شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"الرئيس المُغرّد"... لماذا يفضل ولد الغزواني الإعلام الأجنبي وتويتر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 18 أكتوبر 202104:52 م

يشكل الظهور الإعلامي للرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني مادة ثرية للنقاش بين الموريتانيين ، ليس لمضمونه فقط بل لنمطه إذ يتحدث بالفرنسية بدل العربية التي يتقنها الموريتانيون.

ويركز ولد الغزواني في ظهوره على وسائل الإعلام الأجنبية، خاصة الفرنسية منها، ويتحاشى الظهور في مقابلات خاصة مع وسائل الإعلام الموريتانية المحلية. حتى أن ظهوره كرئيس يخاطب شعبه أمر نادر بالنسبة للفاعلين السياسيين وللعاملين في قطاع الإعلام والصحافة، وهذا الحال يثير الكثير من الجدل ويسيل المداد بشكل مستمر.

لماذا يتحاشى ولد الغزواني إعلام بلده؟

كانت مقابلة محمد ولد الغزواني مع صحيفة "مورينيوز" الإلكترونية إطلالته الأولى في ثوبه الجديد، كسياسي ومرشح يخوض غمار الرئاسيات يعد الشعب الموريتاني بإصلاحات في مجالات الاقتصاد والتعليم والإعلام، وضمان الشفافية وتكافؤ الفرص بين الفاعلين الاقتصاديين.

ونشرت المقابلة في17 نيسان/أبريل 2019، إلا أنه بعد أن أصبح رئيسا للدولة الموريتانية، دخل في ما يشبه القطيعة مع الإعلام المحلي، سواء الرسمي منه أو الخاص، ما عدا حوار تلفزيوني يتيم مع قناة  "الموريتانية".

وأكثر ما يثير الجدل بين الفاعلين في قطاع الصحافة هو ظهوره المستمر في وسائل الإعلام الفرنسية، وكانت آخر إطلالة له في شهر تشرين الأول/أكتوبر الحاليّ، من خلال صحيفة “لوبينيون” الفرنسية، التي أجرت معه مقابلة عقب لقائه بالقائد الجديد لقوة “برخان”، الجنرال لوران ميشون.

وقد تحدث ولد الغزواني في المقابلة عن عدد من المواضيع العسكرية والدبلوماسية والدينية ذات الصلة بعمله السابق كقائد لأركان الجيوش الموريتانية، فضلا عن رؤيته لعلاقة موريتانيا بدول الخليج وموقفه من قضية الصحراء الغربية، وقطع العلاقات بين المغرب والجزائر.

عزوف الرئيس الغزواني عن الظهور الإعلامي في بلده وتفضيل الإعلام الأجنبي وتويتر يثير التساؤلات والغضب. فما هي دوافع "الرئيس المُغرّد"؟

وقبل أشهر اختار الظهور عبر قناة فرانس 24، في قناتيها الفرنسية والعربية، وقبلها مجلة "جون أفريك" للظهور الإعلامي والحديث للصحافة، دون أن يقدم حوارات لوسائل الإعلام المحلية ولم يوجه خطابه لشعبه عبر الوسائل الإعلامية التي يتابعها، وهو ما اعتُبر من طرف كثيرين تجاهلا منه لوسائل الإعلام المحلية وأيضا هروبا من واقع دولته.

وفي حديث لرصيف22 قال محمد فال ولد الشيخ، الصحفي ومقدم البرامج في قناة المرابطون الخاصة، عن اهتمام ولد الغزواني بالإعلام الفرنسي: "أعتقد أن اهتمام الرئيس بالإعلام الخارجي بهذا الشكل المبالغ فيه، أمر غير مناسب ولا يخدم صورته في الداخل الموريتاني، ويبدو كما لو كان مهتما بالخارج وصورته لدى الفرنسيين تحديدا أكثر من اهتمامه بمخاطبة شعبه".


الرئيس الموريتاني على قناة "فرانس 24"

‎وأشار إلى أن الأمر: "بالفعل عجيب. ومن الغريب أن مستشاريه لم ينتبهوا له. أعتقد أنه على الرئاسة أن تصححه، فمن غير المعقول أن يجري الرئيس مقابلة بمثل هذا الحجم مع شبكات كلها فرنسية ويتجاهل الإعلام المحلي خاصة أننا نعلم أن الصحافة المحلية تطورت كثيرا. هناك حريات عامة ووسائل إعلام مستقلة وبالتالي هناك مستوى معين من المصداقية في الإعلام المحلي، فضلا على أن سلفه الرئيس السابق (محمد ولد عبد العزيز) على عيوبه، كان مهتما بالإعلام، وكان يعطي مقابلات ولقاءات صحفية مع وسائل إعلام محلية مختلفة".

‎وأكد الإعلامي على أن: "سبب اهتمام الرئيس الكبير بالإعلام الفرنسي هًو عقلية تسكن رؤوس المستشارين الإعلاميين في الرئاسة، تعتقد أن المهم هو الإعلام الخارجي. وأن الرئيس حين يخاطب الخارج من خلال وسيلة إعلام خارجية، يكون ذلك أكثر فائدة ومصداقية، وهذه نظرة تقليدية وعتيقة تنتمي إلى عهد الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد الطايع الذي لم يكن يخاطب شعبه إلا في المناسبات، وكانت لديه لقاءات محدودة ومع وسائل إعلام خارجية حصرا".

منذ وصوله إلى السلطة نادرا ما يلجأ الرئيس الموريتاني ولد الغزواني إلى الحديث لوسائل الإعلام الوطنية. البعض يرى أن ذلك بسبب خلفيته العسكريّة وشخصيته

وأضاف الصحفي: "أعتقد أن هذه العقلية انتهى زمنها وربما تكون مناسبة في التسعينيات أو الثمانينيات لكنها غير مناسبة في العصر الحديث بالتالي من المضرّ للرئيس أن يَحتجب عن شعبه وأن يتجنب الحضور عبر وسائل إعلام محلية بهذا الشكل".

وتحدث ولد الشيخ عن غياب الأسئلة التي تمس المواطن الموريتاني في مثل هذه المقابلات، وقال: "غابت الأسئلة الأساسية لدى المواطن الموريتاني في هذه المقابلات أو على الأقل لم تصدر بالشكل الكافي وهيمن عليها البعد الأمني الخارجي، وهذا طبيعي لأن وسيلة الإعلام الفرنسية هي وسيلة إعلام عالمية وستطرح ما يناسبها والصحفيون أيضا ليسوا موريتانيين، وبالتالي سيطرحون ما يعنيهم وما يتسنى لهم وهذا ليس إشكالا، ولذلك، أعتقد أنه لو أن الرئيس أجرى مقابلات مع وسائل إعلام محلية ستطرح عليه الملفات المحلية بدقة أكثر وتوسع أكبر، وسيتاح له أن يخاطب شعبه بطريقة أنسب وأتوقع أنه سيتم التغلب على هذا الموضوع قريبا، وإلا فإن الأمر سيكون خطأ فادحا جدا".

وهناك من يرى أن اختيار ولد الغزواني لوسائل إعلام أجنبية قد يكون وجيها، لضعف مستويات العاملين في الإعلام المحلي، وهو يريد الظهور بمظهر يليق برئيس جمهورية عبر إعلام محترف قادر على تقديمه بما يليق.

ثقافة عسكرية

بالنسبة إلى باب آدو، الباحث المساعد في "مجموعة الأبحاث حول الساحل" بجامعة فلوريدا، فإن الأسباب قد تعود لتكوين الرئيس. فبالنسبة إليه: "عزوف الرئيس الغزواني عن الظهور الإعلامي بشكل عام قد يعود لعدة أسباب، بعضها يتعلق بشخصيته، فحسب ما يتداول عن بعض المقربين منه، يميل الرجل إلى البقاء في حدود منطقة الراحة والابتعاد عن الأضواء".

ويضيف آدو في تصريح لرصيف22 أنه: "ربما عزّز هذا أيضا خلفيّة الرئيس العسكرية إذ لم يضطر خلال توليه لمناصب إدارية وعسكرية للاشتباك مع الإعلام، إلاّ ربما باستثناء الفترة القصيرة التي تولى فيها وزارة الدفاع حيث ظهر في مناسبات قليلة في الإعلام و أعطى تصريحات محدودة".

البعض أصبح يسميه "الرئيس النائم" لقلة ظهوره وحديثه لشعبه. ويعتبر آخرون أنه لا يكترث لمواطني بلده ولا يقدّرهم. الرئيس الموريتاني وحُب "إعلام الخواجات"

لكن إضافة إلى البعدين الشخصي والمهني، هناك تفسير آخر هو: "عدم تحمّس الرئيس للظهور الإعلامي؛ على عكس سابقه الذي جاء بانقلاب عسكري وهو ما اضطره لاستخدام الإعلام المحلي في اتجاهين: تقديم خطاب سياسي موجه للشعب، والدخول في مواجهات إعلامية مع القوى المعارضة".

هكذا بحسب آدو فإن: "وصول الرئيس غزواني للسلطة عن طريق انتخابات تعترف بنتائجها الأحزاب السياسية إضافة لاختياره لمسار التهدئة والتشاور مع الأطياف السياسية يجعله نوعا ما غير مضطر للتوجه للإعلام المحلي. ويبدو أنه مهتم أكثر بالخارج من خلال مقابلاته مع صحف فرنسية وسعودية وإماراتية".

لكن، يرى الباحث أنه: "مع تزايد الاحتقان الشعبي، نتيجة لارتفاع الأسعار وتدني الخدمات، يتضح أن هناك تذمراً شعبيا متزايدا من غياب الرئيس عن المشهد. ربما يحتاج الرئيس لكسر الجليد والتوجه للشعب من خلال الصحافة المحلية عن طريق لقاءات مباشرة غير مسجلة تطمئن الشعب وتعيد الاعتبار لشخصية الرئيس".

الرئيس المُغرِّدْ

إطلالات ولد الغزواني النادرة والمخصصة في الأغلب للإعلام الأجنبي، ليست وحدها ما يثير الجدل في الظهور الإعلامي للرئيس. فتعاطيه مع المناسبات الرسمية، الدينية منها والوطنية كذلك وحضوره الإعلامي بشكل عام يثيران الجدل. فهو يفضل أن يغرد على موقع تويتر عندما تحل إحدى المناسبات الدينية والوطنية بدل الظهور في خطابات رسمية تبث على التلفزيون الرسمي، وتوجيه خطاب حيّ لشعبه كما يفعل قادة دول عربية أخرى، فيحدثهم حديثا يعنيهم ويمس واقعهم وحياتهم اليومية، وذلك النمط من الظهور في المناسبات، هو تقليد موريتاني، دأب عليه من سبقوا ولد الغزواني من الرؤساء الموريتانيين. إذ كانوا يخرجون إلى الشعب عند كل مناسبة دينية أو وطنية بخطابات تبث على المباشر، وتكون معنية بتلك المناسبات.

وهو ما لا يفعله ولد الغزواني، إذ يتحاشى ذلك الفعل وألغى بحكم الواقع ذلك التقليد، وهو ما يسبب الكثير من النقد له وللمسؤولين عن ظهوره الإعلامي، حتى أن البعض أصبح يسميه "الرئيس النائم" لقلة ظهوره وحديثه لشعبه. ويعتبر البعض أنه لا يكترث لمواطني بلده، ولا يقدرهم بحيث يخاطبهم في مناسباته الدينية والوطنية، ويكتفي بمجرد تغريدة على موقع تويتر، تغريدة مختصرة لا جديد فيها ولا تمس حياة الناس.

وهو ما يجعل الكثير من الأصوات تطالب بسياسة إعلامية مغايرة لظهور محمد ولد غزواني الإعلامي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard