شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"جحيم" الفرار نحو الشرق... لاجئون يواجهون الموت والتعذيب في اليمن والسعودية بحثًا عن الرزق

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 19 يونيو 202104:26 م

في مشهد مطابق لأفلام الكوارث و"الديستوبيا"، ظلت جثامين دكناء هزيلة تطفو على سطح البحر الأحمر ستة أيام متواصلة خلال الأسبوع المنتهي. تعود الجثامين للاجئين أفارقة غرق القارب الذي كان ينقلهم قبالة سواحل اليمن الجنوبية والغربية، قبل وصوله إلى وجهته التي تمزقها الحرب منذ العام 2015.

بحسب المعلن رسميًا، لقي 25 مهاجرًا إفريقيًا حتفهم غرقًا قبالة السواحل اليمنيّة في البحر الأحمر، قرب محافظة لحج جنوب البلاد، فيما فقد باقي الأشخاص الذين بلغ عددهم 160، حسب تصريحات للجاليّة الإثيبوبيّة في اليمن، والتي أضافت أنّ القارب القادم من جيبوتي قد انقلب، وأنّ العشرات قد غرقوا في عرض البحر، فيما وصلت ثماني جثث فقط إلى الساحل اليمني.

طوال الأسبوع استمرت جثث الـ160 مفقودًا في الطفو، لتلفت الأنظار إلى كارثة بيئية وشيكة، وأخرى إنسانية مستمرة.

في مشهد مطابق لأفلام الكوارث و"الديستوبيا"، ظلت جثامين دكناء هزيلة تطفو على سطح البحر الأحمر ستة أيام متواصلة خلال الأسبوع المنتهي. تعود الجثامين للاجئين أفارقة غرق القارب الذي كان ينقلهم قبالة سواحل اليمن الجنوبية والغربية، قبل وصوله إلى وجهته التي تمزقها الحرب منذ العام 2015.

ليست المرة الأولى 

محاولات اللاجئين الأفارقة الوصول إلى بر الأمان والحصول على حياة أفضل من تلك التي في بلدانهم الأصليّة، لا تتوقف، إذ تنتشر الأخبار بين فينة وأخرى عن غرق قوارب تحمل لاجئين سوريين وأفغانًا وأفارقة في البحر الأبيض المتوسط، أحدها في أبريل/ نيسان الماضي، عندما غرق وعلى متنه 130 لاجئًا يعبرون المتوسط، وقد أعلن عن مأساة موتهم عقب طفو جثامين بعضهم على سطح المتوسط. يظهر حجم موجات الفرار الإفريقي نحو شواطئ أخرى كذلك في أخبار انتشار مراكز احتجاز اللاجئين الذين يتعرضون فيها لظروف غير إنسانيّة، فضلًا عن الأذى والتعذيب، ولعلّ أشهرها تلك الموجودة في ليبيا، والتي لقيت تنديدًا دوليًا شديدًا في السنوات السابقة.

 لكن الأخبار الواردة عن غرق قوارب محملة باللاجئين والمهاجرين في البحر الأحمر وبحر العرب ليست بكثافة الأخبار الواردة من البحر المتوسط الذي يجتازه الفارون إلى أوروبا. علمًا أنّ الكثير من الأفارقة، وخاصة من دول القرن الأفريقي (جيبوتي، إريتريا، الصومال) ومن أثيوبيا، يتوجهون إلى اليمن، بسبب قرب المسافة بين طرفي اليابسة اللذين لا تفصلهما إلا بضعة أميال من مياه البحر، ومن هناك يحاول المهاجرون واللاجئون التوجه إلى السعوديّة أو إلى دول خليجيّة أخرى بحثًا عن العمل.


(اللاجئون الأفارقة عند وصولهم لسواحل أوروبا - ألكساندرا فازينا - منشورة تحت رخصة المشاع الإبداعي)

 قد يصل تعداد المهاجرين الواصلين إلى اليمن أكثر من عشرة آلاف شهريًا، بناءً على إحصائيّة ترجع إلى عام 2019، وذلك حسب تصريحات المتحدثة باسم منظمة الهجرة الدوليّة في اليمن، أوليفيا هيدون، قبل أن يقل العدد كثيرًا خلال العام 2020 لعدة أسباب، أهمها جائحة كوفيد-19.

 الرحلة المحفوفة بالمخاطر قد تؤدي إلى الموت غرقًا في العديد من الحالات، فعلى سبيل المثال لا الحصر، قالت سلطات الأمن في القطاع الغربي في اليمن في كانون الأول/ ديسمبر 2014، إنّ نحو سبعين مهاجرًا إثيوبيًا لقوا حتفهم عندما غرق قارب ينقلهم إلى اليمن في مياه البحر الأحمر. وفي كانون الثاني/ يناير 2011، أعلنت الداخليّة اليمنيّة أنّ ثلاثين مهاجرًا أفريقيًا، معظمهم من الإثيوبيين، قضوا نتيجة غرق زورقهم قبالة سواحل جنوب اليمن.

الغرق ليس السيناريو الوحيد الذي ينتظر سكان القرن الأفريقي الهاربين شرقًا، فبعضهم ينجح في الوصول إلى دولة العبور (اليمن) ليموت احتراقًا  أو خلال القتال في حرب أهلية لا صلة له بها، وبعضهم الآخر قد ينجح في الوصول إلى وجهته الأساسية في السعودية فيلقى القبض عليه ويودع في مراكز احتجاز يتعرض فيها للتعذيب شهورًا قد تنتهي بموته أو ترحيله إلى بلاده.

إلا أن الغرق ليس السيناريو الوحيد الذي ينتظر سكان القرن الأفريقي الهاربين شرقًا، فبعضهم ينجح في الوصول إلى دولة العبور (اليمن) ليموت احتراقًا في مركز احتجاز أو خلال القتال في حرب أهلية لا صلة له بها، وبعضهم الآخر قد ينجح في الوصول إلى وجهته الأساسية في السعودية فيلقى القبض عليه ويودع في مراكز احتجاز يتعرض فيها للتعذيب شهورًا قد تنتهي بموته تعذيبًا أو ترحيله إلى بلاده، أو قلة قليلة تنجح في الدخول إلى سوق العمل غير الرسمية، لتتعرض لأشكال مختلفة من الاستغلال وتواضع الأجر. هذه الفئة الأخيرة تمثل الأمل الذي يتواصل لأجله هروب الأفارقة نحو السعودية مرورًا باليمن.

في اليمن

حسب منظمة الهجرة الدوليّة فإنّ أكثر من 150 ألف مهاجر وصلوا اليمن في العام 2018، بزيادة بلغت حوالي 50% مقارنة بالعام 2017، فيما عاد حوالي 24 ألف مهاجر بين 2010 و2018 من اليمن إلى أوطانهم الأصليّة، بتسهيلات من المنظمة.

 إلّا أنّ اللاجئين الأفارقة يعاملون بطريقة غير إنسانيّة في اليمن، ووفقًا لمنظمة الهجرة الدوليّة فقد "زاد وصم المهاجرين من تفشي حملات الكراهيّة ضدّهم، واستخدامهم كبش فداء. فوقعت اعتداءات عليهم وزادت عمليات الاحتجاز والحرمان من الوصول إلى الخدمات الصحيّة، [كما زادت] القيود المفروضة على الحركة وعمليات النقل القسري إلى جبهات القتال والمناطق الصحراويّة".

 وأضافت منظمة الهجرة الدوليّة أنّ المهاجرين الأفارقة قد تمّ استغلالهم في أعمال قتاليّة.

(جثث من تأخر إنقاذهم قبالة السواحل اليمنية- المصدر: منظمة العفو الدولية)

الوصول إلى اليمن من دون الغرق في البحر لا يعني الوصول إلى بر الأمان، وإن كان اليمن محطة اضطرارية على الطريق للوصول إلى دول أخرى، فمعظم المهاجرين الذي يسلكون هذا الطريق المجهول يصبحون ضحية الصراع العسكري الدائر منذ سنوات، وقد يموت كثيرون لأسباب مختلفة في اليمن، مثلما حدث في آذار/ مارس الفائت،إذ أصيب نحو 170 شخصًا في حريق مركز احتجاز للمهاجرين في العاصمة صنعاء يضم حوالي 900 مهاجر، معظمهم إثيوبيون. أشارت حينذاك تقارير حقوقيّة إلى مسؤوليّة الحوثيين عن الحريق. 

محاولة الخروج من اليمن محفوفة بالمخاطر كذلك، فالحدود السعوديّة غير قابلة للتسلل منها إلى الداخل بسهولة، إذ تقابل قوات الحدود المهاجرين بإطلاق النار في كثير من الحالات. في هذا السياق قالت منظمة هيومان رايتس ووتش في نيسان/ أبريل 2020 إنّ قوات جماعة أنصار الله، المعروفة باسم الحوثيين، قد "طردت قسرًا آلاف المهاجرين الإثيوبيين من شمال اليمن متذرعة بفيروس كورونا، ما أدى إلى مقتل العشرات لدى إجبارهم على النزوح إلى الحدود السعوديّة. ثمّ أطلق حرس الحدود السعوديون النار على المهاجرين الفارين، ما أسفر عن مقتل العشرات، بينما فرّ مئات الناجين إلى منطقة حدوديّة جبليّة".

 

في السعوديّة

في تقرير الهجرة في العالم لعام 2020 الصادر عن المنظمة الدوليّة للهجرة، تصدرت الولايات المتحدة الأمريكيّة قائمة الدول التي تُشكل "بلدان المقصد الرئيسي للمهاجرين الدوليين"، فيما جاءت المملكة العربيّة السعوديّة في المركز الثالث، بعد ألمانيا. كما ذكر التقرير أنّ السعوديّة تحتل المركز الحادي عشر في قائمة البلدان التي شهدت أكبر تغيير سكاني في آسيا بين عامي 2009 و2019، كما أنّها تشكل إحدى الدول الأكثر استقبالًا للمهاجرين الوافدين.

 لكن، حسب المنظمة نفسها، فقد رُحل حوالي 260 ألف إثيوبي، بمعدل عشرة آلاف شخص في الشهر الواحد، من المملكة العربيّة السعوديّة نحو إثيوبيا، بين شهري أيار/مايو 2017 وآذار/ مارس 2019. كما أشارت تقارير صحافيّة إلى أنّ "المملكة العربيّة السعوديّة لا تستقبل (اللاجئين) الأفارقة ولا تؤويهم مثل اليمن، وإذا ما ضُبط أحد منهم فسوف يكون مهددًا بالترحيل إلى موطنه، حيث بدأ رحلة الفرار الطويلة".

هيومان رايتس ووتش: "السلطات السعوديّة تحتجز المعتقلين في غرف مكتظة للغاية لفترات طويلة، والحرّاس يعذّبونهم ويضربونهم بعصي حديديّة مغلفة بالمطاط".

 أما في حال وصول اللاجئين والمهاجرين إلى داخل الأراضي السعوديّة ونجاحهم في اجتياز الحدود اليمنيّة، وهذا ما يحدث في كثير من الأحيان، فإنّ السلطات المحليّة تقوم بحجز آلاف المهاجرين واللاجئين والعمال الأجانب في مراكز احتجاز وترحيل "من دون غذاء ومسكن ملائمين قبل ترحيلهم" في "ظروف مهينة إلى درجة قد تصل إلى سوء المعاملة" حسب تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش.

 تقول المنظمة الحقوقيّة، نقلًا عن معتقلين في مراكز الاحتجاز هذه، إنّ السلطات السعوديّة تحتجز المعتقلين في غرف مكتظة للغاية لفترات طويلة، وإنّ "الحرّاس يعذّبونهم ويضربونهم بعصي حديديّة مغلفة بالمطاط". وبحسب التقرير، فإنّ هيومن رايتس ووتش قد حدّدت في العام 2019 حوالي عشرة سجون ومراكز احتجاز حيث يُعتقل المهاجرون لفترات مختلفة، وفي شهر آب/ أغسطس العام 2020 حدّدت المنظمة ثلاثة مراكز احتجاز في جيزان ومحافظة جدّة، "حيث كان آلاف المهاجرين الأثيوبيين يُحتجزون في ظروف مزريّة منذ طردهم من شمال اليمن في نيسان/ أبريل".

 في هذا السياق، وثَّقت منظمة العفو الدوليّة ثلاث حالات وفاة لأشخاص بالغين في الحجز، واصفة ظروف الاحتجاز التعسفي للاجئين، الذين ينحدر معظمهم من دول شرق أفريقيا وخاصة إثيوبيا، بـ"الجحيم".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image