شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"فضاء مهم للالتقاء بالناس، وفهم الثقافة العربية بشكل أفضل"... البيت العربي في مدريد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 12 أكتوبر 202111:26 ص

أن تكون عربيّاً يعيش في إسبانيا، ليس مثل أن تكون عربيّاً يعيش في أي بلد أوروبيّ آخر، لأنّ ثقافتك العربية، وجزءاً من تاريخك موجودان دائماً بالقرب منك، بشكل متأصّل. بدءاً من أوّل درس لغة، ستتعلّم أن تقول كلماتٍ ربّيتها في فمك طويلاً، وإنّما بطريقةٍ مختلفة بعض الشّيء. أنت غريب بالطّبع، ولكن هناك دائماً شيء ما يريد أن يطمئنك إلى أنّك لست غريباً تماماً.

أنت غريب بالطّبع، ولكن هناك دائماً شيء ما يريد أن يطمئنك إلى أنّك لست غريباً تماماً.

لو كنت تعيش في مدريد، أو في قرطبة، فعلى الأرجح سيتبادر إلى ذهنك أن تزور مقرّ البيت العربي/ Casa Árabe. لم تتسنَّ لي زيارته في أثناء إقامتي القصيرة في مدريد، أواخر العام 2019، أو في زياراتي القليلة اللاحقة إليها، إلى أن جاءتني أخيراً دعوة للمشاركة في أمسية شعر وموسيقى، برفقة كتّاب إسبان، وعرب، وعازف عود سوري. شعرت حينها بأن نافذة فُتحت لي كي أتصالح مع مدريد، وأحبّها من جديد، بشكلٍ أكثر عمقاً.

البيت العربي مؤسسة معروفة للجمهور، والفنانين، والأدباء، سواء من المقيمين في إسبانيا، أو من الّذين يقصدونها بغرض السياحة الثقافية. له مقرّان؛ واحد في مدريد، وآخر في قرطبة. ويعرّف عن نفسه بأنه نقطة التقاء بين إسبانيا، والعالم العربي.

في اتصال مع منسقة الثقافة ووسائل الإعلام الحديثة في البيت العربي، نوريا مدينا غارسيا، كان السؤال الأول الّذي تبادر إلى ذهني: "هل تعتقدين أن البيت العربي قد حقّق الأهداف التي يعمل من أجلها؟"، لتجيبني في حديث لرصيف22: "بعد نحو 13 عاماً من إنشاء مؤسسة البيت العربي، أعتقد أن ما أُنجز إيجابي للغاية، لأنه يبدأ من جزء آخر من الأهداف التي طُرحت وقت إنشاء البيت العربي، وكانت أساساً هدفين: أن يتيح للجمهور في إسبانيا معرفة الحقائق المتعددة للعالم العربي الحالي، وإنشاء جسر بين إسبانيا والدول العربية في المجالات جميعها، السياسية، والتعليمية، والثقافية... إلخ".

وتتابع حديثها: "أعتقد أننا حققنا الهدفين، عبر العديد من المبادرات والمشاريع والبرامج التي أتاحت للجمهور معرفة أفضل بالتنوع الثقافي في العالم العربي، وما يعنيه. فمثلاً، المظاهر الثقافية التي قد تأتي من بلد مثل المغرب، مختلفة عن التي تأتي من بلد مثل الإمارات. أعتقد أنه تمّ الاعتراف بهذا التنوع أكثر في إسبانيا، بفضل أعمال البيت العربي. هناك أيضاً جهود قامت بها مؤسسات أخرى موجودة في الأراضي الإسبانية، ولكن بلا شك خدم عملنا هذا الغرض".

أن تكون عربيّاً يعيش في إسبانيا، ليس مثل أن تكون عربيّاً يعيش في أي بلد أوروبيّ آخر، لأنّ ثقافتك العربية، وجزءاً من تاريخك موجودان دائماً بالقرب منك، بشكل متأصّل

حين وصلت إلى مقر البيت العربي في مدريد، وهو مبنى بديع يطلّ على حديقة الريتيرو الشهيرة وسط العاصمة، كانت الساعة في الواجهة القرميدية للبناء تشير إلى السادسة وخمس وعشرين دقيقة مساءً. نظرت إلى تشكيلات الغيوم، ورأيت كم أن السماء في مدريد أقرب إلى المرء من السماء في دمشق، وهذا ليس مجرّد مجاز، لكن للجغرافيا أحكامها.

تشرح لي السيدة نوريا أن الأدب هو جزء مهم من نشاط البيت العربي، وتقول: "قبل كلّ شيء، نعمل على دعم الناشرين الإسبان الذين يخوضون التحدي التجاري المتمثل في ترجمة كاتب عربي، وفي حالات كثيرة يكون غير معروف في إسبانيا. محاولة توزيع الكتاب تجارياً ليست وظيفتنا، لكن عمل البرنامج هو أن يوفر مساحة لنشر الكتاب، ويكون بمثابة لوحة صوت لعمل الكاتب والناشر، حتى يعرف الجمهور أن هذا الكتاب موجود، وبالإمكان شراؤه من المكتبات. هذا هو الهدف النهائي، وهو يساعد حقّاً في الحفاظ على عمل الكاتب المحترف، وعلى عمل المترجمين، الذين يستثمرون وقتهم، وجهدهم المهني، في الترجمة من العربية إلى الإسبانية، وعلى جهود الناشرين. نهتم أيضاً بعقد لقاءات أدبية، وأمسيات شعرية، لأن الشّعر فنّ منتشر جداً في العالم العربي، لذا نعطيه أولوية كبيرة في برامجنا".

وتتابع: "أمرٌ مهمّ ومثرٍ للغاية بالنسبة إلينا، أن نقدّم أعمال كتّاب مشهورين ومعروفين، مثل أمين معلوف، وعلاء الأسواني، على سبيل المثال، أو أي فنان آخر مشهور عالميّاً، يبيع مئات الآلاف من الكتب. ولكن على قدم المساواة، نخوض تحدياً مهماً بالقدر نفسه بالنسبة إلينا، وهو إتاحة الفرصة لكتّاب شباب، أو غير معروفين في السوق الإسبانية، ربما كانوا معروفين في بلدانهم، ولديهم مسيرة مهنية طويلة، وكتب كثيرة منشورة، ولكنهم غير معروفين في إسبانيا بعد، لأن أعمالهم لم تُتَرجَم".

سألتُ الكاتب والمترجم المصري أحمد عبد اللطيف، عن حفل توقيع النسخة الإسبانية من روايته "حصن التراب"، في البيت العربي عام 2019، فأجابني: "للبيت العربي فضل كبير في تسليط الضوء على العمل، من خلال الندوة التي عُقدت حولها، والدعاية لها، ثم توفير العمل في مكتبة المؤسسة، الأمر الذي سهّل على القرّاء المهتمين بالكتّاب العرب الوصول إليه. أيضاً يزور دارسو اللغة العربيّة من الإسبان البيت العربي عادةً، سواء لحضور ندوات، أو معارض، وتوفير كتاب، أو عقد ندوة هناك، وهذا يساعد في حركة الكتاب".

البيت العربي مؤسسة معروفة للجمهور، والفنانين، والأدباء، سواء من المقيمين في إسبانيا، أو من الّذين يقصدونها بغرض السياحة الثقافية. له مقرّان؛ واحد في مدريد، وآخر في قرطبة. ويعرّف عن نفسه بأنه نقطة التقاء بين إسبانيا، والعالم العربي

بدأت الأمسية التي قصدتها، بمقطوعة على العود للفنان السوري هامس بيطار. أغمضت عينيّ قليلاً، ورحت إلى عصر يومٍ خريفيّ في الفسحة السماوية لبيت جدّي، حيث ورق الشجر يتساقط على "أرض الديار"، ونسمات خفيفة تقرّبه إلينا، بينما نقرات العود تصل من بيتٍ قريبٍ كلّ يوم في التوقيت نفسه. صحيح... لكي نصف بناء بيت جدّي اعتدنا أن نقول إنّه "بيت عربي".

حول النشاط الموسيقي، تقول السيدة نوريا: "نحاول كسر الصورة النمطية، أي ربط الموسيقى العربية بالموسيقى الفولكلورية، أو الأندلسية. اليوم إذا ذهبت إلى أي بلد عربي، تجدين فرق موسيقى شرقية في كلّ مكان، أي أنها مظهر ثقافي معاصر للغاية، لكنّنا نحب في البرمجة الموسيقية أن يوجد كل شيء؛ الأنواع الموسيقية كلها، مثل الهيب هوب، والموسيقى الإلكترونية، والجاز، وما إلى ذلك. على سبيل المثال، أقمنا في الصيف الماضي حفلاً موسيقيّاً رائعاً مع الموسيقيّ المغربي الكبير عازف العود إدريس المالومي، وعازف الساكسفون الألماني أندرياس بريتويتز الذي يعيش في إسبانيا منذ سنوات عديدة. كان حفلاً تنقّل قليلاً بين جذور الموسيقى الشرقية العربية، والجاز، وهذا هو نوع الاندماج الموسيقي الذي يثير اهتمامنا كثيراً".

وتضيف: "أيضاً على سبيل المثال، في المستقبل القريب سنقيم ورشة هيب هوب مع فنانة مغربية مقيمة في بروكسل، وحفلة موسيقية لفرقة فولكلورية تقليدية من الجزء النوبي من مصر. حسناً، إنها تختلف اختلافاً جذرياً عن الهيب هوب، لكنها مثيرة للاهتمام بالقدر نفسه، وهي شكل ثقافي آخر نعتقد أن من الأهمية بمكان تقديمه للجمهور".

وكأمثلة عن تنوّع التمثيل الجغرافي للدول العربية في أنشطة البيت العربي، حدثتني نوريا عن معارض فنية كثيرة لفنانين مشهورين من الجزائر، ومصر، وغيرهما، وأيضاً عن معرض جميل أقيم قبل سنتين لفنانين من ليبيا، بعنوان "تتبّع مشهد آخذ بالاختفاء". تُعد ليبيا بلداً غير معروف للإسبان، لعدم وجود علاقات تاريخية بين البلدين، خلافاً لما هو الحال بين إسبانيا، وكل من المغرب والجزائر مثلاً.

زارت السيدة ناتاليا مولينوس البيت العربي، قبل فترة وجيزة، وكتبت تدوينة عن الفعاليات الثقافية التي حضرتها. سألتها بصفتها كاتبة وفنانة إسبانية لديها اهتمام كبير بالثقافة العربية: كيف أثّرت نشاطات البيت العربي على علاقتك بالثقافة العربية، واطلاعك على النتاج الفني العربي المعاصر؟ وأجابت في حديث لرصيف22: "كانت سعادة كبيرة أنني أخيراً في البيت العربي، على الرغم من أنّه لم يكن مفتوحاً بالكامل بسبب كوفيد19، وبسبب توقيت زيارتي. أعتقد أن زيارة البيت العربي تمنحك نظرة رائعة على بلاد مختلفة، وأناس من ذهنيات واهتمامات مختلفة. كنت حزينة لأنني لم أتمكن من تجريب وجبات المطعم، خاصةً وقد أخبروني كم أن الشّاي لذيذ فيه، لكنه كان مغلقاً في توقيت زيارتي، في المرة القادمة عليّ تجريبه".

"نحاول كسر الصورة النمطية، أي ربط الموسيقى العربية بالموسيقى الفولكلورية، أو الأندلسية. اليوم إذا ذهبت إلى أي بلد عربي، تجدين فرق موسيقى شرقية في كلّ مكان، أي أنها مظهر ثقافي معاصر للغاية"

وتتابع: "أعتقد أن موقع البيت العربي أيضاً مهم، لأنه قريب من كثير من الفضاءات المهمة في مدريد، مثل ريتيرو بارك، ومركز المدينة الثقافي الذي يضمّ أهم المتاحف، وأيضاً دورات اللغة العربية التي يقيمونها، والمحاضرات، كما أن لديهم مكتبة قيّمة، وعلى الرغم من أنها صغيرة، إلا أن محتواها متنوّع، من الكوميكس إلى الكتب الفنية والأدبية والفلسفية، وهذا رائع، فأحياناً يصعب الحصول على بعض الكتب العربية أو الإسلامية. البيت العربي جزء من الحياة الثقافية في مدريد، وهو في رأيي نقطة التقاء مؤثرة للغاية بين إسبانيا والعالم العربي، وفضاء مهم للالتقاء بالناس، وفهم الثقافة العربية بشكل أفضل".

تختم ناتاليا حديثها بالقول: "بما أنه مكان ليس كبيراً جدّاً، فبإمكانك الشعور بالحميمية، ومن السهل جداً أن تتكلمي مع الناس الذين تصادفينهم فيه، لأنهم يعلمون أنهم جميعاً هنا، لأن هنالك أموراً مشتركة بينهم".

بدا كلامها شيئاً يمكنني تكراره بحماس، فبعد الأمسية، التقيت للمرة الأولى بأصدقاء من سوريا، ومصر، والعراق، وإسبانيا، وذهبنا إلى المقهى. كانت الجلسة تبدو وكأنها أمرٌ اعتدنا القيام به، وسنكرره لاحقاً.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard