شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
صوت الشيخ وهو يتلو القرآن يخيفني أكثر من الموت

صوت الشيخ وهو يتلو القرآن يخيفني أكثر من الموت

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 18 أكتوبر 202110:58 ص

أنا لا أحب سماع القرآن. نعم... فصوت الشيخ، وهو يتلوه، يخيفني، ويشعرني بأن الموت يطرق الباب، وبأن الأشباح المخيفة سوف تظهر الآن كلها، من خلف الأبواب، ومن تحت الأرض، ومن بين الأحجار والشقوق، وسوف أشاهدهم، وهم يعذَّبون، والثعبان الأقرع يبتلعهم. القرآن يجعلني أشعر بأن الموت خلفي، وسوف يأخذني، لكي أسقط في دائرة العذاب والهلاك التي لم يكفّ الشيوخ عن ذكرها، في كل مجلس. ربما هناك من يستأنس بسماع القرآن، لكنني لم أسمعه من قبل، إلا في مواقف مخيفة، ولحظات وداع سيئة، وفقدان لا يطاق.

شعور بالفزع والرعب يسكنني، عندما يموت أحد الأشخاص في قريتي، إذ تنطفئ أنوار الشوارع المتوهجة، ويغلق الباعة محالهم التجارية، وتختفي الأصوات، ولا نسمع إلا صياح صوت الشيخ وهو يقرأ القرآن. في هذه اللحظات، أتذكر جيداً كلام الشيخ الذي كنت أسمعه دائماً في الكتّاب، عن عذاب القبر، ويخيّل إليّ ذلك الفقيد، وهو يعذَّب داخل مرقده، ويمد يده لي، حتى أنقذه من الثعبان الأقرع، والأشباح من حوله، لكنني أخاف من الاقتراب، ويحزنني أنه يصرخ ويبكي، وأظل طوال الليل أتحسس الأشباح من حولي. سيتركون الميت، ويأتون إليّ، ليأخذوني إلى الموت.

دائماً ما يكون المجهول أمراً مخيفاً. أتذكر عندما ظهر فيروس كورونا في بدايته؛ كان ظاهرة مرضية مرعبة، والناس خائفون من الجوع إن مكثوا في بيوتهم، وخائفون من الفيروس إن نزلوا إلى الشوارع بحثاً عن لقمة العيش، ومرعوبون من المستقبل الخفي لهذه الجائحة. لك أن تتخيل حجم الخوف الذي قد يشعر به أحدنا، عندما يشعر بأن شبح الموت يقترب منه، ليسحب قدميه إلى حجرة مظلمة يرتمي فيها جسده، وبمجرد أن يدخل، يخرج له من تحت سابع أرض، ثعبان أقرع يضربه بذيله، عندما يسمع صوت الآذان. قد يكون الموت منطقياً عند من يؤمن بالموت، والقيامة، وعذاب القبر، لذا فالخوف من الموت متعلق بفتاوى الشيوخ.

أنا لا أحب سماع القرآن. نعم... فصوت الشيخ، وهو يتلوه، يخيفني، ويشعرني بأن الموت يطرق الباب، وبأن الأشباح المخيفة سوف تظهر الآن كلها، من خلف الأبواب، ومن تحت الأرض، ومن بين الأحجار والشقوق، وسوف أشاهدهم، وهم يعذَّبون، والثعبان الأقرع يبتلعهم

النساء هدية الربّ في الجنّة

قد يكون الأمر منطقياً، بالنسبة إلى شخص يؤمن بالموت، وعذاب القبر، وأهوال يوم القيامة التي لا يمكن أن يهرب منها، خاصةً إن كانت حياته مليئة بالعبث، من منظور الشيوخ، كسماع الأغاني، والرقص، واللهو، وشرب الخمر، ومعاشرة النساء. هذا الكافر، بالطبع سيخلد في الجحيم، حيث ينال العذاب، وفي الوقت ذاته، سوف يخصص "الله" للمؤمنين "نساءً" ليعاشروهن، وبحوراً من الخمر يشربون منها!

هل يمكننا الهرب؟

لكن كيف لشخص لا يؤمن بالآخرة، أو بعذاب القبر، أو بجهنم، أن يخاف من الموت؟ هل لأنه لا يملك الدليل على أن موت الإنسان يحدث بسبب تلف أجهزة الجسم؟ أم أن صياح الشيوخ، وحديثهم عن العذاب الذي سيلاقيه الإنسان بعد موته، لا زال عالقاً في أرواحهم الداخلية، ولا يعرفون طريقاً للهرب من هذه الأوهام النفسية؟ أم أن رفضهم للموت، وحبهم للحياة، ورغبتهم في استرداد ما سُرق من أيامهم بسبب الفزع والمخاوف التي لطالما كان يلقيها رجال الدين في خطبهم إلى الناس، ما يجعلهم لا يؤمنون بالعذاب بعد الموت، وأن الجسد ينتهي فحسب.

قصص وحكايات عذاب القبر

كنت أسمع قصصاً أشبه بالخيال، عن العذاب الذي يلحق بالأشخاص الذين يطبّقون كلام الشيوخ، كشاب عشريني كان دائماً يسمع الأغاني، ولا يؤدّي فرائض الإسلام، ثم تعرض لحادث مروري فمات، وبعد دفنه تراءت صورته في أحلام أبيه يعذَّب داخل القبر، فذهب إلى القبر ليتأكد، فوجد شعره قد ابيضّ، ووجهه عليه آثار كدمات وضربات شديدة. لك أن تتخيل أن الله الذي خلق هذا الكون كله، مشغول بأمر ذلك الشاب الذي يسمع الأغاني، وبمجرد أن تُوفي، أعاد إليه روحه، لينتقم منه، ويضربه؟

ولا أنسى قصة ذلك الرجل الذي وضع "استريو" (جهاز لتسجيل الصوت)، بغرض سماع ما يحدث داخل القبر للمتوفَّى، ليلة دفنه، وفي اليوم التالي ذهب ليأخذه، فوجده محروقاً. الله بالتأكيد أحرقه، حتى لا يكشف الأسرار الإلهية داخل القبر، لكن رجال الدين اكتشفوها "بالفهلوة".

لكن كيف لشخص لا يؤمن بالآخرة، أو بعذاب القبر، أو بجهنم، أن يخاف من الموت؟

في ذلك الوقت، بالطبع لم تكن تظهر الكاميرات الرقمية، والتكنولوجيا المتطورة التي نراها حالياً. فإن كان هناك عذاب داخل القبر، لماذا لم يتم تسجيله بالصوت والصورة، من قبل الشيوخ الأثرياء البارعين في التجارة بالدين، وذلك حتى يصبح معهم، على الأقل، دليل فعلي يقدَّم كبرهان لمن ينكر عذاب القبر؟ أما إن كان هذا العذاب بين العبد وربه، فليس من حق أحد التدخل فيه. فلماذا سمح لنفسه الشيخ الشعراوي بالإفتاء بقتل تارك الصلاة، عندما قال إن تارك الصلاة يُستتاب، ثم يقتل؟ أليست الصلاة وسيلةً تقرّب العباد من ربهم، وتربطهم بصلة روحانية بخالقهم؟ إذاً لماذا يتدخل في أمر ليس من شأنه، بل هو من شأن الخالق؟ هذه القصص كان يؤلفها الشيوخ، حتى يخيفوا الناس من الموت، ويخيفوهم من الآخرة، ويشعروهم دائماً بأن الرحمة لن يحصلوا عليها، إلا باتّباع أوامر الشيوخ فحسب.

تجارب الموت المؤقتة

الخوف من الموت جعل الكثيرين من الناس يختلقون قصصاً غير منطقية، تناسب الأوهام النفسية داخلهم، وقد بُنيت بفعل أحاديث رجال الدين عن الموت، مثل تجارب الموت المؤقتة التي يحكيها البعض، إذ يقول أحدهم مثلاً إنه شاهد روحه تخرج من جسمه، وهو يحلّق في السماء.

تأتي فترة الشيخوخة على الإنسان، وفيها يشعر بأن الحياة تودّعه إلى مرقده الأخير. هنا يبدأ الخوف من الموت في قلبه، يتعاظم، مما يجعله يبحث عن خاتمة حسنة للسنوات كلها التي عاشها، ويتوب عن ذنوبه التي فعلها، ويُكثر من صلواته ودعواته، حتى يعفي نفسه من عذاب القبر، وعذاب الآخرة، إذ يظن أن البحث عن الله من جديد، وسيلته للهرب من هذه الأشباح المرعبة كلها.

هل عذاب القبر خرافة؟

أسرف الشيوخ في تخويف الناس منه، غير أن أحد الباحثين الإسلاميين، ويُدعى رشيد إيلال، وصف هذا العذاب بالخرافة، إذ لا توجد في القبر طاقة من الجنة، وطاقة من النار، كما يقولون، بل أكد أن جميع الأحاديث التي ذُكرت في هذه النقطة بالتحديد، ليست صحيحة، إلى جانب تعارض هذه الأقوال مع ما ذكر في القرآن الذي لم يشِر إلى عذاب القبر.

الناس يعتقدون أن عذاب القبر هو حساب فوري يحدث بعد الموت مباشرةً، أو بعد الدفن داخل القبر، فهذا العذاب لا يحدث بعد خروج الروح من الجسد، أي أنه يُطبَّق على من يدفن فحسب، بينما الأديان تقول إن يوم الحساب متأخر، لذلك هو يتعارض مع الدين، ومع العقل والمنطق. ويؤكد هذا، أن رجال الدين اخترعوه لتخويف البشر، وترهيبهم. وإلا كيف يتعذب من يبقى شهوراً في ثلاجة الموتى، أو من يبقى خارج القبر؟

الخوف من الموت جعل الكثير من الناس يختلقون قصصاً غير منطقية، تناسب الأوهام النفسية داخلهم، وقد بُنيت بفعل أحاديث رجال الدين عن الموت، مثل تجارب الموت المؤقتة التي يحكيها البعض

حب الحياة والحاجة إلى الخلود

البعض يرفض فكرة الموت، لحاجته إلى الخلود، وحبه للحياة، حينما يكون واثقاً بأنه لا حياة أخرى بعد الموت، ولن يكون هناك حساب أو عقاب، لكن يوجد فناء فحسب، بينما تجد المؤمنين بالبعث، والخلود، أشد ترحيباً بالموت. يخلقون لأنفسهم تصورات وهمية عن نعيم الآخرة، حيث القصور، والرغد في العيش الأبدي. لقد تعجبت حينما شاهدت شيخاً يُدعى "الحبيب علي الجعفري"، خلال لقاء تلفزيوني، وهو يتحدث عن الموت والنعيم الذي سيخلد فيه المؤمنون، بشكل يجعلك تتمنى الموت في هذه اللحظة! السؤال هنا، هو لماذا لا أعيش في هذا النعيم الآن؟ لماذا أؤجل كل شيء حلو إلى الموعد المجهول الذي لم يره أحد، ولا نملك أي دليل ملموس يؤكد ذلك النعيم، أو الهلاك، الذي ينتظرنا، ما إن نودّع الحياة؟

للموت في القرى هيبة من نوع خاص، لكنها في الواقع هيبة مخيفة، فعندما ينادي المنادي من داخل المسجد على وفاة أحد الأهالي، سرعان ما يتم إغلاق جميع الدكاكين الصغيرة، وتنطفئ الأنوار، ويعمّ السكون والهدوء المخيف القرية، وتصدح الشوارع بصوت القارئ وهو يتلو القرآن،و يتوافد عليه الناس من كل حدب وصوب، يقدّمون واجب العزاء، ثم ينصرفون بصمت، ويبدأ الذعر ينتشر بين أقارب المتوفى، وهم يتخيلون ما يحدث له، ويتصورون العذاب الذي يلاقيه، حتى أنهم يظنون أن تعفّن جسده، سببه عمله السيء، فتخيفهم ملابسه ولا يقترب منها أحد، فيظهر له المتوفى وهو يُعذّب داخل القبر، ويظن الصغار أن شبحه سيظهر لهم، ويخيفهم، فيختبئون خلف أمهاتهم، ويظلون على هذه الحالة قرابة أسبوع، حتى تعود القرية من جديد ليمارس فيها الأهالي روتينهم اليومي.

قد يكون الموت حقيقة، لكن عندما يأتي إلينا، لن نشعر به، مثلما قالت المفكرة الراحلة نوال السعداوي، لذلك علينا ألا نخاف منه، حتى وإن كنا لا نؤمن بعذاب القبر، أو بعذاب يوم القيامة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image