عندما وقعت بين يدي نسخة من كتاب "مقالات فارس فارس"، شعرت بإحراج شديد، إذ لم أدرِ لماذا استغرقني كل هذا الوقت حتى اكتشفت بأن لغسان كنفاني وجهاً آخر ساخراً ومقالات كان يكتبها أسبوعياً في عدد من المجلات والجرائد تحت اسم مستعار "فارس فارس".
كان يتيح له هذا القلم المستعار من الحرية والحصانة ما يكفي لكي ينقضّ بكل سخرية لاذعة على ما يقع بين يديه من فرائس الأدب والفن.
وقد أحببت جداً الجانب الساخر من غسان تماماً كما أحببت جانبه الوطني والأدبي، واستمتعت بغسان وهو يلعن "سنسفيل" - كما كان يردد في العديد من مقالاته - معاصريه من الشعراء والكتاب والمفكرين ومن مدعي الأدب أيضاً. وفيما يلي مقتطفات اعجبتني من مقالاته:
في انتقاده لأحد المؤلفات الرديئة، يقول كنفاني:
"جرت العادة في هذه الأيام، وعند الدكاكين المتطورة، أن يقدّموا لك مجاناً صابونه إذا اشتريت علبة برش. وجوز كلسات إذا اشتريت بنطلوناً... وهذا الأسلوب هو تطوير حضاري لما كانت أمهاتنا يسمينه "عالبيعة الله يخليك!"... هذه المقدمة ضرورية كي أفسّر لماذا شعرت بان الكتاب الذي اشتريته مؤخراً كان ناقصاً هدية "عالبيعة". فقد كان من المفروض أن تعطى معه مجّاناً سلّة مهملات، كإشارة إلى مصيره، أو على الأقل كان من المفروض أن تربط إليه عصا خيزران، وذلك كي ينهال القارئ على نفسه ضرباً بعد الانتهاء من قراءته، من باب الندم والنقد الذاتي...".وفي الفن:
"إذا كان الفن هو التحرر من الوعي والعقل فينبغي أن يكون تجار المخدرات هم من الناشرين... وإذا كان الفنَّان هو الأكثر هروباً من مسؤولية الوعي، فإنَّ بطحة عرق أبو سعدى هي أكبر وحي... وإذا كان العمل الفنِّي هو الهذيان الأكثر تحلّلاً، فإنَّ المحششين والشمَّامين والسكرانين الَّذين تراهم في آخر اللَّيل منشورين على أرصفة منطقة الزيتونة، هم أدباء العصر...".ولم يكن غسان كنفاني أشد المعجبين بالإنكليز، فقال عنهم:
"الواقع أن قدرة الإنكليزي على تحويل الشتائم التي ضده إلى شيء لمصلحته تدخل في المثل العربي الذي يقول: "ضربوه بصحن لبن قال ما أطيبو"! وبكلمات أخرى: بأن جلده قد تمسح، إذ ما هو المتوقع من شخص أمضى عمره يستعمر الناس ويشرب الشِّاي في السَّاعة الرابعة؟"تعرفوا على وجه غسان كنفاني الساخر من ذكورية الرجل ومبدأ الوحدة العربية
إن كنتم من محبي غسان كنفاني، فستكونون أيضاً من محبي "فارس فارس"، شخصية غسان الساخرة
وقد سخر أيضاً من ذكوريّة الرجل:
"في الحيوانات الدنيا لا وجود للذّكر. السيِّدات هناك لايعرفن أيَ سيِّد، ويظل الأمر كذلك إذا صعدنا درجة أخرى في سلم الطبيعة. ثمَّ تصبح السيدة سيِّداً في الوقت نفسه، أي أنها تختصر الجنسين في جهاز جنسي واحد... بعد ذلك يبدأ التلقيح الجماعي، دون أنانيَّة أو تملك (أي كالشجر)... ثم نأتي إلى مرتبة العنكبوتة الشريرة الَّتي تلتهم زوجها وهو في صميم اعتقاده أنَّه سيد الموقف (مثلما يحدث في الكباريهات)، وبعد ذلك تبدأ عمليّة اضطهاد الذّكر للأنثى، التي تصل ذروتها في الجنس البشري، وكأنها انتقام منطقي لتلك المنزلة الوضيعة المحتقرة التي يعيشها الذكر طوال مرحلة ارتقائه من تلك المكانة المنحطة في سلم الحياة، إلى أحضان العنكبوتة السَّالفة الذكر!".وعن الانتخابات في الدول العربية:
"والحائط - في مواسم الانتخابات - شخصية ديمقراطيّة أساسية، إذ عليه، وعليه وحده، يعلّق المرشّحون صورهم وبرامجهم، وهم يفعلون ذلك لأنَّ العلم لم يتوصل حتَّى الآن إلى إرشادهم لطريقة يعلّقون فيها صورهم وبرامجهم على الهواء، مكانها الحقيقي!"أما عن مبدأ الوحدة العربية:
"في كتابه يتحدث الشقيري (مؤسس منظمة التحرير الفلسطينية والذي كان من مناصري الوحدة العربية) عن الوحدة العربية وكأنَّها "برنيطة" موجودة في مكان ما، وما على المرأة إلا أن تلبسها. ولكنَّ الزعماء لا يتبرنطون بها، إمَّا لمزاج، أو لغاية، أو لأنها واسعة على رؤوسهم، أو ضيِّقة!" وقبل أن يرحل عن عالمنا هذا بعد أن اغتاله الموساد الإسرائيلي في 8 يوليو 1972 بأيام، كتب غسان كنفاني مقاله الأخير يستشيط غيظاً بسبب انحياز الصحافة والإعلام الغربي لإسرائيل: "إنَّ هذا العالم الأحمق ليس بوسعه أن يكون أكثر حماقة. وبعد ملايين السنين من انحدارنا من العصور الحجرية ما زالت القاعدة الذهبيَّة إيَّاها هي الصحيحة: إن صاحب الحجر الأكبر، وحامل العصا الأتخن، والبلطجي الشرّاني، هو الذي معه حقّ!"رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Emad Abu Esamen -
منذ 7 ساعاتلقد أبدعت يا رؤى فقد قرأت للتو نصاً يمثل حالة ابداع وصفي وتحليل موضوعي عميق , يلامس القلب برفق ممزوج بسلاسة في الطرح , و ربما يراه اخرون كل من زاويته و ربما كان احساسي بالنص مرتبط بكوني عشت تجربة زواج فاشل , برغم وجود حب يصعب وصفه كماً ونوعاً, بإختصار ...... ابدعت يا رؤى حد إذهالي
تامر شاهين -
منذ يومهذا الابحار الحذر في الذاكرة عميق وأكثر من نستالجيا خفيفة؟
هذه المشاهد غزيرة لكن لا تروي ولا تغلق الباب . ممتع وممتنع هذا النص لكن احتاج كقارئ ان اعرف من أنت واين أنت وهل هذه المشاهد مجاز فعلا؟ ام حصلت؟ او مختلطة؟
مستخدم مجهول -
منذ يوممن المعيب نشر هذه الماده التي استطاعت فيها زيزي تزوير عدد كبير من اقتباسات الكتاب والسخرية من الشرف ،
كان عيسى يذهب إلى أي عمل "شريف"،
"أن عيسى الذي حصل على ليسانس الحقوق بمساعدة أخيه"
وبذلك قلبت معلومات وردت واضحة بالكتاب ان الشقيق الاصغر هو الذي تكفل بمساعدة اهله ومساعدة اخيه الذي اسكنه معه في غرفه مستأجره في دمشق وتكفل بمساعد ته .
.يدل ذلك ان زيزي لم تقرأ الكتاب وجاءتها المقاله جاهزه لترسلها لكم
غباءا منها أو جهات دفعتها لذلك
واذا افترضنا انها قرأت الكتاب فعدم فهمها ال لا محدود جعلها تنساق وراء تأويلات اغرقتها في مستنقع الثقافة التي تربت عليها ثقافة التهم والتوقيع على الاعترافات المنزوعه بالقوة والتعذيب
وهذه بالتأكيد مسؤولية الناشر موقع (رصيف 22) الذي عودنا على مهنية مشهودة
Kinan Ali -
منذ يومجميل جدا... كمية التفاصيل مرعبة...
Mazen Marraj -
منذ يومينإبدااااع?شرح دقيق وحلول لكل المشاكل الزوجية?ياريت لو الكل يفكر بنفس الطريقة..
بالتوفيق ان شاء الله في حياتكما الزوجية ?
Nawar Almaghout -
منذ يومينرداً على ما ورد من الصحفية زيزي شوشة في موقعكم
الذي أوقع محمد الماغوط وشقيقه عيسى بين براثن الآنسة زيزي وأشباهها
يبدو أن الصحفية ثقافتها لم تسمح لها بالغوص أعمق، و يدل عن بعدها كل البعد عن فهم ما يجري. وهي بسلوكها هذا، على أقل تقدير، تمثل المستنقع الفكري الضحل الذي تعيش فيه
رابط ردي في موقع العربي القديم
https://alarabialqadeem.com/mohmaghbor