في العام 2017 حزمت حقيبتي وطرت إلى أسوان لأزورها للمرة الأولى في حياتي، تلك المدينة الجميلة التي لم تطأها قدماي من قبل، سافرت إليها بسبب حلم ظل يطاردني في نومي. كنت أراني أقف أمام معبد أبو سمبل ويجتاحني- في الحلم- شعور طاغٍ بالسلام النفسي، ولما ظل هذا الحلم يطاردني لشهور، قررت السفر من القاهرة إلى أسوان بمفردي للمرة الأولى، وعندما وصلت لبيت الضيافة الذي حجزت فيه غرفتي، صودف أنها تحمل الرقم 42 وهو رقمي المفضل الذي اتبعه كدليلٍ على طريقي الصحيح في الحياة، حتى أني دققته وشماً على رقبتي. إذ ذاك أدركت أن تلك الرحلة ستكون رحلة روحانية ملأى بالسحر. وهكذا كانت.
ولكن تلك المرأة التي اتبعت أحلامها في رحلة ساحرة روحانية، لم تصل إلى تلك النقطة بسهولة أو بتلقائية، فرحلة بحثها المحموم عن السحر في الحياة أوقعتها في براثن الوهم حيناً، وفي مخالب الدجل أحياناً، ولتلك المغامرة قصة أود أن أشاركها معكم.
رغبتي في الهروب من الأسباب النفسية الحقيقية وراء مرضي، جعلتني أصدق أني ضحية مؤامرة كتلك.
كنت مراهقة تحب القراءة، تتجاهل تلك الروايات الرومانسية والمثيرة التي تتهافت عليها كل صديقة، انجذب لقراءة "ما وراء الطبيعة" للراحل أحمد خالد توفيق، وكل الكتب الأخرى التي تتحدث عن الخوارق، ربما أبرزها في ذهني الآن هو كتاب "القوى الخفية" لأنيس منصور الذي كان بداية معرفتي به، فأي كتاب كان يحمل عنواناً غامضاً مثل هذا الكتاب، كنت أنقض على قراءته في جلسة واحدة، وقتها لم يكن هناك إنترنت أو حتى حاسب آلي، ولذلك كانت الكتب هي منفذي الوحيد على هذه العوالم.
ولكن بعد ظهور الإنترنت توسعتُ في البحث والقراءة، ودائما، كانت الأشياء التي أبحث عنها غريبة، أتذكر أول جملة بحثت عنها "السحر الأسود وكيف يتحول الإنسان إلى قطة؟". نعم كنت بهذه الغرابة، وأن تكوني باحثة عن الغموض والغرابة والماورائيات فهو سلاح ذو حدين، وللأسف قد مسني الحد المسموم أولاً.
بجانب عزلتي الدائمة عن الواقع، تسبب انغماسي في عالم الخيال والماورئيات بتقبلي كل الاحتمالات والتفسيرات الممكنة لما يقع لي في حياتي. ولذلك عندما أصبت بمرض جسدي شديد في العام 2014 منعني من تناول الطعام، وجعلني أصاب بنوبات فزع متكررة، وحالات بكاء هستيرية على أتفه الأسباب، كان من السهل إقناعي من قِبل هذا الرجل الذي رشحه لي أحد العطارين على أنه رجل مبروك يعالج بالقرآن، بأن هناك قوة ماورائية تستهدفني والتفسير "إنتِ معمولك عمل". ورغبتي في الهروب من الأسباب النفسية الحقيقية وراء مرضي، جعلتني أصدق أني ضحية مؤامرة كتلك.
في البداية لم يطلب هذا الرجل المال مما ساهم في وقوعي بالفخ، وبعد جلستي الأولى معه – وهو ما أدركته مؤخراً- استطاع أن يغسل مخي ويسيطر عليه كلياً، هو رجل له كاريزما مخيفة، قدرته على الإيحاء والإقناع تشعل عينيه بذكاء حاد ولمعة مميزة تهدد ثقتك في كل قناعاتك، يضع يده على رأسي ويهمهم بكلمات غير مفهومة ويكرر كل كلمة أكثر من مرة، يخبرني أني مُسلط علي خمسة من الجن بهدف تدمير حياتي وموتي، وأن من قام بتحضير هذا "العمل" امرأة من دمي، وسرعان ما خمنت أمي أنها عمتي التي لا تحبها وأصبح أمراً واقعاً في منزلنا لا فرار منه، وكان علينا بدء خطوات "فك العمل".
يضع يده على رأسي ويهمهم بكلمات غير مفهومة، يخبرني أني مُسلط علي خمسة من الجن بهدف تدمير حياتي وموتي، وأن من قام بتحضير هذا "العمل" امرأة من دمي، وسرعان ما خمنت أمي أنها عمتي التي لا تحبها وأصبح أمراً واقعاً في منزلنا لا فرار منه
الكثير من الزيوت، والكثير من الطقوس الغريبة، وطلبات مثل "لبن طازج من الزريبة" ليضع عليه الترياق "لفك سحر العمل"، وشربته بالفعل على معدة خاوية لمدة 24 ساعة كما طلب، لأعيش ليلة من أكثر الليالي سواداً في حياتي، كان جسدي ينتفض وأنا أفرغ إمعائي طوال اليوم، أناجي الله أنها لو كانت لحظة موتي فليسرع بها، وأراقب دموع أمي وأشعر بالذنب لما جعلتها تمر به في تلك اللحظة، وتفسيره لتلك الليلة أن تلك الأعراض كانت أعراض خروج السم من جسدي لأن العمل الذي صُنع لي قد شربته واستقر في أمعائي، وصدقته.
بالطبع أصبحت أفضل، لأن مرضي الجسدي كانت أسبابه نفسية، وقوة إيحاء هذا الشخص ورغبتي الشديدة في أن أكون أفضل، بجانب انفتاحي التام على وجود عوالم أخرى لا ندري عنها شيء، ساهمت جميعاً في أن أصدق أن هذا الرجل هو الذي شفاني مما أعانيه.
لذلك، أصبحت تلك السلسلة التي جعلني أرتديها حتى تكون "حصناً" لي من أي أعمال أخرى، لا تفارق رقبتي كما أوصاني... ولا للحظة واحدة، والمرة الأولى التي شعرت فيها بالخطر، هي عندما انقطعت تلك السلسلة، وكأني عارية أمام عاصفة في صحراء مخيفة.
وقتها أدركت خطورة ما أمر به، وراجعت شريط السنة الفائتة كاملاً، خاصة المشاهد التي كنت أتحدث فيها تليفونياً مع هذا الرجل عن كل موقف صعب أمر به، سألت نفسي: "ماذا لو مات هذا الرجل وفقدت السلسلة... هل انتهت حياتك؟ ماذا حدث لعلاقتك المباشرة الدافئة مع الله التي رباكِ أبوك عليها؟"، شعرت بالخوف، وشعرت بالصدمة، ولكن احتجت نحو ستة أشهر آخرى لأتحرر من فخ هذا الدجل، خاصة عندما بدأ هذا الرجل يستغلني مادياً، وبمبالغ تصل لآلاف الجنيهات.
السحر الحقيقي يكمن في قوة إيمانك بما أنت قادر على تحقيقه، وقدرتك على إيحاء عقلك بما تريد أن تنفذه في الحياة، فقوة عقول البشر تفوق خيالنا.
دائماً، كانت مصر القديمة تعدّ من العوالم الغامضة الرائعة بالنسبة لي، ولأني منذ صغري أحب الرقم 42 واعتبره رقم حظي، عندما رأيت تلك الرحلة التي تعلن عنها واحدة من صفحات المصريات على فيسبوك ووجدت تاريخها 2 نيسان/ أبريل، ووجدت أيضاً وجهتها لمكان قرأت عن سحره كثيراً، ذهبت فوراً.
حقيبتي على ظهري، والسلسلة بعنقي تطوق روحاً تتوق إلى التحليق في رحاب السلام النفسي والطمأنينة، وتلك كانت البداية للخلاص من المرحلة الأولى في حياتي، والتي كنت فريسة فيها للدجل، فانتقلت إلى عالم جديد منحني السحر والمغامرة ولكنهما مصحوبان بالسلام النفسي.
خلال هذه الرحلة التي كان من المفترض أن تدوم أربعة أيام استمرت أربعة شهور، تعرفت على الكثير من الناس المهتمين بالروحانيات والقادمين من أنحاء العالم ليتذوقوا سحر مصر القديمة والسلام والهدوء الذي يغلف معابدها، تعلمت التأمل على يد امرأة هولندية تُدعى ريا، وتعلمت الاهتمام بالروح قبل الجسد من رجل صعيدي يدعى الحاج محمد خضر وهو الذي شجعني على خلع السلسلة للمرة الأولى.
وطوال الفترة التي قضيتها في سوهاج، لم أشعر بالخوف أو بالقلق بدون السلسلة، ولكن عندما عُدت للقاهرة انتكست مرة آخرى، وشعرت بضعف وخيبة أمل وانا أتصل بهذا الرجل، ظناً مني أنه سينقذني من كل شيء سيىء يحدث لي في الحياة، حتى ولو كان هجوماً للحشرات على المنزل.
ولبست السلسلة مرة أخرى والصراع يحتدم بداخلي، بين أميرة التي تعيش فريسة لهذا الدجل، وأميرة التي كانت تحررت من كل شيء وارتقت روحانياً – أو هكذا ظننت- في رحلة سوهاج، واحتجت ما يقرب من سنة أخرى، قضيتها في الاستغلال المادي، والشعور بالعجز والضعف، وفقدان الثقة في النفس، حتى أقرر أن أتحرر مرة أخرى وأخيرة من هذا الجنون، وسافرت إلى الأقصر وخلعت السلسلة وألقيت بها في بركة مياه صغيرة بمعبد الكرنك. وقتها قررت أن حياتي لن تعتمد إلا على شيء واحد فقط هو علاقتي المباشرة مع الله.
لن أنكر أن بعد خلعي للسلسلة كنت أفسر أي موقف سيىء يحدث لي على أن هذا الرجل يستهدفني للانتقام، ولكن هذا التفكير كان يزيد من رغبتي في استكمال طريقي للابتعاد عنه، سواء أكان دجالاً أو قادراً على السحر فعلاً. هل أترك حياتي ملكاً له يتحكم فيها كيفما شاء؟ وكلما شعرت بالخوف كنت أخبر نفسي أن الله معي وما دمت قد اخترته فهو سيختارني.
هذا لم يمنعني من البحث عن المزيد من السحر في حياتي، ولذلك تعمقت أكثر في القراءة عن العوالم الموازية، ومشاهدة أفلام وثائقية عن الزمن والسفر عبر الزمن، والكثير من محاضرات "ترانس ميكانا" عن الوعي وشعورنا بالزمن، وهل الزمن وهم أم حقيقة؟
منذ تلك اللحظة تغيّرت حياتي للأفضل، شعرت أن روحي أخف وأني أقوى، أصبحت أكثر هدوءاً، ولكن هذا لم يمنعني من البحث عن المزيد من السحر في حياتي، ولذلك تعمقت أكثر في القراءة عن العوالم الموازية، ومشاهدة أفلام وثائقية عن الزمن والسفر عبر الزمن، والكثير من محاضرات "ترانس ميكانا" عن الوعي وشعورنا بالزمن، وهل الزمن وهم أم حقيقة؟
بدأت السفر لأغراض التأمل والانفراد بالنفس، لم أترك مكاناً يخص مصر القديمة إلا وزرته في هذه الفترة، كل المعابد تقريباً وقفت فيها وأغمضت عينيّ لأشعر بهذا السلام النفسي الذي يسيطر عليها. ارتباطي النفسي بمصر القديمة لم أجد له تفسيراً حتى الآن، ولكن كلما رأيت تلك المعابد والمبان الضخمة التي شيدوها، استشعرت قدرة الله في خلقه للإنسان، وأتعجب من فكرة كم خلقنا عظماء في عقولنا وأرواحنا حتى نشيد حضارة كتلك.
وبعد سنوات في الانغماس بهذا العالم الروحاني، توصلت لقناعة فيما تخص السحر الذي عشت أبحث عنه بحثاً محموماً طوال حياتي، هيدأن السحر الحقيقي يكمن في عقل الإنسان، وقوة الإيمان في الكلمة التي ينطقها ويكتبها، ولكن لأن الإنسان يحتاج للأسباب لذلك عادة ما يكون السحر – من وجهة نظري- مصحوباً بالطقوس المعقدة مثل توفير أجزاء من أجساد الحيوان إذا كان سحراً أسود، أو الأعشاب إذا كان سحراً عادياً كما يدعون، أو أي طقوس أخرى شديدة التعقيد حتى تقنع عقلك أن السحر سيقع على الأرض الواقع، ولكن ما أنا متأكدة منه الآن هو أن السحر الحقيقي يكمن في قوة إيمانك بما أنت قادر على تحقيقه، وقدرتك على إيحاء عقلك بما تريد أن تنفذه في الحياة، فقوة عقول البشر تفوق خيالنا.
وتلك القوة مثل السحر، هي سلاح ذو حدين، وعقلك قد يكون ضدك، وقد يكون معك وفي صالحك ومسخّراً لتحقيق أحلامك، والسحر الحقيقي هو قدرتك على ترويض هذا العقل ليكون الآلية الفعالة والوحيدة لتنفيذ أحلامك.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون