بملامح أفريقية جميلة وابتسامة مشرقة، تجلس فاتو أمام سلعها المعروضة في الشارع العام وسط العاصمة الرباط. يتحول وجهها المشرق إلى وجه كئيب عندما نسألها عن وضعها اليوم "نحن هنا لا نشعر بالأمان. لقد خاب ظني، توقعت أنني في المغرب سأكون كما في السنغال، أليست إفريقيا أمّنا واحدة؟".
تتابع فاتو، وعيناها لا تحيدان عن بضاعتها، ولا عن المارة لعلها "تصطاد" زبوناً يرغب في شراء بضع إكسسوارات وأقمشة إفريقية من جنوب الصحراء "لا أدري لماذا يعاملنا بعض المغاربة بعنصرية وبقسوة". تتقاسم فاتو غرفة مع صديقاتها السنغاليات في إحدى أحياء الرباط الشعبية وتعيش على تجارتها التي بالكاد تسد مداخيلها رمقها "لا لا، أبداً، لم أتِ إلى هنا من أجل الهجرة غير الشرعية لأوروبا. لا أفكر في أوروبا إطلاقاً، خاصة بعد الأزمة الاقتصادية وتشديد قوانين الهجرة! فعلى حد علمي، من كان هناك من المهاجرين يعودون إلى بلدانهم الأصلية". وتضيف بعد ذلك "أنا قدمت لأمارس التجارة في المغرب وأبقى قريبة نوعاً ما من بلدي السنغال".
تتوقف فاتو لحظة لتلقي التحية على عدد من زملائها الأفارقة، أغلبهم من السنغال، وقد تجمعوا للتو، وبدؤوا بفرش سلعهم وسط إحدى شوارع الرباط الرئيسية، يحدوهم الفضول والرغبة ليعرفوا من هي هذه الزائرة، وقد بدا عليهم الحذر والتوجس! ما هي إلا دقائق قليلة حتى استسلم عدد منهم لحديث طويل ملؤه المآسي عن الفقر والهجرة والحلم بغد أفضل. صاح أبدولاي أو عبدالله "نحن لا نشعر بالأمان هنا، رأيت لكيف قتل قبل أسابيع مواطن منا بدم بارد بسبب العنصرية"!
بعد عدد من التقارير الدولية والمحلية الحقوقية عن معاناة هؤلاء، اجتمع العاهل المغربي محمد السادس مع كبار مسؤولي الدولة لتدارس مسألة الهجرة. خرج الاجتماع بقرار سن قوانين جديدة ووضع خطة بهدف "بلورة سياسة شاملة ومتعددة الأبعاد لقضايا الهجرة”.
تفيد تقارير حقوقية أن المهاجرين الأفارقة في المغرب من جنوب الصحراء يعيشون في ظروف سيئة ويعانون من العنصرية ومن سوء معاملة السلطات التي ترحلهم إلى الحدود الشرقية للمملكة، وتتركهم في الخلاء ليكونوا عرضة لإطلاق النار عليهم من حرس الحدود.
في العام 2005 أطلق الحرس الإسباني النار على عدد من المهاجرين الأفارقة الذين حاولوا القفز على السياج الفاصل بين مدينة مليلة والتراب المغربي، ما أسفر عن مقتل 11 شخصاً على الأقل. يقول التقرير الأخير لمنظمة أطباء بلا حدود إن "مداهمات الشرطة المغربية زادت بدرجة كبيرة في الفترة الأخيرة لجماعات المهاجرين الأفارقة في المغرب".
وأضافت المنظمة أنها تلقت "تقارير عن اعتقال نساء وأطفال من المهاجرين وطالبي حق اللجوء السياسي وترحيلهم إلى المنطقة العازلة بين المغرب والجزائر، وأن الهجمات على المهاجرين لم تقتصر على قوات الأمن، بل تعدتها إلى عصابات إجرامية وقطاع طرق ومهربين يستهدفون المهاجرين أيضاً على نطاق واسع، وإن غالبيتهم يعيشون في الكهوف وفي خيام في الغابات وفي الجبال أو داخل مبان مهجورة تفتقر إلى كل المرافق، ويواجهون صعوبات كبيرة في الحصول على الغذاء ومياه الشرب مما يضطر بعضهم إلى التسول".
هكذا، يضطر عدد من المهاجرين الأفارقة إلى التسول في شوارع كبريات المدن المغربية في بلد يعاني بدوره من الفقر والبطالة. تعرض سنغالي للقتل في محطة للحافلات بالرباط بعد أن تشاجر مع مواطنة مغربية، نعتته بألفاظ عنصرية، ليتدخل قابض الحافلة وينهي الشجار بطعنة سكين. على إثرها، دعا العاهل المغربي إلى معاملة الأفارقة بـ"إنسانية"، ووفقاً القانون.
نفى العاهل المغربي مع ذلك أن يكون المهاجرون الأفارقة يتعرضون للعنف وسوء المعاملة من طرف القوات العمومية، وقال "إنْ سُجّلت حوادث فإنها تبقى معزولة".
يقول محمد بنحمو، رئيس المركز المغربي للاستراتيجية "إن الهجرة غير الشرعية مرتبطة بتحولات جيوسياسية في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، ومرتبطة كذلك بالأزمة الاقتصادية والمالية التي يشهدها العالم... إن التحول الأساسي الذي وقع في مسألة الهجرة غير الشرعية في المغرب هو تحول المغرب من بلد للعبور، يقصده المهاجرون الأفارقة بغية التسلل إلى أوروبا إلى بلد للاستقرار، خاصة بعد الأزمة الاقتصادية التي تعيشها هذه الأخيرة".
يرى بنحمو أنه لا يجب النظر إلى الجانب المظلم فقط، فهناك عدد من هؤلاء المهاجرين ممن "استفاد من بعض التقاليد المغربية المرتبطة بالانفتاح وحسن الضيافة". غير أن خديجة عناني نائبة رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان المستقلة التي أعدت تقريراً عن المهاجرين الأفارقة في المغرب تقول "وضع المهاجرين الأفارقة في المغرب مزر، يعانون من العنصرية، كما تتعرض النساء والأطفال للاستغلال والعمل في شبكات الدعارة ". ترى عناني أن العنصرية تنتج عن "تحريض الخطابات الرسمية على ذلك بتصويرهم أنهم مجرمون ويهددون أمن البلاد".
تقول السلطات المغربية إنها تتشدد فقط مع "أعضاء في شبكات الجريمة المنظمة ومهربي البشر، ومن ارتكبوا جرائم حرب". تضيف خديجة معلقة: "الواقع اليومي شيء آخر، هناك عدم احترام لأبسط حقوقهم. أما فيما يخص العنصرية التي تطالهم أحياناً من مواطنين مغاربة، فيجب إشاعة ثقافة حقوق الإنسان في البلاد، لأن فاقد الشئ لا يعطيه".
قضية الهجرة تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات، فإسبانيا وفرنسا اللتان كانتا حلم عدد من المغاربة، أصبح عدد من مواطنيها اليوم يهاجرون إلى المغرب بسبب القرب، وللبحث عن فرص عمل صغيرة في انتظار انتهاء الأزمة الاقتصادية. لا أحد يمكن أن يتنبأ بمخارج للأزمة، فمنذ عشر سنوات تستقطب المغرب آلاف المهاجرين الوافدين من أفريقيا جنوب الصحراء بغية الهجرة إلى أوروبا، غير أنّها تحولت في الأعوام الثلاثة الأخيرة من بلد عبور إلى بلد استقرار.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...