في الوقت الذي تحتل فيه أغاني المهرجانات المصرية حيزاً كبيراً من الساحة الموسيقية، ظهر جيل جديد ابتعدت ذائقة بعضه عن الثقافة العربية، ووجد ضالته في موسيقى البوب الكورية K-POP، بسبب أشهر فرقة موسيقية رجالية، عرفها التاريخ، بحسب تصنيف مجلة The Insider، في مقال لها نُشر في يوليو/تموز الماضي، حيث اعتبرت أنّ الصعود الصاروخي لـ"BTS"، لم يكن له مثيل في تاريخ الفرق الغنائية عالمياً.
هناك الملايين من الشباب والمراهقين عبر العالم، من محبي الفريق ويطلقون على أنفسهم ARMY "آرمي"، يجتمعون إلكترونياً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مكونين بذلك رابطة تجمعهم في حب الفتيان السبعة، ومتجاوزين حواجز اللغة والثقافة والدين والعرق، ومتضامنين في حب الموسيقى وأعضاء فرقتهم، الذين أصبحوا مصدر إلهام لهم.
أغاني عن الرفض الاجتماعي
تحكي أمل يسري (16 عاماً)، طالبة بالصف الأول الثانوي، عن بداية معرفتها بالفرقة، قبل ثلاث سنوات، حيث كانت مولعة منذ طفولتها، بأفلام الأنيميشن الياباني، وأحبت الثقافة الآسيوية، ما جعلها تفضل هذه البلدان ومنتجها الثقافي، بل تراها أفضل مما تقدمه أوروبا وأمريكا، قائلة:"بدأ إعجابي بهم من الصف الأول الإعدادي، بعد أن استمعت لأغانيهم عبر اليوتيوب، بالترجمة العربية، ووجدت أنّ أغانيهم تلمسني داخلياً، فهم يتكلمون عن التنمر والرفض الاجتماعي الذي طالما تعرضت له، بسبب زيادة وزني في الطفولة، وكانت هذه الأغاني مع أفلام الأنيمي الياباني، دافعاً لي، جعلني أنقص من وزني حتى وصلت إلى الوزن المثالي، وهو ما جعلهم أيقونة في حياتي".
"كلهم تقريباً من أبناء طبقات شعبية في كوريا، عانوا الفقر في طفولتهم".
وعن سبب ولع أمل بأغاني الفريق الكوري، تقول لرصيف22: "لا أستمع إلا إلى أغاني فرقة BTS الكورية؛ الأغاني المصرية مملة، خالية من المواضيع التي تهمنا، أمّا أغنياتهم فهي تتحدث عن الطموح وتحقيق الأحلام، وقهر الإنسان في العالم الحديث، وهو ما يخلق في داخلي حماساً لتحقيق أحلامي مهما كانت العقبات، لأن حياة أعضاء الفرقة أكبر مثال على ذلك، فكلهم تقريباً من أبناء طبقات شعبية في كوريا، عانوا الفقر في طفولتهم، ولم يمنعهم هذا من المواصلة لتحقيق أحلامهم برغم كل الصعاب، وهو سبب آخر يجعلني أفخر بانتمائي للآرمي ARMY".
حصل الأعضاء السبعة لفرقة BTS على وسام الاستحقاق الثقافي، في حفل توزيع جوائز الثقافة والفنون الشعبية الكورية لعام 2018 في العاصمة سيول، بعد ثمانية أعوام من انطلاقهم في خريف 2010، وإطلاق ألبومهم الأول عام 2013. تراوح أعمارهم بين الثامنة والعشرين والثانية والعشرين، وهم " V و Jin و Jungkook و RM و Suga و Jimin و J-Hope ".
الصراع الداخلي للإنسان
تعيش ريما راشد (15 عاماً) في ضواحي دمشق، لهذا لم تمنحها الطفولة سوى أصوات القصف وسماع أخبار الوفيات وسيارة الإسعاف، لكن عبر شبكة الانترنت التي لا تأتي بانتظام، وجدت سلواها في أغاني فتيان كوريا، الذين منحوها السلوى والعزاء. تقول لرصيف22: "معظم الأوقات لا نملك سبلاً للعب أو قضاء وقت للتسلية، فأهلي يخشون علي أن أغيب عن المنزل، لذا كان الانترنت ملجأي الوحيد، وأغنيات BTS تملأ موقع يوتيوب، في البداية جذبتني الموسيقى، ثمّ الكلمات التي تمّ ترجمتها للعربية".
"الأغاني المصرية مملة، خالية من المواضيع التي تهمنا، أمّا أغنياتهم فهي تتحدث عن الطموح وتحقيق الأحلام، وقهر الإنسان، وهو ما يخلق في داخلي حماساً لتحقيق أحلامي"
أول أغنية للفريق لفتت انتباه ريما اسمها Danger "الخطر"، تتحدث عن الصراع الداخلي للإنسان، الناتج عن الظروف المحيطة به، كان ذلك قبل خمس سنوات، وشعرت كأنهم يتحدثون إليها، تقول: "علمت أن مأساتي، ومعاناة شعبنا ليستا حالة فردية، فهناك العديد من بؤر الحرب والمخاوف التي يعانيها الإنسان، لكن كانت أغنياتهم تخفف عني وطأة هذا الصراع، وتجعلني أحلّق عالياً، وأنسى صوت القذائف وسيارة الإسعاف".
ترى الاستشار النفسية، الدكتورة سلوى وقاد، أنّ هذا الجيل من المراهقين العرب، الذي بدأ يترعرع في مرحلة شائكة من تاريخ المنطقة، وسقط في هوة من الاغتراب والتشرذم، بحاجة إلى قيمة حياتية تجعله قادراً على المضّي قدماً، هذه القيمة يمكن أن تكون دينية، أو أسرية، أو وطنية، أو فنيّة. وبما أنّ الوضع الراهن فرض عليهم فقدان القيمة الوطنية والأسرية وأحيانًا الدينية، فقد وجدوا ملاذهم في القيمة الفنية التي تمنحها لهم هذه الفرقة، لما تحمل أغنياتها من كلمات حماسية.
"فرقة مقزّزة"
تشرح وقاد لرصيف22: "كل الاضطرابات النفسية التي نستقبلها من صفوف المراهقين، متشابهة لدرجة كبيرة، الكثير منهم يعاني افتقاد النموذج، وعدم وجود من يقدم له يد العون، بعضهم ضحية للعنف الأسري، والجديد أن كثيرين منهم يفكرون في الانتحار، وهذا لم نكن نشهده بهذه المعدلات سابقًا. إذا كانت هذه الفرقة تقدم لهم منتجاً فنياً يحثهم على التقدم والتماسك والمضي قدماً في حياتهم، فهذه ميزة تضيف لرصيد هذه الفرقة في نفوس محبيها".
على عكس ريما وأمل، تقول شاهيناز مدحت (16 عاماً)، طالبة بإحدى المدارس الأجنبية في القاهرة، أنّها لا تفضل الاستماع لأغنيات BTS، وترى في هيئاتهم التي تشبهها بالفتيات، "شذوذًا عن الشكل الطبيعي الذي يجب أن يكون عليه الرجال"، بحسب تعبيرها. ولا ترى في كلمات أغنياتهم ميزة تجعلها تتغاضى عن شكلهم الذي وصفته بـ"المقزز".
وعن ذوقها في الموسيقى، تقول شاهيناز لرصيف22: "أفضل الاستماع إلى ويجز، من مصر، وجاستن بيبر، الذي يساعدني على تطوير لغتي الإنجليزية، لأن دراستي الفرنسية لا تساعد كثيراً، كما استمع كثيراً إلى أغاني البوب الأمريكية، التي أراها تشبهني أكثر. حتى زميلاتي في الدراسة يشاركنني نفس الاهتمامات، وجميعنا نشعر بالاشمئزاز مما تقدمه BTS".
"علمت أن مأساتي، ومعاناة شعبنا في سوريا ليستا حالة فردية، فهناك العديد من بؤر الحرب والمخاوف التي يعانيها الإنسان، كانت أغنياتهم تخفف عني وطأة هذا الصراع، وتجعلني أحلّق عالياً"
قدمت Harvard Business School دراسة حالة عن نجاح الفرقة الساحق، واستعانت بها مجلة انسايدر، في رصدها لقصة الصعود الصاروخي لـ BTS، والذي بدأ عن طريق شركة Big Hit Entertainment، التي بدأت فيها الفرقة كمتدربين ضمن العديد من المراهقين من سن 13 إلى سن 15 عاماً. ووفقاً للدراسة فإنّ هذه الفرقة كان من المفترض أن تخرج في البداية كفرقة هيب هوب ميوزيك، لأن عملية صناعة الـ K – PoP تتطلب تدريباً صارماً على الأقل ثلاث سنوات. وبحسب الدراسة تكمن صعوبة عملية الصناعة في الحرص على تهذيب النزعة الفردية لصالح المجموعة أو الفرقة، وفي الوقت نفسه تحاول الحفاظ على الحرية الفردية لكل فنان.
لحظات البهجة والحرية
تعتبر نجمة وفيق (19 عاماً)، نفسها من قدامى "الآرمي" في مدينة طنجة المغربية، حيث بدأت الوقوع في حب الفريق منذ انطلاق أول ألبوماته في صيف 2013، وكان منزل والديها الوحيد بين أقرانها، في المنطقة الذي تصله خدمة انترنت جيدة، ما جعل الصديقات يجتمعن في بيتها خلال العطلات، لاستذكار الدروس، والدخول على شبكة الانترنت، وهي من عرفتهن على الفريق.
تقول نجمة لرصيف22: "منطقتنا فقيرة للغاية، برغم أنّها قريبة من البحر، لكن لا تسلية لدينا سوى الانترنت، والتجمعات في باحة المنازل التي نتبادل فيها الحكايات أو نستمع للموسيقى ونرقص معاً، كانت أغنيات BTS مع رقصاتهم المصممة خصيصاً لكل أغنية، جلّ ما ننتظره مع كل فيديو جديد يظهر على يوتيوب".
وتضيف: "في البداية أعجبتنا الموسيقى، لأنّنا نجيد العربية والفرنسية. كانت أغنياتهم الصادرة بالإنجليزية أكثر ما جذبنا لتعلم اللغة، وكنا نجتمع معا لتعلم الرقصات التي يؤدونها على وقع الأغاني، كانت هذه أشد لحظاتنا بهجة وحرية".
عام 2015، احتلت BTS المركز الأول في عرض موسيقي أسبوعي على إحدى شبكات البث التلفزيوني الرئيسية الثلاث في كوريا مع أول أغنية "سينجل" لها من ألبومها المصغر الثالث "The Most Beautiful"، كما تصدرت الرقم القياسي العالمي في موسوعة غينيس، في البث المباشر للحفلات الموسيقية الأكثر مشاهدة في حفلة افتراضية شاهدها أكثر من 700 ألف معجب على مستوى العالم، وفقًا لمجلة "التايم" الأمريكية.
وفقًا لحوار أجراه موقع Korea.net مع من اعتبرها "قائدة الآرمي المصري"، ذكرت أن حضورهم الرسمي عبر مجموعات "فيسبوك، تويتر، انستغرام"، تحمل اسم "bts egypt army"، أما قناة الفرقة الرسمية على يوتيوب فتحمل اسم " BANGTAN"، ويقترب عدد متابعيها من 42 مليوناً، أما متوسط عدد المشاهدات عليها فيبلغ خمسة ملايين مشاهدة للفيديو الواحد.
هناك أيضاً قناة" Big Hit Labels"، القناة الرسمية لشركة" Big Hit Entertainment"، والتي تبلغ مشاهدات أغنيات BTS من خلالها أكثر من 600 مليون للفيديو الواحد.
ويضم موقع فيسبوك مجموعة تحمل اسم "BTS Egyp Armygirls"، يتداول أعضاؤها فيها صور نجومهم المفضلين من الفرقة، ويتحدثون عن تأثيرات الأغاني عليهم. يبلغ عددهم 42 ألف فتاة من جميع أنحاء الوطن العربي.
وجاء في مقال نشره موقع BTS Today، المهتم بالثقافة الكورية، والناطق بالعربية، أن ما صنع هذه القاعدة العريضة من المعجبين هو تبني الفرقة قضايا شائكة تمس المراهقين، وتسخير أغنياتهم لها، مثل احترام الاختلاف والتعدد، الثقة بالنفس، ودعم القضايا الإنسانية بشكل عام. وتتسع قاعدة المعجبين التي لم تعد مقتصرة على المراهقين لتشمل معجبين جدداً فوق سن الثلاثين، وهو ما يبرهن على قوّة الرسالة الفنيّة لـ BTS وتجاوزها الأنماط السائدة وحواجز الثقافة واللغة والفئات العمرية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...