شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
عشية الانتخابات.. صراع الإسلاميين والعلمانيين يطغى على المشهد في الجزائر

عشية الانتخابات.. صراع الإسلاميين والعلمانيين يطغى على المشهد في الجزائر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأحد 21 مارس 202105:09 م

يبدو أن الأمُور لا تسير على ما يُرام بين التيارين الإسلامي والعلماني، اللذان يتبادل قادتهما، في الأسابيع الأخيرة، الاتهامات بشكل ملحوظ، ومن المسائل التي تُشكلُ نقاط خلاف بين الضديدين مُحاولة الهيمنة على الحراك الشعبي والسيطرة عليه إضافة إلى قانون الأسرة الجزائري الذي يُعتبرُ بصيغته الحالية مكسباً ناقصًا بنظر الإسلاميين حتى أنهم قادوا عدة مُحاولات لتغييره غير أنها باءت بالفشل ولازالت مُقترحاتهم حبيسة أدراج البرلمان، ومأساة برأي العلمانيين.

يرى "إخوان الجزائر" أن "التيار العلماني المُتشدد" يُحاول الهيمنة على الحراك الشعبي الذي أطاح بالرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة والسيطرة عليه والتلاعب بالغايات التي خرج لأجلها الجزائريين يوم 22 فبراير/ شُباط الماضي، وهي الاتهامات المُتكررة التي وجهها عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم الجزائرية (أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد)، لهذا التيار خلال مُؤتمر صحافي عقده الأيام الماضية.

لا يدري أحد اليوم كيف سينتهي هذا الصراع بين العلمانيين والإسلاميين، الذي يحدث تحت أعين السُلطة لكن المؤكد أن ما يحدث بينهما هو جزء لا يتجزأ من أزمة الجزائر اليوم.

العمالة والدين أوراق الصراع

خاطب مقري الحراك الشعبي بالقول: "هُناك مُؤامرة لمنع الانتخابات يقوم بها العلمانيون المُتطرفون الذين لا يُؤمنُون بالإرادة الشعبية إنهم يُريدون فرض مرحلة انتقالية". ورُغم أن مقري (الذي يُعتبرُ من الرعيل الأول للحركة التي تُعرفُ اختصارا بـ "حمس")، لم يُفصح عمن كان يقصدُهم بالتيار العلماني، غير أنه أكد امتلاكهم لنفوذ المال والإعلام ونفوذ ما وراء البحر ويُريدون قلب المُعادلة وهي نفس المُصطلحات التي وظفها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في حملته الانتخابية لرئاسيات 12 ديسمبر/ كانون الأول 2019، حيث اتهم ما أسماه" قوى من وراء البحار بالسعي لتعطيل خيار الانتخابات وإفشال المسعى الحتمي للخروج من الأزمة".


هُجُوم مقري الحاد الذي جاء في ظل تقارب حركته مع السُلطة بعد انخراطها في مسار المُشاورات التي سبقت إعلان حل المجلس الشعبي الوطني (الغُرفة الأولى للبرلمان الجزائري) تمهيدًا لتنظيم انتخابات نيابية مُبكرة في 12 يُونيو/ حزيران القادم، أخرجت الأمينة العامة لحزب العمال اليساري لويزة حنون التي كانت من ضمن المسجونين في سجن البليدة بقرار من القضاء العسكري عن صمتها واتهمت بدورها "الأحزاب الإسلامية بمُحاولة إفراغ مسار الحراك الشعبي من مُحتواه" واتهمتها بـ "توظيف الدين سياسيًا".

نفس الموجة ركبها عبد الله جاب الله واحدًا من الوُجُوه الإسلامية البارزة في الساحة الجزائرية ومُؤسس حركة النهضة الإسلامية وزعيم جبهة العدالة والتنمية حاليًا، إذ حذر من خطر العلمانيين الذين يُريدون "فرض الفهم الكنسي للدين" أي عدم الاعتماد على الدين في تشريع القوانين حتى في الأخلاق والسلوكات العامة اليومية، وخاطب الشباب بالقول: "أكبر صفات المُنافقين وأخطرها والتي يشترك معهم فيها العلمانيين هو ما تعلق بكراهتيهم للشريعة الإسلامية ورفضهم لها"، وذكر أن التيار العلماني يجتهد في فرض الفهم الكنسي للدين وحصره في جانب الشعائر التعبدية، واعتبار المسؤولية عنه مسؤولية فردية، وترويج ذلك في الإعلام وترسيمه في المنظومات التعليمية".


(الصورة نقلا عن صفحة عبدالله جاب الله)

زيف ووهم

الأحداث والتطورات السياسية المُتسارعة هذه الأيام في الجزائر، تُسهلُ الكشف عن خلفيات صراع الإسلاميين والعلمانيين الذي يطغى اليوم على المشهد السياسي في البلاد حسبما يكشفُه الباحث الجزائر في الشؤون السياسية مبروك كاهي لـ "رصيف 22"، إذ يربطُ الصراع المُعلن بين التيار الإسلامي والعلماني بالانتخابات النيابية المرتقبة في يونيو/ حزيران القادم.

فكلا الجناحين علمانيين أو إسلاميين بحاجة اليوم لـ "مزايا السُلطة" للحفاظ على تواجدهما في المؤسسة التشريعية خُصُوصًا بعد أن وجه رئيس البلاد بوصلته صوب المجتمع المدني ليكُون شريكا أساسيا للسُلطة السياسية في البلاد إضافة إلى تقليص مقاعد المجلس الشعبي الوطني، إذ نزل مجموع عدد مقاعد البرلمان الجزائري إلى 407 مقاعد بدلاً من 462 مقعدًا في البرلمان السابق، بعدما تقرر تعديل المُعامل الانتخابي إلى مقعد لكل 120 ألف نسمة بدلا ً من مقعد واحد لكل 80 ألف نسمة الذي كان معمول فيه التقسيم السابق، ما يعني تقلص حظوظهما في تركيبة المجلس القادم.

انقسامات حول المشاركة في الانتخابات

تكتسب الانتخابات التشريعية القادمة التي تُعتبرُ الأولى من نوعها عهد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أهمية بالغة لأنها تُمثلُ المسار المرحلة الثالثة ضمن المسار الذي أقرته السُلطة لتجاوز الأزمة الراهنة بعد الاستفتاء على الدُستور الجزائري، والتخلُص من تركة ثقيلة موروثة من عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة

وقد تباينت ردود افعال القوى السياسية في الجزائر حولها، ففيما رحبت الأحزاب السياسية المحسوبة على التيار الإسلامي بالانتخابات المُبكرة بمبرر طي صفحة المرحلة السابقة وإفراز مؤسسات تشريعية جديدة تتمتعُ بالشرعية الشعبية وغير مطعون في مصداقيتها على غرار حركة مجتمع السلم الجزائرية التي حصلت على 33 مقعدًا من أصل 462 عدد إجمالي مقاعد البرلمان في آخر انتخابات تم تنظيمها عام 2017 وحركة البناء الوطني (حزب إسلامي جزائري حديث النشأة)

قررت أحزاب مُعارضة محسوبة على التيار العلماني على غرار التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وحزب العمال اليساري مُقاطعة الاستحقاق الانتخابي القادم، ومُبررها في ذلك عدم توفر الشُروط الضرورية لإجراء انتخابات شفافة ونزيهة قادرة على إفراز مُؤسسات تتمتع بالشرعية إضافة إلى عدم الاستجابة للمطالب الأساسية المرفوعة في الشارع الجزائري مُنذُ أكثر من عامين.

كلا الجناحين علمانيين أو إسلاميين بحاجة اليوم لـ "مزايا السُلطة" للحفاظ على تواجدهما في المؤسسة التشريعية

ويُلفت كاهي إلى أن توجه السلطة السياسية في البلاد نحو تسيس مُنظمات المُجتمع المدني بعد حُصولها على دعم من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يمسُ باستقلالية هذين التيارين، ويُصبحُ وُجودها مُهدد أكثر فأكثر إذا قرر رئيس الجزائر عبد المجيد تبون منح الاعتماد النهائي لأحزاب سياسية جديدة مما يعني إغراق الحياة السياسية ويُصبحُ النظام الوحيد الذي بيده طوق النجاة.

ويُختزلُ التراشقُ القائم حاليا بين الغريمين في الساحة السياسية في سياق استقواء تيار على آخر، ويشرحُ الباحث في الشؤون السياسية هذه الفكرة بالقول: "من يدعون أنهم إسلاميون يُحاولون إثبات أنهم حامين لقيم المُجتمع الجزائري ويُقدمون أنفسهم على أنهم البديل الأفضل للسُلطة، ومن يُقدمون أنفسهم لأنهم علمانيين يُحاولون أن يستعرضوا عضلاتهم لكسب ود الشارع".

ويحدثُ هذا في ظل اختفاء النخب الجزائرية بشكل لافت عن المشهد السياسي العام في الجزائر وكأنها غير معنية بالتحولات التاريخية التي تشهدُها.


قانون الأسرة الظلامي

ومن المسائل التي شكلت ولازالت تُشكلُ نقاط خلاف دائم بين التيارين وتمثل أحد أوراق الصراع الحالي قانون الأسرة الجزائري، إذ طالبت زعيمة حزب العمال بـ "إلغاء هذا القانون ووصفته بـ "الظلامي" لأنه يُمثل "أكبر عنف مُسلط على المرأة الجزائرية"، وهي التصريحات التي لم يهضمها زعيم حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري ورد عليها سريعًا بالقول إن: "الإسلام هُو المُحرر الفعلي للمرأة، وأنها قادرة على بُلوغ أعلى مُستويات الرُقي بالاعتماد على المبادئ والقيم الإسلامية وما يتوافق معها من القيم الإنسانية والتطورات البشرية والعصرية".

هذان التياران وفق النائب السابق والناشط السياسي محمد حديبي، قد استنفذا أغراضهما ولم يُصبحا قابلان للاستهلاك السياسي بعد أن تجاوزتها الأحداث وتسارع الوعي السياسي لدى المُواطن، ولم يُواكبا هده التطورات المتسارعة نظرا لأسباب ذاتية نفسية لها علاقة بالوهم الأيديولوجي اللذان يعيشهما فهما يعتقدانُ أنها هي المُنقذ وهي المرجع، وتحولُ دون خروج أفكار أو خطاب أكثر مُرونة مع الواقع للجيل الجديد.

ويقولُ حديبي لـ "رصيف22" إنها "يدفعانُ لثقافة التصادم من خلال حشد العاطفة لدى أنصارهم"، ويُشير إلى أن الفكر الإيديولوجي بكل مُكوناته كان محضنه في وقت سابق دوائر السُلطة التي رسمت له الخطاب والحُدود والسقف في إطار تأدية دوره لإلهاء الرأي العام المحلي وعدم ترك الساحة السياسية لعُنصر المُفاجئة للتحول السياسي الديمقراطي، بدليل أن هذا الخطاب رفض التحول الديمقراطي رُغم أنه يُرافعُ من أجل الديمقراطية وينتقد السُلطة السياسية في البلاد على عدم وُجود الشفافية والديمقراطية واحتكار الرأي والاستحواذ على النُفوذ.

وتمخض عن كل تيار إيديولوجي حسب النائب السابق في المجلس الشعبي الوطني (الغُرفة الأولى للبرلمان الجزائري)، فكر سياسي بقي في الواجهة مُنذُ القرن الماضي دُون تحول داخلي لا في الخطاب ولا حتى في الأشخاص، وأصبحت هذه التيارات تقوم بالدور وتمتص الطاقات المتحولة وبعد ذك تقوم بإعدامها وقتلها بعامل الزمن والإكراه السياسي وبالتالي تضمنُ بقاء لونها وصوتها وخطها المرسوم وتُؤدي مُهمتها التي انطوت بها في هذا المجال.

ويعتقدُ الناشط السياسي محمد حديبي أنه تم الاستثمار في التيار الإسلامي واليساري والعلماني وخلق خطابات إيديولوجية تظهر للعلن على أنها تتصارع فيما بينها، وفي المُقابل لم يتم الاستثمار في التيار الوطني كي يبقي حكرًا على جهة ويبقى هو الرصيد الفعلي لها أما باقي التيارات فتقوم بدور حاجز مانع لقوة تخرجُ من الشعب. وعن الأوزان النسبية للتيارين، يقول حديبي إن التيار الإسلامي هُو الأقوى تجذرا في الشعب لأنه يستمدُ طاقته وقوته منه أما التيار العلماني فينعدم تواجده لأن خطابه مُتصادم مع هُوية المُجتمع.

لا يدري أحد اليوم كيف سينتهي هذا الصراع بين العلمانيين والإسلاميين، الذي يحدث تحت أعين السُلطة لكن المؤكد أن ما يحدث بينهما هو جزء لا يتجزأ من أزمة الجزائر اليوم.




رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard