شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"لستُ أحمدي نجاد الذي تفكّر فيه"... الرئيس الإيراني السابق يسعى إلى صورة "بطل التغيير"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 27 مايو 202112:01 م

في 24 أيار/ مايو 2021، أعلن مجلس صيانة الدستور في إيران موافقته على خوض سبعة مرشحين للانتخابات الرئاسية المرتقبة في 18 حزيران/ يونيو، مستبعداً واحداً من أشهر المرشحين، وهو الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، والذي يخوض، في الوقت الحالي، مساراً مختلفاً يُطلق هو عليه تسمية "الديمقراطي الليبرالي".

في تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، شرح الباحث الإيراني في "المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية" حميد رضا عزيزي مستقبل محمود أحمدي نجاد، الذي يطمح إلى خلق نظام سياسي جديد في إيران، في حقبة ما بعد المرشد الأعلى علي خامنئي.

تشير التجارب السابقة لشخصيات محافظة بارزة، نجحت في التحوّل من التيار اليميني المتشدد إلى الجانب الآخر، أي إلى صفوف المعتدلين والإصلاحيين، إلى أن نجاد، المحافظ الشعبوي، قد ينجح في تحقيق هذا الطموح خصوصاً في ظل ضعف المعارضة وخيبة أمل الإيرانيين في الإصلاحيين.

من محافظ إلى ليبرالي

شغل محمود أحمدي نجاد رئاسة إيران، من عام 2005 إلى عام 2013، واشتهر خلال تلك الفترة بحماسته الأيديولوجية المتشددة، وسياسته الخارجية العدوانية، وخطاباته الغاضبة ضد الولايات المتحدة وإسرائيل.

مع ذلك، منذ تركه منصبه، استفاد من مهاراته في خطاب التحريض الشعبوي ضد نظام الحكم الإيراني. ووصلت حملته إلى ذروتها هذا الشهر عندما تسجّل للترشح للرئاسة مرة أخرى.

كما هو متوقع، استُبعد نجاد في النهاية من الترشح إلى الانتخابات. لكن هذا يُعتبر انتصاراً له. فهو لم يكن يريد الفوز بالرئاسة هذا العام، بل كانت خطته هي عدم الفوز، ويرى أنه من الأفضل له تقديم نفسه على أنه ضحية نظام غير عادل في الأساس.

عندما سجّل اسمه في وزارة الداخلية، هدد نجاد على الفور بمقاطعة الانتخابات إذا استبعده مجلس صيانة الدستور، وهو الهيئة التي يقودها المحافظون والمسؤولة عن فحص ملفات المرشحين لتحديد المؤهلين لخوض الانتخابات، كما أعلن أنه لن يؤيد أي مرشح آخر.

وسارعت شخصيات محافظة للرد عليه، وانتقدته بسبب حديثه عن النظام الانتخابي الذي استغله في وقت سابق مرتين ليصبح رئيساً. لكن الرئيس السابق واصل تصريحاته ولم تكن لديه رغبة في التوقف عن إثارة غضب حلفائه السابقين من المحافظين.

يخوض محمود أحمدي نجاد، في الوقت الحالي، مساراً مختلفاً يُطلق هو عليه تسمية "الديمقراطي الليبرالي"، ويطمح إلى خلق نظام سياسي جديد في إيران، في حقبة ما بعد المرشد الأعلى علي خامنئي

في مقابلة لاحقة، أطلق نجاد على نفسه لقب "ديمقراطي ليبرالي"، وهو مصطلح يستخدمه المتشددون في إيران في كثير من الأحيان لتشويه سمعة خصومهم. وتابع قائلاً: "أنا لست أحمدي نجاد الذي تفكر فيه". بمعنى آخر، أراد القول إنه لم يعد الشخص الذي كان يعرفه الجميع.

بدأ نجاد تحوّله قبل عقد من الزمن، خلال فترة ولايته الثانية كرئيس، إذ شرع في الابتعاد عن المعسكر المحافظ، بما في ذلك المرشد الأعلى علي خامنئي، وذلك بعدما فسّر أن الدعم المطلق الذي حصل عليه من الأخير في أعقاب انتخابات 2009 المشكوك بصحة نتائجها، على أنها ضوء أخضر له ليفعل ما يشاء في منصبه.

وكانت النتيجة حدوث احتكاك خطير بين إدارته وجميع مراكز القوة الأخرى تقريباً في إيران، بما في ذلك القضاء والبرلمان والحرس الثوري الإيراني وحتى خامنئي نفسه. على سبيل المثال، اتهم نجاد الحرس الثوري الإيراني بـ"التهريب" والقضاء بانتهاك الدستور، كما تحدى خامنئي بمحاولة عزل وزير المخابرات حيدر مصلحي المقرب من الأخير.

ما لم يفكر فيه أحمدي نجاد على الأرجح هو أن نفس المعسكر المحافظ الذي قمع الحركة الخضراء لصالحه، سيفعل الشيء نفسه مع أي مثيري شغب آخرين محتملين.

عند نهاية ولايته الثانية في عام 2013، قرر نجاد الحفاظ على موقعه في السلطة من خلال تسليم الرئاسة إلى أحد أعضاء دائرته المقربة، فدعم مستشاره المقرب إسفنديار رحيم مشائي في الانتخابات الرئاسية، حتى أنه رافق مشائي إلى وزارة الداخلية لتسجيل نفسه كمرشح.

أطلق محمود أحمدي نجاد على نفسه لقب "ديمقراطي ليبرالي"، وهو مصطلح يستخدمه المتشددون في إيران لتشويه سمعة خصومهم. وتابع قائلاً: "أنا لست أحمدي نجاد الذي تفكر فيه". بمعنى آخر، أراد القول إنه لم يعد الشخص الذي كان يعرفه الجميع

لكن مشائي، الذي كان يمقته المحافظون بسبب مواقفه المثيرة للجدل حول الإسلام ورجال الدين، فشل في الحصول على موافقة مجلس صيانة الدستور لخوض الانتخابات. وانتهى به الأمر في السجن بعد أربع سنوات بتهمة "العمل ضد الأمن القومي" و"الدعاية ضد النظام".

كما لقي حميد بغائي، وهو مساعد آخر مقرب من أحمدي نجاد، مصيراً مماثلاً بعد فترة وجيزة من منعه من الترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2017.

في ذات الانتخابات، استبعد مجلس صيانة الدستور أحمدي نجاد نفسه بعد أن تجاهل نصيحة خامنئي بعدم الترشح. وصار من الواضح أنه لن يكون له ولا لأي شخص مقرّب منه أي فرصة لتولي المناصب التنفيذية العليا في البلاد مرة أخرى.

وعندما توصل أحمدي نجاد إلى نتيجة مفادها أنه لن يجد طريقاً للعودة إلى السلطة من خلال النظام، قرر فتح طريق جديد. على مدى السنوات الأربع الماضية، تجاوز العديد من الخطوط الحمراء للنظام السياسي الإيراني، إذ دعم احتجاجات 2018 و2019، كما تحدث عن "فساد منهجي" في إيران وانتقد تدخل البلاد في سوريا ضد إرادة الشعب السوري.

وذهب إلى حد الادعاء بأنه لا علاقة له بقمع متظاهري الحركة الخضراء، مشيراً إلى أن هناك "عصابة منظمة" داخل النظام الأمني ​​لجأت إلى العنف ضد المتظاهرين.

في الوقت نفسه، شرع في تبني نهج قوي على وسائل التواصل الاجتماعي لتصوير نفسه على أنه سياسي حديث يستخدم التقنيات الجديدة لإيصال رسائل "السلام والحرية والعدالة" إلى العالم.

ماذا يريد؟

كان رفض أحمدي نجاد من مجلس صيانة الدستور بالضبط ما يريده، إذ يمكن أن يساعده على إبراز صورته كشخصية معارضة تسعى بلا كلل لإحداث التغيير ولا تخشى مواجهة المؤسسة الإيرانية مباشرة.

عندما توصل محمود أحمدي نجاد إلى نتيجة مفادها أنه لن يجد طريقاً للعودة إلى السلطة من خلال النظام، قرر فتح طريق جديد: على مدى السنوات الأربع الماضية، تجاوز العديد من الخطوط الحمراء للنظام السياسي الإيراني، ليرسم لنفسه صورة الزعيم الوطني المناهض للمؤسسة

لا شك في أنه يدرك أنه من غير المرجح أن يصبح رئيساً مرة أخرى، لكن طموحاته تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك المنصب. يبدو أنه ينتظر فراغ السلطة الذي من المرجح أن ينشأ بعد وفاة خامنئي البالغ من العمر 82 عاماً.

يريد نجاد، في ظل عدم وجود معارضة سياسية منظمة داخل البلاد، وضعف المعارضة الموجودة في الخارج، إما بسبب الانشقاقات أو لافتقارها إلى الدعم الشعبي، أن يلعب دور زعيم وطني مناهض للمؤسسة.

وبرأي عبد الرضا دافاري، مستشار أحمدي نجاد السابق والذي يُعَدّ الآن أحد منتقديه، يعتقد الرئيس السابق أن الجمهورية الإسلامية ستنهار بموت خامنئي. ويريد نظاماً إسلامياً دون ولاية الفقية أو المرشد الأعلى، وهو عكس ادعاءاته بأنه ديمقراطي ليبرالي.

ومع ذلك، سيحتاج أحمدي نجاد إلى توسيع قاعدته السياسية. حالياً، يبدو أن الطبقة الوسطى المتعلمة، القاعدة الاجتماعية التقليدية للمعسكر الإصلاحي، فقدت الأمل في العمل من خلال النظام السياسي بعد أن خيّب الرئيس حسن روحاني آمالها وبفعل تزايد قبضة سلطة المتشددون والأجهزة الأمنية.

ويبدو أن هدف أحمدي نجاد هو كسب ولاء الطبقات الدنيا تدريجياً، وبشكل مثالي، جيل الشباب الذي لا يمتلك ذاكرة مباشرة تتعلق برئاسته وما جرى مع الحركة الخضراء، ووعوده البلاغية المستمرة بالعدالة والحرية ومحاربة الفساد.

لكن التاريخ يشير إلى أنه قد ينجح في إعادة تسمية نفسه كبطل للتغيير. تمكن الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني، الذي تكتلت ضده حركة "الإصلاح" في عام 1997، من إعادة تسمية نفسه كمؤيد للإصلاح بحلول عام 2005، حينما توفي في عام 2017 رحل بصورة القائد الإصلاحي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image