كأول دولة أوروبية تقدم على هذه الخطوة، تعتزم الدنمارك إعادة نحو 100 لاجئ سوري إلى بلدهم بذريعة أن دمشق أضحت "آمنة" ولا يستحق القادمين منها "الحماية".
في العام الماضي، فتحت ألمانيا الباب لمثل هذه الخطوة حين وافقت على ترحيل اللاجئين السوريين الذين قد يمثلون "تهديداً للأمن القومي الألماني" إلى سوريا. لكن الدنمارك هي أول دولة أوروبية تقول إنها ستفعل ذلك مع اللاجئين العاديين.
جاء القرار عقب إعادة تقييم تصاريح "الحماية المؤقتة" لنحو 900 لاجئ سوري كانوا يقيمون من منطقة ريف دمشق قبيل فرارهم من البلد الذي تمزقه الحرب الأهلية منذ عام 2011.
مزيد من اللاجئين مهددون
وكان مجلس استئناف اللاجئين في الدنمارك قد وجد في كانون الأول/ ديسمبر عام 2019 أن الظروف في دمشق "لم تعد خطيرة للغاية" إلى درجة ينبغي معها توفير "الحماية المؤقتة" لطالبي اللجوء. تبعاً لهذا التقييم، رفضت وزارة الهجرة الدنماركية منح أو تمديد طلبات الحماية المؤقتة لـ94 لاجئاً سورياً حتى الآن.
الأخطر من ذلك أن إضافة منطقة ريف دمشق للمناطق "الآمنة" في سوريا سوف يؤدي إلى رفض منح الإقامة المؤقتة لـ350 لاجئاً سورياً إضافياً في الدنمارك وحدها.
برغم الاعتراف بأن البلد يحكمها "أحد أسوأ الديكتاتوريين في التاريخ"... الدنمارك تعتبر العاصمة السورية دمشق "آمنة" والفارين من النظام لا يستحقون "الحماية" أو اللجوء!
وتتزامن هذه التحركات ضد اللاجئين السوريين مع صدور تقرير لمحققي الأمم المتحدة خلصوا فيه إلى أن عشرات الآلاف من السوريين المعتقلين تعسفياً منذ بدء النزاع الأهلي ما زالوا "مختفين قسرياً"، مع تأكيدات أن الآلاف منهم تعرضوا للعنف الجنسي والموت وكذلك المعاملة اللاإنسانية والتعذيب أثناء الاحتجاز.
ويتخذ الحزب الاشتراكي الديمقراطي اليساري الحاكم في الدولة الاسكندنافية موقفاً مناهضاً للهجرة. وقد وعدت رئيسة الوزراء ميت فريدريكسن بأن حزبها يستهدف الوصول إلى "صفر" من طالبي اللجوء المتقدمين للعيش في الدنمارك.
وفي الشهر الماضي، قال وزير الهجرة الدنماركي ماتياس تسفاي إن بلاده كانت "منفتحة وصادقة منذ البداية" مع اللاجئين، مضيفاً "لقد أوضحنا للاجئين السوريين أن تصريح إقامتهم مؤقت. ويمكن سحبه إذا لم تعد هناك حاجة إلى الحماية".
ولفت الوزير الدنماركي إلى أن بلاده "ستمنح الناس الحماية ما دامت هناك حاجة إليها"، أما "عندما تتحسن الظروف في الموطن الأصلي، يجب على اللاجئ العودة إلى وطنه وإعادة تأسيس حياته هناك".
قرار "مروّع" و"طائش"
تعقيباً على القرار الدنماركي، قالت منظمة أطباء بلا حدود (MSF)، لصحيفة الإندبندنت البريطانية، إنها تفترض "بالنظر إلى حجم ومدة الصراع السوري وتأثير الحرب على البنية التحتية والنظام الصحي" أن "الأشخاص (العائدين) قد يواجهون تحديات مماثلة لـ"تلك التي يواجهها الناس في المناطق التي نعمل فيها في شمال سوريا" حيث يستمر الصراع والمعارك.
ولفتت المنظمة الإغاثية إلى عدم قدرتها على العمل في مناطق سيطرة الحكومة السورية، مثل دمشق وريف دمشق، مبررةً ذلك بخبرات موظفيها وما شهدوه في شمال البلاد.
مئات اللاجئين السوريين في الدنمارك "سيضطرون إلى البقاء في أحد معسكرات الترحيل، حيث لا يمكنك الحصول على التعليم أو العمل" حتى يستسلموا و"يرحلوا طواعية"
أما مكتب منظمة العفو الدولية في المملكة المتحدة، فأضاف للصحيفة ذاتها أنهم يشعرون بأن القرار الدنماركي "مروّع" ويمثل "انتهاكاً طائشاً لواجب الدنمارك في توفير اللجوء".
قال ستيف فالديز سيموندز، مدير شؤون اللاجئين والمهاجرين في المكتب: "إن سعي الحكومة الدنماركية لإعادة الناس إلى أيدي هذا النظام الوحشي هو إهانة مروعة لقانون اللاجئين وحق الناس في أن يكونوا في مأمن من الاضطهاد".
وشدد سيموندز على القلق من أن ما تقوم به الدنمارك سوف "يشجع الدول الأخرى على التخلي عن التزاماتها تجاه اللاجئين السوريين"، مستدركاً: "لن يؤدي هذا فقط إلى تعريض حياة المزيد من النساء والأطفال والرجال للخطر، بل سيزيد الأسباب التي تجعل الناس يسافرون إلى أماكن أبعد بحثاً عن الأمان والأمن لأنفسهم ولعائلاتهم".
تعاون مع ديكتاتور؟
ومن المقرر بشكل مبدئي أن يجري نقل اللاجئين السوريين المنتهية إقامتهم في الدنمارك إلى معسكر للترحيل لا يتوفر فيه خدمات مثل التعليم.
ووصفت ميشالا بنديكسن، من مجموعة حقوق اللاجئين "Refugees Welcome" أو (مرحباً باللاجئين)، وضع السوريين في الدنمارك الآن بأنه "مأسوي للغاية"، شارحةً أنهم "أجبروا على ترك منازلهم أو وظائفهم أو دراساتهم إلى معسكرات الترحيل في البلاد، حيث قد يعيشون سنوات في طي النسيان".
وأضافت: "لن يُجبروا على ركوب طائرة. وهذا يعني أنهم سيضطرون إلى البقاء في أحد معسكرات الترحيل، حيث لا يمكنك الحصول على التعليم أو العمل، وعليك البقاء في المركز كل ليلة. تأمل الحكومة أن يرحلوا طواعية، وأن يستسلموا ويرحلوا من تلقاء أنفسهم".
وفي سياق تسريع إعادة اللاجئين لسوريا، دعا حزب الليبراليين اليميني المعارض في الدنمارك إلى عقد اتفاق مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد. كما صرّح المتحدث باسم حزب الأحرار، مادس فوغليد، قبل أيام، بأنه يمكن عقد صفقة مع الحكومة السورية لمنع تقطع السبل بالسوريين في معسكرات الترحيل.
وأضاف المتحدث الدنماركي لصحيفة يولاندس بوستن واسعة الانتشار هناك: "يمكنني أن أتخيل اتفاقاً يمتد فقط إلى إطار إعادة الأشخاص، مع بعض الضمانات بأنهم يمكنهم العودة دون أن يتعرضوا للاضطهاد".
لكن المتحدث باسم الحزب الاجتماعي الليبرالي لشؤون الهجرة، أندرياس ستينبرغ، غرّد: "من الخطأ جداً التعاون مع أحد أسوأ الديكتاتوريين في التاريخ... فقط لتبدو صارماً (بشأن الهجرة)".
وعاد المتحدث باسم حزب الأحرار ليوضح عبر منشور على فيسبوك أن اقتراحه للصفقة لا يعني أنه يعترف بـ"الديكتاتورية الإجرامية" التي يقودها الأسد في سوريا.
وخارج أوروبا، نفذت تركيا العديد من عمليات الترحيل للاجئين السوريين الذين تستضيف أكثر من ثلاثة ملايين منهم. وزعمت أنقرة أن عودة السوريين "طوعية" لكن العديد من اللاجئين والجمعيات الحقوقية المعنية بهم اتهموا حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإعادتهم قسراً عقب عمليات اعتقال واحتجاز تعسفية وفي بعض الأحيان عبر الإغراءات وحتّى الترهيب والتهديد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 11 ساعةمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Tester WhiteBeard -
منذ يومtester.whitebeard@gmail.com
Ahmed Adel -
منذ 3 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ أسبوعلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعاخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.