كل أربع سنوات، تحتدم المعركة الانتخابية في العراق. يخوض المرشحون "حروبهم" لنيل مقاعد تمثيل الشعب، ولكن لا يشعر قطاع واسع من المواطنين بأن النتيجة حققت تطلعاتهم وآمالهم. لا الهدوء يأتي ولا المشاكل السياسية والاجتماعية تجد حلولاً وتسلط الأحزاب يبقى بل يتمدد.
واقع العراق المزري كان الدافع الرئيسي وراء اندلاع احتجاجات تشرين الأول/ أكتوبر 2019 التي اجتاحت مدن وسط وجنوب العراق، وأسقطت حكومة عادل عبد المهدي ليأتي بعدها مصطفى الكاظمي على رأس حكومة جديدة وعدت بإجراء انتخابات نيابية مبكرة، وحددت لها موعداً ثم أجّلته إلى العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2021.
تضارب في الآراء الشعبية
تتفاوت آراء العراقيين في ما يخص الإقبال الشعبي على الانتخابات المرتقبة. يقول الموظف في وزارة الثقافة، والمقيم في منطقة الدورة في محافظة بغداد، عبد الله عواد (52 عاماً) لرصيف22 إنه يرفض المشاركة في الانتخابات بسبب يأسه من تغيير الواقع المرّ الذي تشهده البلاد.
بدوره، لن يشارك سلوان مصطفى (44 عاماً)، وهو صاحب محلات غذائية ويسكن في حي الشعب ذي الطبيعة الشيعية، ويعلل قراره بـ"كثرة الوعود الزائفة والبرامج الانتخابية المنمقة التي لا ترى نتائجها النور"، حسبما يقول لرصيف22.
يرى الباحث الاجتماعي والموظف في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عثمان الدليمي (38 عاماً) أن "كثرة الوعود التي يطلقها المرشحون في كل موسم انتخابي أثّرت على نفسية المواطن وأضعفت إيمانه بالعملية السياسية بشكل عام"، ويضيف لرصيف22 أن المواطن صار "يرفض استغلال صوته لنيل آخرين مكاسب وتحقيقهم مطامح شخصية، إذ لم يحقق السياسيون الحاليون أي إنجاز يذكر، بل تسجل نسب الفساد والتسلط ارتفاعاً ملحوظاً في حياة الشعب".
في المقابل، يبدي رامي سيف (29 عاماً)، وهو سائق سيارة أجرة يقيم في حي الجامعة في بغداد، وهي منطقة ذات غالبية سنّية، اعتقاده بأن "المشاركة في الانتخابات ستعبّر عن رغبة الشعب بالتغيير من خلال انتخاب وجوه جديدة تلغي الشخصيات التقليدية السياسية الحالية".
بدوره، يرى المحامي مرتضى اللامي (30 عاماً)، والمقيم في قضاء المحمودية جنوب بغداد، وهو منطقة ذات غالبية شيعية، "وجوب استغلال القانون الانتخابي الجديد وإعطاء الفرصة للمستقلين الذين عايشوا معاناة الناس وبالتالي ستدفعهم هذه المعايشة إلى العمل على تحسين واقع المواطن".
ويضيف لرصيف22 أن "دخول فئة الناشطين المدنيين والمستقلين سيبعد البلد عن التوجهات الحزبية السائدة في النظام البرلماني، ما سيدفع نحو إقرار سياسات جديدة قد تغيّر حال البلد نحو الأفضل".
ويتنافس 3243 مرشحاً على 329 مقعداً برلمانياً، وفق قانون انتخابي جديد أقرّه البرلمان في كانون الأول/ ديسمبر 2019، إلا إنه علق لـ11 شهراً بسبب خلافات سياسية حول تقسيم الدوائر الانتخابية، قبل أن يصادق عليه رئيس الجمهورية برهم صالح في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020.
تشرينيون داخل المعترك الانتخابي
يقول منتظر وليد، مدير المكتب الإعلامي لحركة "امتداد"، وهي إحدى الحركات السياسية التي أسسها متظاهرو تشرين لرصيف22 إن "احتجاجات 2019 غيّرت الكثير في المشهد العراقي، بشهادة سياسيين، وهي أقوى اليوم بتأثيرها، إذ لا يمكن التأثير على العاصفة التشرينية والإرادة الشعبية الممثِّلة لحقيقة الشعب الرافض للفساد والطامح إلى التغيير لا بالسلاح ولا بالمال السياسي ولا بالتدخلات الخارجية والداخلية".
ويبدي وليد اعتقاده بأن "وجود صوت شعبي داخل البرلمان هو الحجر الأساس لانتزاع حقوق الشعب، وتحقيق كرامة المواطن". برأيه، "قد لا يحدث التغيير الجذري في أول دورة انتخابية، بل ربما يحتاج الأمر إلى أكثر من دورة انتخابية لتحقيق أغلبية سياسية وطنية داخل البرلمان، ومن ثم تشكيل حكومة جديدة مبنيّة على أسس النزاهة الوطنية والكفاءه لبناء دولة مؤسسات بعيدة عن جميع التدخلات".
ويتابع أنه، في حال عدم الحصول على مقاعد كافية لتشكيل الحكومة، يجب عدم المشاركة في نظام المحاصصة السياسية واتخاذ منهج المعارضة السياسية الفاعلة داخل قبة البرلمان، وكذلك ممارسة الدور الأساسي للنواب، وهو التشريع ومراقبة أداء الحكومة.
"كثرة الوعود التي يطلقها المرشحون في كل موسم انتخابي أثّرت على نفسية المواطن وأضعفت إيمانه بالعملية السياسية بشكل عام"
ويشير وليد إلى أن هناك تفاهمات وتحالفات انتخابية مع عدد من القوى السياسية الوطنية كحركة "نازل آخذ حقي" و"تجمع الفاو زاخو"، وهي تجمعات انتخابية تشرينية، إضافة إلى العديد من المرشحين المستقلين.
ويلفت إلى أن "حركة امتداد" تحترم جميع وجهات النظر السياسية الوطنية التي تشترك في المبادئ الأساسية والأهداف الوطنية، و"تختلف مع الأحزاب السياسية الفاسدة التي اشتركت في القتل والفساد طيلة السنوات الـ18 الماضية وسببت المآسي للبلد".
وعن حضور المستقلين والتغييريين في المشهد العراقي، يقول الباحث في الإحصاءات الانتخابية في وزارة التخطيط خالد النوري إن معظم تحالفات تشرين الانتخابية تتوزع في جميع المناطق التي شهدت احتجاجات عام 2019، إلا أنها "تزداد قوة شعبية في مناطق جنوب العراق، بينما ترتفع قوة المستقلين في مناطق شمال وغرب البلد".
ويعتقد الناشط المدني في منظمة صدى إنسان في بغداد سجاد اللامي (32 عاماً) بميل الكفة نحو المرشحين الشباب والمستقلين "بعد يأس الناس من الحلول الوقتية التي تضعها الوجوه السياسية التقليدية".
ويشير إلى أن هذا الأمر سيزيد من حدة المنافسة ضد هيمنة الأحزاب التقليدية ومن ثم تقليل حجم نفوذها وردع فساد المرتبطين بها داخل المؤسسات الحكومية.
هل يستطيع المستقلون "اقتحام" البرلمان؟
يعتبر المحامي والمرشح للانتخابات عن الدائرة الأولى في محافظة واسط سجاد سالم (33 عاماً) أن هناك توجهاً شعبياً نحو المستقلين والناشطين المدنيين المساهمين في الحركة الاحتجاجية عام 2019، ويضيف لرصيف22 أن "نسبة هذا الإقبال تزداد بارتفاع نسب المشاركة".
ويشير إلى أن بعض مَن كانوا يقاطعون الانتخابات سيجدون في المستقلين خيارهم الأفضل، ويتابع أن "فوز هذه الفئة سيغيّر سياسة البلد من خلال تشكيل جبهة للنواب المستقلين تفصل نفسها عن النظام السياسي الفاسد حالياً وتأخذ دور المعارض الحقيقي للحكومة، كما ويؤسس لمشروع وطني بديل يكون قريباً من الناس ويلامس همومهم".
ويقسم القانون الانتخابي المحافظات العراقية إلى 83 دائرة انتخابية، بعد أن كانت كل محافظة تشكل دائرة انتخابية واحدة.
تتفاوت آراء العراقيين في ما يخص الإقبال على الانتخابات المرتقبة. يقول أحدهم إنه يرفض المشاركة في الانتخابات بسبب يأسه من تغيير الواقع المرّ الذي تشهده البلاد. ويتحدث آخر عن "كثرة الوعود الزائفة والبرامج الانتخابية المنمقة التي لا ترى نتائجها النور"
يشير الخبير السياسي الدكتور سعد الصراف إلى أن القانون الجديد مناسب للرافضين للعملية السياسية الحالية المتخمة بالتوجهات الحزبية، وصار بإمكان الجماهير التعبير عن صوتها بانتخاب المستقلين الجدد.
لكنه يرى صعوبة في أن يشكل هؤلاء الحكومة نظراً إلى أن الأحزاب السياسية ستجمع أصوات ناخبيها لتكوين جبهات سياسية وتحالفات وائتلافات برلمانية لحصد أكبر قدر ممكن من المناصب السيادية، بينما لن يستطيع المستقلون تنفيذ هذا الأمر إلا في حال فوزهم بثلث المقاعد البرلمانية المقدر عددها بـ329.
ويقول الصراف لرصيف22 إن هذا الأمر ليس مستبعداً، إذا نجحت تحالفات تشرين الرافضة لشكل ومضمون العملية السياسية، وهو ما يتوافق مع البرامج الانتخابية للمستقلين، فإذا حصل ذلك بالإمكان تشكيل حكومة أغلبية تستطيع إسقاط نظرتها السياسية على الواقع الحكومي وتنفيذ ما وعدت به.
ويعتقد الصراف أن ميزان القوى يميل بحسب أحاديث الشارع العراقي لصالح المستقلين ولكن العراق يفتقر إلى آليات استطلاع آراء الناخبين، وليس هناك أي بيانات واضحة بهذا الخصوص، ما يدفع بمعظم المحللين إلى اعتماد آراء فردية، وهذا سبب التناقضات في ما يُطرح حول أعداد المشاركين أو الرافضين.
مخاوف من استغلال المستقلين
يرى الباحث في التاريخ السياسي الدكتور سلام العزاوي أن المطّلع على الحركة السياسية في عراق ما بعد 2003 لن يتفاءل بإحداث تغيير ملموس ومعبّر عن الإرادة الشعبية بفوز المستقلين مُرجعاً ذلك إلى عاملين:
العامل الأول هو أن دخول المستقلين المجال السياسي ليس بجديد على الساحة العراقية بل يمتد إلى عام 2010، إلا أنهم كانوا ملزمين سابقاً بالانضمام إلى تحالفات سياسية بغية نيل حق الترشح، وهو ما ألغاه القانون الانتخابي الجديد متيحاً إمكانية الترشح فردياً.
أما العامل الثاني فهو صعوبة حل تراكم الأخطاء السياسية التي أنتجتها الحكومات السابقة من قبل المستجدين على هذا المعترك، إذ أدّت السياسات السابقة إلى فقدان البوصلة الوطنية في إقرار القوانين، كما أهملت العديد من الحقوق، وصار وضع البلد في حالة تأزم دائم نتيجة للتدخلات الخارجية والمشاكل الداخلية.
وبالتالي، يقول لرصيف22، يحتاج التغيير إلى وقت أطول من عمر الدورة الانتخابية.
ولا يستبعد العزاوي تكرار سيناريو خفوت صدى وعود المرشحين الجدد بعد فوزهم في الانتخابات، و"هي حالة تكررت خلال الدورات الانتخابية الماضية".
ويبلغ عدد سكان العراق 40 مليون نسمة بحسب إحصاءات وزارة التخطيط منهم 25 مليون مؤهل للانتخاب، حصل نحو 14 مليوناً منهم على بطاقتهم الانتخابية البيومترية الجديدة التي تمنحهم حق التصويت.
وتحتوي هذه البطاقات على بصمات اليد وكافة المعلومات الشخصية للناخب داخل شريحة إلكترونية غير قابلة للتزوير.
يؤكد الدكتور سلام العزاوي أن عدد الحاصلين على بطاقتهم الانتخابية قليل بالنسبة إلى عدد المؤهلين للانتخاب، ويشير إلى أنه من غير المؤكد مشاركة جميع المستلمين لبطاقاتهم البيومترية في الاقتراع، ويقلّ هذا العدد نتيجة لمنع انتخابات الخارج.
اقتربت الانتخابات، ولا يزال الكثيرون من المواطنين يأملون تحسن الواقع السياسي في البلد، وسط ارتفاع مخاوف العزوف عن التصويت وعودة الوجوه السياسية الحالية التي لم تقدّم أي جديد للعراق طيلة 18 عاماً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم