شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
قرصنة الكتب في العالم العربي

قرصنة الكتب في العالم العربي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 28 أغسطس 202105:42 م

لا تزال آليات حماية حقوق المؤلفين والناشرين قاصرة في مصر والعالم العربي، في ظل التنصّل من تطبيق اتفاقيات الملكية الفكرية وتفعيل قوانينها، وضعف الرقابة على المصنفات، وضآلة عقوبات التزوير والقرصنة.

ومع زيادة الإقبال على النشر الإلكتروني في الآونة الأخيرة بسبب غلاء الورق والأحبار وارتفاع تكاليف الطباعة وتقلّص الفعاليات الثقافية إثر جائحة كورونا، تتجدد التساؤلات حول أزمة تزوير الكتب العربية، ومدى تعميق هذه الإصدارات الإلكترونية الجديدة مشكلةَ الحقوق الضائعة، وذلك لسهولة تداول المحتوى الرقمي وبثه وتحميله بالمجان عبر مواقع الإنترنت، التي لا تراعي خسائر المؤلفين ودور النشر الفادحة، المقدرة بملايين الدولارات خلال أشهر قليلة.

وقد جاءت الدورة الثانية والخمسون من معرض القاهرة الدولي للكتاب (30 يونيو/حزيران – 15 يوليو/تموز 2021)، لتفتح الباب على مصراعيه لمناقشة هذه القضية، خصوصاً أنها كانت دورة الموازنة بين الإصدارات الورقية "الكاسدة"، والأخرى الإلكترونية "المتنامية"، والتي يُفترض أنها في الأساس تمثّل بصيغتها الرقمية أحد الحلول المنطقية للإبقاء على حركة الكتب ومواجهة البوار والتباطؤ في مجال النشر التقليدي وتجمّد قطاع الورق والطباعة.

على أن الرياح قد أتت في ما يبدو على غير ما تشتهي السفن، حيث إن هذه الإصدارات الرقمية قد تقود إلى المزيد من الإضرار بحقوق المؤلفين والناشرين على السواء، وتعقّد أزمة تزوير الكتب التي تثار عادة بالتزامن مع انعقاد دورات معارض الكتب، وذلك بسبب تصاعد موجات التزوير والقرصنة على نحو غير مسبوق في الفترة الماضية، وازدياد الصفحات والمواقع الإلكترونية التي تنسخ الكتب وتتيحها بالمجان، أو تسطو على ملكيتها بدون وجه حق، مقابل عائد مادي زهيد لصالحها، بدون أن تلقى عقوبات رادعة، وهي أزمة حقيقية على الصعيد العربي تتطلب طرح حلول جديّة لمعالجتها.

دور الدولة

مما لا شك فيه أنه من أكبر المشكلات التي تواجه صناعة النشر في العالم العربي هي القرصنة وتزوير الكتب، وقد بلغت هذه المشكلة ذروتها بسبب زيادة الصعوبات الاقتصادية على كافة الأصعدة، فلم يعد الأمر يحتمل المزيد من الضرر بالنسبة لدور النشر، التي تعيش أسوأ أيامها منذ سنوات، وجاء التوجه الأخير إلى النشر الرقمي والإلكتروني ليصل بالأزمة إلى أعلى درجات غليانها.

مع زيادة الإقبال على النشر الإلكتروني في الآونة الأخيرة بسبب غلاء الورق والأحبار وارتفاع تكاليف الطباعة وتقلّص الفعاليات الثقافية إثر جائحة كورونا، تتجدد التساؤلات حول أزمة تزوير الكتب العربية

وفي تصريحه لرصيف22، يؤكد الناشر مصطفى الشيخ، مدير دار "آفاق" أنه مع ظهور وباء كورونا واتجاه العالم إلى الإغلاق التام، نال الإلغاء بطبيعة الحال معارض الكتب العربية والدولية على مدار عام كامل أو أكثر، وكانت من أهم مصادر الدخل للناشرين وأبرز النوافذ لتعريف القرّاء بإنتاج الناشرين، ومن ثم كان الحل المثالي هو الانتقال إلى النشر الإلكتروني لتعويض غياب هذه المعارض، لكن للأسف فإن القرصنة الإلكترونية والسطو على حقوق المؤلفين والناشرين وإتاحة الكتب بالمجان على الإنترنت في بعض الأحيان قد عمّق الأزمة تماماً.

وللوصول إلى حل ومحاولة إنقاذ صناعة النشر من الانهيار، خصوصاً مع عودة المعارض إلى فتح أبوابها من جديد بشروط مختلفة، يشدد الشيخ على ضرورة إعادة النظر في قوانين القرصنة الإلكترونية، وتغليظ العقوبات على من يرتكب هذه الجريمة، وهنا يجب التحرك بقوة على مستوى الدولة. أما على مستوى العالم، فمن الواجب تكثيف التعاون بين جميع الدول، والتطبيق الكامل لاتفاقيات الملكية الفكرية الدولية، وتفعيل القانون الدولي ضد كل من يرتكب هذه الجريمة.

بين شقّي الرحى

لقد باتت دور النشر بين شقي الرحى، فهي لا تقوى على تكلفة النشر الورقي في ظل الأسعار الباهظة للورق والحبر ومحدودية معارض تسويق الكتب، كما أنها في حالة تكريسها للنشر الإلكتروني وبيع النسخ الرقمية لا تجد القوة الشرائية اللائقة التي تقيم داراً، فضلاً عن ضرب المزوّرين والقراصنة فكرة بيع الكتب الإلكترونية في مقتل.

إن عمليات السطو على الكتب الرقمية أو نُسَخ "الـبي. دي. إف" هي الآن "الأرق الأكبر" للناشرين والمؤلفين، وذلك بعد سنوات من الأرق الاعتيادي لقي فيها الكتاب الورقي بدوره ما لقيه من التزوير والقرصنة، وقد زادت حدة الأزمة بشكل كبير بعد توسع دور النشر في إتاحة إنتاجها الإلكتروني (E-Books) عبر منصات عربية متعددة.

وتوضح فاطمة البودي رئيسة مجلس إدارة دار "العين" للنشر في تصريح لرصيف 22 أن الحل يجب أن يبدأ من المنصات الإلكترونية المنضبطة، التي تشتري من الناشرين حقوق إتاحة وبيع النسخ الإلكترونية للكتب، فيجب عليها توفير سبل حماية كافية، ومحاربة المزوّرين والمنتهكين وملاحقتهم قانونيّاً. وبالطبع فإن على الدولة الدور الأكبر لملاحقة المخالفين، خصوصاً أن لديها من اللجان والوسائل الإلكترونية ما يمكنها من ضبط هؤلاء القراصنة، الذين يهددون صناعة الكتب بأكملها في مصر والعالم العربي.

عمليات السطو على الكتب الرقمية أو نُسَخ "الـبي. دي. إف" هي الآن "الأرق الأكبر" للناشرين والمؤلفين اليوم

من جهته، يرى الشاعر والكاتب المسرحي أحمد سراج أنه بخصوص حركة بيع الكتب في معرض القاهرة الدولي للكتاب، فقد تعرضت لضربة قاصمة، تتعلق بالظروف الاقتصادية للقرّاء، وبحرارة الصيف اللاهبة، وببعد المعرض، وبارتفاع أسعار الورق ومستلزمات الطباعة، وقد أثر هذا حتمًا على القوة الشرائية. كذلك، فقد تفاقم خطر كبير، تمثّل في دور النشر التي ركزت على "محتوى بلا حقوق ملكية"، فكانت هناك سوق ضارية، هي سوق الكتاب المقلد والمزوّر، التي أهدرت حقوق المؤلفين والناشرين بدرجة كبيرة، وتنبغي مواجهتها لاحقاً بقوانين رادعة، لاسيما في ميدان النشر الإلكتروني.

ميراث الانتهاك

على جانب آخر، هناك من يرون أن أزمة تزوير الكتب والسطو على حقوق نشرها أمر مستقل بذاته، وجريمة قانونية وأخلاقية قائمة منذ سنوات، سببها الأساسي غياب الرقابة والقوانين الرادعة، ولا يتحمل النشر الإلكتروني الذي ازداد في الأشهر الماضية الدور الأكبر في تعميق الأزمة، فأي كتاب ورقي هو في الأصل نسخة "بي دي أف"، يمكن تسريبها وتداولها إلكترونيّاً أو إعادة طبعها، كما أنه من الممكن تصوير الكتاب الورقي، وتحويله إلى نسخة "بي دي أف" يجري تناقلها، وهذا ليس صعباً على محترفي التزوير.

وتؤكد كرم يوسف مؤسسة دار "الكتب خان" في تصريح لرصيف22 أن القرصنة موجودة منذ عشرات السنين، وهي جريمة بشعة ومدمرة للناشر والمؤلف والمترجم وغيرهم من المشاركين في العملية الإبداعية والإنتاجية، وهذا الأمر يحتاج إلى تدخل الدولة وليس هذا الاتحاد أو ذاك، فالمواجهة تتطلب تحركاً سياديّاً من أعلى سلطة في الدولة، مع ضرورة الانضمام إلى سائر الاتفاقيات الدولية التي تحمي الحقوق.

وتشير الشواهد إلى أن ازدياد النشر الإلكتروني والبيع عبر المنصات الآمنة مثل أمازون وغوغل لم يلحق خسائر بالناشرين والمؤلفين في العالم الغربي، وهذا معناه أن تطبيق القانون هو الفيصل، وليس أسلوب النشر، ولن يلغي النشر الإلكتروني طباعة الكتب، لكن المحتوى الرقمي سمة المستقبل.

وتعتقد كرم يوسف أن الكتب بشكليها الورقي والإلكتروني لم ترق بعد إلى مستوى الصناعة بكل أسف في مصر والعالم العربي، ولا تجد الحماية الكافية، والقوانين المنظمة، والتشريعات التي تحفظ الحقوق، والعقوبات التي تردع المخالفين والمنتهكين، وتقول: "النشر الإلكتروني في هذه الأجواء، شأنه شأن الورقي، قد يتيح هامشاً محدوداً من البيع، لكن المنظومة كلها غير منصفة، ومليئة بالانتهاكات التي إن لم يجر التصدي لها، فهناك خطورة حقيقية على حركة النشر كلها".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard