شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
وقائع يوم عصيب في السودان... العسكريون يلعبون بورقة الأمن ومدنيون يستعدون للمواجهة

وقائع يوم عصيب في السودان... العسكريون يلعبون بورقة الأمن ومدنيون يستعدون للمواجهة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 27 سبتمبر 202103:41 م

تصاعد صراع المدنيين والعسكر في السودان، خلال الساعات الفائتة، بعد قيام المكون العسكري بإجراءات استهدفت أمن المدنيين، من بينها سحب الحراسات عن أعضاء المكون المدني في ائتلاف الحكم ومقار لجنة إزالة التمكين المكلفة باستعادة الأموال التي نهبها نظام البشير.

وأتت تحركات المكون العسكري برئاسة الفريق عبدالفتاح البرهان، رداً على إعلان قوى الحرية والتغيير التي تشكل منها المدنيون في مجلس السيادة الانتقالي والحكومة، استعدادها  للمواجهة والتصدي لأي انقلاب عسكري. في المقابل قاطع قادة المكون العسكري الاجتماعات مع شركائهم المدنيين، وأكدوا على وصاية الجيش على أمن وحماية البلاد.

وتوترت العلاقة بين الطرفين عقب إحباط محاولة انقلابية، الثلاثاء 21 سبتمبر/ أيلول الجاري، تلتها حرب كلامية عن أسباب التحرك، إذ اعتبر المكون المدني ووراءه قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة أن السبب هو المماطلة في إصلاح المؤسسة العسكرية رغم أن هذا الإصلاح منصوص عليه في الوثيقة الدستورية، بينما حمّل العسكر مسؤولية الانقلاب (العسكري) للمدنيين "بسبب انقساماتهم وتكالبهم على السلطة". وبعدها عقد المكون العسكري مؤتمراً صحافياً، هدد خلاله بعدم ترك الحكم، وهذا ما دعا الإدارة الأمريكية للتحرك على الفور وإصدار تحذيرات بأنها لن تتسامح مع الانقلاب على الخيارات الديمقراطية التي قررها شعب السودان الذي وضع على رأس مطالبه الدولة المدنية غير الدينية ولا العسكرية، وأعلنت الإدارة الأمريكية على لسان جيك سوليفان مستشار الأمن القومي، عن إيفاد المبعوث الخاص لدول القرن الإفريقي إلى السودان لتأكيد دعم الولايات المتحدة للعملية الانتقالية بقيادة المدنيين.  

في ظل هذه الأجواء المتوترة، تحرك رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، لمحاولة رأب الصدع، وسط أنباء تشير إلى حصوله على ضمانات بالتزام التهدئة من قبل رئيس مجلس السيادة الانتقالي، القائد العام للقوات المسلحة، عبد الفتاح البرهان، ونائبه، قائد قوات الدعم السريع، الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي).

بعد وقتٍ وجيز من سحب قوات حراسة مقار لجنة إنهاء التمكين، نشب حريق في منزل مقررها، صلاح منّاع، لا يستبعد أن يكون ناجماً عن فعل جنائي

يوم حافل

شهد يوم الأحد، 26 سبتمبر/ أيلول، في السودان بداية متوترة، إذ أبلغت القوة المشتركة المسؤولة عن حماية مقار لجنة تفكيك نظام الرئيس المعزول عمر البشير، أنها بصدد سحب قواتها من جميع المقار، والأصول المستردة بواسطة اللجنة لصالح الخزينة العامة للدولة بحلول منتصف اليوم نفسه.

وفي الساعة العاشرة، خرج البرهان في فعالية  افتتاح "مركز السودان للقلب"، ليقول إن الجيش "وصيّ على السودان، ومن يقول بخلاف ذلك فليأت بجهة أخرى تحميه وتحمي البلاد". وأضاف بأنه "لا يتشرف بأن يجلس مع ناشط يقول إن مجرد جلوسه معه خصم من رصيده السياسي".

الإدارة الأمريكية أعلنت أنها لن تتسامح مع الانقلاب على الخيارات الديمقراطية التي قررها شعب السودان الذي وضع على رأس مطالبه الدولة المدنية غير الدينية ولا العسكرية

وأتت تصريحات البرهان رداً على تصريحات عضو مجلس السيادة عن المكون المدني، محمد الفكي سليمان، قال فيها إن جلوسهم (المدنيون الذين عارضوا البشير) مع المجلس العسكري –المكون العسكري الحالي- بعد واقعة مجزرة فض اعتصام القيادة، وصولاً لتوقيع الوثيقة الدستورية الحاكمة، كان حسماً من رصيدهم السياسي.

وتصاعدت الأمور حلول منتصف النهار بسحب القوة المشتركة من مقار إزالة التمكين، وسحب الحراسات الشخصية عن أعضاء اللجنة.

وبعد وقتٍ وجيز من سحب القوات، نشب حريق في منزل مقرر اللجنة، صلاح منّاع، لا يستبعد أن يكون ناجماً عن فعل جنائي.

لاحقاً، أرسلت اللجنة نداء لكل الثوار بالتوجه إلى مقارها، والتكفل بحمايتها كونها أصولاً تعود إلى الشعب، وتحوي وثائق خطيرة وأدلة على عمليات فساد حدثت في حقبة المخلوع البشير (يونيو/ حزيران 1989 – أبريل/ نيسان 2019).

ثم بلغ التوتر ذروته بسحب قوات الحراسة الشخصية عن الطاقم المدني في مجلس السيادة الانتقالي.

وعصر الأحد، عقد البرهان اجتماعاً مغلقاً مع قادة الجيش (أعلى من رتبة العميد)، جدد خلاله  مطالبة السياسيين المدنيين بـ"الكف عن الانتقاص من الجيش، وتوحيد صفوفهم، وتوسعة تحالف قوى الحرية والتغيير ليضم مجموعات من خارجه".

في أثناء ذلك تدافع الآلاف إلى مقر لجنة إزالة التمكين، بقلب العاصمة الخرطوم، فيما بدأت لجان المقاومة في تنظيم صفوفها "استعداداً لأية تطورات للنكوص عن الحكم المدني".

واعتبر أعضاء لجنة التمكين في بيان رسمي أن سحب قوات الحراسة من مقارها وحيازاتها التي اعيدت إلى الشعب السوداني وخزانته العامة، وسحب الحراسات عن أعضاء اللجنة، يعدّان "مؤشراً خطيراً على الالتفاف على إرادة الشعب السوداني".

وقال محمد الفكي سليمان، المكلف برئاسة اللجنة، وعضو مجلس السيادة الانتقالي، وأحد أهم الفاعلين في المشهد حالياً، من مقر اللجنة (مبنى البرلمان سابقاً): "هذا المكان المقدس حيث أعلن استقلال السودان، سيكون مركزاً لعمليات المواجهة إذا أرادوها". مشدداً على أنهم (المدنيون) "جاهزون لأي مغامرة غير محسوبة العواقب، ولأي شخص يفكر في مد يده إلى الوثيقة الدستورية".

وأضاف: "جاهزون لحماية التحول الديموقراطي، حتى آخر قطرة دم".

اعتبر أعضاء لجنة التمكين أن سحب قوات الحراسة من مقارها وحيازاتها التي أعيدت إلى الشعب السوداني وخزانته العامة، وسحب الحراسات عن أعضاء اللجنة، يعدّان "مؤشراً خطيراً على الالتفاف على إرادة الشعب السوداني"

ورداً على مطالب البرهان بتوسعة قاعدة الائتلاف الحاكم، قال الفكي بحزم شديد: "في قوى الحرية والتغيير لن نسمح لأي شخص أن يتلاعب بمصير الشعب أو يملي عليها تعديل المعادلة".

وقوطع الفكي غير ما مرة بهتافات الثوار، ومنها: "الجيش جيش السودان... الجيش ما جيش برهان"، "في ساعة تلقى الرد... كل الشوارع سد"، و"جهز عديل كفنك... يا أنت يا وطنك".

وفي كلمته أمام الحشود، حيّا مقرر اللجنة صلاح مناع قوات الشرطة السودانية، لاستجابتها لتوجيه رئيس الوزراء، وتوجهها إلى حراسة المقار المستردة.

وقال وزير شؤون الوزراء، خالد عمر يوسف في مداخلته: "إن سحب الجيش والشرطة من مقر لجنة التفكيك والمؤسسات المُستردة أتى ضمن سلسلة أفعال واعتداءات على لجنة التفكيك بغرض إضعاف فترة الانتقال للانقلاب عليها".

وتتعرض اللجنة لانتقادات معظمها صادرة عن عناصر وذوي النظام البائد، مع استنثاءات موضوعية عن إزاحتها لعناصر من أهل الكفاية ولا صلات لهم بالبشير.

 في السياق نفسه، نفت اللجنة اتخاذها قراراتها بمنهج التشفي أو الانتقام، ودعت إلى المسارعة في تكوين لجنة استئنافات لإنصاف المتظلمين من قراراتها.

وعقب الخطاب، خرج الثوار في عدد من المدن للتنديد بأي مساعٍ للانقلاب، ولتأييد الحكم المدني.

في الوقت نفسه، أعلنت قوى الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم) مواصلتها التصدي لمحاولات الانقلاب على التحول المدني. وحذّر عضو اللجنة المركزية لقوى الحرية والتغيير عمر الدقير، في مؤتمر انعقد مساء الأحد، من الانقلابات، ونادى بإصلاح المؤسسة العسكرية، مشيراً إلى أن القوات المسلحة في خدمة الشعب، و"ليست وصية على أحد" في رفض مباشر لتصريحات البرهان التي قال فيها إن "الجيش وصي أمين على السودان". ودعا عضو اللجنة المركزية صديق الصادق المهدي القوات المسلحة للاضطلاع بمهامها في حفظ الأمن، وفتح الطرق القومية، ووقف عمليات التهريب. وتابع: "لن نستمر في شراكة لا تحقق تطلعات السودانيين في الحرية والسلام والعدالة".

توازياً، سارع الفصيل المناوئ للمجلس المركزي للحرية والتغيير، باسم "اللجنة الفنية لإصلاح الحرية والتغيير" إلى إصدار بيان مؤيد لموقف المكون العسكري. ومن أبرز أعضاء هذه اللجنة الفنية حاكم دارفور مني أركو مناوي، ووزير المال جبريل إبراهيم، ورئيس مسار الوسط التوم هجو.

في المقابل، طالب تجمع المهنيين السودانيين، وهو رأس رمح الثورة السودانية، بإنهاء الشراكة مع العسكر، وإلغاء الوثيقة الدستورية، وصولاً لتشكيل حكومة مدنية خالصة.

موقف حمدوك

في تصريحات خصّ بها التلفزيون الرسمي، أهاب رئيس الوزراء عبدالله حمدوك بجميع الأطراف للتمسك بالوثيقة الدستورية، ونادى بضرورة وحدة قوى الثورة، ورفض تصوير الصراع القائم على أنه صراع بين عسكريين ومدنيين، و"إنما هو صراع بين المؤمنين بالتحول المدني الديموقراطي من المدنيين والعسكريين، والساعين إلى قطع الطريق أمامه من الطرفين".

هل تقع المواجهة؟

يستبعد المحلل السياسي، نور الدين شرفي، في حديثه إلى رصيف22، أن يصل الأمر إلى مواجهة عنيفة بين المدنيين والعسكريين. ويضيف: "الأمور في النهاية ستنحو إلى اجتراح حلول توافقية، تضمن للعسكر فاعلية في المشهد، وقوامة في مسألة إصلاح مؤسساتهم، وفي المقابل ستضمن سلطات تنفيذية حكومية أكبر للمدنيين". ويشدد على أن "الشراكة وحدها الكفيلة بالعبور بالسودان في هذه المرحلة الحساسة".

أما الصحافي ميسرة فؤاد، فيحذر من أن الخلافات والشقاقات الجارية تصرف النظر عن الأزمات الجمة التي تعصف بالبلاد، ومنها ما يحدث في الشرق من محاولات انفصالية. وتساءل: "في حال حدوث خلاف دستوري بين العسكر والمدنيين من يمكنه تمثيل الصف المدني المنشق شذر مذر (المفتت)".

وأكد القيادي الشاب وعضو لجان مقاومة الكدرو، صهيب عمر، أنهم معنيون بالحكم المدني وحراسة أهداف الثورة. وقال لرصيف22: "إذا أراد العسكر اللعب على انقسامات الساسة، فالشارع على قلب رجلٍ واحدٍ، وقادر على تصحيح المعادلة كما فعل حين أعادَ المدنيين إلى المشهد في 30 يونيو/ حزيران 2019 بعد سيطرة العسكريين على مقاليد الأمر عقب تنفيذهم مجزرة القيادة العامة".

وتابع: "لا أنصح العسكر والمغامرين بالانقلاب، فالشعب لن يقبل ثانية بنظام ديكتاتوري، ولكن من أراد أن يجرب، فليتذكرنا طوال الثورة وما تلاها من أيام، وليتذكر ‘أن من يجرب المجرب، حتماً ستحيق به الندامة’"

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard