شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
لبستُ الثياب المبهجة بعد وفاة أمّي

لبستُ الثياب المبهجة بعد وفاة أمّي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 20 سبتمبر 202112:52 م

قال لي علماء النفس، عبر صفحات عديدة وجدتها في محرك البحث، غوغل: اقضي بعض الوقت مع الأصدقاء/ الصديقات، والعائلة، ولا تعزلي نفسك، ولا تجلسي مع حزنك وأفكارك، في غرفة واحدة ليس فيها أحد. اعتني بنفسك، ومارسي الرياضة، وتابعي مسلسلك المفضّل على نتفليكس، وتناولي الطعام بشكل جيّد، واحصلي على قسطٍ كافٍ من النوم.

هذه هي الخطوات التي ينصح بها خبراء علم النفس والاجتماع، بعد موت شخص عزيز.

أمّا الرجل، فحزنه في قلبه، ولا حرج عليه إن ارتدى اللون الأحمر، أو البرتقالي، بعد وفاة أمه بأيّام قليلة.

إلّا أن تأثير تكبّد الخسارة، يختلف من شخص إلى آخر، ومن ثقافة إلى أخرى، إذ لم أستطع أن أقوم بهذه الخطوات، عندما ماتت أمي بسبب فيروس كورونا، قبل أشهر قليلة مضت.

من المعروف أن هناك خمس مراحل للحزن، يمرّ بها الأشخاص جميعهم، وهي كالتالي:

الإنكار، والغضب، والمساومة، والاكتئاب، وأخيراً القبول.

بعد أن مررت بهذه المراحل كلها، خلال وجودي في لبنان، اكتشفت أن المنظومة الاجتماعية، بالإضافة إلى العادات والتقاليد، لا زالت تملك الكلمة الأخيرة، في بلدٍ ينهشه الفساد السياسي والاجتماعي.

اكتشفت أنه حتى الحزن في بلدي الأم، يخضع لقوانين خارجة عما ذكره خبراء علم النفس في دراساتهم المعمّقة.

اكتشفت أنه حتى الحزن في بلدي الأم على وفاة أمّي، يخضع لقوانين خارجة عما ذكره خبراء علم النفس في دراساتهم المعمّقة

لا يختلف لبنان، في هذا المضمون، عن غيره من الدول المجاورة، وبلدان الشرق الأوسط، إذ تحتوي الثقافة العربية في مضامينها الاجتماعية، على العديد من العادات والسلوكيات، في ما يتعلّق بالموت، وكيفية الحزن على الميت.

فمن وجهة نظر المجتمع، كلّما ظهر على ابنة الفقيدة الحزن، من بكاءٍ، وصراخٍ، وارتداء ملابس سوداء، وشعرٍ منكوش، وانتفاخ في العينين، كانت أكثر حزناً على أمّها.

أما الرجل، فعليه أن يبقى كتوماً، في مثل هذه المناسبات؛ يكبت حزنه، ويتماسك أمام الناس. فإن بكى، يقابله المحيطون به، بضرورة عدم القيام بذلك، لأن البكاء ليس من صفات الرجال، وهو علامة ضعف مرتبطة بالنساء فحسب.

بالإضافة إلى ذلك، على المرأة ارتداء اللون الأسود، فترةً من الزمن (تتفاوت هذه الفترة حسب المنطقة، والدين، والقبيلة). أمّا الرجل، فحزنه في قلبه، ولا حرج عليه إن ارتدى اللون الأحمر، أو البرتقالي، بعد وفاة أمه بأيّام قليلة.

حاولت، كما يفعل البعض في هذه الأيام، أن أكتب قصيدة عن مدى اشتياقي إلى أمي، على صفحتي في فيسبوك، مُلحَقةً بصورة لها، وهي تبدو سعيدة في إحدى المناسبات، كي أبرهن للناس عن مدى حزني، لكنني لم أستطع... لا أريدهم أن يتلذذوا برؤيتي منصاعة لعاداتهم وقوانينهم التي انتقلت إلى وسائل التواصل الاجتماعي، بعدما كانت محصورة بالبيت، والحارة.

أردت أن أكتب مدوّنةً، أخبر فيها العالم أجمع، عن صفات أمي، وتأثيرها على حياتي، لكنني فقدت الكلمات كلها، عندما ماتت... لم أتمكن من البقاء في القالب الذي خصصه لي المجتمع.

لماذا عليّ أن أتّبع تقاليدهم البالية؟! من هم ليخبروني كيف أحزن، وماذا ألبس، وكيف أعبّر عن حزني؟!

بدل البكاء والنحيب، وارتداء الأسود، حاولت الخروج من أجواء الحزن، عبر الاهتمام بشكلي، وارتداء الثياب المبهجة، والخروج مع الأصدقاء. وهذا ممكن، لأنني لم أعد أعيش في لبنان، حيث كانت نظرات الناس ستلاحقني، لتصنّفني ابنة عاقّة غير آبهة، ولا يبدو الحزن عليها.

بدل البكاء والنحيب، وارتداء الأسود، حاولت الخروج من أجواء الحزن، عبر الاهتمام بشكلي، وارتداء الثياب المبهجة، والخروج مع الأصدقاء. وهذا ممكن، لأنني لم أعد أعيش في لبنان، حيث كانت نظرات الناس ستلاحقني، لتصنّفني ابنة عاقّة غير آبهة، ولا يبدو الحزن عليها

يقولون إن للحزن خمس مراحل، علينا أن نمرّ بها، كي نخرج من ألم فقدان شخص عزيز. وأنا من موقعي كإنسانة فقدت أمها، أودّ أن أضيف إلى الحزن مرحلة سادسة، قد تساعد من يعيش في مجتمع لا يأبه إلا بالمظاهر...

فبعد الإنكار، والغضب، والمساومة، والاكتئاب، والقبول، يأتي التجاهل. تجاهل من يفرض عليك كيف تحزن، ومن يتكلم عنك بالسوء، لأنك لم ترضِ معتقداته المبنية على سنواتٍ من الأفكار الرجعية المتوارثة.

لا أعتقد أن أمّي التي ملأت الدنيا فرحاً، ورقصاً، ونكاتٍ، أمّي الّتي كانت تكره اللون الأسود، وتعشق الحياة، ستفرح لو رأتني أبكي ليل نهار، وألبس الأسود إرضاءً للمجتمع الذكوري الحاضر في فيسبوك، وواتساب. المجتمع الّذي ميّز بيني وبين أخي، في الحزن، والفرح، وحتى في الحياة.

قرأت في مكان ما، أنه لا يجب أن نتعمّق في الحزن، لأنه لا يغادر بسهولة. فلندعه يمضي مثلما أتى... ولنتكمّش بذكرياتنا مع من تركوا أثراً كبيراً في حياتنا.

أمّي، يا امرأة قوية لن تتكرّر... ارقدي بسلام.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard