شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"هناك أشياء فعلوها بي أشعر بالخجل من التحدث عنها"... التعذيب في السجون العراقية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 4 أغسطس 202104:12 م

"عشت أسوأ أيام حياتي (في السجن). فور وصولي، ضربني الضباط بأنابيب معدنية. في الأيام التالية، استخدموا أسلاك كهرباء مكشوفة لصعقي بها. في الأسبوع الثاني من الاعتقال أجبروني على أن أجثم على الأرض وربطوا ساقي بأنبوب معدني حتى لا أستطيع الوقوف. ثم قاموا بضرب باطن قدمي بأداة صلبة، مما أصابني بألم رهيب وأغمي عليّ. عندما استيقظت، رأيت المعتقلين الآخرين يفركون صدري لأستعيد وعيي".

هذه الشهادة على لسان أحد المحتجزين نزر يسير مما يحدث في السجون العراقية وفق تقرير لبعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) ومكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان بعنوان: "حقوق الإنسان في تطبيق العدالة في العراق: الشروط القانونية والضمانات الإجرائية لمنع التعذيب والمعاملة السيئة"، صدر في 3 آب/ أغسطس الجاري.

من الشهادات الأخرى، قول أحد المسجونين: "لقد قيدوا يدي وراء ظهري وعلقوا الأصفاد بخطاف في سلسلة متدلية من السقف. لم يطرحوا عليّ أي أسئلة، فقط استمروا بالصراخ لأعترف".

وذكر آخر: "كان نفس الروتين، كل يوم يعلقونني ويضربونني. هناك أشياء فعلوها بي أشعر بالخجل من التحدث عنها. ولكن هناك أمراً يمكنني أن أخبرك به: جعلوني أجلس على قنينة زجاجية مرتين".

التقرير الذي صدر في 34 صفحة يُغطي الفترة الممتدة من 1 تموز/ يوليو 2019 حتى 30 نيسان/ أبريل 2021، وهو يستند إلى مقابلات مع 235 محتجزاً (بينهم 11 امرأة و15 صبياً) علاوة على موظفين في السجون وقضاة ومحامين وأهالي معتقلين. وأكد معدوه أن أكثر من نصف المحتجزين، 122 شخصاً بينهم ثلاث نساء وسبعة فتيان، قدموا "روايات صادقة وموثوقاً بها عن التعذيب".

وقد خلص التقرير إلى أن "التعذيب حقيقة واقعية في أماكن الاحتجاز في جميع أنحاء العراق. ومع ذلك، ليس من الممكن التحديد الدقيق لحجم ونطاق التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة حيث يحدث عادةً خلف الأبواب المغلقة لمراكز الاحتجاز".

وأضاف: "روايات الضحايا لا تترك مجالاً للشك في أن التعذيب وسوء المعاملة يحدثان في العراق… بالرغم من أن الإطار القانوني العراقي يجرم التعذيب صراحةً ويحدد شروطاً قانونية أساسية وضمانات إجرائية تهدف إلى منعه، إلا أن هناك افتقاراً لاحترام هذه الأحكام".

انتهاكات متعددة وضروب من التعذيب

عدّد التقرير الانتهاكات التي يتعرض لها المحتجزون، بما في ذلك تأخير الوصول إلى محام إلى ما بعد الاستجواب بشكل ممنهج، وتأخير إبلاغ المحتجزين لذويهم حول تعرضهم للاحتجاز وتقييد الزيارات العائلية، وانتزاع "اعترافات" في بيئة قسرية والاعتداد بهذه الأقوال من قبل القضاة، والمطالبة بالتوقيع على أقوال دون قراءتها، وعدم فعالية آلية معالجة الشكاوى المتعلقة بالتعذيب وإساءة المعاملة.

الإذلال وصعق الأعضاء التناسلية للمحتجزين بالكهرباء وحشر زجاجات وعصي في فتحة الشرج… تقرير حقوقي أممي يرصد واقع #التعذيب_في_السجون_العراقية 

هذا، علماً أن التقرير لا يتضمن الانتهاكات الأخرى الناتجة عن ظروف الاحتجاز من حيث النظافة وعدم الاكتظاظ وتوفر المرافق والتهوية والتريض، وعدم الحصول على الرعاية الصحية وما شابه.

أفاد 27 محتجزاً في التقرير الأممي بتعرضهم لـ"الصفع والشتائم والإذلال والتهديد" أثناء احتجازهم. ومن أشكال التعذيب المبلغ عنها "الضرب المبرح على باطن القدمين بالعصي، والصعق بالصدمات الكهربائية، والوضعيات المجهدة والتعليق في السقف، والخنق". وتحدث 16 شخصاً، بينهم امرأة وصبي، عن تعرضهم للعنف الجنسي بما في ذلك استخدام الصدمات الكهربائية على الأعضاء التناسلية وحشر الزجاجات والعصي في فتحة الشرج.

ولفتت "يونامي" ومكتب مفوضية حقوق الإنسان الأممي إلى أن معظم مزاعم التعذيب أحيلت إلى مرافق خاضعة لسلطة وزارة الداخلية في العراق، والأسايش في إقليم كردستان (شرطة الإقليم الكردية)، ومنشآت تابعة لوزارتي العدل والدفاع العراقيتين وجهازي الأمن الوطني والمخابرات العراقيين.

مخاوف من التبليغ

في غضون ذلك، رجّح التقرير الحقوقي أن يكون التعذيب أوسع نطاقاً مما هو مبين فيه إذ أشار عدد من المحتجزين إلى خوفهم من الإبلاغ عن ضروب المعاملة المسيئة بسبب خشيتهم من "الأفعال الانتقامية".

وهو ينوه في الوقت ذاته بشيوع الإفلات من العقاب. وعن ذلك قال أحد المحامين في التقرير: "لا يخشى الجناة حقاً عواقب قيامهم بالتعذيب لأنهم يعلمون أن النظام الرسمي لن يعاقبهم".

والأدهى أن بعض المحتجزين قالوا إن آثار التعذيب زالت قبل أن يُبت في مطالبهم بالتحقيق في ما تعرضوا له. حكى أحدهم: "في الوقت الذي رفعت فيه شكوى ضد السلطة كنت لا أزال أحمل ندوباً جراء تعرضي للضرب. لكن التعامل مع شكواي استغرق وقتاً طويلاً فشفيت خلاله تلك الندوب".

"التعذيب حقيقة واقعية في أماكن الاحتجاز في جميع أنحاء العراق. ومع ذلك، ليس من الممكن التحديد الدقيق لحجمه ونطاقه"... تقرير أممي يوثق الواقع المزري للتعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان في #السجون_العراقية

وبانتظام، تشير تقارير حقوقية محلية ودولية إلى تفشي التعذيب في مراكز الاحتجاز العراقية، وقد لوحظت زيادة كبيرة في عدد السجناء الذين توفوا خلال العام الجاري، وهو 130 سجيناً، وفق بيانات رسمية. ويتهم ناشطون حقوقيون السلطات بعدم الجدية في مناهضة التعذيب والممارسات المنتهكة للكرامة في مراكز الاحتجاز.

توصيات عاجلة

في ضوء ما توصل إليه التقرير، وجهت يونامي ومكتب مفوضية حقوق الإنسان عدة توصيات إلى الحكومتين في العراق وإقليم كردستان للحد من التعذيب في مراكز الاحتجاز ومنعه. 

تضم التوصيات مطالبة بإعداد قانون شامل وخطة عمل وطنية لمناهضة التعذيب ومعاقبة المجرمين، وإنشاء نظام فعال للمساعدة القانونية لضحايا التعذيب، واعتماد الشفافية في ما يخص المعلومات عن مراكز الاحتجاز الرسمية والإشراف عليها بشكل صارم، وضمان الحقوق التي يوفرها القانون الدولي والمحلي للمحتجز من محام إلى زيارات عائلية وغيرهما.

ونصح التقرير بمراجعة قواعد وممارسات الاستجواب وترتيبات الاحتجاز مع اعتماد مبادئ توجيهية لطرق تحقيق غير قسرية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image