ذلك، وإنما كان لهم بعد ذلك، فضل في انتشار الدين الجديد، وحاربوا المرتدّين عنه، بعد وفاة النبي، في عهد الخليفة أبي بكر الصديق.

قبل أن نتطرق إلى بداية دخول الإسلام إلى سلطنة عُمان، كيف كان حالها، وأهلها، قبل مجيء الدين الجديد؟

كيف كانت عُمان قبل الإسلام؟

في كتابه "عُمان قبل وبعد الإسلام"، الصادر عن وزراة التراث والثقافة العُمانية، يتحدث عامر علي المرهوبي، عن حال عُمان قبل دخول الإسلام، قائلاً: إن "الأزد (من كبرى قبائل العرب)، بقيادة مالك بن فهم، انتقلوا من اليمن إلى عُمان، بسبب انهيار سد مأرب في اليمن، الذي كان مصدر خير البلاد، ورخائها".

ويتفق مع هذا الطرح، الدكتور محمد مصطفى أفقير. يقول في مؤلفه "الدولة النبوية": "هاجرت بعض القبائل العربية إلى عُمان، إثر انهيار سد مأرب، بعد أن جرفه سيل العرم، في القصة المشهورة التي حكاها القرآن الكريم (في سورة سبأ)، واستغرقت هذه الرحلة ثمانية قرون، ويُعرف هؤلاء باليمنيين، أو القحطانيين".

ويروي المؤلف العُماني نور الدين عبد الله السالمي، في كتابه "تحفة الأعيان بسيرة أهل عُمان"، أنه "أخذ الأزد يتوافدون على عُمان، حتى ملأوا كل شبر فيها، مكوّنين بذلك وحدة وطنية متماسكة، بزعامة قائدهم مالك بن فهم، وتبعتهم مجموعات قليلة أخرى من أصل عدنان، نزحت من الشمال".

ويشير المرهوبي إلى أن القبائل العُمانية تتفرع كلها من قبيلتين عربيتين رئيسيتين، إحداهما اليمانيين، الذين هاجروا إلى عُمان بصحبة مالك بن فهم، أو بعده، والأخرى العدنانيين الذين نزحوا إليها من شمال اليمن، بعد هجرة الأزد إليها.

وظل الحكم في الدولة تحت قيادة مالك بن فهم وأسرته، ثم انتقل بعد ذلك إلى أخرى تسمَّى "بني شمس"، وهي فرع من قبيلة الأزد، وكان يتزعمها معولة بن شمس. يقول السالمي: "أول ملك يتولى الحكم من هذه القبيلة، هو عبد العز بن معولة بن شمس".

ويلفت المرهوبي إلى أن "كتب التاريخ تتحدث عن أسرة بني شمس، فتقول: إنها استمرت تحكم البلاد حتى ظهور النبي، وكان يحكمها يومئذ جيفر وعبد، ابنا الجلندي بن المستكبر"، مضيفاً أن "قبائل من الأزد وعدنان، بزعامة الأميرين عبد وجيفر، كانت تحكم البلاد وقت مجيء الإسلام، ووفقاً لبنود الهدنة القائمة بين العُمانيين والفرس يومئذ، كان الفرس يحتفظون بحامية عسكرية لهم، قوامها أربعة آلاف رجل، وكانت تعسكر في دستجرد قرب صحار (إحدى ولايات محافظة شمال الباطنة، في الجزء الشمالي من سلطنة عُمان)، كما كانت هناك أقليات من المسيحيين واليهود، وربما كان السواد الأعظم من سكان عُمان يعبدون الأصنام".

مازن بن غضوبة... أول من أسلم من العُمانيين

تختلف الروايات في الطريقة التي عرفت بها عُمان الإسلام. يشير مؤلف "عُمان قبل وبعد الإسلام"، إلى أن العُمانيين اعتنقوا الإسلام خلال حكم عبد وجيفر ابني الجلندي، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن "هناك أكثر من رواية عن كيفية دخول العُمانيين إلى الإسلام، إذ يقال إن مازن بن غضوبة، هو أول من اعتنق الإسلام، وكان من سكان سمائل، في الجزء الداخلي من البلاد، فبعد أن علم بأمر الدعوة الإسلامية، سافر إلى المدينة، وأسلم على يدي الرسول، ثم تبعه عدد من العُمانيين".

