أفرجت سلطات منطقة الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا "قوات سوريا الديمقراطية - قسد"، عصر أمس 4 حزيران/ يونيو، عن الصحافي والناشط حسام القس، بعد 48 ساعة على اختطافه على يد مجموعة من الملثمين المسلحين في حوالى الساعة الرابعة بعد ظهر الخميس الفائت.
وأبلغ عن اختطاف القس في مدينة المالكيّة/ ديريك، الواقعة في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا.
وتواصل رصيف22 مع القس عقب الإفراج عنه، وروى واقعة اختطافه التي قام بها نحو ثمانية مسلحين في وسط المدينة، الخميس، إذ أخرجوه من سيارته وتعدوا عليه بالضرب قبل الاستيلاء على السيارة واصطحابه إلى جهة ظلت مجهولة لذويه حتى الإفراج عنه، إلا أن حسام كشف عنها لـرصيف22 بأنها مقر جهاز استخبارات الإدارة الذاتيّة بمدينة الرميلان، التي تبعد عن المالكية (موقع اختطافه) نحو ثلاثين كيلومتراً.
"بين ثمانية وعشرة مسلحين يرتدون ثيابًا موحدة، لحقوا بحسام الذي كان يقود سيارته، وأجبروه على إيقافها، ثم أنزلوه وضربوه واقتادوه إلى جهة مجهولة".
يعتبر القس من أبرز الناشطين والصحافيين السوريين في مناطق شمال شرقي سوريا، وهو عضو في فريق INT الإخباري، الذي هو مجموعة سوريّة موجودة على موقع فيسبوك بشكل رئيسي، وتعرّف نفسها بأنّها مجموعة إخباريّة مستقلة، كما أنّه عضو في المنظمة الآثوريّة الديمقراطيّة وفي المكتب الإعلامي لجبهة السلام والحريّة.
بيان العائلة وعملية الخطف
أصدرت عائلة القس بيانًا مساء اليوم الذي اختُطف فيه، محذرة من أنّه "يعاني مشاكل صحيّة تتطلب تناول أدويّة بشكل يومي، وهو لا يحملها معه الآن" وطالبت بإطلاق سراحه فورًا وضمان سلامته الجسديّة والنفسيّة.
كما حمّل بيان العائلة "سلطات الأمر الواقع العسكريّة والسياسيّة"، وهي المؤسسات المنضويّة تحت اسم الإدارة الذاتيّة، "كامل المسؤوليّة الأمنيّة والأخلاقيّة والسياسيّة عن هذا الاختطاف". ورفضت العائلة اعتبار هذا الاختطاف "حادثًا أمنيًا وجنائيًا". ويضيف البيان أنّ العائلة لديها "كلّ الأسباب للاقتناع بأنّ هذا استهداف سياسي مرتبط بمواقف حسام السياسيّة المُدافعة عن حقوق الإنسان وحريّة التعبير في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطيّة (قسد) وجناحها السياسي، مجلس سوريا الديمقراطي (مسد)".
"حدوث حوادث كهذه على يد مجموعات مارقة لا يستوي مع محاولات الإدارة بالتمايز عن فصائل متطرفة مرتزقة وأطراف مجرمة في باقي الجغرافيّة السوريّة".
وعن عملية الاختطاف، أكدت أخت حسام، الناشطة المقيمة في برلين، رشا القس، أنّ الاختطاف حصل في وضح النهار وفي مركز المدينة. وقالت لرصيف22 إنّ المختطفين كانوا "بين ثمانية وعشرة مسلحين يرتدون ثيابًا موحدة وموجودين في سيارة بيضاء من نوع Hyundai H1 Van، لحقوا بحسام الذي كان يقود سيارته، وأجبروه على إيقافها، ثم أنزلوه وقاموا بضربه أمام المارة. ثمّ اقتادوه لجهة مجهولة، وأخذوا سيارته".
وأضافت القس أنّ زوجة حسام قدّمت بلاغًا لدى قوات الأمن الداخلي (الأسايش)، التي نفت أي معرفة بعملية الاختطاف أو أن يكون لها أي دور في اختطاف الناشط والصحافي حسام القس.
وقال حسام لرصيف22 إنّه تعرّض للضرب في سيارة النقل، كذلك في مركز التحقيق، وأضاف: "حقّقوا معي عن نشاطاتي السياسيّة، واتهموني بأنّني أثير الفِتنة لأنّني نشرتُ منشورات (على مواقع التواصل الاجتماعي) ضدّ التجنيد القسري الذي تمارسه (الإدارة الذاتيّة) واعتبرته جريمة حرب. اعتبروا أنّني أقوم بتحريض الناس ضدّهم لأنّني تضامنت مع أهالي مدينة منبج".
وعن إطلاق سراحه، يقول القس إنّ تدّخل المبعوث الأمريكي لشرق الفرات، وحملة التضامن الواسعة من قبل ناشطين ومنظمات وأحزاب عديدة، أكرادًا وعربًا وشخصيات عشائريّة، قد ساهما في إطلاق سراحه، لافتًا إلى أن خاطفيه قاموا بالاعتذار منه عند إطلاق سراحه. وأضاف أنّ آثار الضرب ما زالت ظاهرة على وجهه ورأسه.
شكوك في الأمن
كان لحملة التضامن الواسعة على شبكات التواصل الاجتماعي، بعد انتشار خبر اختطاف حسام القس، دور في التصعيد وتدخل شخصيات مؤثرة للضغط من أجل الإفراج عنه.
لكن اللافت أن معظم تلك التعليقات في البداية استبعدت أن تكون سلطات الإدارة الذاتية نفسها مسؤولة عن اختطاف القس، وكان لاستخدام ملثمين بلا ملابس رسمية في اختطافه أثر قوي في إثارة الشكوك حول قدرة تلك الإدارة وأجهزتها على حفظ الأمن بالمناطق التي تسيطر عليها.
مثال على ذلك ما كتبه السياسي السوري فايز سارة على صفحته في فيسبوك: "الإدارة الذاتية سلطة الأمر الواقع في شمال شرقي سوريا: أسمع كلامكم 'يعجبني' أشوف أفعالكم أتعجب/ كيف خُطف حسام القس في مناطق سيطرتكم؟ وهذا مجرد مثال".
وكتب الصحافي الكردي شيار خليل أنّ "الإدارة الذاتيّة، سياسيين وعسكريين، تتحمل أيّة نتائج عن عملية الاختطاف هذه".
وكتب الحقوقي بسّام الأحمد على صفحته الشخصيّة "تتحمل الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، والأجهزة والأذرع الأمنيّة المرتبطة بها، المسؤوليّة القانونيّة والأخلاقيّة، في الكشف عن مصير الناشط حسام القس وحمايته، ومحاسبة المتورطين وتعويضه، وضمان عدم التكرار من خلال عمليات إشراك جميع السكان وتعزيز مبدأ الرقابة". وواصل: "حدوث هكذا حوادث على يد مجموعات مارقة لا يستوي مع محاولات الإدارة بالتمايز عن فصائل متطرفة مرتزقة وأطراف مجرمة في باقي الجغرافيّة السوريةّ".
انتهاكات متجددة
رغم الحريّة والأمان النسبيين اللذين يتمتع بهما سكّان مناطق الإدارة الذاتيّة، مقارنة بأوضاع باقي المناطق السوريّة، والمحاولات المستمرة لبناء مجتمع مدني ومؤسسات مستقلة، فإن ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان لم يتوقف من قبل سلطات المنطقة، المتحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكيّة، إذ بلغ هذا التحالف ذروته خلال الحرب ضدّ تنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش).
في سياق متصل، ذكرت منظمة العفو الدوليّة في تقرير عن الانتهاكات في سوريا خلال العام 2020، أنّ الإدارة الذاتيّة "نفَّذت عدّة اعتقالات تعسفيّة"، كما ذكر تقرير آخر للمنظمة نفسها في العام 2015 أنّ "المدنيين القاطنين في مناطق شمال سوريا الواقعة تحت سيطرة الأمر الواقع للإدارة الذاتيّة التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي (يتعرضون) لمجموعة من الانتهاكات الخطيرة تتضمن التهجير القسري وهدم المنازل"، وأضافت أنّ هذه الانتهاكات تعتبر "جرائم حرب" رغم نفي قيادة الإدارة الذاتيّة لهذه الاتهامات.
وفي العام 2015، اتهمت الشبكة السوريّة لحقوق الإنسان في تقرير قوات الإدارة الذاتيّة في محافظة الحسكة بالتسبب في "تشريد قسري لعشرات الآلاف من سكّان المحافظة".
فيما وجّهت منظمة هيومن رايتس ووتش رسالة إلى الإدارة الذاتيّة وقوات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، تذكر فيها قيام وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة بتجنيد الأطفال دون الثامنة عشرة، رغم "الالتزامات الإيجابيّة التي تمّت لإنهاء تجنيد واستخدام الأطفال كجنود". وأضافت الرسالة أنّ أبحاثاً أجرتها المنظمة أظهرت "استمرار وحدات حماية الشعب/المرأة في توظيف وتجنيد فتيان وفتيات للخدمة في القوات المُسلّحة".
وفي نيسان/ أبريل الماضي، قال المرصد الآشوري لحقوق الإنسان في بيان إنّ "الإدارة الذاتيّة الكرديّة (قامت) بالاستيلاء على عدد من الأراضي المملوكة من قبل عائلات سريانيّة/ مسيحيّة في قرية سويديك في ريف منطقة المالكيّة شمال شرقي سوريا".
وخلال الأسابيع القليلة الماضيّة، أطلقت قوات سوريا الديمقراطيّة (قسد) حملة تجنيد إلزاميّة للشبان من مواليد 1990 حتى 2003 تحت اسم "واجب الدفاع الذاتي"، ممّا أشعل الاحتجاجات في مدينة منبج الواقعة في ريف حلب الشمالي الشرقي، حيث تنتشر إلى جانب القوات الكرديّة، قوات روسيّة وقوات تابعة للنظام السوري. واجهت "قسد" الاجتجاجات بالرصاص الحيّ، مما أدى إلى سقوط قتيل وعدّة جرحى، حسب تقارير صحافيّة مختلفة.
كذلك قامت الإدارة الذاتيّة بإصدار قانون جديد للإعلام يقيّد عمل الصحافيين والصحافيات، ويهددهم بسحب الترخيص والمنع من مزاولة المهنة لمدة سنة، والإيقاف المؤقت للبث المباشر المرئي أو الإذاعي، ودفع غرامات ماليّة تصل إلى ألف دولار أميركي. كما ينص على إجبار الصحافيين (والصحافيات) على الكشف عن مصادرهم أمام الجهات القضائيّة التابعة للإدارة. وجاء هذا القانون بعد اعتراضات من جهات صحافيّة عدّة على تقييد السلطات عمل الصحافة، ليصبح التقييد على العمل الصحافي مقوننًا في المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتيّة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...