خلال الحرب العالمية الثانية، والسنوات التي سبقتها، أظهرت النخب العربية إعجاباً كبيراً بالزعيم النازي أدولف هتلر، وقد وجدت فيه نصيراً ضد الصهيونية في فلسطين والاحتلالات الأوربية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كان ذلك من منطلق "عدوّ عدوّي هو صديقي"، وفي عام 1936 نشرت جريدة النداء البيروتية مذكرات "الفوهرر" على حلقات، مترجمة عن الألمانية من قبل الصحفي اللبناني كامل مروة، مؤسس جريدة الحياة، وقد قام الزعيم السوري فخري البارودي بجمع تلك المذكرات وأعاد نشرها في دمشق تحت عنوان "كفاحي"، ولكن الرقابة الفرنسية صادرته ومنعت تداوله.
خلال الحرب العالمية الثانية، والسنوات التي سبقتها، أظهرت النخب العربية إعجاباً كبيراً بالزعيم النازي أدولف هتلر
قبل الحرب بأربع سنوات، وصل أول مندوب عن الرايخ الثالث إلى دمشق، هو السفير جول روبيل، مندوب ألمانيا الدائم في عصبة الأمم، واجتمع مع عدة شخصيات سورية معروفة بعدائها للصهيونية وإعجابها الصريح بهتلر. وفي تشرين الثاني 1934، زار الأمير شكيب أرسلان برلين، وتبادل الرسائل الخطية مع حليف هتلر، الإيطالي بينيتو موسوليني، وقد طلب مساعدة مالية منه لمحاربة الصهيونية وحكم الانتداب الفرنسي. وفي بغداد، أُعيد نفس الكلام على مسمع السفير الألماني فرانز غروبا، من قبل الضابط اللبناني فوزي القاوقجي، وتكرّر على لسان رياض الصلح عند زيارته العاصمة التركية أنقرة، عندما وعد الحكومة الألمانية بأن يقف جميع العرب خلف النازية لو حرّرتهم من الفرنسيين والإنكليز والصهاينة. مع ذلك لم يجتمع أيٌّ من السوريين والعرب بهتلر طوال فترة حكمه، باستثناء مفتي القدس، الحاج محمد أمين الحسيني، الذي حظي بلقاء شهير مع الفوهرر في برلين يوم 28 تشرين الثاني 1941.
في عام 1936 نشرت جريدة النداء البيروتية مذكرات "الفوهرر" على حلقات، مترجمة عن الألمانية من قبل الصحفي اللبناني كامل مروة، مؤسس جريدة الحياة، وقد قام الزعيم السوري فخري البارودي بجمع تلك المذكرات وأعاد نشرها في دمشق تحت عنوان "كفاحي"، ولكن الرقابة الفرنسية صادرته ومنعت تداوله.
لقاء المفتي بهتلر
كان لهذا اللقاء تداعيات بالغة الأهمية بالنسبة للعالم العربي، فقد اختار هتلر استقبال المفتي بعد ستة أشهر من إعلانه الحرب على الاتحاد السوفياتي، في وقت كان جيشه يحاصر مدينة لينينغراد ويقف على مشارف موسكو. العالم كله كان يتوقع سقوطاً سريعاً لنظام جوزيف ستالين، ولم تكن الولايات المتحدة قد دخلت الحرب بعد. في بداية حديثه، قال المفتي لهتلر: "عدوُّنا مشترك: الإنكليز، اليهود والشيوعية!"، فهزّ هتلر برأسه مؤكداً كلام الزعيم الفلسطيني، فأكمل المفتي كلامه واقترح تمويل "ثورة عربية جديدة، تحمل توقيعاً ألمانياً هذه المرة وليس بريطانياً، للتخلص من جميع هؤلاء"، طالباً من برلين إعلان موقف رسمي من قضية الوطن القومي لليهود، مُضيفاً: "الشعب العربي يريد أن يسمع في العلن ما يُتداول بالهمس في كلّ العواصم العربية، ما هو موقفكم الصريح والعلني من قضية فلسطين؟".
مفتي القدس الحاج محمد أمين الحسيني لهتلر... "الشعب العربي يريد أن يسمع في العلن ما يُتداول بالهمس في كلّ العواصم العربية، ما هو موقفكم الصريح والعلني من قضية فلسطين؟"
كانت المحرقة اليهودية في أشهرها الأولى، ومعسكرات التعذيب كانت لا تزال في مرحلة التشييد في بولندا، ويبدو أنّ مفتي القدس كان على علم مسبق بقرار تصفية اليهود في المجتمعات الأوروبية. جاء جواب هتلر حازماً: "إنّ موقف ألمانيا غير قابل للتنازل في ما يتعلق بحربها على اليهود ومشروع وطنهم داخل فلسطين. نحن حالياً في معركة حياة أو موت مع قلعتين من القوة اليهودية، هما بريطانيا العظمى وروسيا السوفياتية. هي حرب وجود بالنسبة إلينا أو دمار شامل للجميع". ردّ المفتي مادحاً وشاكراً، ثم طلب من هتلر المساعدة على تشكيل كتيبة عسكرية من مُسلمي البوسنة للمحاربة إلى جانب الجيش الألماني، معرباً عن استعداده لقيادتها بنفسه، وطالب بتمويل ألماني للمجاهدين الفلسطينيين والعرب في حربهم على الصهيونية.
أجابه هتلر: "سيحصل ذلك، ولكن بعد أن نصل إلى جنوب القوقاز. وقتها ستنالون استقلالكم، وبإمكانك أن تثق بكلامي". بعد أربع وسبعين سنة من هذا اللقاء، استشهد به رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في تشرين الأول 2015، وقال إنّ محاضر هذا الاجتماع تُثبت أن مفتي القدس هو الذي أقنع هتلر بمحرقة اليهود، علماً أنه لو قرأ نتنياهو بدقة تلك المحاضر الموجودة في أرشيف إسرائيل اليوم، لعرف أن المحرقة كانت قد بدأت ولم يكن هتلر بحاجة لإقناع من أحد، بل كان يبحث عن شركاء دوليين لحملته، ووجد أحدهم في الحاج الحسيني.
بعد هذا اللقاء، استقرّ المفتي في العاصمة الألمانية، وصار يخطب بالجماهير النازية ويُترجم كلامه إلى الألمانية عبر إذاعة برلين: "أنتم أيها الشعب الألماني العظيم تعرفون كيف يجب التخلص من اليهود، وأنتم أيها العرب، قفوا وقفة رجل واحد، ودافعوا عن حقوقكم".
أدركت الحكومة الفرنسية أن معارضة العرب للحركة الصهيونية ستدفع ملايين الناس إلى الوقوف مع دول المحور، لا محبة بهتلر بل كرهاً بالصهيونية وبالانتداب البريطاني في فلسطين والفرنسي في سورية ولبنان. استقبلت دمشق خبر لقاء المفتي بهتلر وكأنه إنجاز عظيم لحركتهم الوطنية، ورُفعت صور الحاج أمين في المنازل والأسواق والأماكن العامة، ووصلت آلاف البرقيات من دمشق إلى برلين تُبارك هذا اللقاء "العظيم". فرضت حكومة الانتداب القوانين العرفية على جميع أنحاء البلاد السورية، ومعها رقابة مشددة على الصحف، وصارت دوريات الجيش الفرنسي تجول على مقاهي دمشق للتأكد من عدم تجمهر الناس للاستماع إلى إذاعة برلين، التي بدأت تبثُّ نشرات إخبارية كاملة باللغة العربية، تصل مدتها إلى خمس وتسعين دقيقة يومياً.
تجنُّباً للملاحقة والاعتقال من قبل الفرنسيين، ابتكر الدمشقيون اسماً حركياً لهتلر، وصاروا يسمّونه "أبو رشيد"، وفي بيروت أُطلق عليه اسم "أبو سعيد"
أصبح الإشهار عن أي دعم أو إعجاب بهتلر جريمة يُعاقب عليها القانون العسكري الفرنسي. تجنُّباً للملاحقة والاعتقال، ابتكر الدمشقيون اسماً حركياً لهتلر، وصاروا يسمّونه "أبو رشيد"، وفي بيروت أُطلق عليه اسم "أبو سعيد". ولضرب سمعة الزعيم النازي لدى السوريين، روّجت المخابرات الفرنسية شائعة قوية مفادُها أن هتلر وضع سُلّماً هرمياً للبشرية، وخصَّ العرب بأدنى المراتب، "بعد اليهود وقبل القرود"، وإلى اليوم، وبعد مرور أكثر من سبعة عقود على زوال الحكم النازي في ألمانيا ما زال بعض العرب يرددون هذا الكلام نقلاً عن هتلر، علماً أنه غير مُثبت تاريخياً، ولا وجود له في أيٍّ من خطاباته المسجلة.
روّجت المخابرات الفرنسية شائعة قوية مفادُها أن هتلر وضع سُلّماً هرمياً للبشرية، وخصَّ العرب بأدنى المراتب، "بعد اليهود وقبل القرود"، وإلى اليوم، وبعد مرور أكثر من سبعة عقود على زوال الحكم النازي في ألمانيا ما زال بعض العرب يرددون هذا الكلام نقلاً عن هتلر، علماً أنه غير مُثبت تاريخياً، ولا وجود له في أيٍّ من خطاباته المسجلة.
القمصان الحديدية
في كانون الأول 1937 وصل الضابط النازي الرفيع، البارون بالدور فون شيراخ، إلى دمشق، واجتمع طويلاً مع سعيد فتاح الإمام، رئيس جمعية متخرجي المعاهد والجامعات الألمانية في سورية، فطلب منه دعماً عسكرياً لتشكيل ميليشيات عربية لمحاربة الصهاينة في فلسطين، وبعد أن أبدى فون شيراخ اهتماماً شديداً بتنظيم شبه عسكري كان قد ظهر لفترة قصيرة في شوارع المدن السورية الكبرى، وأُطلق عليه اسم "القمصان الحديدية". أسس فخري البارودي هذا التنظيم بالاشتراك مع الدكتور منير العجلاني، في آذار 1936، ووصل عدد المنتسبين إليه قرابة خمسة عشر ألفاً، معظمهم في دمشق وحلب. ولدت الفكرة لدى الدكتور منير العجلاني فور عودته من دراسة الحقوق في جامعة السوربون مطلع الثلاثينيات، بعد مشاهدته صعود شبيبة "القمصان البنية" التابعة لهتلر، و"القمصان السود" الموالية لموسوليني، في شوارع برلين وروما.
في النسخة السورية من تلك التنظيمات، ارتدى الفتيان ربطة عنق سوداء وقميصاً حديدي اللون مع جزمات عسكرية وقبعات فيصلية، تشبه تلك التي كان يرتديها الملك فيصل وضباطه خلال الثورة العربية الكبرى. وضع شباب "القمصان" على أذرعتهم اليمنى ربطة حمراء شبيهة بربطة رجال هتلر، ولكن بدلاً من الصليب المعكوف وضع عليها السوريون صورة يد تحمل شعلة من نور. نظراً إلى كثرة التشابهات بين "القمصان الحديدية" والحزب النازي، قيل إنّ هذا التنظيم هو أحد أذرع هتلر في سورية، وقامت السلطات الفرنسية بحلِّه ومُصادرة جميع مكاتبه وممتلكاته. تجربة "القمصان" لم تكن يتيمة في المشرق العربي، لكنها كانت الوحيدة في دمشق.
في لبنان ظهر الحزب السوري القومي الاجتماعي لأنطون سعادة في مطلع الثلاثينيات، وكان شديد التأثر بهتلر، تلته "الكتائب اللبنانية" للشيخ بيار الجميّل في تشرين الثاني 1936، والتي وصل عدد أفرادها، بعد ثلاث سنوات من تأسيسها، إلى 22 ألف من المسيحيين الموارنة في بيروت وجبل لبنان. في صيف العام ذاته، سافر الجميّل إلى ألمانيا لحضور دورة الألعاب الأولمبية في ميونخ، وأُعجب بالقدرة الهائلة على التنظيم لدى الحزب النازي وحاول تطبيقها في صفوف حزبه.
في لبنان ظهر الحزب السوري القومي الاجتماعي لأنطون سعادة في مطلع الثلاثينيات، وكان شديد التأثر بهتلر، تلته "الكتائب اللبنانية" للشيخ بيار الجميّل في تشرين الثاني 1936
تتالت الزيارات النازية لدمشق، فوصل الهر والتر بيك وفي حقيبته سبعون منحة لطلاب سوريين يرغبون في الدراسة في جامعة برلين أو أي جامعة ألمانية. في كانون الثاني 1941، أرسل هتلر أحد مستشاريه، الهر والتر فون هينتغ ومعه رودولف روسير من المخابرات الألمانية، في جولة شاملة على بلدان الشرق الأوسط. في فندق الميتروبول في بيروت، قابل رياض الصلح والأمير عادل أرسلان، وفي دمشق استُقبل بأعلام الحزب النازي وهي تُزيّن الشرفات وشارع النصر ومحطة الحجاز. نبّه فون هينتغ مضيفيه السوريين إلى أنّ الأيام المقبلة ستشهد "فجر النازية" في العالم العربي، ووعد بمنح سورية استقلالها وتحريرها من نظام الانتداب، ولكن ليس قبل انتصار ألمانيا على الفرنسيين والإنكليز. وعد كذلك بتحرير فلسطين من الصهاينة وتدمير المشروع اليهودي كلياً، وقال لهم: "إذا انتصرت فرنسا في الحرب العالمية فستعطي فلسطين لليهود، وما بقي من شمال سورية للأتراك كما أعطتهم لواء إسكندرون قبل سنوات".
السوريون وهتلر بعد الحرب
في نيسان 1945، انتحر الفوهرر بالسُّم قبل إلقاء القبض عليه، مُنهياً حياته وحياة عشيقته إيفا براون، ومُسدلاً الستار على مسيرة إحدى أكثر الشخصيات العالمية إشكالية في القرن العشرين. انهار الرايخ الثالث بسرعة، وأُحيل أربع وعشرون من كبار ضباطه على المحاكمة في مدينة نوريمبرغ شمال ميونخ، وتحوّلت النازية من يومها إلى تهمة رهيبة في معظم دول العالم. وحدها دمشق بقيت ملجأ لبعض الشخصيات النازية، التي وجدت فيها مسكناً آمناً بعد خروج الفرنسيين عام 1946. على سبيل المثال، قام حسني الزعيم، عندما كان رئيساً لأركان الجيش السوري خلال حرب فلسطين، باستقطاب مجموعة من فلول البوليس السري الألماني، المعروف بالغيستابو، وعيّنهم حراساً على باب مكتبه في الأركان العامة، وكلَّفهم حمايته الشخصية، نكاية بالحركة الصهيونية خلال أشد معارك الميدان الفلسطيني.
في عام 1951 اشترى الرئيس أديب الشيشكلي سيارة هتلر "المرسيدس" المكشوفة للتنقل بها في دمشق واستخدامها في العروض العسكرية. كان الفوهرر يستخدم تلك السيارة الشهيرة خلال استعراضاته الجماهيرية في برلين، رافعاً يده اليمنى أمام ملايين الشباب وهم يهتفون: "هايل هتلر!"
في عام 1951 اشترى الرئيس أديب الشيشكلي سيارة هتلر "المرسيدس" المكشوفة للتنقل بها في دمشق واستخدامها في العروض العسكرية. كان الفوهرر يستخدم تلك السيارة الشهيرة خلال استعراضاته الجماهيرية في برلين، رافعاً يده اليمنى أمام ملايين الشباب وهم يهتفون: "هايل هتلر!" اشترت الحكومة السورية سيارة هتلر من مدينة "كان" في جنوبي فرنسا، وتحمّلت تكاليف نقلها إلى دمشق، وهي 70 ألف ليرة سورية مع ثمنها، لاستخدامها خلال استقبال ملك الأردن الشاب طلال بن عبد الله، ولكنها تعطلت وتوقّفت عن السير في طلعة الجسر الأبيض، بالقرب من السفارة الفرنسية، ما أجبر الشيشكلي وضيفه على السير على الأقدام ثم ركوب سيارة المرافقة. وقد جرى التخلص من السيارة وأعيدت إلى أوروبا، ثم بيعت إلى هاوي سيارات ألمانية قديمة في روسيا عام 2009.
اثنان من رجالات الرايخ الثالث وصلا أيضاً إلى دمشق في عهد الاستقلال، ووجدا استقبالاً دافئاً من الحكومة والشعب، ليس إعجاباً بماضيهم السياسي، ولا بهتلر أو بإنجازهم العسكري، بل لمجرد أن هؤلاء كانوا مُعارضين للمشروع اليهودي ولديهم خبرة بوليسية نادرة في ملاحقة اليهود أينما وجدوا.
النازي الأول كان والتر راوف (1906-1984)، مساعد هاينريش هيملر، أحد أشهر وأشرس ضباط هتلر، الذي ترأس جهاز الغيستابو وعُين في المكتب الأمني القومي للرايخ الثالث، ليصبح من مشاهير رجالات المخابرات الألمانية. شارك والتر راوف بالمحارق اليهودية، ونُسب إليه مقتل 100 ألف شخص خلال الحرب، معظمهم من يهود ألمانيا، وكثير من المعارضين في لاتفيا وأوكرانيا وبولندا. في نهاية الحرب سلّم نفسه لجيوش الحلفاء وتم اعتقاله داخل فندق في ميلان، والذي هرب منه وعاش في دير مسيحي لسنوات قبل أن ينتهي به المطاف في دمشق نهاية عام 1946.
لا نعرف كيف وصل راوف إلى سورية وكيف تعرّف إلى الضباط السوريين. المؤكد الوحيد أنّ والتر راوف عاش في سورية في الفترة ما بين 1946-1949، وعُين مستشاراً لمكتب أخبار الجيش من قبل رئيسه المقدم أكرم عكر، وأنه أسلم خلال إقامته في دمشق، وأصبح يُعرف باسم "عبد الله رؤوف". لا نعرف أيضاً إن كان قد دخل الأراضي السورية بشكل نظامي، ومدى معرفة السلطات السورية بوجود ضابط نازي هارب من العدالة الدولية في دمشق، وأنه يعمل مع المؤسسة العسكرية. طُلب منه إعادة هيكلة جهاز الأمن السوري، وعاش بعيداً عن عيون المجتمع في منزل متواضع في حيّ نوري باشا.
أما الضابط الثاني فهو أليوس برونر (1912-2010) مساعد أدولف أيخمان، الضابط الرفيع في القوات الخاصة الألمانية في زمن الحرب العالمية الثانية. كان برونر مسؤولاً عن أحد أشهر معسكرات الاعتقال المكلّفة تصفية اليهود خارج باريس، ومثله مثل والتر راوف، كان متهماً بجرائم حرب في كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة. نجا من قبضة الحلفاء في نهاية الحرب، مستخدماً أوراقاً ثبوتية مزوّرة صادرة عن منظمة الهلال الأحمر، وذهب أولاً إلى القاهرة بعد وصول جمال عبد الناصر إلى الحكم، ثم إلى سورية أيام الوحدة، لتدريب الكلاب البوليسية التابعة لشعبة المخابرات العسكرية وتأهيلها، وكانت دعوته من مدير المكتب الثاني السابق ووزير الداخلية في جمهورية الوحدة، عبد الحميد السراج. عالمياً، وُجِّهت إليه عدة تهم غيابية، تصل عقوبة كل واحدة منها إلى الإعدام شنقاً حتى الموت، منها ترحيل أكثر من أربعين ألفاً من يهود النمسا إلى المعتقلات النازية، وقرابة سبعين ألفاً من سالونيكا اليونانية، مع إرسال عدد من الأطفال اليهود إلى معسكر أوشفيتز الشهير في بولندا.
وقع انقلاب الانفصال وهو في دمشق سنة 1961 وقُطعت العلاقات مع مصر، فلم يستطع برونر العودة إلى القاهرة، فمنحته الحكومة السورية لجوءاً سياسياً وكُلّف تدريب كوادر المكتب الثاني قبل إحالته على التقاعد في نهاية الستينيات. عَمل أُستاذاً للغة الألمانية في منازل الطلبة الدمشقيين، ولكن باسم مستعار هو "الدكتور جورج فيشر". عاش سنوات طويلة في منزلٍ أنيق في حيّ الروضة بالقرب من رابطة المحاربين القدماء، وتعرّض لمحاولة اغتيال مرتين على يد جهاز الموساد الإسرائيلي، بواسطة طرود بريدية ملغَّمة أرسلت إليه، كانت الأولى عام 1961 والثانية عام 1980، وأدت إلى فقدانه إحدى عينيه وكل أصابع يده اليسرى.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...