ويستدرك المؤلف: "كذلك من المحتمل أن يكون بعض العُمانيين قد أسلم قبل وصول عمرو بن العاص، مبعوثاً من النبي إلى عُمان، وكان على حكم البلاد يومئذ عبد وجيفر ابني الجلندي، اللذين خلفا أباهما على الحكم".

أما الشيخ سالم بن حمود السيابي، أحد كبار مؤرخي سلطنة عُمان، فيروي في الجزء الأول من مؤلفه "عُمان عبر التاريخ"، أن "بدء إسلام أهل عُمان كان يسبق الصحابي مازن بن غضوبة بن سبيعة بن طي، وكان من أهل سمائل، قدم على رسول الله عند أول ظهور الإسلام في عُمان، وأسلم، ودعا له النبي، ولأهل عُمان بخير".

ونقل السيابي عن مازن بن غضوبة قوله: "قلت يا رسول الله ادعُ الله تعالى لأهل عُمان، فقال: ‘اللهم أهدهم وأثبهم’، قال مازن: ‘زدني يا رسول الله’، فقال: ‘اللهم أرزقهم العفاف، أي الصيانة والكفاف’، قال مازن: ‘يا رسول الله البحر ينضح بجانبنا’، أي قريباً منا، أي أن بلدنا قريبة من البحر، والمراد بها عُمان، فادع الله في ميرتنا وخفنا وظلفنا، والمراد بالميرة الطعام، وبالخف الإبل والبقر، وبالظلف الغنم ونحوهما، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: ‘اللهم وسع عليهم في ميرتهم وأكثر خيرهم من بحرهم’، قلت: زدني، فقال: ‘اللهم لا تسلّط عليهم عدواً من غيرهم’، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‘قل يا مازن آمين، فإن آمين يستجاب عند الدعاء’.

"أهل عُمان اعتنقوا هذا الدين (الإسلام) طواعيةً، وبمحض رغبتهم، وكان لهذا أحسن الأثر في نفس الرسول"

لكن هذا الحديث المنسوب إلى مازن بن غضوبة، لم يُذكر في كتب الأحاديث، لكن تتناقله كتب العُمانيين فحسب.

كما أن السيابي والمرهوبي ينسبان إلى النبي قوله: "رحم الله أهل الغبيراء، آمنوا بي ولم يروني"، إلا أن هذا لم يرد في أيٍّ من كتب الأحاديث.

بداية دخول الإسلام إلى عُمان

يتضح أن تعامل أهل عُمان مع الدين الجديد كانت تشوبه الحيطة، والتفكّر، والاستطلاع، قبل أخذ القرار بالدخول فيه، أو محاربته. يقول السيابي: "إن شيرويه ابن كسرى، ملك الفرس، اهتم بأمر النبي، وخاف على نفسه، فكتب إلى عامله في عُمان، واسمه باذان، ويقال الفستحان، وهو المرزبان القائم عنهم في عُمان، يقول له في كتابه أن ابعث من قِبلك رجلاً عربياً فارسياً (أي يعبّر بالفارسية عن العربية)، يحسنهما معاً، صدوقاً، أي يمكن أن نعتمد على مقاله، ويكون قد قرأ الكتب، أي له علم بخير ما يأتي من النبوات، وأرسِله إلى الحجاز يتعرف خبر هذا النبي العربي الذي يشيع خبره الآن في العالم، فبعث باذان رجلاً من طاحية، يقال له كعب بن برشة الطاحي، وكان قد تنصّر وقرأ الكتب، أي كتب النصرانية، فقدم المدينة، وأتى النبي، فعرف أنه نبي مرسل، فعرض عليه النبي الإسلام، فأسلم، ثم رجع إلى عُمان، فكان الصحابي الثاني في عُمان، فأتى باذان وأخبره أن النبي مرسل".

ويتابع المؤرخ سرد روايته: "ثم إن رسول الله كتب إلى أهل عُمان، يدعوهم إلى الإسلام، وكان الملك في عُمان، في ذلك العهد، الجلندي بن المستكبر، وأرسل إليه رسول الله يدعوه للإسلام، ومن معه من أهل عُمان، فأجاب الداعي، وأرسل إلى الفرس الذين في عُمان، وكانوا مجوساً فأبوا، فأخرجهم قهراً وصغراً منها، ولم يروا بدّاً من الخروج، حيث أن العرب أقوى منهم في عُمان، وإليهم أمرها".

رسالة النبي إلى أهل عُمان

عن جوهر الرسالة التي بعث بها النبي إلى أهل عُمان، يروي مؤلف كتاب "عُمان عبر التاريخ"، أنه كان في كتاب النبي: "فأقرّوا بشهادة ألا إله إلا الله، وأني محمد رسول الله، وأدّوا الزكاة، وأعمروا المساجد، وإلا غزوتكم" (أخرجه البزار والطبراني وغيرهما).

ونُقل عن الواقدي بإسنادٍ، أن النبي كتب إلى جيفر وعبد ابني الجلندي الأزدي في عُمان، وبعث عمرو بن العاص بكتابه إليهما، وكانت صحيفة أقل من الشبر، فيها نص الكتاب: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله، إلى جيفر وعبد ابني الجلندي، السلام على من اتّبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوكما بدعاية الإسلام، أسلما تسلما فإني رسول الله إلى الناس كافة، لأنذر من كان حيّاً، ويحق القول على الكافرين، وإنكما إن أقررتما بالإسلام ولّيتكما، وإن أبيتما أن تقرّا بالإسلام فإن ملككما زائل عنكما، وخيلي تطأ ساحتكما، وتظهر نبوتي على ملككما"، وهو نص نقلته العديد من كتب السيرة.

ويشير أبو المنذر، سلمة الصحاري العُماني، في مؤلفه "الأنساب"، إلى أن "عمرو بن العاص قدم بكتاب النبي إلى عبد وجيفر ابني الجلندي في عُمان، فكان أول موضع دخله في صحار دستجرد، فنزل وقت الظهر، وبعث إلى ابني الجلندي، وهم في بادية عُمان، فكان أول من لقيه عبد بن الجلندي، وكان أحلم الرجلين، وأحسنهما خلقاً، فأوصل عمرو إلى أخيه جيفر بكتاب النبي، فدفعه إليه مختوماً، ففض ختامه، وقرأه حتى انتهى إلى آخره، ثم دفعه إلى أخيه، فقرأه مثل قراءته".

اطّلع جيفر على كتاب النبي إليه، لكنه لم يأخذ قراره سريعاً، وإنما عمد إلى الاستشارة في الأمر، يقول السيابي: "أرجأ جيفر الأمر، واستدعى أهل مشورته، والتفت إلى عمرو، فقال له: ‘إن هذا الأمر الذي تدعو له ليس بصغير’، واستحضر جماعة الأزد، ودارت بينهم الآراء والأنظار، ثم طلب كعب بن برشة للاستفسار عما رأى من أمر النبي، والتأكد منه، فأرسلوا له فسألوه عن أمره، فقال: ‘الرجل نبي مرسل، وقد عرفت صفته، وسيظهر على العرب والعجم’، فأجاب جيفر إلى الإسلام، بعدما تحقق الأمر، فأسلم هو وأخوه في ساعة واحدة".

"دخل العُمانيون في دين الله أفواجاً، وبدأ مع بداية هذه المرحلة الدور العُماني في نشر الدين الإسلامي، فكان العُمانيون خير سفراء ودعاة للدين الحنيف، وأسهموا إسهاماً كبيراً في نشر الدعوة في البرّ الإفريقي، وكذلك في آسيا الوسطى"

وبعد إسلامه، بعث جيفر إلى وجوه عشائره، فطلب منهم البيعة للنبي، فدخلوا في دينه، وألزمهم تسليم الصدقة، وأمر عمرو بن العاص بقبضها على الجهة التي أمره بها النبي، ثم بعث إلى دبي، وما يليها إلى آخر عُمان (أي في الأطراف الشمالية الساحلية)، فما ورد رسول جيفر على أحد، إلا وأسلم، إلا الفرس، واجتمعت الأزد إلى ابن الجلندي، وقالوا: "لا يجاورنا العجم بعد هذا اليوم، وأجمعوا على إخراج الفرس الباقين في دستجرد"، وفقاً للشيخ السيابي، وعامر المرهوبي، الذي يؤكد أن "أهل عُمان اعتنقوا هذا الدين طواعية، وبمحض رغبتهم، وكان لهذا أحسن الأثر في نفس الرسول".

ونقل نور الدين الحلبي، في مؤلفه "السيرة الحلبية"، ما قاله عمرو بن العاص عن هذه الرحلة: "خرجت حتى انتهيت إلى عُمان، فعمدت إلى عبد، وكان أحلم الرجلين (أي ألينهما جانباً، وأسهلهما خلقاً)، فقلت: إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك، وإلى أخيك، فقال أخي هو المقدَّم عليّ بالسن والملك، أي هو أكبر مني سنّاً وهو الملك، وأنا أوصلك به حتى يقرأ كتابك".

عودة عمرو بن العاص إلى المدينة

بدأ الإسلام ينتشر بين أهل عُمان، ونقلوه في ترحالهم إلى الدول الأخرى. يكشف عن ذلك عبد الرحمن أحمد سيف، في كتابه "تطور دولة سلطنة عُمان". يقول: "دخل بعدها العُمانيون في دين الله أفواجاً، وبدأ مع بداية هذه المرحلة الدور العُماني في نشر الدين الإسلامي، فكان العُمانيون خير سفراء ودعاة للدين الحنيف، وأسهموا إسهاماً كبيراً في نشر الدعوة في البر الإفريقي، وكذلك نشروا الإسلام في آسيا الوسطى، عن طريق تجارتهم التي بلغت ميناء كانتون بالصين".

وصار عمرو بن العاص، حاكم البلاد، ونُفّذت أوامره الإسلامية، بمعونة جيفر وعبد ابني الجلندي، وعندما علم بخبر وفاة النبي محمد، هَمَّ بالعودة إلى المدينة. يقول مؤلف "تحفة الأعيان بسيرة أهل عُمان": "مكث عمرو بن العاص في عُمان، عاملاً عليها لرسول الله، وأهلها له طائعون، ولقومه سامعون، إلى أن بلغته وفاة رسول الله، فعزم على الرجوع إلى المدينة".

ويروي السيابي، أن عمرو بن العاص قضى ثلاثة أعوام في عُمان. ويقول المرهوبي: "إذا افترضنا أن تاريخ وصول عمرو إلى عُمان في العام التاسع من الهجرة، كان صحيحاً، فإن معنى ذلك أنه بقي فيها لفترة لا تقل عن عامين".

أما الكاتب صبحي سليمان، في مؤلفه "سلطنة عُمان بين الحاضر والماضي"، فيقول: "وصل الإسلام إلى عُمان في السنة العاشرة من الهجرة"، وعلى هذا القول فإن عمرو بن العاص لم يجلس في عُمان سوى عام واحد، وربما أقل، لأن النبي توفي سنة 11 هـ.

ويبدو أن هناك خلافاً كبيراً حول تحديد الموعد. يقول البلاذري في كتابه "فتوح البلدان"، إن ذلك كان في سنة 8 هـ، ويرى الدكتور محمد مصطفى أفقير، أنه وقع في سنة 11 هـ، مستنداً في ذلك إلى ما ذكره ابن الجوزي في مؤلفه "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم"، إذ يقول: "رسول الله بعث عمرو بن العاص بعد رجوعه من الحج (سنة 10 هـ)، لأيام بَقِين من ذي الحجة، إلى جيفر وعبد ابني الجلندي يدعوهما إلى الإسلام".

ونقل ابن الجوزي ما ذكره عبد الله بن مسعود، في ذلك، من أن "هذا آخر بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك". ويقول ابن الأثير في مؤلفه "الكامل في التاريخ": "أرسل صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص إلى جيفر عند منصرفه من حجة الوداع، فمات رسول الله وعمرو في عُمان".

أبو بكر يستقبل العُمانيين في المدينة

لما عاد عمرو بن العاص إلى المدينة، أخذ عبد بن الجلندي معه، إلى جانب سبعين راكباً، ويؤكد السيابي: "لقد سُرَّ أبو بكر رضى الله عنه بملقاهم، وابتهج بهم تمام الابتهاج، وأثنى عليهم".

ويروي المرهوبي أن أبا بكر ألقى كلمة ترحيب بهم أمام المهاجرين والأنصار، قال فيها: "يا أهل عُمان، إنكم أسلمتم طوعاً، ولم يطأ رسول الله ساحتكم بخفٍّ ولا حافر، ولا جشمتموه ما جشمه غيركم من العرب بفرقة، ولا تشتت شمل، فجمع الله شملكم على خير، ثم بعث إليكم عمرو بن العاص بلا جيش، ولا سلاح، فاجبتموه إذ دعاكم على بعد داركم، وأطعتموه إذ أمركم على كثرة عددكم، فأي فضل أبرّ من فضلكم، وأي فعل أشرف من فعلكم، كفاكم قول رسول الله شرفاً إلى يوم الميعاد، ثم أقام فيكم عمرو ما أقام مكرَّماً، ورحل عنكم إذ رحل مسلماً، وقد منّ الله عليكم بإسلام عبد وجيفر ابني الجلندي، وأعزكم الله به وأعزه بكم، فأظهرتم ما يضاعف فضلكم، وقمتم مقاماً حمدناكم فيه، ومحصتم بالنصيحة، وشاركتم بالنفس والمال، فيثبت الله ألسنتكم ويهدي قلوبكم". لكن لم يرد هذا الكلام أيضاً إلا في مؤلفات العُمانيين.

ذو التاج يعلن نفسه نبيّاً

يتحدث عامر المرهوبي عن العلاقات بين عُمان والمدينة، في عهد أبي بكر: "كانت العلاقات بين عُمان والمدينة على أفضل حال، في عهد الخليفة أبي بكر، باستثناء حادثة واحدة كانت وما تزال محل جدل، وهي معركة دبا (بلدة قريبة من صحار)، شمال غرب مسقط"، ويضيف: "لدينا رواية ابن الأثير عن معركة عنيفة دارت في هذه البلدة، بين المسلمين بقيادة الأميرين عبد وجيفر، والمرتدّين الذين ارتدّوا عن الإسلام بعد وفاة النبي، في عهد أبي بكر، بقيادة شخص يُدعى ‘ذو التاج لقيط بن مالك الأزدي’، وهو الذي نادى بنفسه نبيّاً".

ويروي ابن كثير في الجزء السادس من مؤلفه "البداية والنهاية"، قصة لقيط الأزدي: "أما أهل عُمان، فنبغ فيهم رجل يقال له ذو التاج لقيط بن مالك الأزدي، وكان يُسمّى في الجاهلية (الجلندي)، فادّعى النبوة أيضاً، وقهر جيفراً وعباداً، وألجأهما إلى أطرافها (أي عُمان)، من نواحي الجبال والبحر، فبعث جيفر إلى أبي بكر الصديق فأخبره الخبر، فبعث إليه بأميرين وهما حذيفة بن محصن الحميري، وعرفجة البارقي من الأزد".

ويتابع ابن كثير: "وبلغ لقيط بن مالك مجيء الجيش، فخرج في جموعه، فعسكر في مكان يقال له (دبا)، وهي سوق تلك البلاد، وجعل الذراري والأموال وراء ظهورهم، ليكون أقوى لحربهم، واجتمع جيفر وعباد بمكان يقال له صحار، فعسكرا فيه، وبعثا إلى أمراء الصديق فقدموا على المسلمين، فتقابل الجيشان هنالك، وتقاتلوا قتالاً شديداً، وابتُلي المسلمون، وكادوا أن يولّوا، فمنّ الله بكرمه ولطفه أن بعث إليهم مدداً في الساعة الراهنة، من بني ناجية، وعبد القيس، فلما وصلوا إليهم، كان الفتح والنصر، فولّى المشركون مدبرين، وركب المسلمون ظهورهم، فقتلوا منهم عشرة آلاف مقاتل، وسبوا الذراري، وأخذوا الأموال والسوق بحذافيرها، وبعثوا بالخمس إلى الصدّيق رضي الله عنه، مع أحد الأمراء".

ويلفت المرهوبي إلى أن "لقيطاً كان أحد شيوخ الأزد، لكنه من قبيلة غير معروفة، وقد عارض قبول أتباعه التعاليم الجديدة التي أتى بها عمرو بن العاص".

ويكشف السيابي ما حدث بعد ذلك، فيقول: "جاء في بعض التواريخ أن أبا بكر رضي الله عنه، استعمل على عُمان عكرمة بن أبي جهل، ثم عزله وسيّره إلى اليمن، واستعمل على عُمان حذيفة القلعاني، فلم يزل والياً عليها إلى أن توفي أبو بكر".

حال أهل عُمان مع الخلفاء الراشدين

ويؤكد السيابي أن أبا بكر توفي وهو راضٍ عن أهل عُمان، وهم راضون عنه، موضحاً أنه "لما تولّى عمر بن الخطاب الخلافة، عزل حذيفة القلعاني، وولّى على عُمان والبحرين عثمان بن أبي العاص الثقفي"، لكن الصحاري في "الأنساب"، يقول: "تولّى عثمان الثقفي عُمان، وأخوه تولى الحكم على البحرين".

ويروي مؤلف "عُمان قبل وبعد الإسلام" أنه "في أثناء فترة خلافة عمر، وُضعت عُمان تحت حكم عثمان بن العاص الثقفي، الذي كان مقرّه في البحرين، وطوال هذا الوقت كان يحكم عُمان عبد وجيفر، اللذان كانت علاقتهما على أفضل ما يكون مع أبي بكر وعمر، وتمسّكا بالولاء التام للخليفتين، وأرسلا الصدقة السنوية بلا أي نكوص".

وينوّه المؤلف العُماني بأنه "ليس هناك سجل عن وقت وفاة عبد، لكن يبدو أنه مات قبل جيفر، لأنه عندما مات الأخير في نزوى، عام ثلاثين من الهجرة، فإن عباد ابن أخيه، هو الذي تولى الحكم، في أثناء خلافة عثمان وعلي".

ويستمر في سرد رواية ما حدث بعد ذلك: "عندما دبّ الخلاف، وانتقل الأمر إلى يد معاوية، فإن عُمان لم تخضع لحكم معاوية، إلى أن جاء عبد الملك بن مروان إلى الحكم، واستعمل الحجّاج على العراق، وكان سليمان وسعيد ولدا عباد يحكمان عُمان، واحتل الأمويون عُمان".

ويضيف: "استمر هذا الاحتلال حتى مجيء حكم العباسيين، عندما تولّى عبد الله بن محمد السفاح السلطة، وأصبح أول حاكم عباسي، وقد عيّن عمه سليمان بن علي والياً على البصرة، مع تبعية البحرين وعُمان لها، وقام سليمان بدوره بتعيين جناح بن عباد الهنائي كنائب له على عُمان".

يتحدث صبحي سليمان عن حفاوة الخلفاء الراشدين جميعهم بعُمان. يقول: "في زمن الخلفاء الراشدين، أثنى عليها أبو بكر الصدّيق، وكان يوصي عماله خيراً بعُمان وأهلها، وكذلك في زمن الفاروق عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفّان، وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه، فقد كانت عُمان في زمنهم منبراً لدعوة الإسلام، ومنارة تشعّ بالهدوء والطمأنينية والرخاء الإسلامي الذي لا ينضب ولا ينقطع".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard